أم المؤمنين أم حبيبة


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

إن أمَّ حَبِيبَةَ هي إحدى أمهات المؤمنين، الذين قال عنهم الله تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) (الأحزاب:6) فأحببتُ أن أذكر نفسي وإخواني الكرام بشيء من سيرتها العطرة.

الاسم والنسب:

هي أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ: رَمْلَةُ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ صَخْرِ بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ بنِ عَبْدِ شَمْسٍ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ بْنِ قُصَيٍّ.

أُمُّهَا: صَفِيَّةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، عَمَّةُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ.

 تَزَوَّجَ رَمْلَةَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِيَابِ، فَوَلَدَتْ لَهُ حَبِيبَةَ، فَكُنِّيَتْ بِهَا. تَزَوَّجَ حَبِيبَةَ دَاوُدُ بْنُ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ.

(الطبقات الكبرى لابن سعد جـ8صـ76)

قال الإمام الذهبي: رَمْلةُ بِنْتُ أبي سُفْيَان مِنْ بَنَاتِ عَمِّ الرَّسُوْلِ لَيْسَ فِي أَزْوَاجِهِ مَنْ هِيَ أَقْرَبُ نَسَبًا إِلَيْهِ مِنْهَا، وَلاَ فِي نِسَائِهِ مَنْ هِيَ أَكْثَرُ صَدَاقًا مِنْهَا، وَلاَ مَنْ تَزَوَّجَ بِهَا وَهِيَ نَائِيَةُ الدَّارِ أَبْعَدُ مِنْهَا.(سير أعلام النبلاء للذهبي جـ2صـ219)

ميلاد أم حبيبة:

 وُلِدَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ قبل بعثة النبي بسَبعَة عَشَرَ عَامًَا. (الإصابة لابن حجر العسقلاني جـ4صـ398)

 

إسلام أم حبيبة وهجرتها:

أسلمت أُمُّ حَبِيبَةَ قديمًا هاجرَت مع زوجها عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ فِي الْهِجْرَةِ الثَّانِيَةِ.

(الطبقات الكبرى لابن سعد جـ8صـ76)

 

محنة أم حبيبة وثباتها على الإسلام:

 قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ: رَأَيْتُ فِيَ النَّوْمِ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ زَوْجِي بَأَسْوَأِ صُورَةٍ وَأَشْوَهِهِ فَفَزِعْتُ. فَقُلْتُ: تَغَيَّرَتْ وَاللَّهِ حَالُهُ. فإذا هو يقول حَيْثُ أَصْبَحَ: يَا أُمَّ حَبِيبَةَ إِنِّي نَظَرْتُ فِي الدِّينِ فَلَمْ أَرَ دِينًا خَيْرًا مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ وَكُنْتُ قَدْ دِنْتُ بِهَا. ثُمَّ دَخَلْتُ فِي دِينِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ قَدْ رَجَعْتُ إِلَى النَّصْرَانِيَّةِ. فَقُلْتُ: وَاللَّهِ مَا خَيْرٌ لَكَ.وَأَخْبَرْتُهُ بِالرُّؤْيَا الَّتِي رَأَيْتُ لَهُ فَلَمْ يَحْفَلْ بِهَا وَأَكَبَّ عَلَى الْخَمْرِ حَتَّى مَاتَ عَلى النَّصْرَانِيَّةِ، مُرْتَدًَّا عَنِ الإسْلامِ.(الطبقات الكبرى لابن سعد جـ8صـ77)

 

زواج النبي بأُمِّ حَبِيبَةَ:

قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ: رَأيت فِي النَّوْمِ كَأَنَّ آتِيًا يَقُولُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ.فَفَزِعْتُ فَأَوَّلْتُهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ يَتَزَوَّجُنِي. قَالَتْ: فَمَا هُوَ إِلا أَنِ انْقَضَتْ عِدَّتِي فَمَا شَعَرْتُ إِلا بِرَسُولِ النَّجَاشِيِّ عَلَى بَابِي يَسْتَأْذِنُ فَإِذَا جَارِيَةٌ لَهُ يُقَالُ لَهَا أَبْرَهَةُ كَانَتْ تَقُومُ عَلَى ثِيَابِهِ وَدَهْنِهِ(عطره) فَدَخَلَتْ عَلَيَّ فَقَالَتْ: إِنَّ الْمَلِكَ يَقُولُ لَكِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَتَبَ إِلَيَّ أَنْ أُزَوِّجَكَهُ. فَقَالَتْ: بَشَّرَكِ اللَّهُ بِخَيْرٍ. قَالَتْ: يَقُولُ لَكِ الْمَلِكُ وَكِّلِي مَنْ يُزَوِّجُكِ. فَأَرْسَلَتْ إِلَى خالد بن سعيد بن العاص فوكلته وأعطت أَبْرَهَةَ(خادمة الملك) سِوَارَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ وَخَدَمَتَيْنِ كَانَتَا فِي رِجْلَيْهَا وَخَوَاتِيمَ فِضَّةً كَانَتْ فِي أَصَابِعِ رِجْلَيْهَا سُرُورًا بِمَا بَشَّرَتْهَا. فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ أَمَرَ النَّجَاشِيُّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَمَنْ هُنَاكَ من المسلمين، فحضروا. فَزَوَّجَهَا النَّجَاشِيُّ للنبي وَأَصْدَقَهَا مِنْ عِنْدِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَرْبَعَ مِائَةِ دِينَارٍ.فَدَعَا بِطَعَامٍ فَأَكَلُوا ثُمَّ تَفَرَّقُوا. قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ: فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيَّ الْمَالُ أَرْسَلْتُ إِلَى أَبْرَهَةَ (خادمة الملك) الَّتِي بَشَّرَتْنِي فَقُلْتُ لَهَا: إِنِّي كُنْتُ أَعْطَيْتُكِ مَا أَعْطَيْتُكِ يَوْمَئِذٍ وَلا مَالَ بِيَدِي فَهَذِهِ خَمْسُونَ مِثْقَالًا فَخُذِيهَا فَاسْتَعِينِي بِهَا. فَأَبَتْ. فَأَخْرَجَتْ حُقًّا فِيهِ كُلُّ مَا كُنْتُ أَعْطَيْتُهَا فَرَدَّتْهُ عَلَيَّ وَقَالَتْ: وَقَدِ اتَّبَعْتُ دِينَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ وَأَسْلَمْتُ لِلَّهِ. وَقَدْ أَمَرَ الْمَلِكُ نِسَاءَهُ أَنْ يَبْعَثْنَ إِلَيْكِ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُنَّ مِنَ الْعِطْرِ. قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ جَاءَتْنِي بِعُودٍ، وَوَرْسٍ وَعَنْبَرٍ كَثِيرٍ فَقَدِمْتُ بِذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى النَّبِيِّ فَكَانَ يَرَاهُ عَلَيَّ وَعِنْدِي فَلا يُنْكِرُهُ. ثُمَّ قَالَتْ أَبْرَهَةُ:فَحَاجَتِي إِلَيْكِ أَنْ تُقْرِئِي رَسُولَ اللَّه ِ مِنِّي السَّلامَ وَتُعْلِمِيهِ أَنِّي قَدِ اتَّبَعْتُ دِينَهُ.قَالَتْ: فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّه ِ أَخْبَرْتُهُ كَيْفَ كَانَتِ الْخِطْبَةُ وَمَا فَعَلَتْ بِي أَبْرَهَةُ.فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ .وَأَقْرَأَتْهُ مِنْهَا السَّلامَ فَقَالَ:وَعَلَيْهَا السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.بَعَثَ النَّجَاشِيُّ أُمِّ حَبِيبَةَ إلى النبي مع شُرحبيل بن حَسَنَةَ.وَذَلِكَ سَنَةَ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَكَانَ لَهَا يَوْمَ قَدِمَ بِهَا الْمَدِينَةَ بِضْعٌ وَثَلاثُونَ سَنَةً.              (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ8صـ78:77)

 

ولاء أم حبيبة لله تعالى:

 لَمَّا قَدِمَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ الْمَدِينَةَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ وَهُوَ يُرِيدُ غَزْوَ مَكَّةَ فَكَلَّمَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي هُدْنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ فَلَمْ يُقْبِلْ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ . فَقَامَ فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ أُمِّ حَبِيبَةَ. فَلَمَّا ذَهَبَ لِيَجْلِسَ عَلَى فِرَاشِ النَّبِيِّ طَوَتْهُ دُونَهُ فَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ أَرَغِبْتِ بِهَذَا الْفِرَاشِ عَنِّي أَمْ بِي عَنْهُ؟ فَقَالَتْ: بَلْ هُوَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ وَأَنْتَ امْرُؤٌ نَجِسٌ مُشْرِكٌ. فَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ لَقَدْ أَصَابَكِ بَعْدِي شَرٌّ.

(الطبقات الكبرى لابن سعد جـ8صـ79)

 

علم أم حبيبة:

روت أُمُّ حَبِيبَةَ خَمْسَةً وَسِتينَ حَدِيْثًا، وَاتَّفَقَ لَهَا البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى حَدِيْثَيْنِ، وَتَفَرَّدَ مُسْلِمٌ بِحَدِيْثَيْنِ.

حَدَّثَ عَنْهَا: أَخَوَاهَا؛ الخَلِيْفَةُ مُعَاوِيَةُ، وَعُتْبَةُ، وَابْنُ أَخِيْهَا؛ عَبْدُ اللهِ بنُ عُتْبَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، وَأَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ، وَصَفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ، وَشُتَيْرُ بنُ شَكَلٍ، وَعَامِرٌ الهُذَلِيُّ، وَآخَرُوْنَ. (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ2صـ219)

 

وفاة أُمَّ حَبِيبَة:

قَالْت عَائِشَةُ: دَعَتْنِي أُمُّ حَبِيبَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ ، عِنْدَ مَوْتِهَا فَقَالَتْ: قَدْ كَانَ يَكُونُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الضَّرَائِرِ فَغَفَرَ اللَّهُ لي ولك مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ. فَقُلْتُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكِ ذَلِكَ كُلَّهُ وَتَجَاوَزَ وَحَلَّلَكِ مِنْ ذَلِكَ. فَقَالَتْ:سَرَرْتِنِي، سَرَّكِ اللَّهُ.وَأَرْسَلَتْ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ.وَتُوُفِّيَتْ أُمَّ حَبِيبَة سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ فِي خِلافَةِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ.(الطبقات الكبرى لابن سعد جـ8صـ80)

رَحِمَ اللهُ تعالى أُمَّ حَبِيبَةَ رحمةً واسعةً.وآخر دعوانا أن الحمدُ لله رب العالمين.

أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالى بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلاَ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْعَمَلَ خَالِصًَا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، كما أسأله سُبحانه أن ينفعَ به طلابَ العِلْمِ الكرامِ.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply