بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
(الآيات القرآنية المتعلقة بالرسول محمَّد (ﷺ) دراسة بلاغية وأسلوبية):
رسالة علمية نال بها الباحث عدنان جاسم الجميلي درجة الدكتوراه في آداب اللغة العربية من جامعة بغداد عام 1424ه، وهي تتكون من ثلاثة فصول، تسبقها مقدمة، وتقفوها خاتمة، وفيما يأتي عرض موجز لذلك:
المقدمة:
بين فيها الباحث أن القرآن الكريم كان وما زال نبعًا صافيًا يَرِده الدارسون بشغف لإظهار سمات إعجازه وبلاغته، ويقينًا أن الإسهام في هذا المضمار المقدس شرف ومسؤولية. ورغبة طموح وأمل طالما راود الباحث ليكون ممن ينال هذا الشرف الرفيع، فوقع اختياره على موضوع: "الآيات القرآنية المتعلقة بالرسول محمَّد (ﷺ) دراسة بلاغية وأسلوبية".
وبين الباحث أن الرسول محمَّد (ﷺ) مثل قمة عليا على مدار عجلة التحضر للبشرية، فأكب العلماء والدارسون على فهم شخصيته وتحليلها، ومن مختلف الحضارات، والأقوام سواء أكانوا عرباً مسلمين أو غربيين مستشرقين، وقد أثرت هذه الشخصية الخالدة في بني البشر، فراح قسم منهم يدرس أخلاقه، وذهب الآخر يتطرق لورعه، وعدالته، ونفسيته، وعالمية رسالته إلى الإنسانية جمعاء.
وتأسيساً على ذلك لا يخالجنا شك في أن الآيات المتعلقة بالرسول (ﷺ) قد تصدت لها دراسات علمية وبحوث جامعية كانت قريبة من عنوان هذه الدراسة، مختلفة جذرياً في مناهجها عن المنهج الذي طبقه الباحث، وهذه الدراسات هي:
- دراسة حسن كامل الملطاوي الموسومة ((رسول الله في القرآن الكريم))، والصادرة سنة 1972م.
- ودراسة الدكتور محمود بن الشريف الموسومة ((الرسول في القرآن ))، الصادرة سنة 1981م.
- ودراسة الشيخ جلال الحنفي وعنوانها ((شخصية الرسول الأعظم قرآنياً))، والصادرة سنة 1997م.
- أطروحة الباحث أحمد محمد السروان ((الآيات القرآنية المتعلقة بشخصية الرسول (ﷺ)))، وهي أطروحة دكتوراه في كلية العلوم الإسلامية – جامعة بغداد / 1998م.
- دراسة شهيد راضي حسين الموسومة ((الخطاب القرآني الموجه إلى الرسول (ﷺ)))، وهي رسالة ماجستير في كلية الآداب جامعة البصرة، 2001م.
وقد تناولت هذه الدراسات الجانبين الوصفي والموضوعي للآيات من غير التطرق للسمات البلاغية والأسلوبية فيها، فاختلفت في مناهجها، وطريقة معالجتها لهذه الآيات عن المنهج والطريقة التي تعاملت بها، والرؤية الأسلوبية التي أوضحها الباحث في هذا البحث. فكما هو معلوم أن المنهج الأسلوبي يعتمد على نقد الأدب باعتماد اللغة عن طريق تحليل الملامح الجمالية المنبثة في النص الأدبي عبر طريقة علمية موضوعية تتجرد عن إطلاق الأحكام جزافاً بالجودة أو الرداءة.
إن غاية الأسلوبية تكمن في الوقوف عند المنبهات التي يشتملها النص الأدبي، وذلك بتعرف القيم الجمالية المنبعثة منه بدراسة الجانب الفني للأسلوب عبر استجلاء هذه السمات من الداخل؛ لأن الإبداع ينأى عن الخضوع لأي قانون خارجي. ولهذا كانت الأسلوبية بوصفها منهجاً نقدياً من أنجع المناهج في دراسة أسلوب المتكلم عن طريق دراسة العناصر التي يلجأ إليها، فارضًا على المخاطب أو المتلقي طريقة تفكيره.
وعلى هذا الأساس يكون الأسلوب هو الاختيار الواعي لأدوات التعبير التي تميزه من غيره، أي دراسة التعبير اللغوي، وتحليل عناصره وأدواته عن طريق الكشف عن منابع التأثير والتميز والجمال، مانحة المتلقي أو القارئ القدرة على تدبر وتذوق خصائص الأثر الأدبي وتجرده في الوقت نفسه عن الأحكام الذاتية الوصفية.
وعليه حاول الباحث أن يعتمد هذا المنهج في دراسة هذه الآيات، وإبراز سمات التفرد والتميز الفني الذي اشتمل عليه النص القرآني من غير أن يعطي أحكاماً معينة.
وقد اكتنفت هذه الرحلة مصاعبُ جمة، وضغوطٌ متعددة، من أهمها سعة الموضوع وجدته؛ إذ بلغت الآيات التي تناولتها بحسب العدد (1246) آية، فضلاً عن توزُّع الآراء في المظان بشكل كبير ومكثف، كما أن الآيات مختلف في تعلقها بالرسول الكريم (ﷺ) ما بين المفسرين، فحاول الباحث اعتماد الآراء الراجحة وانتقاءها التي اتفق عليها في اختصاص هذه الآيات بالرسول (ﷺ)، وقد انتظمت الدراسة على ثلاثة فصول، تسبقها مقدمة، وتقفوها خاتمة.
فصول الدراسة:
دار الفصل الأول الحديث حول (المستوى الصوتي) فضم أربعة مباحث، تكفل المبحث الأول بالحديث عن الحرف ودلالته الإيحائية، وأنماط الإيحاء، وتتمثل في التنغيم والجرس والإيقاع.
وانعقد المبحث الثاني في الحديث عن التكرار، ليحاول المبحث الثالث التطرق لموضوع الجناس، في حين ألقيت نظرة متأنية في الرابع على الفاصلة القرآنية.
وتأسس الفصل الثاني وهو (المستوى التركيبي) على ثلاثة مباحث، عرض الأول للحديث عن الأساليب الخبرية والإنشائية مع التوقف عند أبرز هذه الأساليب، وطبيعة خروجها عن معناها الحقيقي إلى معان مجازية، ووقف المبحث الثاني على الحديث عن بنية المفردة والجملة القرآنية، فعرض لموضوع الحروف والأدوات وصولاً إلى بنية الجملة الاسمية والفعلية.
واستجلى المبحث الثالث حديثه عن النظم، مفصلاً القول في مواضيع الخطاب القرآني للرسول محمد (ﷺ)، وعوارض بناء الجملة بين البنية العميقة والبنية السطحية، والعدول واستشراف الأساليب المتضمنة للعدول، ومنها الالتفات، والتقديم والتأخير، والحذف، والفصل والوصل، والتعريف والتنكير.
ثم جاء الفصل الثالث الخاص (بالمستوى الدلالي)، فنراه يتأسس على ثلاثة مباحث، حاول الأول الحديث عن بناء الجملة والسياق عارضاً لأساليب اللف والنشر، والإجمال والتفصيل، وتحدث المبحث الثاني عن موضوع الصورة وأبرز ملامحها في النصوص القرآنية، والمبحث الثالث في دلالة التصوير في صيغ البيان، وهي التشبيه، والمجاز، والاستعارة، والكناية، ثم تلا ذلك إيراد أهم النتائج التي توصلت إليها في هذه الدراسة، وهي وجهات نظر يمكن أن تفتح آفاقاً رحبة لأفكار ورؤى جديدة.
نتائج الدراسة:
توصلت الدراسة إلى النتائج الآتية:
إنّ دراسة الآيات القرآنية المتعلقة بالرسول محمد(ﷺ) وفق المنهج البلاغي والأسلوبي يمكن أن تفتح الباب إلى دراسات جديدة تتناول الرسل والأنبياء الآخرين، منهم على سبيل التمثيل (عيسى، وموسى، وداود، عليهم السلام…… إلخ)، ودراسة الآيات القرآنية المتعلقة بكل واحد منهم على حدة دراسة بلاغية وأسلوبية جديدة.
إن الإيحاء الصوتي المنبعث من النص القرآني كان نتيجة لتواشج الصوت مع المعنى عبر العلاقة بين شكل اللفظة وطبيعة النسق داخل الآية، فالصوت يقوم بنصرة المعنى، وقد ظهر ذلك بوضوح عبر اختيار وانتقاء الألفاظ ذات الجرس الموحي، واللجوء إلى أساليب التكرار والجناس فضلاً عن السمات الفنية التي اشتملت عليها الفواصل القرآنية.
- إن نسبة تكرار الأفعال جاءت أكثر منها في الأسماء، وقد كان هذا الشيوع في تكرار الأفعال يدل على التجدد والاستمرار على العكس من الأسماء التي تدل على الثبات، كما أن الأفعال هنا دارت في دلالتها على الطاعة والدعوة إلى سماع الرسول (ﷺ)، وهو يرشد العباد إلى الهداية لتدل على التجدد والاستمرار حتى بعد وفاته (ﷺ)، فضلاً عن أن تكرار الفعل الماضي جاء بشكل واسع، يتلوه الفعل المضارع، ثم فعل الأمر.
- تضمن التعبير القرآني خروج الخبر والإنشاء عن دلالته الوضعية إلى غايات أسلوبية ومعان مجازية، ليدفع المتلقي إلى التفكير وإعمال الذهن في الهدف المقصود، فضلاً عن مجيء أسلوب الاستفهام بالنسبة الأكبر مقارنة بالأساليب الأخرى، وذلك لقدرته على لفت انتباه المتلقي عن طريق السؤال مما يؤدي إلى شد عرى التعبير بأواصر متينة، كما يمكن تعليل هذا الشيوع للاستفهام في الجملة القرآنية بأنه يتطلب الإجابة من المستفهم منه، ومن ثم تضمنه وجوب الاستماع إلى الجملة المستفهم عنها. وهو ما أفاده أيضا شيوع أسلوب النداء في القرآن الكريم، وفي آيات الدراسة على وجه الخصوص.
- كان مجيء الخطاب القرآني للرسول محمد (ﷺ) في أكثر الأحيان لدلالة التعظيم والتشريف للرسول الكريم، فضلاً عن تعبير الخطاب بـ(يا أيها) بدلاً من (يا محمد) على العكس مع الأنبياء والرسل الآخرين الذين خاطبهم بأسمائهم، فقال: يا آدم، يا إبراهيم، يا عيسى…… إلخ؛ فضلاً عن ورود اسم محمد وأحمد في كل موضع بما يتناسب والسياق وطبيعة الحال. كما أن السبب في ذلك لاقتران الشريعة بالنبي واسمه؛ إذ إن عقيدة النبي الذي بعده تنسخ شريعته فأقترن ذكر الشريعة باسم النبي بخلاف شريعة الرسول محمد (ﷺ) بوصفه خاتم الأنبياء والمرسلين، وإن شريعته نسخت جميع الشرائع السابقة.
- اشتمل الخطاب القرآني للرسول محمد (ﷺ) على العدول من الخطاب الخاص إلى الخطاب العام في مواضع كثيرة؛ لئلا يخاطبه وحده، ومواجهته بالخطاب مباشرة، بل يخاطب الجمع ويكون الرسول (ﷺ) من بينهم لزيادة الترفق به، وليدلل على رفعة قدره، والأمر تكرر أيضاً في أسلوب الالتفات فتجنب مخاطبته مباشرة كي لا يتوهم من يتوهم أن الملام للرسول الكريم، فيعدل بالكلام من ضمير إلى آخر ليتجنب مخاطبته صراحة، وهذا فيه علو لمنزلته الشريفة.
- كان أسلوب الحذف من الأساليب التي حفل بها النص القرآني الكريم للعلاقة الوثيقة بين التعبير بالبنية السطحية والبنية العميقة، وذلك لدلالة الحذف على التعبير الموجز بأقل الألفاظ، وليثري التعبير بمعان ودلالات كبيرة، فالإيجاز سمة غلفت التعبير بالحذف لزيادة المعاني واتساعها.
- كان للتعريف والتنكير أثر مهم في الآيات التي تم بحثها، وكانت دلالته في أكثر الأحيان للتعظيم والتشريف للرسول (ﷺ)، فخرج على خلاف مقتضى الظاهر إلى معان مجازية، وليمثل ملامح أسلوبية ذات تفرد معين.
- أكثر النص القرآني من أساليب البيان لينأى بالتعبير عن التقريرية والمباشرة، مستغلاً طاقات هذه الأساليب للوصول إلى الإقناع والتأثير في المتلقي، فعدل بلفظ عن آخر للتعبير عن معان ودلالات عميقة، فرسم النص القرآني عبر التصوير بأساليب البيان من تشبيه ومجاز واستعارة وكناية سمة عامة هي العدول بلفظ دون آخر للتعبير عن المعنى المراد بشكل جميل وموح؛ لتشكل لوناً مهماً من ألوان التصوير الفني القرآني.
- كانت أساليب البيان من تشبيه ومجاز واستعارة وكناية تعتمد التصوير بالمحسوس أكثر منه بالمعقول، وذلك لكي تقرب هذه الصور في نفوس العرب الذين جبلوا على البساطة في التعبير، ومحدودية البيئة الصحراوية البسيطة التي يعيشون عليها, فالتعبير بالمحسوس أبين وأوضح على نفسية العربي، وأكثر تفهماً وإدراكاً له من المعقول.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد