الرد على شبهة إصابة الرسول صلى الله عليه وسلم بالسحر


بسم الله الرحمن الرحيم

نقول وبالله التوفيق:

إن الله - سبحانه وتعالى - يبتلي رسله عليهم الصلاة والسلام بأنواع البلاء، فيزداد بذلك أجرهم، ويعظم ثوابهم، فقد ابتلى رسله بتكذيب أقوامهم لهم، ووصل إيذاؤهم إليهم، وابتلى بعض الرسل بالمرض، ومن الابتلاء الذي أوذي به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما أصابه من السحر، روى البخاري في صحيحه عن عائشة - رضي الله عنها - أن رجلاً من بني زريق يقال له: لبيد بن الأعصم سحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى كان رسول الله يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله....

إلا أن هناك بعض العلماء أنكروا هذا الحديث، وردوه رداً منكراً بدعوى أنه مناقض لكتاب الله الذي برأ الرسول من السحر.

فمن هؤلاء العلماء (الجصاص) في كتابه أحكام القرآن: [1: 49]

حيث قال: ((ومثل هذه الأخبار من وضع الملحدين تلعباً بالحشو الطغام.... ))

ومنهم (أبو بكر الأصم) حيث قال: ((إن حديث سحره - صلى الله عليه وسلم - المروي هنا متروك لما يلزمه من صدق قول الكفره أنه مسحور، وهو مخالف لنص القرآن حيث أكذبهم الله - سبحانه وتعالى -... )) [نقله عنه شارح المجموع: 19: 243]

ومنهم الشيخ جمال الدين القاسمي في تفسيره المسمى [محاسن التأويل] حيث قال: ((ولا غرابة في أن لا يقبل هذا الخبر لما برهن عليه، وإن كان مخرجاً في الصحاح، وذلك لأنه ليس كل مخرج فيها سالماً من القدح والنقد سنداً أو معنى كما يعرفه الراسخون... ))

وقال الشيخ محمد عبده: ((وقد ذهب كثير من المقلدين الذين لا يعقلون ما النبوة، ولا ينبغي لها إلى أن الخبر بتأثير السحر قد صح.... وقال: وهو مما يصدق فيه المشركين: ((إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً)) [الفرقان: 8]

وقد أجاب كثير من العلماء عن هذه الشبهة وبينوا زيفها بالآتي:

أولاً: من المعلوم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بشر، فيجوز أن يصيبه ما يصيب البشر من الأوجاع والأمراض وتعدي الخلق عليه وظلمهم إياه كسائر البشر إلي أمثال ذلك مما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث لأجلها، ولا كانت الرسالة من أجلها فإنه - عليه الصلاة والسلام - لم يعصم من هذه الأمور، وقد كان - عليه الصلاة والسلام - يصيبه ما يصيب الرسل من أنواع البلاء وغير ذلك، فغير بعيد أن يصاب بمرض أو اعتداء أحد عليه بسحر ونحوه يخيل إليه بسببه في أمور الدنيا ما لا حقيقة له، كأن يخيل إليه أنه وطىء زوجاته وهو لم يطأهن، و حدث انه جاء للرسول - صلى الله عليه وسلم - أحد الصحابة يعوده قائلاً له: ((إنك توعك يا رسول الله فقال: إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم)) إلا أن الإصابة أو المرض أو السحر لا يتجاوز ذلك إلي تلقي الوحي عن الله - سبحانه وتعالى - ولا إلي البلاغ عن ربه إلي الناس لقيام الأدلة من الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة على عصمته - صلى الله عليه وسلم - في تلقي الوحي وإبلاغه وسائر ما يتعلق بشؤون الدين.

والذي وقع للرسول - صلى الله عليه وسلم - من السحر هو نوع من المرض الذي يتعلق بالصفات والعوارض البشرية والذي لا علاقة له بالوحي وبالرسالة التي كلف بإبلاغها، لذلك يظن البعض أن ما أصاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - من السحر هو نقصاً وعيباً وليس الأمر كما يظنون لأن ما وقع له هو من جنس ما كان يعتريه من الأعراض البشرية كأنواع الأمراض والآلام ونحو ذلك، فالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم يعتريهم من ذلك ما يعتري البشر كما قال الله - سبحانه وتعالى -: ((قالت رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده)) سورة إبراهيم: 11

واستدل ابن القصار على إن الذي أصابه كان من جنس المرض بقول الرسول في حديث آخر: ((أما أنا فقد شفاني الله)) ويؤيد ذلك حديث ابن عباس عند ابن سعد: ((مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخذ عن النساء والطعام والشراب، فهبط عليه ملكان)) فتح الباري 10: 227.

قال المازري: ((إن الدليل قد قام على صدق النبي فيما يبلغه عن الله - سبحانه وتعالى - وعلى عصمته في التبليغ، والمعجزات شاهدات بتصديقه، وأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث لأجلها ولا كانت الرسالة من أجلها فهو في ذلك عرضة لما يعترض البشر كالأمراض، فغير بعيد أن يخيل إليه أنه وطىء زوجاته ولم يكن وطئهن، وهذا كثيراً ما يقع تخليه للإنسان في المنام، فلا يبعد أن يخيل إليه في اليقظة.

قال القاضي عياض - رحمه الله -: ((قد نزه الله - سبحانه وتعالى - الشرع والنبي عما يدخل في أمره لبساً، وإنما السحر مرض من الأمراض وعارض من العلل يجوز عليه كأنواع الأمراض مما لا ينكر ولا يقدح في نبوته.

