بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
اتقوا الله عباد الله:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً).
عباد الله، يقول الله تبارك وتعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء إثمًا أن يحدث بكل ما سمع». وقال صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت». وإذا عرف المسلم أنه محاسب على كلامه، قلَّ كلامه، قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: من عدَّ كلامه من عمله، قلَّ كلامه إلا فيما يعنيه. وكثيرًا ما يؤدي إطلاق اللسان وفضول الكلام إلى الخوض في الباطل، وفيما لا ينبغي.
واللسان - عباد الله - له آفات وحصائد، أولها وأخطرها الغيبة، وهي معول من معاول الهدم في بناء الأسرة والمجتمع، وعامل فعال في تفريق المسلمين، وقد جاء النهي عنها في القرآن الكريم في أقبح صورة: ﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ﴾، وقال صلى الله عليه وسلم: «كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه»، والغيبة مما يتناول العرض.
وقد عرف النبي صلى الله عليه وسلم الغيبة تعريفا جامعا، فقال للصحابة رضي الله عنهم: «أتدرون ما الغيبة؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «ذكرك أخاك بما يكره». قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: «إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته». رواه مسلم.
الغيبة ذنب خطير وجزاؤه وبيل، فعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما عرج بي مررت بقوم، لهم أظفار من نحاس، يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم". رواه مسلم.
ومن آفات اللسان النميمة وهي نقل الكلام على وجه الإفساد، وهي أخت الغيبة، بل هي أعظم إثمًا، فالنمام رجل يتحرك بالشر ويسعى من أجله والنمام يفسد في ساعة ما لا يفسده الساحر في سنة، وقد جاء ذمه في القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿ ولاتُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ* هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ* مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ﴾. وقال صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة نمام». متفق عليه.
ومرَّ النبي صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال: « إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير» ثم قال: «بلى، أما أحدهما فكان يسعى بالنميمة، وأما أحدهما فكان لا يستتر من بوله».
وذو الوجهين، هو ذو اللسانين، الذي يتردد بين متعاديين، فيكلم كلاًّ منهما بما يوافقه وقد عدَّ صلى الله عليه وسلم من يفعل ذلك شرَّ الناس فقال: «تجد من شرار الناس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه». متفق عليه.
ومن آفات اللسان، اللعن: وهو الدعاء بالطرد والإبعاد من رحمة الله، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة عن اللعن، وبيَّن أن المؤمن لا يكون لعانًا. كما روى الترمذي عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش، ولا البذيء». وعن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن اللعانين لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة». رواه مسلم.
وقد ترجع اللعنة إلى قائلها، إذا لم يكن من وجهت إليه أهلًا لها. فقد أخرج أبو داود عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن العبد إذا لعن شيئًا، صعدت اللعنة إلى السماء، فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الأرض، فتغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يمينًا وشمالًا، فإذا لم تجد مساغًا رجعت إلى الذي لُعِنَ، فإن كان لذلك أهلًا، وإلا رجعت إلى قائلها».
وعن أبي هريرة قال: قيل: يا رسول الله، ادع على المشركين، قال: «إني لم أبعث لعانًا، وإنما بعثت رحمة». رواه مسلم. وهكذا لم تجرِ اللعنة على لسانه صلى الله عليه وسلم حتى في حق المشركين.
ومن آفات اللسان السب والشتم، قال صلى الله عليه وسلم: «سبِاب المسلم فسوق، وقتاله كفر»، قال النووي رحمه الله: (السب في اللغة: الشتم والتكلم في عرض الإنسان بما يعنيه. والفسق في اللغة: الخروج، والمراد به في الشرع: الخروج عن الطاعة.
فاحذر أخـي المسلم من آفات اللسان وسيئاته وتنبه ولا تكن من الغافلين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وسمع الله لمن دعا وبعد؛ فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وتمسكوا بلا إله إلا الله فإنها العروة الوثقى.
عباد الله يقول عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: " لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشًا ولا متفحشًا ". متفق عليه، وتقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: " لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشًا ولا متفحشًا ولا صخابًا في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح ". رواه الترمذي.
هكذا كان خلق النبي وهديه نبراسا للأمة في التخلق بالأخلاق الحسنة، بعيداً عن سيء الأخلاق والأقوال، فهلا اتخذنا من رسولنا صلى الله عليه وسلم قدوة وأسوة، ورطبنا ألسِنَتِنَا بذكر الله وتلاوة كتابه، وصنا أنفسنا، وهذبناها بالتقوى، وحفظناها من حصائد وآفات الألسن.
فيا لخيبة مَن سلك طريق الشر، وكذب وافترى وهتك الأعراض وجرح الحرمات وقذف المحصنات الغافلات وآذى المسلمين بلسانه ويده، وطوبى لعبد قال خيراً فغنم، أو سكت عن الشر فسلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد