بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أكرر دائمًا لأصحابي أني عدو استسهال العلم والتأصيل الكسول لأي مسألة [1]
حينما تدخل علمًا إياك والخلط بين وضوح الحق، وتيسير الله العلم للطالبين، وإعانتهم عليه، وبين استخفاف من ينظر لأسوار مدينة العلم فيصف -بجرأة- دهاليزها.
نعم؛ حد الواجب العيني من الفقه واضح، لكن علينا الاتزان؛ فنقرّب العلم حينًا فنحفظ حق الناس في تعلمه، ونلقيه بتفاصيله وتراكيبه حينًا -ولا أقول نبعّده- لنستبقي مهابة العلم ونحفظ حقه.
عندما وصل العلامة محمد أنور شاه الكشميري في شرحه للبخاري عند كتاب التفسير باب: قوله تعالى: "الذين جعلوا القرآن عضين"
"وليس عندي فن أصعب مِن الفقه، حتى أني في الفنونِ كلِّها ذو رأي وتجربة، أحكم بما أريد، وأنتخب من أقوالهم ما أريد، وأفترع الآراء من عندي لا أحتاج إلى تقليد أحد، ولكني في الفقه مقلِّد بحت، ليس لي رأي سوى الرواية، ولذا قد يصعب عليَّ الإِفتاءُ" [2]
الفقه ليس عملية رياضية، ولا خطبًا إنشائية؛ وأصول الخطأ في هذا الباب من صنفين:
صنف قرّب الفقه لدرجة التهوين؛ ولم يفرق بين مستوى تصحيح عباداتك، وبين مستوى أن تصحح للآخرين وتمني نفسك بالاجتهاد.
وصنف حصر الفقه في إنشائيات مكتوبة بلغة ثقافية، شعارات عامة مرصوصة باسم "المقاصدية"، يقفز بها على الفروع الفقهية، ويتجاوز أنساق المذاهب، ليحدثك عن ثمرة الفقه دون المرور بمراحل زراعته.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
[1] كتبت منشورًا مطولًا نسبيًا اسمه "شعبنة العلوم" حاولت فيها ضبط ظاهرة تقريب العلوم وتسهيلها.
[2] فيض الباري شرح صحيح البخاري (5/ 301-302)
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد