بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
كنتُ أحادث رجلًا خمسينيًا يشكو حزنه، قال ما معناه: لم أطلب من زوجتي أو بنتي شيئًا في حياتي، والآن أشعر باحتياجي لبعض الأشياء لكن كسر الألفة شديد، كنت أمنّي نفسي أنهم سيذكرون لي هذا، وها أنا أرى أقراني يطوف عليهم أولادهم قبل أن ينطقوا بالطلب؛ وأنا أتآكل بحسرتي.
قلت له كلامًا مفاده أنه لم يفت شيء، وأنه لا بأس من استحداث عادة، لابد أن تكون صريحًا ولن يعيبك أن تلبس ثوبك الذي يليق بك.
البس ثوبك؛ فلكل وجه من شخصياتنا ثوبه الملائم.
حين تكون زوجًا؛ لا بأس أن تطلب ما تتمناه بأدب ورفق، لا تسكت بانتظار أن يبادر طرف بفهمك وأنت صامت، وإلا ستندم.
حين تكون طالبًا؛ اسأل ما بدا لك، البس ثوب الطالب المفصل على حالتك، وإلا فقدت أشياء مهمة.
حين تكون أبًا؛ اطلب من أبنائك البر وبادلهم المحبة، اعتب حين ينقصك شيء، لا تنتظر أن يلبسك أحد ثوب الأبوة وأنت قد نزعته.
حين تكون صديقًا؛ عاتب بلطف على تقصير بدا في حقك، لا تلعب لعبة انتظار المفاجآت؛ استبقِ نفسك وإخوتك بالتذكير.
حين تكون أستاذًا؛ لا يعيبك أن تطلب احترامك، تبسّط ما اتسع صدرك، ثم ضع حدودك بصرامة؛ البس ثوب أستاذيتك دون خجل.
أينما تكن؛ البس ثوبك، وإذا علمتَ من نفسك سماحة للتنازل عن حقك دون ندم لاحق فافعل، وإن كنتَ ستتنازل ثم تندم فإياك وإياك.
قرأت في الأشباه والنظائر لابن نجيم الحنفي قوله:
"رأيت في الهبة من منية المفتي: فقير محتاج معه دراهم، فأراد أن يؤثر على نفسه، إن علم أنه يصبر على الشدة فالإيثار أفضل وإلا فالإنفاق على نفسه أفضل، انتهى" [1]
وهذا في شأن الأخلاق آكد، إذا تنازلت عن شيء من حقك وآثرت به غيرك فانظر صبرك؛ ثم قرر.
البس ثوبك؛ فإن قررتَ نزعه بإرادتك فلا تشكُ لأحد برودة أطرافك.
هذا حديثٌ بعيد عن مثالية النصائح الاجتماعية، وأعتذر لمحبي العبارات المغلفة.
———————
[1] طبعة دار الكتب العلمية، ص١٠٢، أثناء حديثه عن مسألة " هل يكره الإيثار في القُرَب"
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد