الأسرة وأهمية المبادرة


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فإن قيمة المبادرة قيمة عظيمة وإيجابية حسنة، وكم هو جميل أن تكون المبادرة سائدة في حياة الأسرة، وبهذا تعيش الأسرة الإيجابية في أفعالها وأقوالها.

 

ويُقصد بالمبادرة: تقديم النفع والإيجابية للآخرين ابتداءً، فيكون الفرد في تلك الأسرة حريصًا على محاولة نفع الآخرين ومساعدتهم، وبهذا يكسب أمورًا مهمة:

أولًا: الإحسان، وهو عمل عظيم وجليل، وجزاؤه إحسان مثله من عند الله تبارك وتعالى لهذا المحسن.

 

ثانيًا: محبة الناس لهذا المحسن المبادر.

 

ثالثًا: خُلق حسن يتميز به ذلك الفرد من تلك الأسرة.

 

وسيكون لنا مع قيمة المبادرة عشرون وقفة:

الوقفة الأولى: المبادرة هي عطاء إيجابي للآخرين، ونفع كبير لهم فهي ضد الأنانية، فالمبادرة تصحح سلوكًا عند بعض أفراد الأسرة قد يكون جُبل عليه، فالتدرج في المبادرات علاج ناجح وناجع، ولو كان قليلًا فهو يتكاثر مع التكرار والإكثار.

 

الوقفة الثانية: المبادرة هي من العمل المتعدي نفعه للآخرين، ومن الصدقات الجارية لصاحبه، فإذا بادر بمشروع خيري صغير أو كبير، فله أجره ما دام المشروع على أرض الواقع، وقد تكون بعض المبادرات صغيرة، ثم مع التكاتف والتعاون تكبر شيئًا فشيئًا، فيا بُشرى أصحابها وما أهناهم.

 

الوقفة الثالثة: إذا رأيت مبادرًا داخل الأسرة أو خارجها، فشجعه ولو بكلمة، أو بدعوة طيبة، أو مساعدة ومساهمة، فإنك شريك بقدر ما تقدم وقد تنجح المبادرة بتوفيق الله تعالى، ثم بتشجيعك وتحفيزك.

 

الوقفة الرابعة: السنة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام حافلة بالحث على المبادرات، كقوله عليه الصلاة والسلام: (صنائعُ المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات)؛ صحيح الجامع، وكقوله عليه الصلاة والسلام: (من دلَّ على خير فله مثل أجر فاعله)؛ رواه مسلم.

 

فاستثمار مثل ذلك بالمبادرات والعطاء مهم جدًّا كسبًا للخير ودعوة للغير، ونشرًا للإيجابية وإزالة للسلبية.

 

الوقفة الخامسة: ثمة ارتباط كبير بين المبادرة واستثمار الفرص، وكلاهما عطاء وبناء، وهما من بركة عمر الإنسان في ذكره الحسن عند الآخرين، فإذا لاحت لك الفرصة في أي مجال من الخير ولو يسيرًا فبادر، فإن الفُرص تلوح ولا تدوم، وهي للمستثمر دون المفرط، وحاول أن تعيش التطبع على استثمار الفرص.

 

الوقفة السادسة: لا يلزم أن تكون المبادرات كبيرة ومشاريع عظيمة، بل هي متنوعة ومتشكلة، فمنها الكبير الذي لا يستطيعه إلا الكبار في قدراتهم وإمكاناتهم، ومنها ما هو في متناول أيدي الجميع، فالسلام والبشاشة والتبسم، ودلالة الآخرين على الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإعانة الرجل في شؤونه، وإعانة المحتاجين، والإيثار في الدخول والخروج والطعام، والتلطف في الكلام والظن الحسن، كل هذا ونحوه يحتاج إلى مبادرة واستثمار، فكم فيها من الأجور العظيمة على مرِّ الأزمان، وكم فيها من المصالح في سلامة صدور الناس بعضهم مع بعض، فهي شمائل عظيمة يحسُن التحلي بها داخل الأسرة وخارجها.

 

الوقفة السابعة: لو أن كل أب وأم حاوَل أن يؤسس تلك القيمة عند أولاده، لخرج لدينا جيل مبادر وقادر على العطاء والبناء وحسن الانتماء، فما أجمل أن ترى ولدك مبادرًا في مشروع كبير أو صغير، فحينها تهنأ وتطمئن وتقَر عينك، فلماذا لا نربي أولادنا على هذه المبادرات حسب إمكاناتهم، مبتدئين بالأسرة ثم الأقرب فالأقرب؛ حتى يكون ذلك سجية لهم؟!

 

الوقفة الثامنة: كم هو جميل أن يقوم الوالدان الكريمان باقتراح المبادرات الممكنة لأولادهم، لكل فرد منهم ما يناسبه، فيدرسها ويفكر فيها، ويتم على إثر ذلك توجيهه وإرشاده، ثم يدخل دائرة التنفيذ، فستعيش تلك الأسرة الإيجابية من كل جوانبها، وسيكون طبعًا لها، وليحرص الوالدان الكريمان على اقتراح ما يريان أنه مكمل لهذه الأسرة ما نقص منها وحينها يكتمل العقد التربوي داخل هذه الأسرة.

 

الوقفة التاسعة: ليقوم الوالدان أنفسهما بطرح مشروع على أولادهما كمبادرة منهما ومما يُقترح في ذلك استحداث جلسة تربوية علمية في البيت، ولو لم يحضر الجميع، ولو كانت لدقائق محدودة، فهي خير كبير وكثير، يتعلمون الكثير من الآداب والأحكام، وتحفهم الملائكة وتغشاهم الرحمة، وتنزل عليهم السكينة، ويذكرهم الله تعالى فيمن عنده.

 

يقول أحدهم: كنت مع أولادي لمدة نصف ساعة في عصر كل جمعة نقرأ في تفسير ابن كثير، فانتهينا منه في مدة لا تزيد على ثلاث سنوات، فماذا لو كانت هذه الجلسة في بيوتنا، فما مخرجاتها التربوية والعلمية والإيمانية، لا شك أنها لا تُحصى كثرة، فاجعلوا هذا واقعًا تمارسونه مع أولادكم يا معشر الآباء والأمهات الكرام.

 

الوقفة العاشرة: هل بادر أولادنا وبإشرافنا على حفظ القرآن أو بعضه؟ فإن هذا ليس بالأمر الصعب العسير، بل هو يسير، وما هي إلا عشرون شهرًا وقد تمثلوه في صدورهم يتلونه، ويقرؤونه، فبادروا في رسم برنامج لتحقيق ذلك الهدف النبيل.

 

الوقفة الحادية عشرة: هل جلس الوالدان مع أولادهم وطرحوا عليهم أهمية المبادرة والتعريف بها ومخرجاتها؛ حتى لا يكون الأولاد أرقامًا هامشية في المجتمع، وقد يتسلسل ذلك الخلق النبيل إلى أولادهم وأحفادهم، فكونوا بعيدي النظر لأجيال قادمة هي من نسْلكم، تَجرِ لكم الأجور من خلال أعمالهم.

 

الوقفة الثانية عشرة: مستودع خيري كبير يخدم مجموعة كبيرة من العالم الإسلامي، كان في أول أمره فكرة صغيرة متواضعة محدودة، لا تتعدى الحي الذي هو فيه، ثم بتوفيق الله تعالى ثم بجهود المبادرين صار صيته يشمل كثيرًا من الدول، وفق الله تعالى القائمين عليه وآثارهم.

 

الوقفة الثالثة عشرة: فرق كبير بين المبادرات والمغامرات، فالأولى هي الإيجابية المدروسة، والثانية هي السلبية الهادمة، فدراسة الفكرة ولو تأخر التنفيذ قليلا هو خير وأبقى.

 

الوقفة الرابعة عشرة: المبادرات تعطي معنى التعاون بين الناس، وتُحيي روح الجماعة وتؤلف بين القلوب، وهذه ثلاث صفات رئيسية في نجاح المجتمع فلنكن كذلك.

 

الوقفة الخامسة عشرة: إن من أهم ما يكتسبه المبادر صفة الثقة بالنفس والإقبال بقوة، والعزيمة الصادقة، وهذه الأشياء وأمثالها تجعل حياته ناجحة ومتميزة وفاعلة وإيجابية.

 

الوقفة السادسة عشرة: هل لك أخي الأب المبارك مبادرات لجيرانك وقراباتك؟ فهم أقرب الناس إليك، فالاجتماع للجيران مبادرة، والاجتماع العائلي للأقارب مبادرة، وداخل هذين الاجتماعين مبادرات كثيرة، هل لك مع هؤلاء وأولئك مبادرات تربوية من خلال وسائل التواصل؟ فهي محمولة مع الجميع وتكون مبادرتك دخولًا لبيوتهم من غير إذن، فسارع إلى مبادرات بهذا الشأن فهو خصب والحاجة داعية إليه.

 

الوقفة السابعة عشرة: لا نحتقر مبادرات أولادنا وإن كانت صغيرة، فإنها قد تكون نواة لمشاريع كبرى قادمة، فهؤلاء الكبار من أصحاب المشاريع كانوا أول أمرهم صغارًا محدودين، فنفع الله تعالى بهم البلاد والعباد.

 

الوقفة الثامنة عشرة: من المبادرات في الأسرة: تحفيظ الأولاد أذكار اليوم والليلة في دخولهم وخروجهم ونومهم ويقضتهم وصباحهم ومسائهم، مما يُعرف عند أهل العلم بالوظائف الشرعية وعمل اليوم والليلة، فسارِع إلى ذلك، فشهر أو شهران كفيلان بهذا المشروع بإذن الله تعالى.

 

الوقفة التاسعة عشرة: ليبادر الوالدان في التعاون مع الحلق القرآنية والمكاتب الدعوية واللجان الاجتماعية والدور النسائية، لكل جنس ما يناسبه، فهم بحاجة إلى رأيك ومبادرتك ومقترحك ومساهماتك، وهم بانتظارك وينادونك.

 

الوقفة العشرون: يتعيَّن أن تكون المبادرة محفوفة بالأدب والاحترام والتروي، وعدم العجلة والاستشارة فيها؛ حتى تؤدي ثمارها يانعة طيبة.

 

أيها الوالدان والأولاد، بعد هذا التطواف السريع من خلال عشرين وقفة مع قيمة المبادرة في الأسرة، لا بد أن نكون عمليين ومبادرين، وسيكون بإذن الله تعالى حلقة أخرى في هذا البرنامج نفسه، لنماذج حية من المبادرات الإيجابية في المجتمع، وهي كثيرة، فنرغب منكم حفِظكم الله تعالى إثراءنا في مبادراتكم الناجحة، وآرائكم الطيبة الرائعة، وكونوا على ثقة أن ما تذكرونه سيكون على مسامع إخوانكم بمشيئة الله تعالى، فشاركونا؛ ليكون الحديث من الواقع العملي المليء بالإيجابيات ولله الحمد والمنة.

 

وفَّقكم الله وسدَّد خطاكم، وبارَك في جهودكم أثوابكم ثواب المحسنين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply