بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
إن الله تعالى فتح لعباده المؤمنين الكثير من أبواب الحسنات،لينهلوا منها وليرفعوا رصيدهم من الحسنات يوم يقوم الناس لرب العالمين، والاعتكاف بابٌ عظيمٌ من أبواب الأعمال الصالحة التي يستطيع المسلم أن يتقرب بها إلى الله تعالى، من أجل ذلك أحببت أن أُذَكِرَ نفسي وإخواني الكرام بأحكام الاعتكاف،فأقول وبالله تعالى التوفيق:
معنى الاعتكـاف:
الاعتكاف في اللغة:
لزومُ الشيء وحَبْسُ النفسِ عليه، بِرَّاً كان أو غيره.ومنه قوله تعالى: (مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ) (الأنبياء: 52) أي لها ملازمون، وقوله تعالى:(يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ)(الأعراف:138) (لسان العرب لابن منظورجـ 4 صـ 3058).
الاعتكاف في الشرع:
لزومُ المسجد والإقامة فيه بنية التعبد والتقرب لله تعالى على صفة مخصوصة من مسلم عاقل.
قال تعالى: (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (البقرة: من الآية125)، وقال سبحانه: (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) (البقرة: من الآية187)(المغني لابن قدامة جـ4 صـ 455)
قال الإمامُ ابنُ رجب الحنبلي (رحمه الله): الاعتكاف قَطْعُ العَلائِقِ عن الخلائق للاتصال بخدمة الخالق وكلما قويت المعرفة بالله والمحبة له والأنس به أورثت صاحبها الانقطاع إلى الله تعالى بالكلية على كل حال.(لطائف المعارف لابن رجب الحنبلي صـ349)
الحكمة من الاعتكاف:
قال الإمام ابن القيم (رحمه الله): لَمّا كَانَ صَلَاحُ الْقَلْبِ وَاسْتِقَامَتُهُ عَلَى طَرِيقِ سَيْرِهِ إلَى اللّهِ تَعَالَى، مُتَوَقّفًا عَلَى جَمْعِيّتِهِ عَلَى اللّهِ وَلَمّ شَعَثِهِ بِإِقْبَالِهِ بِالْكُلّيّةِ عَلَى اللّهِ تَعَالَى، فَإِنّ شَعَثَ الْقَلْبِ لَا يَلُمّهُ إلّا الْإِقْبَالُ عَلَى اللّهِ تَعَالَى، وَكَانَ فُضُولُ الطّعَامِ وَالشّرَابِ وَفُضُولُ مُخَالَطَةِ الْأَنَامِ وَفُضُولُ الْكَلَامِ وَفُضُولُ الْمَنَامِ مِمّا يَزِيدُهُ شَعَثًا، وَيُشَتّتُهُ فِي كُلّ وَادٍ وَيَقْطَعُهُ عَنْ سَيْرِهِ إلَى اللّهِ تَعَالَى، أَوْ يُضْعِفُهُ أَوْ يَعُوقُهُ وَيُوقِفُهُ اقْتَضَتْ رَحْمَةُ الْعَزِيزِ الرّحِيمِ بِعِبَادِهِ أَنْ شَرَعَ لَهُمْ مِنْ الصّوْمِ مَا يُذْهِبُ فُضُولَ الطّعَامِ وَالشّرَابِ وَيَسْتَفْرِغُ مِنْ الْقَلْبِ أَخْلَاطَ الشّهَوَاتِ الْمَعُوقَةِ لَهُ عَنْ سَيْرِهِ إلَى اللّهِ تَعَالَى، وَشَرْعِهِ بِقَدْرِ الْمَصْلَحَةِ بِحَيْثُ يَنْتَفِعُ بَهْ الْعَبْدُ فِي دُنْيَاهُ وَأُخْرَاهُ وَلَا يَضُرّهُ وَلَا يَقْطَعُهُ عَنْ مَصَالِحِهِ الْعَاجِلَةِ وَالْآجِلَةِ وَشَرَعَ لَهُمْ الِاعْتِكَافَ الّذِي مَقْصُودُهُ وَرُوحُهُ عُكُوفُ الْقَلْبِ عَلَى اللّهِ تَعَالَى، وَجَمْعِيّتُهُ عَلَيْهِ وَالْخَلْوَةُ بِهِ وَالِانْقِطَاعُ عَنْ الِاشْتِغَالِ بِالْخَلْقِ وَالِاشْتِغَالُ بِهِ وَحْدَهُ سُبْحَانَهُ بِحَيْثُ يَصِيرُ ذِكْرُهُ وَحُبّهُ وَالْإِقْبَالُ بَدَلَهَا ، وَيَصِيرُ الْهَمّ كُلّهُ بِهِ وَالْخَطَرَاتُ كُلّهَا بِذِكْرِهِ وَالتّفَكّرِ فِي تَحْصِيلِ مَرَاضِيهِ وَمَا يُقَرّبُ مِنْهُ فَيَصِيرُ أُنْسُهُ بِاَللّهِ بَدَلًا عَنْ أُنْسِهِ بِالْخَلْقِ فَيَعُدّهُ بِذَلِكَ لِأُنْسِهِ بِهِ يَوْمَ الْوَحْشَةِ فِي الْقُبُورِ حِينَ لَا أَنِيسَ لَهُ وَلَا مَا يَفْرَحُ بِهِ سِوَاهُ فَهَذَا مَقْصُودُ الِاعْتِكَافِ الْأَعْظَمِ. (زاد المعاد لابن القيم جـ 2 صـ 86 :87)
حُكْمُ الاعتكاف:
الاعتكاف سُنَّة بإجماع العلماء، ولا يجبُ على المسلم إلا بالنذر. (بداية المجتهد لابن رشد جـ1صـ 465)(المغني جـ4صـ456)
روى البخاريُّ عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانٍ عَشْرَةَ أَيَّامٍ فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا. (البخاري حديث 2044)
وروى الشيخان عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أَنَّ عُمَرَ بن الخطاب رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كُنْتُ نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَالَ أَوْفِ بِنَذْرِكَ" (البخاري حديث 2032/ مسلم حديث 1656).
أنواع الاعتكاف:
ينقسم الاعتكاف إلى نوعين: اعتكاف مسنون واعتكاف واجب وسوف نتحدث عن تعريف كلٍ من منهما بإيجاز:
أولاً: الاعتكاف المسنون:
هو ما تَطَوَّع به المسلمُ تقرباً إلى الله تعالى طلباً لثوابه واقتداءً بسُّنة النبي صلى الله عليه وسلم ويتأكد ذلك في اعتكاف العشر الأواخر من رمضان.
ثانياً: الاعتكاف الواجب:
هو ما أوجبه المسلم على نفسه، إما بالنذر المطلق، مثل أن يقول: لله علىَّ أن اعتكف كذا، أو أوجبه بالنذر
المعلق، كقوله: (إن شفا الله مريضي، لاعتكفن كذا) (فقه السنة للسيد سابق . جـ1 صـ540).
شروط الاعتكاف:
يُشترط فيمن يعتكِف ثلاثة شروط هي:
1) الإسلام. 2) العقل. 3) الطهارة من الحدث الأكبر.
وسوف نتحدث عنها بإيجاز شديد:
أولاً: الإسلام:
يُشترطُ للاعتكاف أن يكون الشخص مسلماً، لأن الكافر لا يصح منه الاعتكاف، لأنه من فروع الإيمان، كالصوم.
ثانياً: العقـل:
يُشترطُ في المعتكف أيضاً أن يكون عاقلاً، فإن زال عقله كالمجنون، لا يصح منه الاعتكاف لأنه غير مخاطَب في هذه الحالة بالعبادات الشرعية، فالعقل أساس التكليف.
روى أبو داود عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ. (حديث حسن صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث 3703)
ثالثاً الطهارة:
ويشترطُ أيضاً في المعتكف الطهارة من الحدث الأكبر، وهو الجنابة والحيض والنفاس. (المجموع للنووي جـ6 صـ476)
أركان الاعتكاف:
الاعتكاف له ركنان أساسيان هما :
(1) نية التقرب إلى الله تعالى بالطاعات. (2) المكث في المسجد.
أولاً: بالنسبة لوجوب النية:
فلقوله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)(البينة:5)،ولِما رواه البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى." (البخاري حديث 1).
ثانياً: بالنسبة لوجوبِ المُكْثِ في المسجد:
فلقوله تعالى: (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ)(البقرة:187)، فلو صح الاعتكاف في غير المسجد، لم يخص تحريم المباشرة بالاعتكاف في المسجد، لأنها مُنَافِية للاعتكاف، فعُلم أن المقصود هو بيان أن الاعتكاف إنما يكون في المساجد. (فقه السنة جـ1 صـ541: 542)
مكان الاعتكـاف:
لا يجوز الاعتكاف إلا في مسجد تُقامُ فيه صلاة الجماعة (الفروض الخمسة)، ولا يُشترط أن تُقام فيه صلاة الجمعة، وذلك لعموم قوله تعالى: (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ)(البقرة:187)، ويُستحبُ أن يكون الاعتكاف في مسجد تُقامُ فيه صلاة الجمعة حتى لا يُضطر المعتكف للخروج لأدائها. (المغني لابن قدامة جـ4 صـ461:463 )
وبالنسبة للمرأة فيجوز لها أن تعتكف في كل مسجد، ولا يُشترط إقامة صلاة الجماعة فيه، لأنها غير واجبة عليها، ولا يجوز للمرأة أن تعتكف في بيتها، وذلك لأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم استأذنَّه في الاعتكاف في المسجد، فأذن لهن، ولو لم يكن المسجد موضع اعتكافهن، لما أذن لهن، ولو كان الاعتكاف في البيت أفضل من المسجد بالنسبة للنساء لَدَلَّـهُنَّ عليه صلى الله عليه وسلم. (الأم للشافعي جـ2 صـ105 )( المغني لابن قدامه جـ4 صـ 464)
وقت الاعتكاف ومدته:
يجوز الاعتكاف في أي وقت من الليل أو النهار، وأفضل الاعتكاف هو العشر الأواخر من رمضان، وليس للاعتكاف حد لأقله ولا لأكثره ,فيجزئ الاعتكاف أقل من ليلة، أو أي وقت قليل في الليل أو النهار (بداية المجتهد لابن رشد جـ1 صـ468) (المجموع للنووي جـ6 صـ489 ،491)
فضل الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان:
إذا اعتكفَ المسلمُ العشرَ الأواخر من رمضان،وأحياها بالصلاة والدعاء،والذكر،وتلاوة القرآن، بإخلاص لله تعالى، ومتبعاً في اعتكافه سُنة بنينا محمد صلى الله عليه وسلم أدركَ ليلةَ القدر،وحصلَ على ثوابها كاملاً، بفضل الله تعالى، وغَفِرَ اللهُ تعالى لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ. قال اللهُ تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)(القدر:5:1)
روى الشيخانِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ـ عَن لَيْلَةِ الْقَدْرِـ : «التَمِسُوهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ) (البخاري حديث:2021/مسلم حديث: 1165).
روى البخاريُّ عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ. (البخاري حديث 2014)
وقت بداية الاعتكاف ونهايته في العشر الأواخر من رمضان.
يبدأ الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان قبل غروب شمس يوم العشرين من رمضان (أي ليلة الحادي والعشرين)، وينتهي الاعتكاف بغروب شمس آخر يوم من رمضان. (المجموع للنووي جـ6 صـ491 ) (المغنى جـ4 صـ489: 491)
حُكمُ الصوم مع الاعتكاف:
يجوز الاعتكاف بغير صوم وذلك لما رواه الشيخان عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "كُنْتُ نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، قَالَ: فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ". (البخاري حديث 2032 / مسلم حديث 1656)
فلو كان الصوم شرطا لما صح اعتكاف الليل، لأنه لا صيام فيه، ولأن الاعتكاف عبادة تصح في الليل، فلم يشترط له الصيام، كالصلاة ولأن إيجاب الصوم مع الاعتكاف حكم لا يثبت إلا بالشرع، ولم يصح فيه نص ولا إجماع. (المجموع للنووي جـ6صـ487) / (المغنى لابن قدامة جـ4 صـ459: 460)
اعتكاف النساء:
يجوز اعتكاف النساء في المساجد بشرطين:
(1) أن تحصل المرأة على إذن زوجها، أو ولى أمرها .
(2) ألا يترتب على اعتكافها فتنة، سواء لها أو للرجال، فإذا ترتبت فتنة،حَرُمَ اعتكافها. (المجموع للنووي جـ6صـ487) (المغنى لابن قدامة جـ4 صـ459: 460)
روى الشيخان عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:" أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ فَاسْتَأْذَنَتْهُ عَائِشَةُ فَأَذِنَ لَهَا)(البخاري حديث 2045/ مسلم حديث 1172).
روى الشيخانِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ النَّبِيَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ" (البخاري حديث 2026/ مسلم حديث 1172)
اعتكاف المرأة المستحاضة:
المرأة المستحاضة: هي التي ينزل عليها الدم باستمرار لمدة طويلة من الوقت، أكثر من عادتها.
يجوز للمرأة المستحاضة أن تعتكف في المسجد بشرط أن تتحفظ من نزول الدم، صيانة لبيت الله تعالى. (المغنى لابن قدامه جـ4 صـ488) (نيل الأوطار للشوكاني جـ4 صـ 388)
روى الشيخان عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: "قَالَتْ اعْتَكَفَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم امْرَأَةٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ مُسْتَحَاضَةٌ فَكَانَتْ تَرَى الْحُمْرَةَ وَالصُّفْرَةَ فَرُبَّمَا وَضَعْنَا الطَّسْتَ تَحْتَهَا وَهِيَ تُصَلِّي. (البخاري حديث 2037 /مسلم حديث 2476)
حيض المرأة أثناء الاعتكاف:
إذا اعتكفت المرأة تطوعاً، ثم أصابها الحيض أثناء الاعتكاف، وجب عليها الخروج من المسجد، فإذا لم ترجع للاعتكاف فلا شيء عليها لأنه تطوع. (الحاوي الكبير للماوردي جـ3 صـ380) (المغنى جـ4 صـ487)
الخروج من الاعتكاف نسياناً:
إذا خرج المعتكف من المسجد نسياناً أو خطأً أو حُمِلَ مُكرهاً خارج المسجد، لم يبطل اعتكافه، سواء كان اعتكاف سُنة أو واجب. (المجموع للنووي جـ6 صـ521).
روى الطبراني عن ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ،وَالنِّسْيَانَ،وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ. (حديث صحيح) (صحيح الجامع للألباني حديث 3515 )
قَطْعُ اعتكاف التطوع:
إذا بدأ المسلم اعتكاف التطوع ثم خرج منه، فلا قضاء عليه إلا أن يشاء. قال الشافعي رحمه الله: كل عمل لك أن تدخل فيه، فإذا خرجت منه لا قضاء عليك إلا الحج و العمرة. (شرح السنة للبغوي جـ6صـ395)
آداب الاعتكـاف:
(1) يُستَحبُ للمعتكِف أن يشغل نفسه بالإكثار من صلاة التطوع وقيام الليل، وتلاوة القرآن الكريم مع الحرص على ختمه بتدبرٍ أكثر مِن مرة.
(2) الإكثار مِنْ ذِكْرِ الله تعالى، والاستغفار والدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وذلك من خلال الأذكار الشرعية الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(3) ينبغي على المعتكف أن يتجنب ما لا يعينه من الأقوال والأفعال.
(4) عدم الإكثار من الكلام ، فيما يفيد لأن من كثر كلامه كثر سقطه
(5) ينبغي على المعتكف أن يتجنب الجدال.
(6) ينبغي على المعتكف أن يمد يد المساعدة لجميع المعتكفين وإدارة الاعتكاف.
(7) الالتزام بالهدوء، ومحاسن الأخلاق، وعدم إزعاج باقي المعتكفين برفع الصوت مما يسبب لهم عدم النوم، والخشوع في الصلاة.
(8) ينبغي على المعتكف أن لا يَعتَبِر الاعتكاف فرصةٌ للاجتماعِ والسَّمَرِ مع بعض أصدقائه أو من يقوم بزيارته وذلك بتبادل أطراف الحديث معهم، لفترة طويلة من الوقت، لأن هذا كله مخالف للحكمة التي من أجلها شُرِعَ الاعتكاف. (المغنى لابن قدامة جـ4 صـ479:480)
ما يُباح في الاعتكاف:
ذكر أهل العلم أموراً يجوز للمعتكف أن يقوم بها أثناء الاعتكاف، يمكن أن نوجزها فيما يلي:
(1) اتخاذ خِباء داخل المسجد، يخلو فيه للعبادة:
روى البخاريُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَكُنْتُ أَضْرِبُ لَهُ خِبَاءً فَيُصَلِّي الصُّبْحَ ثُمَّ يَدْخُلُهُ. (البخاري حديث 2033)
(2) الخروج من المسجد عند الحاجة:
كالخروج لإحضار الطعام والشراب أو الخروج لقضاء الحاجة أو الوضوء أو الاغتسال، بشرط ألا يتوفر ذلك داخل المسجد.
(3) يجوز للمعتكف أن يستقبل زوجته ويخلو بها داخل خبائه وكذلك استقبال من يأتي لزيارته: بشرط ألا يترتب على ذلك فِتنة.
روى الشيخانِ عن عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ: أَنَّ صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ (أي تعود إلى بيتها) وَقَامَ النَّبِيُّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ليَقْلِبُهَا (أي ليوصلها إلى بيتها). (البخاري حديث 2035/ مسلم حديث 2175).
(4) يجوز للمعتكف الخِطبة، وعقد زواجه، أو شهود النكاح داخل المسجد:
وذلك لأن الاعتكاف عبادة، لا تحرم الطيبات، فلم تُحرِّم النكاح، كالصــوم ولأن الـنـكــاح طـــاعــة، وحـضـوره قــربـةٌ،
ومدته لا تتطاول، فيتشاغـل به عن الاعتكاف، فلم يُكره فيه، كتشميت العاطس، ورد السلام.
(5) يباح للمعتكف أن ينظف نفسه، ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه، ويرجل شعره، ويُقلِّم أظافره.
روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصْغِي إِلَيَّ رَأْسَهُ وَهُوَ مُجَاوِرٌ فِي الْمَسْجِدِ فَأُرَجِّلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ (البخاري حديث 2028).
(6) يجوز للمعتكف عقد حلقة لتعليم تلاوة القرآن أو شهودها: وكذلك القراءة في كتب العلم وحضور مجالس العلماء ومناظرتهم، ونحو ذلك مما يتعدى نفعه للآخرين.
(7) يجوز للمعتكف الصعود إلى سطح المسجد لأنه من جملته. (الأم للشافعي جـ20 صـ 105/108) (المغنى جـ4 صـ484:480)
مفسدات الاعتكاف:
ذكر أهل العلم مفسدات للاعتكاف، يمكن أن نوجزها فيما يلي :-
(1) الخروج من المسجد بغير ضرورة: (المغنى قدامة جـ4 صـ 468:465)
روى أبو داود عَنْ عَائِشَةَ أُمَ اَلْمُؤْمِنِيِنَ أَنَّهَا قَالَتْ: (السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَنْ لَا يَعُودَ مَرِيضًا وَلَا يَشْهَدَ جَنَازَةً وَلَا يَمَسَّ امْرَأَةً وَلَا يُبَاشِرَهَا وَلَا يَخْرُجَ لِحَاجَةٍ إِلَّا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَا اعْتِكَافَ إِلَّا بِصَوْمٍ وَلَا اعْتِكَافَ إِلَّا فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ). (حديث حسن صحيح ) (صحيح أبى داود للألباني حديث 2160).
(2) الجماع: أجمع أهل العلم أن المعتكف إذا جامع امرأته عامداً، فسد اعتكافه ولا قضاء عليه إلا أن يكون الاعتكاف واجباً عليه، وذلك لقوله تعالى: (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) (البقرة:187) أما مباشرة الرجل لزوجته بشهوة من غير جماع، فحرام، فإن باشرها فأنزل، فسد اعتكافه، وإن لم ينزل لم يفسد. (المغنى جـ4 صـ 475:473)
(3) الرِّدَّة عن الإسلام: إذا ارتد المعتكف، فسد اعتكافه، لقوله تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (الزمر:65)، ولأنه خرج بالردة من كونه من أهل الاعتكاف. (المغنى لابن قدامة جـ4 صـ476)
(4) زوال العقل: بشرب الخمر أو إغماء أو جنون، لأن وجود العقل شرط للاعتكاف.
(5) الجنابة أو النفاس: وذلك لزوال شرط الطهارة الكبرى. (المغني لابن قدامة جـ4 صـ487)
أحكام الاعتكاف المنذور:
هناك أحكامٌ خاصةٌ بالاعتكاف المنذور، يمكن أن نوجزها فيما يلي:
(1) من نَذَرَ اعتكاف يوم، وجب عليه أن يدخل مكان الاعتكاف قبل طلوع الفجر، يخرج منه بعد غروب الشمس، و اليوم يبدأُ من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
(2) إذا نَذَرَ المسلم اعتكافا مطلقا (أي لم يحدد مدته) لزمه ما يُسمى به معتكفاً، ولو ساعة من ليل أو نهار.
(3) لا يتعين شيء من المساجد بنذره الاعتكاف فيه إلا المساجد الثلاثة وهى المسجد الحرام بمكة، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، والمسجد الأقصى بالقدس.
روى الشيخانِ عن أبى هريرة أن النبي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى. (البخاري حديث 1189 /مسلم حديث1397). فمَن نَذَرَ أن يعتكف في مسجد معين في القاهرة، يكفيه أن يعتكف في أي مسجد في بلده، لأن المساجد كلها سواء في الفضل إلا المساجد الثلاثة.
(4) مَن نَذَرَ أن يعتكف في المسجد الحرام، وجب عليه الوفاء بنذره، فيعتكف في المسجد الحرام، ولا يجزئه غير ذلك، وأما من نذر أن يعتكف في المسجد النبوي فيجزئه أن يعتكف في المسجد الحرام لأنه أفضل، ومن نذر أن يعتكف في المسجد الأقصى، جاز له أن يعتكف في المسجد الحرام أو المسجد النبوي لأنهما أفضل منه.
(5) مَن نَذَرَ اعتكاف يوم يَقْدُمُ فلانٌ، صح نذره، فإن قَدِمَ في بعض النهار لزم الناذر اعتكاف باقي اليوم، ولم يلزمه قضاء ما مضى من اليوم، لأنه فات قبل شرط الواجب.وأما إذا قدم الشخص المعين ليلاً لم يلزم الناذر شيء لأن ما أوجبه على نفسه بالنذر لم يُوجد. (المجموع للنووي جـ6 صـ478:482) (المغنى لابن قدامة جـ4 صـ492 :496)
(6) إذا نَذَرَت الزوجة اعتكافاً، فلا يجوز لزوجها إن يخرجها من المسجد، لأن الوفاء بالنذر أصبح واجبا عليها. (المجموع للنووي جـ 6 صـ 476)
(7) إذا نَذَرَ المسلم اعتكافاً متتابعاً واشترط الخروج منه عند حدوث عارض من مرض، أو عيادة مريض أو شهود جنازة أو لاشتغال بعلم أو لغرض آخر من أغراض الدنيا والآخرة، صح شرطه.) (الأم للشافعي جـ2 صـ 105) (المجموع للنووي جـ6 صـ537: 538)
(8) مَن نَذَرَ اعتكافاً معيناً، ومات قبل الوفاء به، اعتكف عنه وليه، ولا يجزئ الإطعام عنه. (المجموع للنووي جـ6 صـ372/صـ541)
(9) إذا نَذَرَ المسـلـم أن يعتكف شهـر رمضـان كـامـلاً، ولكنه لم يعتكف فيه، لَزِمَهُ القضاء، ويقضيه كيف شاء متتابعاً أو متفرقاً. (المجموع للنووي جـ6 صـ 542).
(10) مَنْ نَذَرَ اعتكاف شهر، ولم يحدده ، ولم يقل متتابعاً، اعتكف متى شاء. (الأم للشافعي جـ2 صـ 105)
(11) إذا نَذَرَ المسلم الاعتكاف، فأُجبرَ على الخروج منه، فلا شيء عليه، ومتى تمكن من الاعتكاف، عاد إليه وبنى على ما مضى. (الأم للشافعي جـ2 صـ107).
(12) إذا نذرت المرأة اعتكافا ثم أصابها الحيض أثناء الاعتكاف، وجب عليها الخروج من المسجد، فإذا طهرت، رجعت إلى المسجد، من غير تأخيرٍ، وبَنَتْ على ما مضى من اعتكافها، ولا شيء عليها. (شرح السنة للبغوي جـ6 صـ401) (المغنى جـ4 صـ487)
(13) إذا نذرت المرأة اعتكاف أيام متتابعة ومات زوجها أثناء الاعتكاف، وجب عليها الخروج من المسجد إلى بيت زوجها لقضاء عدة الوفاة، فإذا انتهت العدة عادت إلى المسجد وأكملت اعتكافها ولا شيء عليها. (الحاوي الكبير للماوردي جـ 3 صـ380 ) (المغنى جـ4 صـ477/485)
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد