بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
عباد الله: لقد أرسل الله تعالى نبينا محمداً ﷺ بالعقيدة الصحيحة القائمة على توحيد الله وإفراده بالعبادة، وقطع العلائق عما سواه من الخلائق، فجاهد في الله حق جهاده؛ حتى أقام الملة، وأوضح المحجة فلا يزيغ عنها إلا هالك، وقد كان ﷺ حريصاً على تعليق أمته بالله فهو النافع الضار، الرازق المعطي لا إله إلا هو، ولا رب سواه، حريصاً على إزالة آثار الشرك والوثنية؛ ففي الصحيح عن أبي بشير الأنصاري: " أنه كان مع رسول الله ﷺ في بعض أسفاره فأرسل رسولاً ألا يُبقين في رقبة بعير قلادة من وتر، أو قلادة؛ إلا قطعت". فأمر ﷺ بقطع الأوتار التي كان أهل الجاهلية يعلقونها على دوابهم اعتقادًا منهم أنها تعصمهم من العين والآفات، وتدفع عنهم المكاره؛ وهذا الفعل من صور تعلق القلب بغير الله، ومناف لكمال التوحيد، فتعليق التمائم شِرْكٌ أَصْغَرٌ، وتكون شركاً أكبر؛ إذا اعتقد أنها تنفع أو تضر بذاتها من دون الله، قال ﷺ: "من تعلق تميمة فلا أتم الله له"، وفي رواية: "من تعلق تميمة فقد أشرك" رواه أحمد، وعن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت إن عبد الله رأى في عُنقي خيطًا، فقال: ما هذا؟ قلت: خيط رُقي لي فيه، قالت: فأخذه ثم قطعه، ثم قال: أنتم آل عبد الله لأغنياء عن الشرك، سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك»، أخرجه ابن ماجه وأبو داود وأحمد.
والرقى كلام يتلى على المريض طلباً لشفائه، ومعنى الحديث: أن الرقى التي تكون بألفاظ شركية أو لا يعرف معناها أو بأسماء الجن والشياطين أو ما أشبه ذلك فهي ممنوعة. والتمائم: جمع تميمة سميت بذلك: لأن العرب كانوا يعتقدون أنها تمام الدواء والشفاء، قال ابن الأثير: التمائم خرزات كان العرب يعلقونها على أولادهم يتقون بها العين.
والتولة ضرب من السحر، ويسمي الصرف والعطف. قال الأصمعي هو ما يحبب المرأة إلى زوجها ويكتب في الورق أو يقرأ على الخيط.
وإنما كانت هذه الأعمال شركاً إما لأن الكلام الذي تتضمنه تلك الرقى والتمائم والتولة كان مشتملاً على معنى الشرك، أو لأن اعتقاد فعلها بنفسها يقضي إلى الشرك، فاعتقاد أن هذه التمائم تنفع أو تضر بذاتها شرك أكبر، وذنب لا يغفر، واعتقاد أنها مجرد سبب للنفع أو الضر شرك أصغر، ومن علق شيئًا يشبه هذه التعاليق الشركية بقصد الزينة من غير اعتقاد لنفعها فحرام؛ لعلة المشابهة لأهل الشرك. قال علي رضي الله عنه :" إن كثيرًا من هذه الرقى والتمائم شرك، فاجتنبوها " .
ومن صور التمائم الشركية ما يُعلق على الدابة أو السيارة أو الدكان؛ اعتقادًا أنه يدفع البلاء، أو يجلب الرزق، كالقلادة من وتر، أو الخرق السوداء، أو الِقَرب البالية، وما كان على شكل حذاء صغير أو تمثال حيوان، وأحيانا توضع التميمة في تعاليق جلدية صغيرة، أو خرزات أو عظام، أو أساور من نحاس، أو خواتم، أو عين زرقاء؛ ويسمونها تعويذة، أو حرزا، أو حجابا، يزعمون أنها ترد العين والأذى.
ومنها ما يُعلق على الدار، أو الدكان، اعتقادًا أنه يدفع البلاء أو يحل البركة في المكان، كالدراهم الفضية القديمة، أو حذوة فرس، أو رأس ذئب، أو رأس غزال، وقد تكون من أشياء عديدة على حسب ما يعتقده واضعوها.
أما التمائم المشتملة على القرآن والأدعية النبوية، منعها بعض السلف كابن مسعود وحذيفة رضي الله عنهما؛ والراجح أنها لا تجوز لعموم النهي، وسداً للذريعة لئلا يُعلق ما هو شرك، ولأنها عرضة للامتهان عند دخول الخلاء، أو النوم عليها، ولو كان تعليق تمائم القرآن جائزًا لأمر به ﷺ فقد كان يرقى ورُقى له، وليس في الكتاب والسنة ما يدل على إجازة تعليق شيء من القرآن.
عباد الله: أخرج الإمام مسلم في صحيحه عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، قَالَ: كُنَّا نَرْقِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ فَقَالَ: " اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ " فهذا الحديث يدل على جواز الرقى، ما لم يكن بها شرك، وما لم تكن ذريعة للشرك، والرُقى رخص فيها النبي ﷺ من العين والحُمة.
"وقد أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط: أن يكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته، وباللسان العربي أو بما يعرف معناه من غيره، وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها، بل بذات الله تعالى، واختلفوا في كونها شرطا والراجح أنه لا بد من اعتبار الشروط المذكورة". الفتح (10/195). وتكون الرقية بالنفث على المريض مباشرة أو تقرأ في ماء ويشربه المريض.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم..
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، واعلموا أن الواجب على المسلم أن يُعلق قلبه بالله ويفوض أمره إليه، ويفعل السبب المشروع؛ وهذا هو التوكل بعينه: (وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ)، وفي الحديث "من تعلق شيئًا وكل إليه"رواه أحمد والترمذي. والتعلق يكون بالقلب، ويكون بالفعل، ويكون بهما جميعًا، فمن تعلق شيئًا وكله الله على ذلك الشيء الذي تعلقه، فمن تعلق بالله، وأنزل حوائجه به، والتجأ إليه، وفوض أمره إليه كفاه، ومن تعلق بغيره، أو سكن إلى رأيه وعقله ودوائه وتمائمه ونحو ذلك، وكله الله إلى ذلك وخذله، (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)، والله وحده هو القادر، وهو القاهر فوق عباده، وبيده وحده تصريف الأمور ولا يعلم الغيب سوى الله تعالى.
ومما يشرع فعله لرفع البلاء أو دفعه فعل الأسباب المشروعة، فقد كان النبي ﷺ يأخذ بالأسباب مع اعتماده على المسبب، وهو الله عز وجل، والرقية الشرعية، والأذكار والأدعية المأثورة، وقراءة الفاتحة وآية الكرسي والمعوذتين فمتى لزمتها حفظت وكُفيت من الشرور بحول الله، قال ابن عباس: اتفل بالمعوذتين ولاتُعلق.
وما يدفع البلاء المحافظة على الصلاة، والصدقة، والأعمال الصالحة، والبعد عن المعاصي وأهلها، كل ذلك يجلب الطمأنينة والحياة السعيدة.
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق ولي أمرنا ونائبه لكل خير.
اللهم أعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا وموتى المسلمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد