الإساءة إلى مقام الرسول توجه نصراني متطرف مدعوم من اليمين الأمريكي (2 – 2 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

ومن هنا أدعو جماهير المسلمين إلى التفريق بين الموقفين الدنمركي والنرويجي وعدم المساهمة دون قصد في تقوية اليمين المتطرف في النرويج الذي يعمل على تحريض الشعب ضد الحكومة التي يعتبرها متساهلة مع المسلمين، وخاصة حزب اليسار الاشتراكي، أقوى صديق للمسلمين في النرويج، كما أنه يبدو أن هناك تكتيكا من بعض المعادين للإسلام والمسلمين.

 

* خلفية المجلة المسيئة وموقف الحكومة النرويجية:

تعد مجلة "ماغازينا" النرويجية مجلة هامشية، ولا وزن لها يذكر على الساحة الإعلامية في النرويج، وهي مجلة كما هو معروف عنها وكما يذكر "أود بيورن لاير فيك" الأستاذ المحاضر في كلية اللاهوت التابعة لجامعة أوسلو: مقربة من اليمين النصراني الجديد في الولايات المتحدة الأمريكية، ولها تعاطف مع "حزب التقدم" {2}. و"حزب التقدم" هو أكبر أحزاب اليمين المتطرف المعادي للمهاجرين في النرويج وخاصة المسلمين، وقد سبق لزعيمه كارل إي. هاغن، أن استهزأ بالنبي الكريم في كلمة ألقاها في غرب النرويج أمام مجموعة تنتمي إلى طائفة نصرانية صهيونية تعرف بـ"الكلمة الحية" {3}.

وكان رد فعل "المجلس الإسلامي في النرويج" سلبيا، ولم يعلق بكلمة على تصريحاته تلك، بل إن أحد الأئمة عانقه بعد مدة وجيزة خلال مسيرة فاشلة دعا إليها المذيع الباكستاني القادياني في القناة التلفزية الرسمية النرويجية، نعمان مبشر، للتنديد بالإرهاب، بعد مصرع المخرج الهولندي فإن غوغ، وشارك فيها اليمين النرويجي المتطرف وبعض أئمة المساجد، فيما قاطعها أغلب المسلمين، مما جعل إحدى الباحثات النرويجيات المنصفات تصرح لإحدى الصحف المحلية بأن المسلمين قد ملوا من الاعتذار عن كل ما يقع في العالم، ولماذا عليهم الاعتذار دائما!! فكانت بذلك أكثر إنصافا للمسلمين من الكثيرين الذين يتكلمون باسمهم في هذه البلاد.

هذا، ومن الواضح أن هدف المجلة النرويجية النصرانية المتصهينة، كان استفزاز مشاعر المسلمين في النرويج وجرهم إلى مواجهة مع الرأي العام النرويجي المعادي للأديان بصفة عامة وللإسلام بصفة خاصة، والمقدس لحرية التعبير كما يراها.. وحتى "أود بيورن لايرفيك" نفسه يرى بأن هدف الاستفزاز هو الهدف الرئيس من وراء إعادة المجلة لنشر الرسوم وليس مجرد الدفاع عن حرية التعبير كما تزعم {4}.

 

* موقف الحكومة النرويجية من الرسوم المسيئة إلى الرسول الأكرم:

من المعلوم أن الحكومة الدنمركية تتشكل من ائتلاف بين اليمين واليمين المعادي بشدة للمهاجرين وخاصة المسلمين، وهذه الحكومة تمارس مذ سنوات سياسة تحقير وإذلال ممنهجين للمسلمين ويضيق المجال عن التفصيل في ذلك خشية الإطالة أكثر.. أما الحكومة النرويجية فهي على خلافها حكومة جديدة تشكلت في الخريف الماضي وهي ائتلاف بين اليسار والوسط {حزب العمال، الذي يقوده رئيس الحكومة وحزب اليسار الاشتراكي بقيادة وزيرة المالية، حزب الوسط الذي هو حزب صغير}، ويعرف حزب يسار الوسط بتعاطفه الشديد مع المهاجرين والشعوب المضطهدة وبعدائه لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية التي سبق لرئيسة الحزب أن وصفتها بأنها "الخطر الأكبر على السلم العالمي"، كما أن الحزب شديد العداء للكيان الصهيوني، وقد سبق أن أثار ضجة بمطالبته بمقاطعة البضائع الإسرائيلية في النرويج، مما أثار أزمة دبلوماسية وألب عليه شركاءه في الائتلاف الحاكم اللذان عارضا المقاطعة..

وما يهمنا هنا، أن الحكومة النرويجية ممثلة في شخص وزير خارجيتها "غاهر ستورا" قد سارعت مباشرة بعد الضجة التي إثارتها الرسوم المهينة لمقام النبي، إلى الاتصال بالسلك الدبلوماسي للدول الإسلامية في أوسلو للتعبير عن عدم رضاها عما نشرته المجلة، فهنالك فرق كبير بينها وبين الحكومة الدنمركية التي رفض رئيس حكومته إلى وقت قريب حتى مجرد مقابلة أعضاء السلك الدبلوماسي للدول الإسلامية في كوبنهاغن بدعوى الانشغال، في حين وجد الوقت لمقابلة النائبة في البرلمان الهولندي، ايان هرشي علي وهي المرتدة الصومالية الأصل، التي قدمت إلى الدنمرك في إطار إعدادها فيلم يسيء إلى سيرة سيد ولد آدم ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ، وقد صرحت هذه الجمعة في زيارة للنرويج لإلقاء محاضرة عن حرية التعبير المهددة من المسلمين لصحيفة "داغس أفيسن"، بالقول: "إذا ما كانت رسوم الصحيفة للنبي لم ترق للمسلمين، فما عليهم إلا أن لا ينظروا إليها"! {4}.

ورغم ذلك، فإن موقف الحكومة النرويجية لم يرق إلى مستوى الاعتذار للمسلمين، فها هو رئيس الحكومة العمالي "يانس ستولنبرغ " يكتب مقالا كاملا، كاد يغطي صفحة كاملة من صحفات جريدة "داغس أفيسن"، وحمل عنوان "حرية التعبير والتسامح"، رفض فيه رفضا باتا الاعتذار، عما نشرته الصحيفة قائلا بالحرف الواحد: "إن الحكومة تدعم حق الصحف النرويجية في نشر ما تراه حتى ولو لم تكن متفقة بالضرورة مع كل ما ينشر.. "، مضيفا أنه ".. ليس كل ما ينشر يعبر عن موقف النرويج، ولكن البعض يفهمون أن كل ما ينشره الإعلام النرويجي يعبر عن موقف النرويج، في حين أن الأمر ليس هكذا" {5}.

والحقيقة هي أن "ستولنبرغ " يغالط القراء هنا، ويتناسى الضجة التي أحدثها حزبه وبقية الأحزاب في النرويج منذ مدة قصيرة على "كريستينا هالفورسن" وزيرة المالية ورئيسة "حزب اليسار الاشتراكي" شريكه في الائتلاف الحاكم، عندما طالبت بمقاطعة إسرائيل، إذ قيل لها إن تصريحك هذا لوسائل الإعلام يعطي انطباعا لدى الرأي العالم الدولي، الذي لا يفرق بيت مواقف الأحزاب الخاصة ومواقف الحكومة، بأنه الموقف الرسمي للحكومة النرويجية، في حين أنه موقف حزبك فقط، ولذلك فقد أجبرت "هالفورسن" على الاعتذار، بل أجبر مجلس مقاطعة "سور تروندلاغ" على التراجع عن قراره بمقاطعة البضائع الإسرائيلية في المقاطعة، وهكذا تظل حرية التعبير في بلاد الغرب مقدسة ما لم تمس مصالح إسرائيل.

وتجدر الإشارة إلى أن حزب العمال في النرويج، أكبر أحزاب النرويج والائتلاف الحاكم، هو حزب يعبر عما يمكن تسميته باليسار الأمريكي، مثله في ذلك مثل حزب العمال في بريطانيا، ومن أهم الخلافات بينه وبين حزب اليسار الاشتراكي المنشق عنه تاريخيا هو تمسكه بتحالف النرويج مع الولايات المتحدة الأمريكية ودعمه لإسرائيل، إلا أنه يظل أهون الشرور بالمقارنة مع أحزاب ائتلاف اليمين في الدنمرك ومع أحزاب اليمين و"حزب الشعب النصراني" في النرويج...

وبعيدا عن ذلك أكرر مجددا بأن موقف الحكومة النرويجية كان مختلفا عن موقف نظيرتها الدنمركية المتميز بالصلف والتجاهل، كما أن المجلة النرويجية التي نشرة الرسوم ليست مقروءة على نطاق واسع ولا وزن لها يذكر على ساحة الإعلام النرويجي، بخلاف الصحيفة الدنمركية اليومية التي بادرت بنشر الرسوم والتي يقرأها يوميا حوالي المليون قارئ في بلد لا يتجاوز عدد سكانه الخمسة ملايين نسمة. بل إن إدانة الرسوم المسيئة في النرويج شملت حتى رئيس الحكومة السابق، من الحزب النصراني الشعبي "شال منغا بونديفيك"، الذي وصف الرسوم بأنها مهينة للمسلمين ولما يعتبرونه مقدسا عندهم" كما قال {6}، أما الزعيم الحالي للحزب فقد صرح بقوله: "أنا شديد الانتقاد لما حصل {أي نشر الرسوم} ومن الصعب فهم الهدف من ذلك، إنه استفزاز واضح" {7}.

ومن هنا أدعو جماهير المسلمين إلى التفريق بين الموقفين الدنمركي والنرويجي وعدم المساهمة دون قصد في تقوية اليمين المتطرف في النرويج الذي يعمل على تحريض الشعب ضد الحكومة التي يعتبرها متساهلة مع المسلمين، وخاصة حزب اليسار الاشتراكي، أقوى صديق للمسلمين في النرويج، كما أنه يبدو أن هناك تكتيكا من بعض المعادين للإسلام والمسلمين بتكثير الجبهات على المسلمين بحيث لا تقتصر المقاطعة على الدنمرك، أو مثلما يقول الشيخ ناصر العمر - حفظه الله - : أن ذلك عندهم من باب " حتى يتفرق دمه بين القبائل" ولذا فإننا ننصح بالتركيز على مقاطعة الدنمرك باعتبارها البلد المبادر إلى الإساءة إلى مقام النبي الأكرم، خير البرية ـ  صلى الله عليه وسلم -  وباعتبار الحكومة الدنمركية وحتى ملكة الدنمرك هم أكثر من أساءوا إلى الإسلام والمسلمين في أوروبا، بل فيهم مذيع تجرأ في إذاعة محلية على المطالبة بإبادة المسلمين وإخراجهم من أوروبا، ومنهم سياسي اقترح في تصريحه لوسائل الإعلام بيع بنات المسلمين في الدنمرك في أسواق الارغواي واقترح السعر بالدولار!

وفي نفس الوقت ندعو المسلمين في النرويج وأوروبا الغربية لحسن توظيف الحدث، والضغط للمطالبة بتفعيل قوانين منع التجديف وازدراء الأديان، أو استحداث قانون في هذا الصدد في الدول التي لا يوجد فيها مثل هذا القانون، كفرنسا مثلا، وقد حان الوقت للضغط من أجل وقف الحملات الإعلامية الدورية الممنهجة ضد المسلمين في بلاد الغرب، بسبب أو بدونه، إذ لا نكاد نخلص من حملة وقضية حتى ندخل في حملة جديدة بقضية جديدة تثار.

وآمل أن يستغل الناطقون باسم المسلمين في النرويج، المناسبة لتجديد مطلب المسلمين الملح بإعفاء أولادهم من دراسة النصرانية في المدارس، إذ النرويج هي الدولة الوحيدة في أوروبا الغربية التي تجبر غير النصارى على دراسة النصرانية، بدعوى أن النصرانية هي جزء هام من التراث النرويجي، ولا بد للمقيم في النرويج أن يلم بالثقافة النرويجية والتراث النرويجي، ورغم أن "مفوضية الأمم المتحدة العليا لحقوق الإنسان" في جينيف، قد استنكرت موقف السلطات النرويجية هذا في السنة المنصرمة، وأعطتها مهلة 9 يوما لمراجعة ذلك، باعتباره خرقا لحقوق غير النصارى الدينية، إلا أن السلطات النرويجية لم تفعل شيئا يذكر منذ ذلك الحين، بل انخرط السياسيون والمثقفون في نقاشات حول الموضوع وتمت لفلفته، ورغم إصرار حزب اليسار الاشتراكي على إلغاء المادة من التعليم، إلا أن شريكاه في الائتلاف الحاكم وهما حزب العمال وحزب الوسط،، لا يوافقانه على ذلك، خوفا من فشل سياسة التذويب الممنهج للمسلمين التي يسمونه "سياسة الاندماج".

مع العلم أن الشعب النرويجي يغلب عليه الإلحاد وعدم المبالاة بالأديان، ولا يتجاوز الدين عندهم الاحتفال بعيد الميلاد وعيد الفصح وطقوس التعميد... وهي طقوس مناسباتية احتفالية يمارسها الكثير منهم دون إيمان، ولكنهم يرون في الكنيسة وطقوسها تراثا ثقافيا ينبغي المحافظة عليه، ويتخوفون من الأديان المخالفة التي يرونها تعطل عملية تذويب الأجيال الجديدة.

وكلمة أخيرة إلى أصحاب الخير في بلاد الإسلام، وخاصة إخواننا في السعودية والخليج الذين أنعم الله عليهم من فضله، الله الله في أبناء المسلمين في البلاد الاسكندينافية، الذين يفقد الكثير منهم دينهم وبعضهم لا يكاد يعرف من الدين غير رسمه، وسبب ذلك أن السلطات النرويجية تفرض عليهم تعلم الديانة النصرانية في المدارس.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply