أمثلة التشريع الديمقراطي المخالفة للشرع


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

ينص قانون العقوبات الفرنسي والبريطاني الذي تطبقه العديد من الدول الديمقراطية الإسلامية، التي كانت مستعمرات لهما من قبل ، كالجزائر ومصر والسنغال ونيجيريا والسودان وباكستان وبنغلاديش........ في تشريعاته، في الأحوال الشخصية، أن المرأة المشغولة بالزوج، إن ارتكبت الفحشاء فليس لأحد أن يرفع الدعوى ضدها سوى الزوج ، ومن حقه إيقاف الدعوى متى أراد ذلك.

فكأنّ هذا الجرم لم يؤذ أحدا سواه، فحصر التشريع الديمقراطي الدعوى فيه ، بينما شرع الله جعل إقامة الدعوى في أطراف ثلاثة :-

1. الله (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا)(البقرة : 187).

2. المجتمع، وحديث العسيف خير شاهد لذلك (.........إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا،قال مالك والعسيف الاجير، فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ،فاخبروني أن علي ابني الرجم، فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ و بجارية لي، ثُمَّ إني سَأَلْتُ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَأَخْبَرُونِي أَنَّ ما عَلَى ابْنِي جَلْدَ مِائَةٍ وَتَغْرِيبَ عَامٍ، وَ إنما الرجم عَلَى امْرَأَتِهِ ‏.‏ فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏أما وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، اما غنمك وجاريتك فرد عليك، وجلد ابنه مائة وغربه عاما، وَامر أُنَيْس الاسلمي ان يأتي امرأة الآخر فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا‏"رواه البخاري.

3. الزوج، وأحكام اللعان خير دليل لحق الزوج في هذه القضية (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ # وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ # عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ # وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ # وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ)(النور 6: 10) وليس لأحد أن يتنازل عن هذا الحد الشرعي متى ثبت على المتهم.

فالتشريع الديمقراطي المنقول إلى الدول الإسلامية الديمقراطية لم يراع جانب الخالق، أو جانب المجتمع، فكأنّ المجرم لم يجرح أحداً سوى الزوج، فالجرم شخصيٌ بحت، ليس لأحد حق في تناوله سوى الزوج.

وإن نظرت إلى العفو الذي تمنحه التشريعات الديمقراطية في هذا الجرم، تجده يصطدم مع شرع الله وجها لوجه ، إذ لا عفو في الحدود بعد ثبوتها عند الحاكم على الإطلاق (تَعَافَوُا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ) أبو داود 4378 – فالثبوت يستلزم العقوبة حتما ، دون تنازل وحديث سرقة رداء صفون خير شاهد لذلك.

وحين تنظر إلى التشريعات الديمقراطية في القصاص والإعدام تجد اللصوص والدخلاء يغتصبون حق الورثة، إذ تنص التشريعات الديمقراطية أن من حُكِم عليه بالإعدام، لعدم تنازل أصحاب الدم، فللمجرم أن يتقدم بطلب العفو أو تخفيف العقوبة عنه إلى المحكمة العليا، فإن رفضته فله الحق أن يتقدم بذلك إلى رئيس المنطقة، وإن رفضه فله الحق أن يتقدم بذلك إلى رئيس الوزراء، وإن رفضه فله الحق أن يتقدم بطلبه إلى رئيس الدولة.

فكل هؤلاء لا صلة لهم بالدم ،وفي نظر الشرع دخلاء لصوص، يغتصبون حق القصاص من أصحابهم، ويعطون أنفسهم حق العفو عن الجاني رغم عدم صلتهم بالمجني عليهم، ولا شك أن حق العفو قد جاءهم من التشريع الديمقراطي البشري ،الذي لا يقف بجوار المظلوم والمجني عليه بعد وقوع الجريمة في الأعم الأغلب.

فبما أن النفوس ما أخذت بالثأر والتشفي من الناحية الجزائية نجد القتل يتسلسل بين الأسرتين والقبيلتين او الشعبين او الدولتين...... دون انقطاع (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً)(الإسراء: 33).

وإذا نظرت إلى التشريع الديمقراطي المطبق في كل الأنظمة الإسلامية وغير الإسلامية، في شاهد المَلِك {KING'S WITNESS} تجده احد المجرمين في القضية، يعطيه القضاء الديمقراطي في الدولة الديمقراطية أماناً بعدم العقوبة، إن قدّم تفاصيل الجريمة وأسماء المشتركين فيها.........

فيَعِْرض القاضي أو رئيس المحكمة العفو، لغرض الحصول على شهادة شخص ،شارك بطريق مباشر أو غير مباشر في الجريمة المطلوبة .

فمقتضى العدل والإنصاف مع شاهد الملك يقتضي عقابه، متى ثبتت عليه الجناية، ويرفض العقل قبول متهم لأن يشهد في جناية هو احد مرتكبيها. ويتنافى ذلك مع العدل والمساواة بين المجرمين بوجوه.

أ‌. عرض العفو وإبراء المتهم في غير الحدود حق من حقوق المجني عليه، وسحب هذا الحق وإعطاؤه للسلطة القضائية الديمقراطية تَعَدٍ على حق المظلوم، فتتحول ساحة الإنصاف إلى ساحة الظلم، وذاك مناقض لما تقوم المحاكمات من اجله، وما ينتظره الناس من دفع الظلم عن طريق القضاء.

ب‌. نقل المجرم من صف الجناة إلى صف المدافعين عن القضية أمر لا يقبله العقل ، فإن كانت العقوبة تُرَوِّع الجاني عن أن يعود إلى الجناية أو مثيلاتها مستقبلا، فما الذي يقوم بهذا الدور في هذه النُقْلة بأخذ الشهادة من أحد المجرمين ، فالظلم لا يدفع بمثله، لذلك خلت منصات القضاء الإسلامي من مثل هؤلاء الشهود -المتهمين بالجناية- في كل الفترات الممتدة عبر التاريخ .

ج. المساواة بين المجرمين في العقوبة أساس القضاء والتخاصم، فبأي حق يفضل شاهد الملك على بقية المشاركين في الجريمة ، فالإنصاف يرفض التفاوت بين مجرمين اشتركوا في جريمة واحدة وبقدر واحد .

د. من الرحمة بالمتهم عرضه على التحقيق في مختلف مراحله ، فإن ثبتت براءته عاد إلى المجتمع وهو نقي لم تلوث التهمة جانبه ، وإن ثبت عليه شيء عوقب بما يستحق ، وإن عفا عنه أصحاب الحق أضحى أسير أحسانهم مدى الحياة، وإن برأته المحكمة إيفاءاً بوعدها فلن ينجو من عقاب أصحاب الحق، مهما بُذِلت له من الضمانات، أو أحيط بسياج الإجراءات الأمنية شبه الواقية، لأن محاربة الفطرة أمر غير متصور في النفس البشرية.

وأقرب تشريع أسوقه إليك ما وافق عليه البرلمان الديمقراطي، في جمهورية باكستان الإسلامية، قبل شهر وبضعة ايام فقط ،وقد أصبح قانونا وتشريعا ساري المفعول، تحت مسمى (تشريع حفظ حقوق النساء) لتغيير جزء من قانون الحدود –حد الزنا وحد القذف– الذي وافق عليه البرلمان أيام الرئيس السابق، ضياء الحق باسم (تشريع الحدود).

 

وإليك بعض بنوده لتدرك حقيقة التشريعات، التى أتت أو ستأتي عن طريق فرض الأنظمة الديمقراطية المرتقبة على العالم الإسلامي، ولن أناقش هذه التشريعات، لأنها معروفة لدى كل طالب علم مسلم.

1. ينص تشريع حفظ حقوق النساء بعد تقسيم الزنا إلى زنا بالجبر وزنا بالرضا، فعقوبة الأول الموت، والثاني لا شيء فيه، بينما الشرع يقسم مرتكب الزنا إلى بكر ومحصن، ويعاقبُ الأول بالجلد والتغريب، ويعاقب الثاني بالرجم، إلا أن التشريع الديمقراطي الجديد، لا يعطي هذا التقسيم الشرعي أي اهتمام.

2. ينص تشريع حفظ حقوق النساء عند تقديم الشكوى وجود أربع شهادات مكتوبة، ويُخمسِّهم المشتكي، بينما الشرع يطالب بأربعة شهود، ولا مانع أن يكون المشتكي أحد الأربعة، ولا يعطي التشريع الديمقراطي الجديد أي اهتمام لمن يعترف على نفسه بالزنا، فليس من حقه التطهير من الحد، كما تنص عليه مصادر التشريع في الإسلام.

3.وينص تشريع حفظ حقوق النساء أن رئيس دائرة المحكمة، إذا رأى أنه لا توجد أسباب كافية مقنعة لتفعيل الشكوى، مع وجود الشهادات الأربعة المكتوبة، فمن حقه إلغاء الشكوى، فيبرأ المشتبه به بالإلغاء، وإذا اطمأن أن جرم القذف قد حدث، فلا يطالب بالإثباتات الموجبة له، وإنما يأمر بإنزال عقوبة القذف..

حصانة للمجرم، وتخويف علني لمن انتهُكَ عرضه، حتى لا يجرؤ على الشكوى، لأن سيف القذف ملصت عليه، وعلى شهوده.

4. وينص تشريع حفظ حقوق النساء أن الفتاه التي دون السن السادس عشرة يعتبر زناها زنا بالجبر، وان رضاها لا اعتبار له، ولا يشك مسلم في مخالفة هذا التقنين للشرع، إذا العبرة في الشرع بالبلوغ الجسدي، لا بالسن وعدد السنوات.

وباركت نيوز ويك الامريكية خطوة باكستان فكتبت في افتتاحيتها تقول ** القانون الذي اقره البرلمان الباكستاني يوم الاربعاء، مقدمة تشجيعية غالبة لاعلاء قانون حقوق النساء وقانون العلمانية معا،يجب علي العالم الاسلامي ان يبارك هذه الخطوة، وان هذا التقدم الذي تشهده باكستان لدرس ذو اهمية بالغة لكل العالم الاسلامي، بما فيه ايران والمملكة العربية السعودية اللتان تطبقان قوانين الحدود} الافتتاحية عدد 17 نومبر 2006م

هكذا التشريعات الديمقراطية المعاصرة، فإنها لاتلبي فطرة البشر ولا تمنع الجريمة، فكان من رحمة الله بعباده أن منعهم من التشريع وسن القوانين ،بل جعل ذلك خاصا به عز وجل.

بعد هذا العرض الموجز لما تسعى إليه الديمقراطية، في إزالة ما بقى لدى المسلمين من الأحكام الشرعية، أترك لك الخيار لتحكم أنت بنفسك، هل يباح للمسلمين تبني مثل هذه الأنظمة، وهل من حق المسلمين أن يشرعوا لأنفسهم، مع وجود مصادر التشريع الشرعية المتوفرة بين أيديهم.

اللهم اهد حكام المسلمين، وجنبهم الاقتباس التشريعي من غير المسلمين، انك قادر حكيم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply