بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)
الحمدُ للهِ وَحدَه (2) ، والصلاةُ والسلامُ على من لا نبيَّ بَعْدَه(3) ، وعلى آلِهِ وصحبهِ ممَّن عَرَفَ أصولَهُ وَحَدَّه(4) . "وبَعْدُ": فهذهِ رسَالةٌ صغيرةٌ في عِلْمِ
أصولِ الفِقْهِ(5) ، قد جمعناها لمن ابتدأ في هذا العلم(6) نزُفُّها، ومهرُهَا الدعاءُ لجامعها(7) . وهي مرتَّبةٌ على مقدِّمةٍ، وسبعةِ أبوابٍ، وخاتمةٍ(8)
فنقول، وباللَّه التوفيقُ.
تأليف عبد العزيز سالم السامرائي الامام والخطيب والمدرس في جامع الفلوجة الكبير(9)
[المقدمةُ ]:
المقدمةُ :
[ مبتكره ] بالإجماعِ: الامامُ محمَّدُ ابنُ أدريسَ الشافعيُّ-رضيَ اللهُ عنهُ(10) وأَلَّفَ فيهِ [الرسالةَ] وهي مقدّمةُ الأمِّ.
[الابوابُ السبعةُ] 1-الكْتابُ 2-السُنَّةُ 3-الاجماعُ 4-القياسُ 5-استصحابُ الحالِ 6-التراجيحُ 7-صفاتُ المجتهدِ(11)
[تعريفُهُ] أدلَّةُ الفقهِ الاجماليّةُ [ أَي غيرُ المعيَّنةِ ]، وكيفيّةُ الاستدِلالِ بها، وحال المستدلِّ.(4)
[ توضيحُهُ ] أَنّ هذا العلمَ يبحثُ عن [الأمرِ المطلقِ] بأنهُ للوجوبِ، وعن [ النهي المطلقِ ] بأنهُ للحُرمَةِ، وعن [ فعلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والاجماعِ، والقياسِ، والاستصحابِ ] بأَنَّها حُجَجٌ، وغيرِ ذلك.(13)
[ والأدلَّةُ التفصيليّةُ] ليسَتْ من علمِ أصولِ الفقهِ. مثل: أَقِيمُوا الصَّلَاة (14) ، وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا(15) ، ومثلُ: صلاتهِ عليه السلامُ في الكعبةِ (16) ،
ومثلُ: الاجماعِ على أَنَّ لبنت الأبنِ سدساً مع بنتِ الصُلْبِ (3) ، ومثل: قياسُ الأُرزِ على البُرّ في الرّبَا (4) ، ومثل: استصحابُ الطهارةِ لمن شكَ في بقائِها. (5) (6)
[ الفِقهُ ] لغةً الفهمُ.
واصلاحاً: معرفةُ الاحكام الشرعيّةِ التي طريقُها الاجتهادُ(3)
[ محترزاتُهُ ] خَرجَتِ الذواتُ [ بالأحكامِ ]، والنحويَّةُ مثَلاً [بالشرعيَّةِ]، والصلواتُ الخمسُ[بالتي طريقُها الاجتهادُ ]، فلا يُسمّى شيءٌ من ذلك فقهاً.
[الحكمُ ]:
[ الحكمُ ] خطابُ [ كلامُ ] اللهِ المتعلّقُ بفعْلِ المكلف، أو بالوضعِ.(1)
وهو قسمانِ: 1- خطابُ تكليفٍ، 2- خطاب وضعٍ.
1-[ خطاب التكليفِ ] كلامُ اللهِ المتعلّقُ بفعلِ المكلّفِ.(1)
وهو خمسة اقسام:
1-واجبٌ، 2- مندوبٌ، 3- حرامٌ، 4- مكروهٌ، 5-مباحٌ.
1-الواجبُ:
الواجبُ: الذي يثابُ على فعلهِ، ويعاقبُ على تركهِ، كالصلاةِ المفروضةِ (2)
2- المندوبُ: الذي يثابُ على فعلهِ، ولا يعاقبُ على تركهِ كصلاةِ الضُحى(1) (1) .
3-الحرامُ: الذي يثابُ على تركهِ، ويعاقبُ على فعلِهِ، كشرب الخمرِ(1) (2) .
4-المكروهُ: الذي يثابُ على تركهِ، ولا يعاقبُ على فعلِهِ، كالضحكِ (3) .
5-المباحُ: الذي لا يثابُ على تركهِ، ولا يعاقبُ على فعلِهِ، كالمشي (1) .
2-[ خطابُ الوضعِ ] :
[ خطابُ الوضعِ ] كلامُ اللهِ المتعلّقُ بالوضعِ(2) .
وهو خمسةُ أقسامٍ:
1-سبب، 2- شرطٌ، 3- مانعٌ، 4-صحيحٌ، 5- فاسدٌ.
1-[ السَبَبُ ] :
[ السَبَبُ ] المعرّفُ للحكمِ، أي العلامةُ الدالةُ عليهِ(3)
مثلُ الزنا الدالِ على وجوبِ الحدّ ، وكالإسكارِ الدالِّ على حرمةِ المسكرِ ، والقرابةِ الدالةِ على استحقاقِ الإرثِ .
2-[ الشرطُ ] :
[ الشرطُ ] الذي يلزمُ من عدمِهِ العدَمُ، ولا يلزمُ من وجودِهِ لا وجودٌ، ولا عدمٌ لذاتِهِ(1) .
مثالُهُ: الحياةُ شرطٌ للعلمِ، والطهارةُ شرطٌ للصلاةِ ، ونصبُ السُلَّمِ شرطٌ للصعودِ على السَّطحِ(2)
والأوّلُ شرطٌ عقليٌّ، والثاني شرعيٌّ، والثالثُ عادِيٌ.
3-[ المانعُ ] وَصفٌ معرِّفٌ لنقيضِ حكمِ السببِ(1) .
مثالُهُ: القتلُ المانعُ منَ الإرثِ ، والحيضُ المانعُ من الصلاةِ .
4-[ الصحيحُ ] موافقةُ الفعلِ ذي الوجهينِ الشرعَ(2) .
مثالُهُ: الصلاةُ اذا أُدِّيَتْ بشروطِها وأركانِها،
والعقودُ: كالبيعِ ، والنكاحِ .
بخلافِ: معرفةِ أَنَّ النهر جارٍ، وأنَّ السماءَ فوقنا، لأنها ذاتُ وجهٍ واحدٍ، إذ الوجهُ الآخرُ جهلٌ وليسَ بمعرفةٍ فاسدةٍ.
5-[ الفاسدُ ] ويرادفهُ الباطلُ: مخالفَةُ الفعلِ ذي الوجهينِ الشرعَ.
مثاله: الصلاةُ، والعقودُ اذا فَقَدَتْ شرطاً، او ركناً.
[ تنبيهٌ ] يُضافُ الفعلُ الى السببِ، ولا يُضافُ الى الشرطِ، فيقالُ: حدُّ الزنا، وحرمَةُ الإسكارِ، واستحقاقُ أرثِ القرابةِ.
ولا يقالُ: علمُ الحياةِ، ولا صلاةُ الطهارةِ، ولا صعودُ نصبِ السُلَّمِ.
[التصورُ والأدراكُ ] :
التصورُ والأدراكُ حصولُ صورةِ الشيءِ في الذهنِ.
[ المعلومُ ] ما من شأنِهِ أَنْ يُدْرَكَ وَيُعْلَمَ.
[ ما حَصَلَ في الذهنِ ] ويسمّى إدراكاً - أربعةٌ:
1-وَهمٌ، 2- شكٌ، 3- ظنٌ، 4- علمٌ.
1- الوهمُ: إدراكٌ مرجوحٌ .
2-الشكُ: إدراكٌ متساوي الطرفينِ .
3-الظنُّ: إدراكٌ راجحٌ .
4-العلمُ: إدراكٌ جازمٌ مطابقٌ للواقعِ(33) .
[ تصورُ المعلومِ ] ادراكُ الذي من شَأنِهِ أَنْ يُدْرَكَ وَيُعْلَمَ، وهو قسمان: 1- علمٌ ، ... ... 2- جهلٌ.
1-[ العلمُ ] ادراكٌ جازمٌ مطابقٌ للواقعِ، مثلُ: اللهُ واحدٌ، والفاعلُ مرفوعٌ.
2-[ الجهلُ ] ادراكٌ جازمٌ غيرُ مطابقٍ للواقعِ، كاعتقادِ أن اليهوديَّةَ حقٌ، ويُسمّى -جهلاً مركباً- لأنهُ جاهلٌ يعتقدُ أنَّهُ ليسَ بجاهلٍ. [ والجهلُ البسيطُ ] - أن لا يُدْركَ المعلومُ أصلاً كجهلِ العوامِ بالعُلُومِ.
[ اقسامُ العلمِ ] اثنانِ، 1- مكتَسَبٌ، 2- ضروريٌّ
1-العلمُ المكتَسَبُ : المتوقفُ على نظر واستدلالٍ.
2-العلم الضروريُّ : الذي ليس متوقفاً على نظرٍ واستدلالٍ.
[مثالُهما ]
الاوّلُ: مثلُ، عِلمِنا بأنَّ العالَمَ حادثٌ المتوقِّفِ على المتغيّرِ.
والثاني: مثلُ، العلمِ الحاصِلِ بإحدى الحواسِ الخمسِ، مثلُ، النارُ حارةٌ، والنهارُ موجودٌ، والليمونُ حامضٌ، والزبدُ ناعمٌ.
[ النظرُ ] الفكرُ في الدالِّ ليُهتدي به الى المدلولِ(34) .
فأكثرُ حديثِ النفسِ ليس بنظرٍ، لأنَّهُ فكرٌ ليسَ في الدَّالِّ.
[ الدليلُ ] هو المرشدُ الى المدلولِ(35) .
مثلُ: المشي المرشدِ الى حياةِ الماشي.
ومثلُ: لفظِ زيدٍ المرشدِ الى ذاتِهِ.
ومثلُ: الصُفرةِ الدالَّةِ على الوجَلِ … وهكذا.
[الأدلةُ المتفقِ عليها للأحكامِ الشرعيةِ ] :
[ الأدلةُ المتفقِ عليها للأحكامِ الشرعيةِ ] أربعةٌ:
1-الكتابُ ، 2- السنةُ، 3- الاجماعُ، 4-القياسُ(1)
[الباْبُ الأوَّلُ ... مَبَاْحِثُ الكِتَابِ ]
مَبَاْحِثُ الكِتَابِ (2)
[ مباحِثُ الكتَابِ ] ثَمانيَةٌ:
1-الخبرُ والانشاءُ، 2- الحقيقةُ والمجازُ، 3- الخَاصُّ والعَامُّ، 4- التخصيصُ، 5- المجملُ والمبيَّنُ، 6- النصُّ، 7- الظاهرُ والمؤَوّلُ، 8- النَسْخُ.
الأول ... الخَبرُ والأنْشَاءُ
[ الكلامُ قسمانِ ] 1- خبرٌ 2- إِنشاءٌ
1-[الخبرُ] :
[ الخبرُ (1) ] الذي لنسبته خارجٌ تُطابقهُ فيُسمّى صادقاً، أو لا تُطابقهُ فيسمّى كاذباً.
[ وعلامتُهُ ] انهُ يحتملُ الصدقَ والكذبَ لذاتهِ.
مثلُ: زيدٌ قائمٌ ، وما قامَ زيدٌ.
[ تنبيه ] تارةً يُقطَعُ بصدقِهِ وكذبهِ، لا لذاتِهِ، بل لأمرٍ خارجٍ، كخبر اللهِ وخبرِ رسولِهِ صلى الله عليه وسلم.
وكخبر مسيلمة الكذاب لعنه الله تعالى.
[الأنشاءُ ] :
[ الأنشاءُ (2) ] الذي وُجِدَ معناهُ بلفظهِ، مثلُ: بعتُ، واشتريتُ، وهندٌ طالقٌ.
[ وهو قسمانِ ] 1- غير طلبيٍّ 2- طلبيٌ (1)
1-[ الأنشاءُ غيرُ الطلبيِّ ] ثلاثةٌ:
1-العقودُ(2) : كزوجتكَ بنتي.
2-القسَمُ(3) : مثلُ والعصرِ.
3- المدحُ والذمُ: مثلُ نعمَ العبدُ، وبئسَ للظالمينَ بدلاً.
2-[ الأنشاءُ الطلبيُّ ] سبعةٌ:
1-الامرُ: كـ قُمْ، 2- النهيُ مثلُ لا تشرِكْ، 3-الاستفهامُ مثلُ: هل قام زيدٌ، 4- العرضُ: مثل ألا تنزلُ عندنا، 5- التحضيضُ: مثلُ هلا حفظتَ درسكَ، 6- التمنِّ مثلُ ليتني تقيٌّ، 7- الرجاءُ: مثل لعلَّ اللهَ يفتَحُ لنا.(61)
1- ... الأمرُ :
- ... الأمرُ (5)
[ الأَمرُ ] طلبُ الفعلِ ممَّن دونَهُ بأَفْعَلْ.(1) ، مثل: اضرب، وجاهد، واستغفر.
فان كان ممّن يساوي سُمِّي [ التماساً ]، أو ممن فوقَهُ: [ فدعاً وسُؤَالاً ]
ومثلُ: اطلبُ منكَ الضربَ ليسَ بأمرٍ.
وَنَذكرُ خَمسةً من مَباحثِ الأمرِ:- [ حكمُ الامرِ ] (2)
الوجوبُ عند الأطلاقِ، لا لِفَورٍ ولا لِتكرارٍ الاّ لدليلٍ.(1)
[ معنى الاطلاقِ ] التجرُّدُ عن القرينةِ الصارفةِ لَهُ الى غيرهِ، مثلُ:( وأقيموا الصلاةَ.) البقرة /43
[ ونفي الفورِ والتكرارِ ] أَنَّ الأجزاءَ يحصلُ بالتراخي وبمدَّةٍ، مثلُ:( وأتمُّوا الحجَّ والعمرةَ للهِ.) البقرة /196(2)
[ ومثالُ الأمرِ لفورٍ وتكرارٍ لدليلٍ] الأمرُ بالصلواتِ الخمسِ، وبصيامِ رمضانَ.(3)
2-[ الامرُ ] بالشيءِ نهيٌ عن ضدِّهِ، و [ النهيُ ] من الشيء أَمرٌ بضدّه.
مثالهما: أسكنْ نهيٌ عن التحرّكِ، ولا تسكنْ أمرٌ بالتحرّكِ.
مثالهما: آمِنْ نهيٌ عن الكفرِ، ولا تشركْ أَمرٌ بالإيمانِ.
3- [ الأمرُ ] يوجبُ المأمورَ به، والذي لم يتمَّ الاّ به.
مثالُ ذلِكَ: الامرُ بالصلاةِ يوجبُ الصلاةَ. والوضوءَ الذي لا تَصحُّ بدونهِ.
مثالُ ذلِك: الأمرُ بصعودِ السطحِ يوجبُ الصعودَ. ونصبَ السلَّمِ الذي لا يُتوصَّلُ اليهِ الا بهِ.
4-[ الأمرُ ] اذا جاءَ، يدخلُ فيه المؤمنُ.
ولا يدخُلُ فيه الساهي والصبيُّ، والمجنونُ، والمكرَهُ، لأنهم غيرُ مكلّفين.
نعم يؤمَرُ الساهي بعد ذهابِ سهوهِ. بجبرِ خَللهِ: كقضاء ما فاته من الصلاةِ، وضمان ما أتلفَهُ من المالِ.
[ والدليلُ في ذلكَ ] قولُهُ عليه السلامُ [ رُفعَ القلَمُ عن ثلاثٍ: عن الصبيِّ حتى يبلُغَ، وعن النائِم حتى يستيقظَ، وعن المجنونِ حتى يبرأ ](1) .
وقولُهُ عليه السلامُ [ رُفِعَ عن امتي الخطأُ والنسيانُ وما استُكْرِ هو عليهِ](2) .
[ الكافرُ ] مخاطبٌ بالفروعِ والاسلامِ الذي هو شرطُها. ولا يؤاخَذُونَ بالفروعِ بعد الاسلامِ - ترغيباً فيه. وفائدةُ خطابِهم بالفروعِ عِقابُهم عليها.
[ والدليلُ ] قال اللهُ تعالى: [ما سلككُم في سَقَرَ قالوا لم نَكُ من المصلينَ] الآياتَ.المدثر .43
وقال الله تعالى: [ وويلٌ للمشركينَ الذينَ لا يُؤتونَ الزكاةَ] فصلت /7
5-[ الأَمرُ ] يخرجُ عن الوجوبِ في مواضِعَ ستّةٍ(1) :-
1-الندبُ: مثلُ،( فكاتبوهُم ان علمتهُم فيهم خَيراً.) النور /31
2-الاباحةُ: مثلُ،( واذا حللتم فاصطادوا.) المائدة /2
3-التهديدُ: مثل، (اعملوا ما شئتمُ.)فصلت/40
4-التسويةُ: مثلُ، (فاصبروا أولا تصبروا.)الطور /16
5-التكوينُ: مثلُ، (كونوا قِرَدَةً خاسئين .)البقرة/65
6-التعجيزُ : مثلُ، (فأتوا بسورةٍ من مثلِهِ.)البقرة/23
ب- ... النهيُ:
النهيُ: طلبُ الكفِّ ممّن دونَهُ بلا تفعَلْ(2) . فطلبُ الكفِّ ممّن هو مثلُهُ، أو فوقَهُ ليس بنهيٍ، وكذا قولُكَ ذَرْ، وَدَعْ، وكُفَّ.
وَنَذْكُرُ خَمْسَةَ أَبحَاثٍ من مبَاحثِ النهيِ.
[ تنبيهٌ ] المباحثُ الخمسَةُ التي مرَّتْ في الأَمِرِ تثبتُ للنَهيِ بالضدِّ، لانَّ النهيَ ضدُ الأَمْرِ.
1-[ حكمُ النهي ] التحريمُ عند الاطلاقِ ولا بُدَّ من الفور والتكرارِ إِلا لدليلٍ(1) . مثلُ ولا تقربوا الزنا.
ومثالُ المقيَّدِ بالدليلِ: " لا تقتُلوا الصيدَ وأنتم حُرُمٌ"، " المائدة/95 . ولا تُسافِرِ اليومَ ".
2-[ النهيُ ] يُحرِّمُ المنهيَّ عنهُ، ومقدِّماتِهِ.
فالنهيُ عن الزنا يُحرِّمُ الزنا، والنَظَرَ، والخَلْوَةَ، وكَشفَ العورةِ. والنهيُ عن استعمالِ أواني الذهبِ والفضةِ يُحرِّمُ أيضاً اتخاذَها. لان مقدِّماتِ المنهيِّ عنهُ تجرُّ اليهِ.
3-تقدَّمَ أنَّ النهيَ عن الشيء أمرٌ بضدّهِ.
4-[ النهيُ ] يُخاطبُ به المؤمنُ، لا ساهٍ، ولا صبيٌّ، ولا مجنونٌ، ولا مُكْرَةٌ.
ويُخاطبُ به: الكافر. ولا يحتاجُ الى شرط الاسلامِ، لأنهُ كفٌّ لا يتوقفُ على النيَّةِ المتوقفةِ على الاسلامِ، وليسَ الكفُ عملاً.
5-[ النهيُ ] يَخرُجُ عن التحريم الى خمسةِ أسوارٍ(2) :-
1-الكراهةُ: مثلُ، "ولا تيمَّمُوا الخبيث منه تنفقون".البقرة/267
2-الارشادُ: مثلُ " لا تسألوا عن أشياء إِن تبدَلكم تَسُؤكمْ"./المائدة 101
3-الدعاءُ: مثلُ " ربنَّا لا تُزغْ قُلوبَنا بعد اذ هديتنا ".آل عمران /8
4- بيانُ العاقبةِ: مثلُ " ولا تحسبنَّ الذين قُتلُوا في سبيل اللهِ امواتاً بل أحياءٌ ".آل عمران /169
5-الاحتقارُ: مثلُ " ولا تمدنَّ عينيك الى ما متعنا به أزواجاً منهم ".الحجر/88
[الثاني ... الحقيقةُ والمجازُ ] :
الثاني ... الحقيقةُ والمجازُ
[ الحقيقةُ ] لفظٌ أُبقيَ على موضوعِهِ(1)
كالأسِد للسبُعِ، وخلقَ اللهُ النباتَ.
[ المجازُ ] لفظٌ استُعِملَ في غيرِ موضوعِهِ(2)
كالأسدِ لرجلٍ شجاعٍ، وأمطَر الشتاءُ
[الثالث ... الخاصُّ والعَامُّ ] :
الثالث ... الخاصُّ والعَامُّ
[ الخاصُ ] لفظٌ معناهُ واحدٌ، مثلُ ابراهيمَ، وأنا وهذا (3)
[ العامُ ] لفظٌ شمِلَ اثنينِ فصاعداً. (1)
- ألفاظُهُ كثيرةٌ - منها:-
1-[ ذو الأَداة ] فرداً وجمعاً، مثل: " وخُلِقَ الانسانُ ضعيفاً"،/النساء /28 ...." فاقتُلوا المشركينَ "./التوبة /5ﱠ
2-مَنْ [ للعالِمِ - مثلُ (فمن يعملُ مثقالَ ذرَّةٍ خيراً يَرَهُ.)الزلزلة/7
3-ما [ لغير العالِمِ - مثلُ (وما تفعلوا من خيرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ.) البقرة /197
4- أيُ [ في العالِمِ وغيرِهِ مثلُ - أَيَّ تلميذٍ تكرمْ اكرمْ، وأيَّ دارٍ تسكُنْ أسكُنْ.
5-أَينَ [ في المكانِ، مثلُ: أَيْنَ تَذهَبْ أَذهَبْ.
6-متى [ في الزمانِ، مثلُ: متى تَذهَبْ أذهَبْ.
7-لا [ في النكراتِ، مثلُ: لا رجُلَ في الدارِ.
[ تنبيهٌ ] العمومُ من أوصافِ الالفاظِ، لا من أوصافِ الافعالِ،(2)
فقضاؤهُ عليه السلامُ بالشفعةِ للجارِ لا تعمُّ كلَّ جارٍ، لاحتمال خصوصيتهِ في ذلكَ الجارِ .
[الرابعُ ... اَلتَّخْصِيْصُ ] :
الرابعُ ... اَلتَّخْصِيْصُ
[ التخصيصُ] إخراجُ البعضِ من العامِّ (1)
ويُقسَم من وجهينِ:-
[ الوجْهُ الأَوَّلُ ] قسمانِ: 1- منفصلٌ 2- متصلٌ
1-[ التخصيصُ المنفصلُ ] أنْ يوجدَ في مكانٍ والعامُ في مكانٍ آخرَ،(2)
مثالهُ : تخصيصُ الوصيِةِ بالثلثِ.
2-[التخصيصُ المتصلُ ] أن يوجَد مع العامِ في كلامٍ واحدٍ(1)
[ طرقُهُ ] ثلاثةٌ 1- شرطٌ، 2- استثناءٌ، 3- صفةٌ.
1-[الشرطُ ] ولو مقدَّماً. مثلُ:
فكاتبوهُمْ إنْ علمتُمْ فيهم خيراً. وان دخلتِ الدارَ فأنتِ طالقٌ(2) .
2-[الاستثناءُ ] :
[ الاستثناءُ ] وهو إخراجٌ من متعدّدٍ، بحروفهُ (3)
بشرطِ: أَن يتصلَ ولا يستغرِقَ، فلو قال لزيدٍ عليَّ عشرةٌ الا عشرةً، أو قال بعد ساعةٍ الا تسعةً، لا يصُح. ويجوزُ الاستثناءُ من غير الجنسِ. مثلُ: لزيدٍ عليَّ الفُ درهمٍ الا ثوباً.
3-[ الصفةُ ] (1) مثلُ: اكرِمْ بني تميمٍ الفقهاءَ.
ومثلُ: ((فويلٌ للمصلينَ الذين هم عن صلاتهم ساهونَ.)) الماعون /4/
[ المطلق والمقيد ] :
يُحْمَلُ المطلقُ منها على المقّيدِ بها (1)
[انْ أَمكَنَ ] .
[ مثالُ الممكِنِ ] الرقبةُ في كفارةِ القتلِ قُيّدت بالإيمانِ وفي كفارةِ الظهارِ أطلِقَتْ.
فتحمل على تلك احتياطاً- فلا يجزئُ فيهما الاّ مؤمنَةٌ.
[وان لم يمكنْ فلا يُحْمَلُ ]
مثلُ: صيامُ الكفارةِ قُيّدَ بالتتابعِ، وصيامُ المتمتعِ قُيّدَ بالتفريقِ، وأطِلقَ قضاءُ رمضانَ.
فلا يمكنُ حملُهُ عليهما – لاستحالتهِ - ولا على أحدهما - لعدم المرجَحِ - فبقيَ على إطلاقِهِ(1)
[الوجه الثاني ... خمسة اقسامٍ ] :
الوجه الثاني ... خمسة اقسامٍ
1-تخصيصُ الكتابِ بالكتابِ
مثالهُ: قولُهُ تعالى: [ ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ]البقرة.221
- فانهُ خُصَّ بقولهِ تعالى - [ والمحصنات من الذين اوتوا الكتابَ ]المائدة.5. أي حلٌّ لكم.
2-تخصيصُ الكتاب بالسّنةِ(2)
مثالُهُ: قوله تعالى [ من بَعدِ وصيَّةٍ يُوْصِي بها أو دَيْنٍ ]النساء .11.
فانهُ خُصَّ بقولِهِ عليه السلامُ: [ ثلثٌ والثلثُ كثيرٌ ] (3)
3-تخصيصُ السُنَّةِ بالسنَّةِ:
مثالُهُ: قولُهُ عليه السلامُ [ فيما سقتِ السماءُ العشرُ ](4) فأَنه خُصَّ بقولِهِ عليه السلامُ:
[ ليس فيما دونِ خمسةِ أَو سقٍ صدقةٌ ](1) (2)
4-تخصيصُ السُنَّةِ بالكتابِ:
مثالُهُ قولُهُ عليه السلامُ [ ما أُبينَ من حَيٍّ فهوَ ميّتٌ ]
فأنه خُصَّ بقولهِ تعالى: [ ومن أصوافِها وأَوبارها واشعارها أثاثاً ومتاعاً الى حينٍ ]النحل ..80...
5- تخصيصُ الكتابِ والسُنَّةِ بالقياس:
مثال ذلك قولُهُ تعالى: [ الزانيةُ والزّاني فاجلدوا كلَّ واحدٍ منهما مائَة جلدةٍ ]النور ..2..
- فانهُ خصَّ بقوله تعالى في الأمةِ -
[ فاذا أُحْصِنَّ فأن أَتَيْنَ بفاحشةٍ فعليهنّ نصفُ ما على المحصناتِ من العذابِ ]النساء..25..
والعبدُ خُصَّ بالقياسِ على الأمةِ أيضاً.
ومثالُ ذلك: قولُهُ صلى الله عليه وسلم [ من مَلَكَ ذا رحمٍ محرمٍ فهو حُرٌّ ]
فانهُ خُصَّ: بالأصلِ، والفرعِ، قياساً على النفقَةِ.
[ تنبيهٌ ] القياسُ مستندُهُ نصٌّ، فكأَنَّ المُخصِصَ النصُّ لا القياسُ.(3)
[ الخَامسُ ... المجملُ وَالمبيَّنُ ] :
الخَامسُ ... المجملُ وَالمبيَّنُ
1-[المجملُ ] الذي افتقَرَ الى بيانٍ.(1)
مثالُهُ: القرءُ، المشتركُ بينَ الطُهرِ والحيضِ، وعينٌ ومختارٌ.
2-[المبيَّنُ ] الذي لم يفتقِرْ الى البيان.
مثلُ: ابراهيمُ، وفرعونُ.
[ البيانُ ] هو إخراجُ الشيءِ من حيّزِ الاشكالِ الى حيِّزِ التجلّي والايضاحِ.(2)
[السَّادسُ والسَّابعُ ... النصُّ - والظاهرُ - والمؤَوَّلُ ] :
السَّادسُ والسَّابعُ ... النصُّ - والظاهرُ - والمؤَوَّلُ
1-[ النصُّ ] لفظٌ لا يَحتملُ الا مَعْنىً واحِداً
مثلُ: زيدٍ، في رأيتُ زيداً
2-[ الظاهرُ ](3) لفظٌ أحتَمَلَ أمرينِ، أحدُهُما أظهَرُ، واستُعمِلَ في الأظهَرِ، مثلُ: أسدٍ للحيوانِ المفترسِ.
3- [ المؤوَّلُ ] لفظٌ أحتُمِلَ أَمرين احدهما أظهرُ، واستُعمِلَ في غيرِ الأظهرِ لدليلٍ.(1)
مثل: اسدٍ، في كتبَ الأسَدُ، أي الرجُلُ الشجاعُ.
[ الثامِنُ ... ألْنَسْخُ ] :
الثامِنُ ... ألْنَسْخُ
[ النسخُ ] رفعُ الحكم الشرعيِّ بخطابٍ.(2)
[ فالرفعُ ] يُخرِّجُ الثابتَ بالبراءَةِ الأصليّةِ [ أي عَدَم التكليفِ بشيءٍ ] والمخرَّجُ باستثناءٍ وغيرهِ من التخصيصاتِ.
[ والخطابُ ] يُخرّجُ الرفعَ بالموتِ والجنونِ ونحوهما.(1)
[ ويُقسَّمُ من وجْهَينِ ]
الوجهُ الأوَّلُ ... أربعَةُ اقسَامٍ:
1-[نسخٌ الى بدلٍ] مثلُ نسخِ استقبالِ بيتِ المقدسِ باستقبالِ الكعبةِ.
2-[نسخٌ الى غير بدلٍ] مثلُ نسخِ وجوبِ الصدقةِ بينَ يَديْ النجوى، في قوله تعالى: (إذا ناجيتمُ الرسولَ فقدّمُوا بينَ يَدَيْ نجواكُم صدقةً) المجادلة/11
3-نسخٌ الى بدلٍ أغَلَظَ:-
مثالُهُ: قولُهُ تعالى: [ وعلى الذينَ يُطيقونَهُ فديةٌ ]البقرة/184
فانهُ نُسخَ بقولِهِ تعالى: [ فمن شهِدَ منكم الشهرَ فَلْيصُمْهُ ]البقرة/185
4-نسخٌ الى بدلٍ أخفَّ:
مثلُ آيةِ عدةِ الوفاةِ عاماً، ثم نُسِخَتْ بقوله تعالى:[ يتربَّصْنَ بأنفسِهنَّ أربعة أَشهرٍ وعشراً].البقرة /134
الوجهُ الثاني ... أَربعةُ أقسامٍ أيضاً
1-[نسخُ الكتابِ بالكتابِ] مثلُ آيةِ الصومِ والعدةِ المذكورتين.
2-[نسخ الكتاب بالسُنَّةِ ] مثلُ قوله تعالى: [ كُتِبَ عليكُم إذا حَضَرَ أحدُكم الموتُ إن ترَكَ خيراً، الوصيةُ للوالدين والأقربينَ ] فإنها نُسِخَتْ بقوله عليه السلام: [ لا وصيَّة لوارثٍ ](2)
3- [نسخُ السنَّةِ بالكتابِ ] مثلُ استقبالِ بيتِ المقدسِ الثابتِ بالسنَّةِ الفعليَّة، فإنها نُسختْ بقوله تعالى: [ فَولِّ وجهكَ شطرَ المسجدِ الحرامِ ].
4- [نسخُ السنةِ بالسنَّةِ ]:
مثل قولِهِ عليهِ السلامُ: [ كنت نهيتُكُمْ عن زيارَةِ القبورِ ألاَ فزُوروْها فإنها تذكّرُ الآخرةَ ](1) .
[ البابُ الثاني ... مَباحثُ السُنَّةِ ] [ (2)
البابُ الثاني ... مَباحثُ السُنَّةِ
[ السنّةُ ] أقوالُ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم، وأفعالُهُ وتقريرُهُ.
[ أقوالُهُ ] عليه السلامُ - حُجَّةٌ بلا نزاعٍ.
[ أفعالُهُ ] إنْ كانت قُرْبَةً، ودلَّ دليلٌ على الاختصاصِ به، فيُحملُ على الاختصاصِ بِه.
مثالُهُ: وجوبُ الضُّحى والأضحى، والتهجُّدِ عليهِ - صلى اللهُ عليهِ وسلّمَ.(1)
[ وأفعالُهُ ] إن كانت قُرْبَةً، ولم يدلَّ عليه دليلٌ(2) ففيه أقوالٌ ثلاثةٌ:
1-الوجوبُ في حقِّهِ وحقنا.
2-الندبُ.
3-الوقفُ حتى يقومَ عليه دليلٌ.
[ وأفعالُهُ ] ان كانت غير قُرْبَةٍ، فانْ دَلَّ دليلٌ على الاختصاصِ، فتحملُ على الاختصاص بهِ.
مثالُهُ: زيادتُهُ في النكاحِ على أربعِ نسوَةٍ.
وأنْ لم يَدُلَّ دليلٌ على الاختصَاصِ بهِ-فيُحملُ على الإباحةِ.
مثالُهُ: الأكلُ، والشربُ، والنومُ، والمشيُ.(3)
[ تقريرُهُ ] على قوْلٍ أو فعلٍ وَقَعَ بحضرتهِ حُجَّةٌ. لأنهُ معصومٌ من أن يُقِرَّ على مُنكرٍ.(1)
مثالُهُ: تقريرُهُ أبا بكْرٍ على قولِهِ: بإعطاءِ سَلبِ القتيل لقاتِلهِ
مثالُهُ: تقريرُهُ خالدَ بنِ الوليد على أكل الضبِّ [ مُتّفَقٌ عليهما](84)
[ وتقريرُهُ ] على ما فُعِلَ في عهدِهِ وعَلِمَ وسكتَ عليهِ [حجَّةٌ أيضاً]
مثالُهُ: علمُهُ بحلفِ أبي بكرٍ أنَّهُ لا يأكلُ الطعامُ في وقتِ غضبهِ، ثمَّ أكَلَ لما رَأى الأكْلَ خيراً (3)
[المتواترُ من السُنَّةِ] :
[ المتواترُ من السُنَّةِ ] يوجبُ العلمَ بصدقِهِ قطعاً(4)
[ آحادُها ] يوجبُ العَمَلَ بهِ دونَ العلمِ.(1)
لجوازِ الخطأِ على الرَاوي.
[ المرسَلُ ] غيرُ حجَّةٍ. إلاّ مرسَلَ سعيدِ بن المسيَّبِ، فانّ مراسِيْلَ سعيدٍ وُجِدَتْ مرويَّةً عن أبي هريرَةَ صهرِهِ.(2)
[ البابُ الثالِثُ ... مَباحثُ الإِجمَاعِ ] (3) :
البابُ الثالِثُ ... مَباحثُ الإِجمَاعِ
هُوَ أتّفاقُ فقهاءِ العَصْرِ عَلى حُكْمِ الحادِثَةِ.
والمرادُ بالفقهاءِ: المجتهدونَ لا العوامُ ولا الاصوليون(1) فلا عِبْرَةَ بآتّفَاقِهم.
[ الاجمَاعُ ] حُجَّةٌ على عصرِهِ، وعلى من بَعدَهم، من أيّ عَصْرٍ كانَ، من عصرِ الصحابَةِ فمَنْ بعدَهم.(2)
لانّ الامةَ معصومَةٌ عن الخطأِ.
قال عليه الصلاةُ والسلامُ: [ لا تجتمعُ أمّتي على ضلالَةٍ ]
[ تنبيهٌ ] إذا أنعَقَدَ الاجماعُ فلا يُشترَطُ انقراضُ أهلِ العصرِ بالموتِ، ولا يجوزُ لهمُ الرجوعُ عنهُ، ولا يُعتَبرُ أيضاً قولُ مَنْ وُلِدَ في حياتِهم وصارَ من أهْلِ الاجتهادِ.(3)
[ الاجماعُ ] أقسامٌ ثلاثَةٌ:1- فعليٌّ 2- قوليٌّ 3- سكوتيٌّ.
1-الاجماعُ الفعليُّ: أنْ يفعَلَ كلُّ المجتهدينَ شيئاً.
2-الاجماعُ القوليُّ: أن يقولَ كلُّ المجتهدينَ شيئاً.(1)
3-الاجماعُ السكوتيُّ: أن يقولُ، أو يفعَلُ بعضُهم ولم يُخالِفْهُ الباقونَ ولا حامِلَ لهم على السكوتِ من خَوْفٍ أو طمُعٍ.(2)
[ فائِدةٌ] (3)
ليس قولُ صحابيٍّ حجَّةً على غيرهِ على الجديدِ، والقديمِ.
وأما قولُهُ عليه السلامُ: [ أصحابي كالنجومِ بأيهم اقتديتم اهتَديتُم ] فضعيفٌ(1) .
[ألْبَاْبُ الْرّاْبِعُ ... مَباحِثُ القِيَاسِ ] :
ألْبَاْبُ الْرّاْبِعُ ... مَباحِثُ القِيَاسِ
هُوُ رَدُّ فرعٍ إِلى أَصْلٍ بعلَّةٍ جامعةٍ في الحكمِ.(2)
[اركانُهُ أربَعَةٌ]
1-الفرعُ 2- الاصلُ 3- العلَّةُ الجامعَةُ 4- الحكمُ(3)
مثاله : الربا ثبت أنه حرامٌ في البُرِّ، وقيْسَ عليهِ الرُزُّ.
فالرزُ: فرع، والبُرُّ أصلٌ، والعلَّةُ الجامعَةُ الطعْمُ فيهما- والحكمُ الحرمَةُ .
[ أقسامُ القياسِ ] ثلاثةٌ:
1-قياسُ علَّةٍ 2- قياسُ دلالَةٍ 3- قياس شَبَهٍ
1-[ قياسُ علةٍ ] أن تُوجِبَ العلَّةُ الحكمَ بحيثُ لا يحسنُ عقلاً تخلّفُهُ عنها(1)
مثالُهُ: قالَ تعالى: [ ولا تقُلْ لهما أُفٍّ ]الاسراء/23
فقيسَ على التأفيفِ الضربُ في التحريم لعلَّةِ الايذاءِ.
مثالُهُ: قال تعالى: [ ولا تأكُلُوا أموالَكم بينكم بالباطِلِ ]البقرة /188
فقيسَ على الأكلِ: اللبسُ والاحراقُ.
2-[قياسُ الدلالةِ ] أن تَدُلَّ العلَّةُ على الحكمِ ولم توجبْهُ.(2)
مثالُهُ: تجبُ الزكاةُ في مالِ البالغِ، فقيسَ عليه مالُ الصَبيِّ في الوجوبِ، بجامِعِ أنّهُ مالُ نامٍ.
ويجوزُ أن يقالُ انهُ لا يَجبُ فيه، كما قال ابو حنيفة رضي الله تعالى عنه.
3-[ قياسُ الشَّبَهِ ] أن يترَدَّدَ فرعٌ بين أصلين، وأُلحقَ بالأشبهِ بهِ(1)
مثالُهُ: العبدُ إذا أُتلِفَ فانَّهُ متردِّدٌ في الضمانِ بينَ الانسانِ الحُرِّ من حيثُ انهُ ادميٌّ، وبينَ البهيمةِ من حيثُ انهُ مالٌ وهو بالبهيمةِ أكثرُ شبهاُ. لدليلِ: أنهُ يُباعُ ويُوْرَثُ. ويُوقَفُ
وتُضَمَّنُ أجزاؤُهُ فيما نَقَصَ من قيمتهِ فأُلحِقَ بالمالِ لا بالإنسانِ.
[شرْطُ الأصلِ المقيسِ عليهِ ]
ثبوتُه بدليلٍ وِفاقيًّ يَقُوْلُ بهِ الخَصْمٌ إنْ كانَ خَصْمٌ ليكون القياسُ حجَّةً عليهِ(2)
وان لم يكنْ خَصْمٌ فيشُتَرطُ أنْ يقوْلَ بهِ القائِسُ.
[ شرطُ الفرعِ ] مناسبتُهُ للأصلِ في الذي يَجْمَعُ بينهما للحكم(3)
[شرطُ العلةِ ] :
[ شرطُ العلةِ ] الاطرادُ في معلولاتِها فلا تنقِضُ، وذلك بان توجَدَ العلّةُ، ولا يوجَدَ الحكمُ.
[ مثالُهُ] أنْ يقالُ : القتلُ بالمثَقَّل انَّهُ قتلٌ عمدٌ عدوانٌ، فيجبُ به القصاصُ، كالقتلِ بالمحدَّدِ، فيُنتَقَضُ، وذلكَ بقتلِ الوالِدِ ولدَهُ - فانَّهُ لا يجبُ به قصاصٌ.
[ ومثالهُ أيضاً ] أن يُقالَ: تجبُ الزكاةُ في المواشي - لدفع حاجة الفقراءِ(1)
فيقال: ينتَقَضُ بوجودِ الحاجةِ أيضاً في الجواهِرِ - ولا زكاةُ فيها.
[ شرطُ الحكمِ ] أن يكونَ مطَّرداً تابعًا للعلَّةِ. متى وُجدِتْ وُجِدَ، ومتى أنتفتْ انتفى.
لانَّ العلَّةَ هي الجالبةُ للحكمِ - لمناسبتها لهُ(2)
[الباب الخامسُ ... استصحابُ الحالِ ] :
الباب الخامسُ ... استصحابُ الحالِ
هو أن يبقى الشيء على صفتِهِ السابقةِ الى ظهورِ ما يغيّرهُ(3)
مثالُهُ: صومُ رَجبٍ، لم يُشرَعْ فاستَصحَبَ الاصْلُ، أي عدمَ الصومِ الأصليّ.
وهو عندَ عدمِ الدليلِ حُجَّةٌ، وليسَ مِنَ المتَّفقٍ عليهِ.(1)
وأصْلُ كلِّ المنافعِ - بعد البعثةِ الحِلُّ - حتى يدُلَّ دَليلٌ على حكمٍ خاصٍّ.
وأصْلُ كلِّ المضارِ - بعد البعثةِ التحريمُ - حتى يدُلَّ دليلٌ على حكمٍ خاصٍ.
فالمُراعي في الجهتين [ المصلحةُ ] قال عليه السلامُ [ لا ضَرَرَ ولا ضرارَ ](2) .
وقبل البعثةِ – لا حُكمَ يتعلقُ بأحدٍ. لانتفاءِ الرسولِ الموصِلِ للحُكْمِ.
وقيلَ أصْلُ الاشياءِ كلها الحِلُّ - لقولِهِ تعالى {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29]ﱠ.
وقيلَ أصلُ الاشياء كلها التحريمُ(3) لانّ الاشياءَ ملكُهُ. فلا يُتصرَّفُ الا بأذنٍ منهُ(4)
[ الباب السادس ... مَبَاحثُ الاستدْلالِ بالتراجِيْحِ ] (1)
الباب السادس ... مَبَاحثُ الاستدْلالِ بالتراجِيْحِ
هُوَ أنْ يتعارَضَ دليلانِ فُيَرجّحُ احدُهما.
- ومباحثه تسعةٌ -
1-اذا تعارضَ عامانِ، أو خاصّان وأمكَنَ الجمعُ بينهما جُمِعَ .
مثالُهُ: قوله عليه السلامُ - الا اخبرُكم بخير الشهودِ الذي يأتي بشهادتِه قبْلَ ان يسأَلها. رواهُ مسلمٌ .
وقولُهُ عليه السلامُ: " خيركمُ قرني ثم الذين يلونهم .. الى ان قال: ثمَّ يكونُ قومُ يشهدون قبْلَ ان يُسْتَشهدوا. رواهُ البخاري .
فحُمِلَ الاوَّلُ على ما إذا لم يكنِ المشهودُ له عالماً بها
والثاني على ما إذا كان عالماً بها
[ تنبيهُ ] إنْ تعارضَا في التحليلِ والتحريمِ. رُجِّحَ التحريمُ احتياطاً.
مثالُهُ: قال تعالى: [او ما ملكتْ ايمانُكم ]النساء/3/،وقوله تعالى: [وان تجمعوا بينَ الأُختين ].النساء/23
فالأوَّلُ يجوّزُ جمعها بملكِ اليمينِ. والثاني يَحّرم ذلكَ فرجّحَ التحريمُ احتياطاً.
ومثالُهُ ايضاً أَنه عليهِ السلام، سُئِلَ عما يحلُّ للرَّجُلِ من امرأَتهِ وهي حائضٌ. فقال [ ما فوقَ الازار ].
وفي رواية مسلمٍ: قال عليه السلامُ: [ اصنعوا كلَّ شيءٍ إلا النكاحَ ](2) .
أي الوطيء. فهو يَدُلُّ على حلِّ الاستمتاعِ بما بينَ السُرّةِ والركبةِ، والاوَّل يحرّمُهُ، فرُجّحُ التحريمُ احتياطاً.
مثالُهُ: حديثُ أبي دَاوُدَ - اذا بَلَغَ الماءُ قُلّتينِ فانَّهُ لا ينجسُ. وحديثُ ابنِ ماجَةَ - الماءُ لا يُنجّسُهُ شيءٌ الا ما غَلبَ على ريحهِ، وطعمهِ، ولونِهِ.
فالأوَّلُ. خاصٌ بالقلّتين. عامٌ في المتغيّرِ وَغيرهِ.
الثاني. خاصُ بالمتغيّر. عامٌ في القلتينِ وما دونهما.
فخصص عموم الاول بخصوص الثاني. حتى يُحكمَ بأنَّ ماءَ القلتينِ يَنجُسُ اذا تغييَّر.
وَخُصَّ عمومُ الثاني. بخصوصِ الاوّلِ.
حتى يُحكمَ بأن ما دون القلتين ينجس وان لم يتغيَّرْ .
[البابُ السَّابعُ ... صِفاتُ المجتهدِ ] (1) :
البابُ السَّابعُ ... صِفاتُ المجتهدِ
[صِفَاتُهُ أَرْبَعَةٌ ]
1-العلمُ بالفقهِ أصلاً، وفَرْعاً، وَخِلافاً، ومَذْهَباً.
ليذهبَ عند اجتهادِهِ الى قولٍ منهُ. ولا يُحدِثُ قولاً يُخرقُ به الاجماعُ.
2-العلمُ بالمهمِّ من تفسير آياتِ الاحكامِ وأخبارها.
وامّا آيات الامثالِ والقِصَصِ وأحاديثِ الزهدِ ونحوها فليست بشرطٍ.
3-العلمُ بالمهمّ من لُغَةٍ ونحوٍ.
لان اللغَةَ بها يعرِفُ معاني الفاظِ الكتابِ والسُنَّةِ.
4-العلمُ بالمهمِّ من حالِ رواةِ الاخبارِ من جرحٍ وتعديلٍ ليأخُذَ رواية المقبولِ منهم دونَ غيرِهِ(2)
[الْخَاتِمَةُ ] :
الْخَاتِمَةُ
الاجتهادُ: بذلُ الوسْعِ في طلبِ الغَرَضِ ليحصُلَ لَهُ.
والمجتهدُ: لَهُ اجران انْ اصابَ.
وأجرٌ واحدٌ إنْ أخطأ. هذا ان لم يُقصِّرْ
وإنْ قصَّرَ المجتهدُ فهو آثمٌ اتفاقاً.
[ تنبيهٌ ] ليسَ كلُّ مجتهدٍ مُصيباً
لانَّ الحقَّ واحدٌ لا يتعدَّدُ
قال عليه السلامُ: [اذا اجتهَدَ الحاكِمُ فحكَمَ وأصابَ فلَهُ أجرانِ واذا حَكَمَ فأخطأ فلَهُ أَجرٌ ](1) . رواه البخاريُّ
[ التقليدُ ] قبولُ قولِ المقلَّدِ بلا حُجَّةٍ يذكِرُهَا(2)
ولا يجوزُ للمجتهدِ انْ يُقلِّدَ لِتَمكنِهِ من الاجتهادِ.
اللَّهمَّ نسألُكَ حسنَ الخاتمةِ. وان تفتح لنا وتمكننا على اسبابِ الوصولِ اليكَ وتجعلنا من المحافظين على الاصول التي وصفتَها لنا حتى نلقاكَ وترزقنا
مرافقة احبابكَ في الدارين آمين يا رب العالمين
29 / تشرين الثاني / 1959
(انتهت الرسالة)
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد
التعليقات ( 1 )
طباعة الرسالة
-عمار الخالدي
20:46:41 2022-01-14