بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
1-هذه سلسلة تغريدات عن موضوع مهم وهو (صورة النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم كما صنعها الغرب في مخيلته عبر التاريخ... دوافعها وأسبابها).
2-لم ينزل الله دينًا في العالم يسعى لتحقيق العدالة مثل الإسلام، وليس هناك شخصية تحلت بأحسن الصفات وأجود السمات وأرفع الخِلال مثل شخصية النبي. ومع كل ذلك، فإن الإسلام هو الدين الأكثر تلقيًا للهجوم من كل صوب، وليس هناك شخصية تعرضت لهجوم الباطل مثل شخصيه صلى الله عليه وآله وسلم.
3-ويأتي في هذا السياق نفسه هجوم البابا (بينديكيت السادس عشر) –أعلى رأس في المسيحية- في شهر سبتمبر عام 2006م على الإسلام، وكذلك الرسوم الدنمركية، والفيلم الهولندي (الفتنة)، والفيلم الكرتوني الساخر الذي أصدره أحد الإيرانيين في الغرب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وزوجاته!
4-وكذلك ما قاله القس الأمريكي (جيري فالويل) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك ما قاله القس (بات روبرتسون) والقس (فرانكلين جراهام) والقس (جيري فاينـز). كل تلك المواقف السلبية المشينة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم تنبع من المخزون الثقافي والعقلي والديني والحضاري للغرب.
5-ولكي نعرف الامتدادات الثقافية والدينية لموقف الغرب من الإسلام ومن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لا بد أن نعرف تاريخ التصورات الغربية عن شخصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكيف كانت، وما هي دوافعها، وما هي مصادرها، وكيف تشكلت، ومن شكلها، ولماذا؟
6- يمكن أن نَصِفَ ظهور الإسلام بالنسبة إلى الغرب بأنه كان مثل الصدمة العنيفة، التي هزت الغرب من أعلاه إلى أسفله، وشككته في قدراته، وبعثرت أوراقه، وجعلته يعيد قراءة نفسه ومن خلال قراءة (الآخر) من جديد. لقد تمثل الإسلام بالنسبة للغرب في خطرين:
7-الأول: خطر ديني، حيث اعتبروا ظهور الإسلام هو التحدي الديني الأكبر الذي يتطلب الرد والمقاومة والتدمير. يقول المستشرق الإنجليزي منغمري وات: "كان ظهور الإسلام بالنسبة للديانتين اليهودية والمسيحية نوعًا من التحدي الديني والتاريخي، لقد حطم الإسلام النظام البنيوي-اللاهوتي لأوروبا".
8- ثانيًا: خطر دنيوي وثقافي، وتمثل في قوة تأثير الإسلام في القرون الوسطى، والذي قد عمَّ ميادين الحياة الغربية المختلفة: المعيشية، والتجارية، والاقتصادية، والسياسية، والأدبية، والعلمية، والفلسفية. فالعالم الحقيقي هو عالم الإسلام ولغته وحضارته وتجارته.
9-وبعد أن استفاق الغرب من صدمته الأول، قرر اتخاذ الموقف المناسب من هذا الدين الجديد، ويمكن تلخيص موقف أوروبا من الإسلام في تلك المرحلة بأمرين:
10-أولاً : ضرورة التعلم منه، كونه الأقوى والأعلم من جهة. وذلك من خلال انتقاء العناصر المحددة التي يُمكن أن تخدم الغرب، كالعلوم الطبيعية والتجريبية ونحوها، دون عقائد الإسلام وأخلاقياته.
11-ثانيًا: ضرورة التصارع معه والتصدي له كعقيدة غريبة ومعادية من جهة أخرى. وذلك من خلال المواجهة الفكرية معه، وتحصين الداخل الأوروبي منه، وكان أكبر سلاح في ذلك هو تزوير وتشويه صورة الدين الإسلامي أمام عامة الغربيين. فضلاً عن مواجهته عسكريًا، وزرع النـزاعات والفرقة بين المسلمين.
12-يقول المستشرق أليكسي جورافسكي: "كان موقف المسيحيين من الإسلام انفعاليًا وغير متسامح روحيًا، لأن الإسلام كان في تصورهم تحديًا تطلب ردًا ومقاومة واهتمامًا دائمًا به، وإنه من أجل إدارة الصراع بنجاح مع عقيدة هذا المنافس الخصم، القوي الخطير، لابد من دراسته".
13-وتبعًا لذلك الموقف: (1) ظهر مبدأ الصراع بين الشرق والغرب.(2) وظهرت ترجمات القرآن بُغية التعرف على (الآخر) وتفكيك آلياته الفكرية. (3) وتفشي نزعات التبشير بالمسيحية بين المسلمين، ومن أوائل القسس مطران طليطلة الفرنسيسكاني (ريموند لول) الذي وضع خطة كاملة لكوادر التبشير المحترف.
14-أيضًا: (4) بداية التخطيط لشن حروب كونية (الحروب الصليبية) على البلاد الإسلامية وإخضاعهم بالقوة. (5) ولادة ما يسمى بـ (علم الإسلاميات) الذي ولد في أحشاء المخططات الاستعمارية الاستراتيجية لتقاسم العالم الإسلامي.
15-كان ظهور الإسلام بحد ذاته تحديًا للغرب، وزاد الهلع الغربي عند الإطاحة بالدولة الرومانية في الشام ومصر وشمال أفريقيا، والبيزنطية في جنوب تركيا. لكن الكارثة العظمى –على حد وصف الغربيين أنفسهم- كانت مع بداية تحرير قبرص والأندلس، ثم انتشار الثقافة الإسلامية في الجوار الغربي.
16-فقد سجل التاريخ سنة 854م أنَّ أسقف قرطبة اشتكى من كون المسيحيين الشباب يأخذون من الآداب العربية، ويُعجبون بالثقافة الإسلامية، مهملين الدراسات اللاهوتية المسيحية.
17-فقد كتب القسَّ (ألفارو القُرْطُبي Alvaro de cordoba) وثيقة تاريخية مهمة جدًا، اسمها (الدليل المنير)، كتبها سنة (240هـ/854م)، يَـنْـعَـى فيها بألم وحرقة وحسرة على حال شباب النصارى ذلك الوقت، وكيف وقعوا فريسة وضحية للإعجاب بالحضارة العربية والثقافة المسلمة!
18-ومما قاله القسَّ ألفارو القُرْطُبي: "يطرب إخواني المسيحيون لأشعار العرب وقصصهم، فهم يدرسون كتب الفقهاء والفلاسفة المحمديين لا لتفنيدها، بل للحصول على أسلوب عربي صحيح رشيق، فأين تجد اليوم رجلاً من عامة الشعب يقرأ التعليقات اللاتينية على الكتب المقدسة".
19-ويواصل القسَّ ألفارو قوله: "أين ذلك الذي يدرس الإنجيل وكتب الأنبياء والرسل؟ واأسفاه! إن شباب المسيحيين الذين هم أبرز الناس مواهب، ليسوا على علم بأي أدب ولا أية لغة غير العربية، فهم يقرؤون كتب العرب ويدرسونها بلهفة وشغف، وهم يجمعون منها مكتبات كاملة تكلفهم نفقات باهظة".
20-ويستمر القسَّ ألفارو، فيقول: "إنهم ليترنمون في كلّ مكان بمدح تراث العرب. وإنك لتراهم من الناحية الأخرى يحتجّون في زراية إذا ذُكِرَت الكتب المسيحية؛ بأن تلك المؤلفات غير جديرة بالتفاتهم! فوا حرّ قلباه! نسي المسيحيون لغتهم".
21-هذه الأمور مجتمعة دفعت الغرب بقوة نحو دراسة الإسلام، لأسباب، منها: أولاً: الاستفادة من نقاط قوته. ثانيًا: تفكيكه من الداخل. ثالثًا: تشويه صورته داخل المجتمعات الغربية. رابعًا: تشكيك المسلمين بدينهم.
22-لماذا ندرس التصورات الغربية القديمة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟
23-لا تستغرب إذا علمتَ أن تصور الغرب للإسلام ونبيه صلى الله عليه وآله وسلم في وقتنا الحاضر لا يزال رهينة التصورات القديمة!
25-يقول المستشرق البريطاني ن.دانيال: "إن سكان أوروبا المعاصرة ورثوا عن أسلافهم من القرون الوسطى مجموعة عريضة وراسخة من الأفكار حول الإسلام، التي كانت تتغير تدريجيًا مظاهرها الخاريجية فقط".
25-إذن ما هي العناصر البنيوية التي أسهمت في تشكيل هذه القوالب النمطية عن دين الإسلام وعن النبي عليه وعلى آله الصلاة والسلام؟
26-أولاً: الميثولوجيا (الأساطير). حيث كانت القصص والحكايات الخرافية والأساطير والأشعار والقصائد والملاحم الشعبية، كأعمال رولان، وريشار، وبودوان، تشكل المصادر الأساسي لتشكل صورة الإسلام في الغرب فكانوا يروجون أن المسلمين يعبدون ثلاثة آلة من الذهب، وهي: ماهوميد، وآبلّين، وترفاجان.
27-وكان يعتقد الكارولنجيون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يدعو الناس لعبادته في صورة وثن من ذهب، وأنَّ المساجد مليئة بتماثيل وأصنام مصنوعة من ذهب وفضة يعبدها ويدعوها أتباع الإسلام عند الشدائد والضيقة!
28-يقول هنري دي كاستري: "لستُ أدري ما الذي يقوله المسلمون لو علموا أقاصيص القرون الوسطى، وفهموا ما كان يأتي في أغاني المنشدين المسيحيين. فجميع أغانينا، حتى التي ظهرت قبل القرن الثاني عشر، صادرة عن فكر واحد، كان السبب في الحروب والصليبية، وكلها محشوة بالحقد على المسلمين".
29-ثانيًا: الدراسات اللاهوتية (الحقد والكراهية). باعتراف الغربيين فإن أعظم ما كُتب عن الإسلام كان بواسطة رجال الكنيسة الذين كتبوا تلك الكتب بدافع الكراهية والجهل واعتماد المصادر الميثولوجية والتي كانت أوروبا تعج بها، كقصص الحجاج والأبطال ورجال الدين الذين زاروا البلاد الإسلامية.
30-وكان لرهبان وقسس بيزنطة دور فعال في ذلك كأمثال: (ثيوفانس الواعظ) والذين قدموا تصورات للإسلام مؤدلجة ومغلوطة، وكانت معظم معرفة أوروبا –كما يقول المستشرق جورافسكي- عن الإسلام عن طريق هؤلاء.
31-ثالثًا: الدراسات العقلانية (الخوف والقلق والارتباك). وهي دراسات حاولت الاستفادة من الإنتاج العلمي الإسلامي، وفي أحيان كثيرة سرقته، لكنها في المقابل لم تخدم الصورة الإسلامية الصحيحة، بل وقعت فريسة لما كتبه رجال الدين.
32-رابعاً: ما كتبه نصارى المشرق عن الإسلام. كأمثال: يوحنا الدمشقي، والذين كان يدفعهم الحقد والكراهية للإسلام ونبيه صلى الله عليه وآله وسلم، فإن ما كتبوه شكلَ مادة هامة للغربيين في تصورهم للإسلام، حيث أخذوا كلام نصارى المشرق بكل جديّة!
33-يقول المستشرق جورافسكي: "هذه التصورات تكونت في كثير من جوانبها وخطوطها الكبرى على خلفية التفسير المسيحي الشرقي للعقيدة الإسلامية".
34-إذا كانت تلك هي مصادر معرفة الغربيين بالإسلام ونبيه صلى الله عليه وآله وسلم، فالسؤال هو: ما هي صورة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما يراها الغرب في تلك القرون الوسطى؟
35-تشكلت صورته عليه السلام في الغرب من خلال مادة تاريخية خليطة، مكونة من الأساطير والخرافات، ومما كتبه رجال الدين المؤدلجين الذين كان محرضهم الأساس هو الكراهية، بالإضافة إلى المادة الخصبة التي كتابها نصارى الشرق بدافع الانتقام، فكانت مادة مزورة ومشوهة باعتراف كبار المستشرقين.
36-وهنا سوف نعرض الصور التي كانت سائدة في الغرب في القرون الوسطى، والتي كان لها الأثر الأكبر، في تَشكُل المادة الأساسية لتصورات الغرب الحالية عن شخصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
37-الصورة الأولى: نبي الإسلام كان مسيحيًا! فقد حاول النصارى أن يجدوا سندًا مسيحياً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فزعموا أنه كان قسيساً مسيحياً ثم ارتد عنها! يقول المستشرق جورافسكي: "رأي المسيحيون في شخص محمد رجلاً مرتداً أو نبياً مزيفاً".
38-أي أنَّ المسيحيين أردوا تصوير الإسلام على أنه مجرد إنشقاقٍ عن دينهم المسيحي، وكان هدفهم من ذلك يتمثل في أمرين: أولاً: إرضاء أنفسهم وأتباعهم بأنهم على حق وهو الأصل. ثانيًا: إثبات أن الإسلام ليس إلا هرطقة مسيحية، كما عدها يوحنا الدمشقي في كتابه الهراطقة، في الفصل رقم 101.
39-ومن أشهر القصص الخرافية التي انتشرت انتشاراً واسعاً بين المسيحيين، تلك القصة التي تزعم أن محمدًا –صلى الله عليه وآله وسلم- كان في البداية تلميذًا للراهب سرجيوس بحيرا، وبعد أن تلقى منه المعلومات اللازمة تركه وأعلن نفسه نبيًا.
40-يقول المستشرق جورافسكي: "انتقلت تلك القصة من مسيحي سوريا إلى البيزنطيين، ومنهم إلى الأوروبيين".
41-ويذكر L.Gardet في كتابه (الدين الإسلامي) أن من القصص الشهيرة والتي راجت في أوروبا في القرون الوسطى عن النبي –صلى الله الله عليه وسلم- أنه كان كاردينالاً إيطاليًا!!! للكنيسة الرومانية الكاثوليكية، وكان اسمه (ماهومت).
42-وأنَّ هذا الإيطالي الذي كان اسمه (ماهومت)، بعد أن فشل في الجلوس على كرسي البابوية، هرب للجزيرة العربية، وأسس دينه الجديد نكاية في البابا وكنيسة روما. ومن الواضح أن هذه القصة الخرافية الهزلية كانت موجهة للداخل الأوروبي، أي لمخاطبة عقول عامة الأوروبيين، التي كانت تتصف بالجهل.
43-ولذلك فإنه في سنة 1415م في إيطاليا في مدينة (بولونيا) بكنيسة (سان بيترونيو) تم رسم صورة شخصٍ عارٍ وهو ممد أرضاً و يُعذب في جهنم بشكل بشع، رسم فيها هذا الشخص والشياطين تأكله في جهنم. وقد كُتب على جانبها بحروف واضحة اسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
44-وهذه الصورة الأثرية التي رُسِمَتْ بدافع الكراهية والعنصرية والكذب والحقد والجهل –للأسف- لا تزال موجودة إلى يومنا هذا، كتذكار لتلك المعاني الخسيسة والعناصر المنحطة! وحتى نعلم أن الرسوم الدنمركية ليست بالأمر الجديد على العقلية الغربية. (لديَّ صورة من تلك الرسمة لكن لن أنشرها)،
45-الصورة الثانية: اتهام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالسحر. فالصورة الثانية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في الذهنية الغربية كانت تتمثل في وصفه بأنه ساحر معاد للمسيح. فأدبيات عدو المسيح أو المسيح الدجال في التراث المسيحي تم إسقاطها على شخصية النبي عليه الصلاة والسلام وآله.
46-ويؤكد R.W.Southern في كتابه (وجهات النظر الغربية للإسلام في القرون الوسطى) أن من الأساطير الشهيرة التي انتشرت في أوروبا في القرون الوسطى اتهام النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- بأنه ساحر كبير، استطاع عن طريق السحر والخداع تحطيم الكنيسة.
47-ويؤكد كذلك جورافسكي أن الغرب ألبس محمداً –صلى الله عليه وآله وسلم- قوة ماردة جبارة، ذات منشأ جني أو سحري عظيم، أكسبته قدرات فائقة على خلق عجائب خيالية وهمية. ولما علموا أن آيات صدقه تفوق قدرة البشر، لم يتقبلوا أن تكون إلهية المصدر، لأن في هذا اعترفًا بنبوته وتكذيبًا للمسيحية.
48- ويذكر Ph .Hitti أن من القصص الشهيرة في الغرب والتي روجت كثيرًا، قصة الراهب الدومينيكاني في القرن الثالث عشر الذي زار بغداد، ثم خرج على الأوروبيين بحكاية خرافية، أصبحت رائجة في أوروبا بين المسيحيين!
49-ومفاد حكاية ذلك الراهب المختلقة هي: أن الشيطان حينما عجز بقدراته الذاتية عن وقف انتشار المسيحية، اخترع كتاباً جديداً هو (القرآن) وجعل له وسيطًا هو (ماهوم) الذي يجسد دور المسيح الدجال.
50-وفي مدينة ديندر موند في بلجيكا، يوجد في محراب كنيسة CHURCH OF OUR BEAR LADY تمثال منحوت من الخشب في القرن السابع عشر، يظهر في أسفله صورة الرجل (ماهوم) ملقى على الأرض على وجهه وهو يحتضن القرآن، وتدوسه أقدام الملائكة، تعبيرًا عن هزيمة الإسلام ونبيه عليه السلام، وانتصار المسيحية.
51-وهذا التمثال لا يزال موجودًا حتى وقتنا الحالي، يزوره الناس ويرونه ويصورونه، كدليل ملموس على مدى العنصرية والكراهية التي كان يُعامل بها النبي صلى الله عليه وسلم في الغرب، قديمًا وحديثًا، وأنك لن تفهم ما يحدث الآن إلا بفهم ما حدث في الماضي! (ولديَّ صورة له لكن لن أنشرها هنا).
52-الصورة الثالثة: اتهام الإسلام بأنه دين يدعو إلى الانحلال الجنسي. لم تكن بقعة في الأرض أشد إنحلالاً جنسيًا من أوروبا، وكثرة الآفات والأمراض الجنسية وانتشارها، وبعملية إسقاطٍ نفسيها حمل الغرب أمراضه وعلله النفسيبة والخلقيَّة والسلوكية ورمى بها الإسلام والمسلمين!
53-فهذا دانتي أليجييري الإيطالي من أدباء القرن الثالث عشر، يتحدث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كتابه (الكوميديا الإلهية-الجحيم) ويسميه: (موميتو)، وبعد حديث بشع ومنحط لا يليق إلا بدانتي نفسه، يتهم دانتي (موميتو) ودينه بأنه "ناشر الشهوانية المقرفة"، وأنه لذلك يستحق العذاب.
54-يقول جورافسكي: "كانت دعوى التحلل الجنسي للمسلمين وصولاً إلى حد القول والزعم بأن القرآن نفسه يتساهل ويتسامح من اللواطة، من أكثر القصص والموضوعات انتشاراً في المؤلفات التي كتبها الأوروبيون عن الإسلام في القرون الوسطى".
55-وقد واجه قادة المسيحيين والفكر المسيحي، بسبب تبسيطهم وتشويههم لصورة نبي الإسلام عليه وآله الصلاة والسلام ودينه، أسئلة محرجة من أتباعهم من مثل: كيف لمثل هذه الشخصية وبمثل هذه الصفات أن تكتسب تصديق جمهور الناس وحبهم، وتفانيهم وإخلاصهم له وفي خدمة دينه، الموت في سبيله؟!
56-وقد واجه قادة المسيحيين من القسس والشعراء والكتَّاب تلك الأسئلة المحرجة بالمزيد من الكذب والدجل، وتزوير صورة النبي عليه وآله الصلاة والسلام ودينه الإسلام، وذلك من خلال إختلاق قصص تافه تريد أن تثبت أنه أقنع أتباعه بحركات خفة اليد وآلاعيب كانت منتشرة في أوروبا!!
57-ومن ذلك ما ذكره Ph.Hitti في كتابه (الإسلام والغرب) أن من القصص واسعة الانتشار في أوروبا تلك الأسطورة القائلة: إن (ماهوم) درب حمامة لتنقر حبوب القمح من أذنه، وبذلك أقنع العرب أن تلك الحمامة هي جبريل عليه السلام الذي كان يبلغه الوحي الإلهي!
58-ولم تنطل هذه الأسطورة على عوام الناس في أوروبا وحسب، بل راجت على أعظم المثقفين والأدباء، فقد استشهد بها في القرن الخامس عشر الشاعر الإنجليزي (جون ليدهيت)، والمؤرخ (وولتر رولي) بل حتى (شكسبير) استشهد بها!
59-هل تغيرت صورة الإسلام أو صورة نبيه عليه وآله الصلاة والسلام في القرن الثامن عشر وما بعده؟ للأسف الشديد أن الصورة النمطية عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في الغرب لم تتغير، فنفس الصورة التي كانت سائدة في القرون الوسطى انتقلت كما هي للقرون المتأخرة.
60-يقول مونتغمري وات: "وبشكل عام، فقد تكونت في وعي الأوربيين في القرون الوسطى ملامح اللوحة التالية عن الإسلام: إنه عقيدة ابتدعها محمد، وهي تتسم بالكذب والتشويه المتعمد للحقائق، إنها دين الجبر، والانحلال الأخلاقي، والتساهل مع الملذات والشهوات الحسية، وإنها ديانة العنف والقسوة".
61-وتقول الباحثة البريطانية كارين أرمسترونغ: "علينا أن نتذكر أن الاتجاه العدائي ضد الإسلام في الغرب هو جزء من منظومة القيم الغربية".
62-والسؤال الأخير: هل تغيرت الصورة في زمننا هذا؟ في الحقيقة، وحتى مع تطور وسائل التواصل العلمي، إلا أنَّ الصورة المشوهة عن الإسلام هي هي مكرسة في الغرب في أنماط مختلفة، تختفي صورة لتظهر صورة أخرى، ولا تزال في الغرب صورة الإسلام الشهواني والإرهابي العنيف التي كرستها القرون الوسطى.
63-ومع أن الإسلام أتى بتوقير جميع الأنبياء وتصديق كل الكتب التي قبله، وعدم اضطهاد اليهودية والمسيحية وإجباهما على ترك أديانهم، وأتى بما يُعظم المسيح وأمه عليهما السلام، فالقرآن جاءت فيه سورة تحمل اسم مريم تقديرًا وتبجيلاً لها ولابنها، ولم يأت القرآن الكريم بسورة تحمل اسم آمنة!
64-وآخر كلمة هنا هي: ما بال الغرب "المتمدن والمتحضر اليوم" لا يختلف في تصوراته وأحكامه عما كان أيام القرون الوسطى، تلك القرون التي توصف بالجهل والحقد والهمجية!؟
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد