بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
إنَّ لزيارة المريض فضلٌ وآدابٌ ينبغي على المسلم أن يعرفها، فأقول وباللهِ تعالى التوفيق:
الابتلاء سُنة الله تعالى في عباده
قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)(البقرة:157:155)
لقد ابتلى اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كثيرًا مِنَ الأنبياء والصالحين ليختبر مَدَى صبرهم وليرفع درجاتهم في جنات النعيم يوم القيامة.
روى الترمذيُّ عَنْ سَعْدِ ابْنِ أبي وَقَّاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً ؟ قَالَ: الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ . فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ. (حديث حسن صحيح) (صحيح الترمذي ـ للألباني ـ حديث 1956)
اللهُ تَعَالَى ابتلى نبيه أيوبَ عليه السلام بالمرض سنوات عديدة, فصبر ثم شفاه اللهُ
قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) (الأنبياء : 83: 84)
* قَالَ الإمامُ ابن كثير (رَحِمَهُ اللهُ): يَذْكُرُ تَعَالَى عَنْ أَيُّوبَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مَا كَانَ أَصَابَهُ مِنَ الْبَلَاءِ، فِي مَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَسَدِهِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ مِنَ الدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ شَيْءٌ كَثِيرٌ، وَأَوْلَادٌ كَثِيرَةٌ، وَمَنَازِلُ مَرْضِيَّةٌ. فَابْتُلِيَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَذَهَبَ عَنِ آخِرِهِ، ثُمَّ ابْتُلِيَ فِي جَسَدِهِ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ سَلِيمٌ سِوَى قَلْبِهِ وَلِسَانِهِ، يَذْكُرُ بِهِمَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، حَتَّى عَافَهُ الْجَلِيسُ، وأفردَ فِي نَاحِيَةٍ مِنَ الْبَلَدِ، وَلَمْ يَبْقَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ يَحْنُو عَلَيْهِ سِوَى زَوْجَتِهِ، كَانَتْ تَقُومُ بِأَمْرِهِ . (تفسير ابن كثير ـ جـ5 ـ صـ 359)
فضل الصبر على المرض
حثنا نبينا محمدٌ عليه الصلاة والسلام في سُنَّتهِ الكريمة على الصبر على المرض لما يترتب على ذلك مِن جزيل الأجر ورَفْع درجات المسلم في الجنَّة.
(1) روى مسلمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ وَلَا نَصَبٍ وَلَا سَقَمٍ وَلَا حَزَنٍ حَتَّى الْهَمِّ يُهَمُّهُ إِلَّا كُفِّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ. ( مسلم ـ حديث 257 )
(2) روى البخاريُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ: إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الْجَنَّةَ ( يُرِيدُ عَيْنَيْهِ ). (البخاري ـ حديث 5653)
قال الإمَامُ أحمدُ ابنُ حَجَر العسقلاني (رَحِمَهُ اللهُ):
الْمُرَاد أَنَّهُ يَصْبِر مُسْتَحْضِرًا مَا وَعَدَ اللَّه بِهِ الصَّابِر مِنْ الثَّوَاب ، لَا أَنْ يَصْبِر مُجَرَّدًا عَنْ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ، وَابْتِلَاء اللَّه عَبْده فِي الدُّنْيَا لَيْسَ مِنْ سُخْطه عَلَيْهِ بَلْ إِمَّا لِدَفْعِ مَكْرُوه أَوْ لِكَفَّارَةِ ذُنُوب أَوْ لِرَفْعِ مَنْزِلَة فَإِذَا تَلْقَى ذَلِكَ بِالرِّضَا تَمَّ لَهُ الْمُرَاد. ( فتح الباري ـ لابن حجر ـ جـ10 ـ صـ 121 )
(3) روى مسلمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى أُمِّ السَّائِبِ، فَقَالَ: مَا لَكِ يَا أُمَّ السَّائِبِ تُزَفْزِفِينَ ؟ قَالَتْ: الْحُمَّى لَا بَارَكَ اللَّهُ فِيهَا، فَقَالَ: لَا تَسُبِّي الْحُمَّى فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ. (مسلم ـ حديث :2575)
* قَوْلُهُ: (تُزَفْزِفِينَ) مَا لَكِ تَرْتَعِدِينَ.
* قَوْلُهُ: (فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ) : أَيْ: تَمْحُو خَطَايَا بَنِي آدَمَ .
* قَوْلُهُ: (خَبَثَ الْحَدِيدِ) : أَيْ: وَسَخَهُ .
(مرقاة المفاتيح ـ علي الهروي ـ جـ3 ـ صـ 1131)
(4) روى الشيخانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، فَمَسِسْتُهُ بِيَدِي فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَجَلْ، إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ. فَقُلْتُ: ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَجَلْ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى، مَرَضٌ فَمَا سِوَاهُ، إِلَّا حَطَّ اللَّهُ لَهُ سَيِّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا.(البخاري ـ حديث: 5660 / مسلم ـ حديث: 2571)
* قَوْلُهُ: ( وَهُوَ يُوعَكُ ): الْوَعَكُ: حَرَارَةُ الْحُمَّى وَأَلَمُهَا.
* قَوْلُهُ:( يُصِبْهُ أَذًى ) أَيْ: مَا يُؤْذِيهِ وَيُتْعِبُهُ .
* قَوْلُهُ:( مَرَضٍ فَمَا سِوَاهُ ) أَيْ: فَمَا دُونَهُ أَوْ غَيْرُهُ مِمَّا تَتَأَذَّى بِهِ النَّفْسُ.
* قَوْلُهُ: ( إِلَّا حَطَّ اللَّهُ لَهُ سَيِّئَاتِهِ ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا )
قَالَ الطِّيبِيُّ (رَحِمَهُ اللهُ) : شَبَّهَ حَالَ الْمَرِيضِ وَإِصَابَةَ الْمَرَضِ جَسَدَهُ، ثُمَّ مَحْوَ السَّيِّئَاتِ عَنْهُ سَرِيعًا بِحَالَةِ الشَّجَرَةِ وَهُبُوبِ الرِّيَاحِ الْخَرِيفِيَّةِ، وَتَنَاثُرِ الْأَوْرَاقِ مِنْهَا، فَهُوَ تَشْبِيهٌ تَمْثِيلِيٌّ، وَوَجْهُ الشَّبَهِ الْإِزَالَةُ الْكُلِّيَّةُ عَلَى سَبِيلِ السُّرْعَةِ. ( مرقاة المفاتيح ـ علي الهروي ـ جـ3 ـ صـ1129 )
(5) روى أبو داود عَنْ أُمِّ الْعَلَاءِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، قَالتْ: َتْعَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَرِيضَةٌ، فَقَالَ: أَبْشِرِي يَا أُمَّ الْعَلَاءِ، فَإِنَّ مَرَضَ الْمُسْلِمِ يُذْهِبُ اللَّهُ بِهِ خَطَايَاهُ كَمَا تُذْهِبُ النَّارُ خَبَثَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ.( حديث صحيح ) (صحيح سنن أبي داود للألباني حديث:2651)
استمرار ثواب أعمال المريض إذا حسنت نيته
روى البخاري عَنْ أبي مُوسَى الأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا. ( البخاري ـ حديث:2996 )
معنى الحديث :
إذا فَاتَ المسلم عَمَلٌ صالحٌ بسبب المرض أو السفر أو شُغْل طاعة أو مُباح، أعطاه اللهُ تعالى ثواب ذلك العمل؛ لأنه معذورٌ في فَوت ذلك العمل، وهذا في غير الفرائض، أما الفرائض لا عذر في فوتها إلا الصوم في السفر والمرض، فإنه يجوز للمسلم أن يفطر بشرط القضاء. (المفاتيح في شرح المصابيح للشيرازي ـ جـ2 ـ صـ 398)
فضل زيارة المريض
حثنا نبينا محمدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، على زيارة المريض وبين لنا فضل زيارة المريض في كثير مِن أحاديثه المباركة، وسوف نذكر بعضًا منها :
(1) روى مُسلمٌ عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ. قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا خُرْفَةُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: جَنَاهَا. (مسلم ـ كتاب البر ـ حديث: 42)
* قَوْلُهُ: (عَادَ مَرِيضًا) أيْ: قَامَ بِزِيَارَتِهِ وَتَعَهَدَهُ وَتَفَقُّدُ أَحْوَالِهِ وَتَلَطُّفَ بِهِ، وَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِوُجُودِ نَشَاطِ الْمَرِيضِ، وَانْتِعَاشِ قُوَّتِهِ.
(2) روى البخاريُّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ: أَطْعِمُوا الْجَائِعَ وَعُودُوا الْمَرِيضَ وَفُكُّوا الْعَانِيَ ( الأسير) (البخاري ـ حديث :5649)
(3) روى البخاريُّ عَن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ :سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلَامِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ. (البخاري ـ حديث 1240)
* قَوْلُهُ: (حَقُّ الْمُسْلِمِ)
قَالَ الإمامُ الشوكاني (رَحِمَهُ اللهُ): أي: أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي تَرْكُهُ وَيَكُونُ فِعْلُهُ إمَّا وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا نَدْبًا مُؤَكَّدًا شَبِيهًا بِالْوَاجِبِ الَّذِي لَا يَنْبَغِي تَرْكُهُ. (نيل الأوطار ـ للشوكاني ـ جـ4 ـ صـ 21)
(4) روى الترمذيُّ عَنْ علي بن أبي طالب، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً إِلَّا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ ، وَإِنْ عَادَهُ عَشِيَّةً إِلَّا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ. ( حديث صحيح ) ( صحيح سنن الترمذي ـ للألباني ـ حديث:775 )
* قَوْلُهُ: ( غُدْوَةً ) أي: أَوَّلَ النَّهَارِ.
* قَوْلُهُ: ( صَلَّى عَلَيْهِ ) أَي: دَعَا لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ.
* قَوْلُهُ: ( عَشِيَّةً ) أَي: مَا بَعْدَ صَلاةِ الظُّهْرِ، أَوْ أَوَّلَ اللَّيْلِ.
(مرقاة المفاتيح ـ علي الهروي ـ جـ 3 ـ صـ1134)
(5) روى ابنُ مَاجَه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ عَادَ مَرِيضًا نَادَى مُنَادٍ مِنْ السَّمَاءِ: طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاك وَتَبَوَّأْتَ مِنْ الْجَنَّةِ مَنْزِلًا. ( حديث حسن ) (صحيح سنن ابن ماجه للألباني ـ حديث:1184)
* قَوْلُهُ: ( طِبْتَ )
قَالَ الطِّيبِيُّ (رَحِمَهُ اللهُ): هُوَ دُعَاءٌ لَهُ بِأَنْ يَطِيبَ عَيْشُهُ فِي الدُّنْيَا وَطِيبُ الْمَمْشَى كِنَايَةٌ عَنْ سَيْرِهِ وَسُلُوكِ طَرِيقِ الْآخِرَةِ وَقَوْلُهُ وَتَبَوَّأْتَ دُعَاءٌ بِطِيبِ الْعَيْشِ فِي الْآخِرَةِ وَإِظْهَارُ الدُّعَاءِ بِصِيغَةِ الْإِخْبَارِ لِإِظْهَارِ الْحِرْصِ عَلَى وُقُوعِهِ (حاشية السندي على ابن ماجه ـ جـ1 ـ صـ441 )
الدعاء للمريض
سوف نذكر بعض الأدعية النبوية المباركة التي يقولها الزائر للمريض:
(1) روى الشيخانِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كَانَ إِذَا أَتَى مَرِيضًا أَوْ أُتِيَ بِهِ، قَالَ: أَذْهِبِ البَاسَ رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لاَ شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا. (البخاري حديث 5675 / مسلم حديث 2191)
(2) روى مسلمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ اشْتَكَيْتَ (مَرِضتَ) ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ اللَّهُ يَشْفِيكَ، بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ .(مسلم ـ حديث 2186)
(3) روى البخاريُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى أَعْرَابِيٍّ يَعُودُهُ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ عَلَيْكَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ . (البخاري حديث 7470)
(4) روى أبو داود عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: (مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ فَقَالَ عِنْدَهُ سَبْعَ مِرَارٍ: أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ، إِلَّا عَافَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ .) ( حديث صحيح ) ( صحيح أبي داود ـ للألباني ـ حديث 2663 )
ثـمرات زيارة المريض
نستطيعُ أن نُوجِزَ ثـمرات زيارة المريض في الأمور التالية:
(1) زيارة المريض إرضاءٌ لله عزّ وجلّ.
(2) زيارة المريض تذكير بالآخرة، وترقيق للقلب.
(3) زائرُ المريض تُصلّي عليه الملائكة وتستغفر له.
(4) زيارة المريض اتّباع لسُنَّة نبينا محمد، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(5) زيارة المريض فيها رجاء شفاء المريض ببركة دعاء الزائر الصالح له.
(6) زيارة المريض تحقيق للتّواصل بين المسلمين وتحقيق للألفة بينهم.
(7) زيارة المريض جبر لخاطر أهله وإشاعة روح المحبّة بين النّاس.
(8) زيارة المريض ترفع من روحه المعنويّة ممّا يُعَجّل له بالشّفاء.
(موسوعة نضرة النعيم ـ جـ7 ـ صـ 3069)
زيارة المرضى من غير المسلمين
قَالَ تَعَالَى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8)
قالَ الإمامُ ابنُ جرير الطبري (رَحِمَهُ اللهُ):لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ جَمِيعِ أَصْنَافِ الْمِلَلِ وَالْأَدْيَانِ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتَصِلُوهُمْ ، وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَمَّ بِقَوْلِهِ: الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ جَمِيعَ مَنْ كَانَ ذَلِكَ صِفَتَهُ، فَلَمْ يُخَصِّصْ بِهِ بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ. ( تفسير الطبري ـ جـ25 ـ صـ 611 )
روى البخاريُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ r فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ r يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ: أَسْلِمْ فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ r فَأَسْلَمَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ r وَهُوَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ( البخاري ـ حديث:1356)
قال الإمامُ العسقلاني(رَحِمَهُ اللهُ) في هذا الحديث جَوَاز اِسْتِخْدَام الْمُشْرِك، وَعِيَادَته إِذَا مَرِضَ، وَفِيهِ حُسْن الْعَهْد. ( فتح الباري ـ ـ جـ3 ـ صـ262 )
* قَالَ الإمَامُ الْمَاوَرْدِيُّ (رَحِمَهُ اللهُ): عِيَادَةُ الذِّمِّيِّ جَائِزَةٌ وَالْقُرْبَةُ مَوْقُوفَةٌ عَلَى نَوْعِ حُرْمَةٍ تَقْتَرِنُ بِهَا مِنْ جِوَارٍ أَوْ قَرَابَةٍ (فتح الباري ـ لابن حجر العسقلاني ـ جـ10 ـ صـ 125)
نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو القدوة في زيارة المريض
(1) روى مسلم عَنْ سَعدِ ابن أبي وقاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: عَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ أَشْفَيْتُ مِنْهُ عَلَى الْمَوْتِ. ( مسلم ـ حديث :1628 )
(2) روى البخاريُّ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَعُودُنِي، لَيْسَ بِرَاكِبِ بَغْلٍ وَلاَ بِرْذَوْنٍ. (البخاري ـ حديث: 5664)
* قَوْلُهُ: ( بِرْذَوْنٍ ) نوع مِنَ الخيول غير عربي.
(3) روى أبو داود عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: عَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ وَجَعٍ كَانَ بِعَيْنِي . (حديث حسن) (صحيح أبي داود ـ للألباني ـ حديث :2659)
(4) روى الطبرانيُّ عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَأْتِي ضُعَفَاءَ ( فقراء ) الْمُسْلِمِينَ، وَيَزُورُهُمْ وَيَعُودُ مَرْضَاهُمْ، وَيَشْهَدُ جَنَائِزَهُمْ. ( حديث صحيح ) (صحيح الجامع ـ للألباني ـ حديث 4877)
آداب زيارة المريض
زيارة المريض لها آدابٌ ينبغي على المسلم معرفتها والعمل بها, وهذه الآداب نستطيعُ أن نُوجِزُهَا في الأمور التالية :
(1) إخلاص العمل لله تَعَالَى وحده والابتعاد عَنِ الرياء والسُّمْعَة .
(2) اختيار الوقت المناسب لزيارة المريض .
(3) غض البصر عَن محارم المريض .
(4) عدم إطالة الجلوس عند المريض حتى لا يتضايق .
(5) لا يتكلم عند المريض بما يزعجه .
(6) إظهار الرأفة على المريض .
(7) الإخلاص في الدعاء للمريض .
(8) يُوَسِّعُ للمريض في الأمل .
(9) ينصح المريض بالصبر لما فيه مِن جزيل الأجر مِنَ الله تَعَالَى .
(10) تحذير المريض مِنَ الجَذَع لما فيه مِنَ الوِزْرِ .
(11) إذا كان المريض في مرض الموت , فإننا نُذَكِّرهُ بمَحَاسِن أعماله ونُخْفِي عنه سيئها , حتى يُحسِنَ الظن باللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .
(فتح الباري ـ للعسقلاني ـ جـ10 ـ صـ131 : 132)
أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَصِفَاتِهِ الْعُلاَ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْعَمَلَ خَالِصًَا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وأن يجعله ذُخْرًَا لي عنده يوم القيامة.
(يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (الشعراء:89:88)
كما أَسْأَلهُ سُبْحَانهُ أن ينفعَ به طلابَ العِلْمِ الكِرَامِ .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد