تابعت عن كثب إجراءات التحضير للمؤتمر العالمي لنصرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، منذ ولادة فكرته، وصولا للجلسة الختامية التي أعلنت فيها القرارات والتوصيات، وروح التحدي التي سيطرت على جميع من شاركوا في الإعداد والتحضير والتنفيذ، للقيام بعمل يتواكب مع الحدث، والروح الجديدة التي سرت في أوصال الأمة، وأكدت أنها حية لا تموت، عمل يجسد ملامح الوحدة والنفاق، في زمن أدمنا فيه الخلاف والاختلاف، يجمع الشمل على محبة المصطفى دفاعا عنه، لا يكرس التشرذم والفرقة، واقعي في توصياته لا خيالي في مخرجاته، يضع إطار للعمل الراشد والتحرك الواعي لا مجرد تجمع للظهور فقط.
لقد كان الأمر صعباً، في زمن صعب أن تجد شيئاً إيجابياً، لواقع كرس فيه أن يكون كل ما يطفو على الساحة الإسلامية سلبياً، صعوبة في التحضير، والحشد والتنسيق، وأكثر صعوبة في التمويل والاستضافة، انتهاء بالاتفاق على شيء ما يجسد تلاحم هذه الأمة التي خرجت لنصرة نبيها، واتفقت ولأول مرة على ذلك.
وبما أن الأمر فيه تحدٍ,، فقد غلبت روح الفريق، وكيفية التنسيق بين الجهات الداعية الخمس منها ثلاث في الرياض (الندوة العالمية للشباب الإسلامي، الإسلام اليوم، واللجنة العالمية لنصرة النبي)، وواحدة في البحرين (جمعية الأصالة) والخامسة بين القاهرة وقطر وهو «اتحاد علماء المسلمين». وكان السباق مع الزمن، أن يعقد المؤتمر سريعاً، ليستثمر الاستجابة الشعبية العارمة من الأمة لنصرة نبيها، ولترشيد ردود الأفعال، التي حاول بعضها أن يسيء إلى هذا التلاحم، واستغلال الإعلام العالمي الذي مارس هواية اللعب على تكريس الإساءة لأي شيء إسلامي- لما حدث في دمشق وبيروت وطرابلس الليبية، لممارسة فن ومنهجية التشويه، ضد الأمة بأسرها، ويجرها إلى معارك هامشية، بل ووجدنا هناك من يحاول أن يخطو خطوات فردية في اتجاه الدولة المسيئة، أملاً في حوار لا جدوى منه ولا أمل فيه - أول من رفضه رئيس الحكومة اليميني المتطرف، بعجرفة وصلف وتكبر.
ولأن في النصرة لسيد الخلق بركة، فقد كان كل شيء أكثر تيسيراً، وصار الصعب سهلاً مع مضاعفة الجهود، وعلو الهمم، وإرادة أناس نذروا أنفسهم - ابتغاء مرضاة الله وحباً في نبيه. فجاءت الموافقة من مملكة البحرين على الاستضافة بل وكان معها جميع التسهيلات، لانعقاد هذا المؤتمر، وما إن علم أهل الخير، وما أكثرهم في هذه الأمة بانعقاد المؤتمر، حتى جادوا بكل نفقاته على حسابهم وانهالت التبرعات على اللجنة المختصة بالتحضير للمؤتمر، بل ذكر لي أحد المسئولين عن لجنة استقبال الوفود في البحرين، أن أكبر الداعمين للمؤتمر عندما حضر للمشاركة في المنامة، أمر أن يدفع هو نفقات حضوره هو ومن معه، وأن أحد كبار الدعاة عندما جاء آثر أن ينزل في أحد الفنادق غير المشهورة، ويصر على أن يكون على حسابه هو ومن معه، لأنهم جاءوا لنصرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وداعية آخر مشهور كان مرتبطاً بالعديد من الالتزامات وآثر الحضور ساعتين مساء يوم الخميس - آخر أيام انعقاد المؤتمر - قائلاً: «جئت لأنال شرف الحضور لنصرة سيد الخلق».
أما بالنسبة للمدعوين فقد كان الأمر أكثر مما تخيلته اللجنة المسئولة عن تنظيم وتوجيه الدعوات، وأكد لي المنسق العام للمؤتمر أنه تم توجيه الدعوة لثلاثمائة شخصية يمثلون المسلمون من مختلف دول العالم يمثلون الجانبين الرسمي والشعبي-، وكان الأمل أن يحضر نصف العدد أو أقل أي ما بين مئة ومئة وخمسين شخصاً على الأكثر، ولذلك كان الترتيب بحجز مأتي مكان في الفندق الذي سيعقد فيه المؤتمر، وآخر قريب منه جداً لتسهيل المشاركة، وخاصة أنه كان يعقد في المنامة في نفس الوقت أكثر من مؤتمر، لكن استجابة الأغلبية الساحقة للمدعوين وضعت اللجنة المنظمة في حرج شديد، فلا بد من حجز أماكن لجميع من استجابوا للدعوة، وبدأت الاتصالات مع المنامة لحجز أكثر من ثلاثمائة وخمسين مكاناً لأن العدد الذي يرغب في الحضور فاق التوقعات، ولم يكن هناك مفر من اللجوء إلى الحجز في خمسة فنادق لاستيعاب الجميع.
وبدأت الوفود المدعوة تتوافد إلى البحرين، وشباب يواصلون ليلهم بنهارهم في استقبال الوفود والسهر على راحتهم، وعلماء ومفكرون ودعاة ورؤساء مراكز إسلامية، جاءوا من بلدان شتى، ومن مذاهب مختلفة، وأصحاب اتجاهات متباينة، يحتشدون في أكبر تجمع إسلامي لنصرة سيد الخلق، وكان التحدي أمام الجميع إنجاح هذا المؤتمر، والخروج بتوصيات تطبق فعلاً، لا تعلن أمام شاشات الفضائيات ويذهب ريحها، تخطت اللجنة التحضيرية خطوة نالت استحسان الجميع، عندما تم توزيع أوراق على الحضور لتدوين أهم التوصيات والاقتراحات والقرارات التي يرونها، على أن تقوم اللجنة بتصنيف هذه الاقتراحات وترتيبها وعدم استبعاد أي منها، وتخصيص الجلسة قبل الأخيرة لعرضها على الحضور، والتصويت على إقرارها.
وهذا ما حدث فعلاً، حيث خصصت هذه الجلسة النظر في جميع ما ورد من اقتراحات وتوصيات والاتفاق على ما يتم إعلانه في الجلسة الختامية.
وجاء البيان الختامي للمؤتمر، و«وثيقة النصرة» الصادرة عنه، ليجسِّد مدى تلاحم علماء الأمة ومفكريها، كما تلاحمت الشعوب في الاحتجاج والمقاطعة، التي كما قال لي الدكتور محمد اليماني الأستاذ بجامعة الملك سعود بالرياض، وأول داعية «سعودي» يزور الدانمرك بعد حادثة الرسوم المسيئة: «إنها شلت الاقتصاد الدانمركي وأصابت الشعب بالدهشة من قوة الفعل». فقد تم الاتفاق على إنشاء (المنظمة العالمية لنصرة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -) لتكون الإطار الجامع والمنظِّم لاستمرار المؤتمر وتواصل أعماله، ويعد هذا المؤتمر اللقاء التأسيسي لها، وتنبثق أمانتها العامة عن المؤتمر.
إضافة إلى تأسيس أربعة مكاتب «مكتب للنصرة الاقتصادية»، و «مكتب للنصرة القانونية»، ومكتب التنسيق والاتصال، إضافة إلى «المكتب العلمي والإعلامي»، وإنشاء «الصندوق العالمي لنصرة النبي صلى الله عليه وآل وسلم» لتمويل مشروعات وأنشطة المنظمة، وتعد التبرعات التي وردت لهذا المؤتمر بداية تأسيس الصندوق، وقطعاً سوف تسجل (المنظمة العالمية لنصرة النبي) في بلد أوروبي، كما أكد ذلك القائمون على المؤتمر، لأنه لا توجد بلد عربي ستوافق على تأسيسها وتكون مستقلة في عملها، كما حدث عند تأسيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ولكن هل ستكون «منظمة النصرة» على مستوى التحدي وتقوم بدورها في رصد وتعقب ومتابعة أي إساءة لسيد الخلق، وتعمل على نشر مسيرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وفق استراتيجية مدروسة، أم ستكون مثل المنظمات الأخرى التي ولدت ثم لم نسمع عنها بعد ذلك، نسأل الله أن تكون الأولى لا الثانية.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد
التعليقات ( 1 )
هام جدا
-ليلي
11:10:13 2014-06-24