وأما ما ورد أنه كان يخيل إليه أنه فعل الشيء ولا يفعله، فليس في هذا ما يدخل عليه داخلة في شيء من تبليغه وشريعته، أو يقدح في صدقه لقيام الدليل، والإجماع على عصمته من هذا، أما ما يجوز طروه عليه في أمر دنياه التي لم يبعث بسببها، ولا فضل من أجلها، وهو فيها عرضة للآفات كسائر البشر، فغير بعيد أن يخيل إليه من أمورها ما لا حقيقة له، ثم ينجلي عنه كما كان.

وجاء في مرسل عبد الرحمن بن كعب عند ابن سعد أن أخت لبيد بن الأعصم قالت: ((إن يكن نبياً فسيخبر، وإلا فسيذهله هذا السحر حتى يذهب عقله. )) فوقع الشق الأول.

 

ثانياً: أما دعواهم أن السحر من عمل الشيطان والشيطان لا سلطان له على عباد الله لأن الله يقول: ((إن عبادي ليس لك عليهم سلطان)) سورة الحجر: 42

فنقول:

إن المراد من قوله - سبحانه وتعالى -: ((إن عبادي ليس لك عليهم سلطان)) أي في الاغواء والإضلال فالسلطان المثبت للشيطان هو سلطان إضلاله لهم بتزينه للشر والباطل وإفساد إيمانهم، فهذه الآية كقوله - سبحانه وتعالى - حكاية عن الشيطان في مخاطبته رب العزة: ((لأغونهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين)) ولا ريب إن الحالة التي تعرض لها الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا تنطبق عليها هذه الآية الكريمة.

ولا شك أن اصابة الشيطان للعبد الصالح في بدنه لا ينفيه القرآن، وقد جاء في القرآن ما يدل على إمكان وقوعها، ومن ذلك قول أيوب - عليه السلام - في دعائه ربه: ((أني مسني الشيطان بنصب وعذاب)) سورة ص: 41

وموسى - عليه السلام - من أولي العزم من الرسل، وقد خيل إليه عندما ألقى السحرة عصيهم أنه تسعى: ((فأوجس في نفسه خيفة موسى)) سورة طه: 67 فهذا التخيل الذي وقع لموسى يطابق التخيل الذي وقع للرسول - صلى الله عليه وسلم -، إلا أن تأثير السحر كما قررنا لا يمكن أن يصل إلى حد الإخلال في تلقي الوحي والعمل به وتبليغه للناس، لأن النصوص قد دلت على عصمة الرسل في ذلك.

 

ثالثاً: نريد أن نسأل النصارى سؤالاً:

إذا كنتم تعتقدون أن ما أصاب النبي محمداً على أيدي اليهود من السحر والذي قررنا أنه لم يكن له تأثير في دينه وعبادته، ولا في رسالته التي كلف بإبلاغها، إذا كنتم تعتقدون أن ما أصابه هو قدح و طعن في نبوته فهل يعني ذلك أنكم اسقطتم أنبياء كتابكم المقدس الذي نص على أنهم عصاة زناة كفار؟!

ألم يرد في كتابكم المقدس أن نبي الله سليمان كفر وعبد الأوثان وهو نبي من أنبياء الله [سفر الملوك الأول]

فهل أسقتطم نبوءة سليمان وهل ما أقدم عليه النبي سليمان من السجود للأوثان والكفر بالله هو أمر موجب للطعن في نبوته ومسقطاً لها؟!

وإذا كان ما قام به النبي سليمان من السجود للأوثان والكفر بالله هو أمر لا يوجب الطعن في نبوته و لا يسقط نبوته عندكم، فكيف تعتبرون ما أصاب النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - من السحر الذي لم يكن له تأثير في دينه وعبادته ولا في رسالته التي كلف بإبلاغها هو أمر موجبا للطعن في نبوته؟

ثم أخبرونا عن ذلك الشيطان الذي تسلط على المسيح طوال 40 يوماً كما جاء في إنجيل متى ابتداءً من الاصحاح الرابع، ألم يذكر الإنجيل أن إبليس كان يقود المسيح إلي حيث شاء فينقاد له. فتارة يقوده إلي المدينة المقدسة و يوقفه على جناح الهيكل وتارة يأخذه إلي جبل عال جداً... الخ

 

رابعا: أن في قصة سحر النبي - عليه الصلاة والسلام - الكثير من أدلة نبوته - عليه الصلاة والسلام - طبقاً للآتي:

1. كيف عرف النبي - عليه الصلاة والسلام - أن الذي سحره هو لبيد بن الأعصم وأن السحر موجود في مكان كذا وكذا لو لم يكن نبياً؟، فالنبي - عليه الصلاة والسلام - هو الذي أرسل أصحابه ليستخرجوا السحر من المكان الذي وضع فيه، (وقصة إخبار الملائكة لمحمد - عليه الصلاة والسلام - بموضع ومكان السحر لم يذكرها هؤلاء الضالون فهم إنتقائيون في اختيار موادهم. )

2. لقد فك الرسول - عليه الصلاة والسلام - السحر بقراءة المعوذتين وهذا دليل على أن المعوذتين كلام الله - عز وجل - وأن محمداً نبي موحىً إليه.

3. هذه القصة دليل على كذب المستشرقين عندما قالوا إن السنة النبوية قد وضعها أصحاب النبي ليثبتوا أنه نبي وأنه كامل في كل صفاته فلو كان كلامهم صحيحاً لكان هذا الحديث أول شيء يحذفه الصحابة من السنة لأنه ينقص من قدر النبي على حد زعمهم طبعاً فقد أثبتنا الآن أن هذا الحديث يدل على نبوة محمد.

قال الله - تعالى -{والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم}

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply