بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
مما أحمد عاقبته أني نشأت في طفولتي وفي بداياتي العلمية بعيدًا عن ألفاظ التطامن والخضوع؛ لا لقريب ولا لأستاذ.
الأدب محمود؛ لكن مبالغات الألقاب والتركع لا يرتضيها سوي، غاية ما كنا نقوله لمن عرف بالعلم "الشيخ فلان"، أما مسرد المدائح "العلامة الإمام سيدي مولاي فدته نفسي" فهو خلاف أصل إكرام النفس، وكمال العزة، وللاستثناءات المخصوصة النادرة أحكام.
وفي هذا الباب أذكر ما قاله الأدفوي في ترجمته لعلي بن إسماعيل القونوي، فقد وصفه بمحامد كثيرة، ثم تحدث عن تتلمذه المباشر على ابن دقيق العيد وأنه "لازمه زمنًا"، لكن ذلك لم يدفع ابن دقيق العيد لرمي الثناءات العراض والألقاب المضخمة على تلميذه المقرب، يقول الأدفوي عن القونوي:
"فوجدته [أي ابن دقيق العيد] يطلق عليه اسم (الفاضل) استحقاقًا، وناهيك به من عالم متضلع، ومحتاط فيما يكتبه ويقوله متورع" [1]
هكذا مدحه بكلمة واحدة؛ "فاضل"، دون توسع ولا مبالغات.
هذه اللفظة الهينة لم تكن كذلك في ميزان من يعرف قدر الكلمة واستحقاقاتها؛ فقد قال السبكي بعد نقله لها:
"لا شك أن هذه من ابن دقيق العيد منقبة للقونوي عظيمة" [2]
وقد دلت التجارب أن من عرف بإزجاء الألقاب دون حساب لم يعد لثنائه وزن؛ ذلك أن ما كثر قلت قيمته، وما توافر هانت درجته، وبذا صارت النتيجة عكسية.
ومن محاسن التوحيد أنه يحفظ للرب حقه في كمال التعظيم، ويحفظ للعبد عزه في صيانة كرامته؛ هذا المزاج التحفظي يستحسنه من عرف الوحي، وخبر سمتَ العرب قبل مخالطة من شأنهم تعظيم الكبراء ورفع شأن المخلوقين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
[1] البدر السافر، ج2، الترجمة رقم (171)، ت: د. محمد فتحي محمد فوزي
[2] طبقات الشافعية الكبرى (10/134) ت: الحلو والطناحي
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد