وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

أُوصيكم أيُّها النَّاس ونفسي بتقوى اللهِ، فاتقوا اللهَ رحمكم اللهُ؛ فللهِ درُّ أقوامٍ إِذا مسَّهُم طائِفٌ من الشيطانِ تذكروا فإذا هم مُبصِرون، وللهِ درُّ أنفُسٍ أفاقت من غفلاتها، فاستعلت على دنياها وشهواتِها، وبادرت الفُرصَ السانحةَ قبلَ فوَاتِها، {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} ..

معاشر المؤمنين الكرام: ذكر ابن إسحاق‏‏ في السيرة:‏‏ أن أبا سفيان، وأبا جهل، والأخنسَ بن شريق خرجوا مُتخفين ليلاً ليسمعوا القرآن، فجاءوا إلى خارج بيت الرسول ، وأخذ كل منهم مجلساً ليستمع، وهو لا يعلم بمكان صاحبيه، فلما انصرفوا، جمعهم الطريق فتلاوموا، فعلوا ذلك ثلاث ليالٍ متتالية .. فلما اصبحَ الأخنسُ بن شريق انطلق إلى أبي جهلٍ فدخلَ عليه بيته، فقال‏‏:‏‏ يا أبا الحكم، ما رأيُك فيما سمعتَ من محمدٍ؟‏‏ فقال:‏‏ ماذا سمعت، تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تحاذينا على الركب، وكنا كفرسَيْ رهان، قالوا‏‏:‏‏ منا نبيٌّ يأتيهِ الوحيُ من السماء؛ فمتى نُدركُ مثل هذه، واللهِ لا نؤمنُ به أبداً ولا نصدقه .‏‏.‏‏ وفي رواية للإمام الطبري، أنَّ الأخنس بن شريق خلا بأبي جهل, فقال: يا أبا الحكم, أخبرني عن محمد، أصادقٌ هو أم كاذب؟ فإنه ليس ههنا أحدٌ يسمعنا، فقال أبو جهل: وَيْحك, والله إنَّ محمدًا لصادق, وما كذبَ محمّدٌ قطُّ, ولكن إذا ذهب بنو قُصَيِّ باللواء والحجابة والسقاية والنبوة, فماذا يكون لسائر قريش؟ .. ونزل قولُ الحقِّ جلَّ وعلا: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} .. فهم يعلمون أن محمداً صادق, (ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) ..

أحبتي الكرام: ربُّنا العظيم، ربُّنا الحكيم العليم، بصيرٌ بعباده، يضعُ التوفيقَ في مواضعهِ اللائقةِ به، ويضعُ الخذلانَ في مواضعه اللائقةِ به، {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} .. والتوفيقُ كما يعرِّفه العلماء: أن لا يكِلك اللهُ تعالى إلى نفسِك، ولا إلى أحدٍ غيره، والخذلانُ أن يكِلك اللهُ تعالى إلى نفسِك، أو إلى أحدٍ سواهُ جلَّ وعلا .. قال تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} ..

فمتى رأيت العبد يهتمُ لدنياهُ على حساب آخرته، ويؤثرُ الفانيَ على الباقي، وقد سيطرَ عليه حبُّ المخلوق، والرضا بالحياة الدنيا والحظوظ العاجلة، وترحل عنه حبُّ الله، والاستعداد للقائه، فاعلم أنه قد مُكرِ به وخُذل، تأمل: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} .. وتأمل: قوله تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}، فالله عزَّ وجلَّ يُنعمُ على من يشاءُ من عباده بالتوفيق، فيُعِينُهم ويُسدِّدُهُم بفضله ورحمتهِ، ويفتحُ لهم أسبابَ تحصيلِ الخيرِ،  ويمنعُ من شاء ذلك بعدله وحكمته, وهذا هو الخذلان، حيث يوكل العبدُ إلى نفسه، فلا يُسَدَّدُ ولا يُعِانُ، ولا يُعصمُ مِن الوقوع في السَّيِّئات ... وإذا أراد اللهُ عزَّ وجلَّ خُذلان عبدٍ استدرجه، فيعامِلَهُ باللطف والإحسانِ والإمهال، مع تمادي العبدِ في الغيِّ والإجرام، فيظنُ المخذولُ أنه لُطفٌ ورضا، فيزدادُ بطرًا وغيَّاً؛ حتى تحِقَّ عليه كلمةُ العذاب، فيأخذهُ الله تعالى أغفلَ ما يكون، تأمَّل هذا السياق القرآني الكريم: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ..

معاشر المؤمنين الكرام: إنَّ مسارعةَ الكفَّار وأعداء الدينِ إلى الكفر والصدِّ عن سبيل اللهِ لا تضرُّ اللهَ شيئًا، وإنما هي فتنةٌ لهم، وقدرُ اللهِ بهم، فقد علمَ اللهُ من أمرهم ما يُؤهِلُهم للحرمان والشقاء، وإلا فقد كان الهُدى مبذولاً لهم، وكان التوفيقُ مُمكناً لهم، فآثروا عليه حظَّهم العاجل، فحُرموا التوفيق, وتركوا ليسارعوا في الكفر إلى نهايته، وليعمهوا في طُغيانهم، وأُملِيَ لهم ليزدادوا إثمًا وخُذلاناً، قال تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} .. ومن أبيات الحكمة المشهورة: إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى *** فأولُ ما يجنيهِ عليه اجتهاده ..

فإذا خُذِل العبد تسلطت عليه شياطين الإنس والجن، وتسلطت عليه الشهوات والشبهات يتخبطُ بينها، وهو يظن أنه يُحسنُ صنعاً .. {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} ... وفي قوله تعالى: {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولًا}، قال العلماء: أي يُضلَهُ ويُزين له الباطلَ ويقبِّح له الحقَّ، ويَمنيه الأماني ثم يتخلى عنه أحوجَ ما يكونُ لنصرته، {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} ..

ثم اعلموا يا عباد الله أنَّ كل خيرٍ أصله التوفيق، والتوفقُ بيد الله لا بيد غيره، ومفتاحُ تحصيلهِ الثقةُ بالله والإنابةُ إليه، وحُسنُ التوكلِ عليه، قال تعالى: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}، وَمِن أَسبَابِ التَّوفِيقِ والهداية: الحرصُ على أداء الطَّاعَاتُ وَتجنُبِ المَعَاصِي؛ فَمَن أَطَاعَ اللهَ هَدَاهُ ووفقه: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ}، وقال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} .. وكذلك فإن من أعظم أسباب التوفيق: دعاء الله والافتقار إليه، وصِدقُ اللجوء إليه مع الرغبةِ والرهبة، تأمل: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} .. {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} .. أقول ما تسمعون ..

 

معاشر المؤمنين الكرام: الله جل جلاله بحكمته البالغة، {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} وليس لأحدٍ من بعده الْخِيَرَة .. فهو سبحانه الملكُ العزيزُ الحكيم، لا يصطفي لنفسه إلا أعزَّ الأشياءِ وأشرفَها، وأعظمَها قيمةً وقدرًا، وإذا كان الربُّ جلَّ جلاله قد اختارَ البشرَ لنفسه، وارتضاهم لمعرفته ولمحبتهِ ولعبادته، وبنى لهم دارًا في جواره وقُربِه، وسخَّرَ لهم ما في السمواتِ وما في الأرضِ جميعاً منه، ثمَّ إنَّ الواحدَ منهم لجهله ولخُذلانه يُعرضُ عن ربه، ويُقصِّرُ في حقِّه، ولا يكفيهِ ذلك حتى يُصالحَ عدوهُ الشيطانَ الرجيم، ويُواليه من دونه، ويصيرُ من جنده وأعوانه، فأيُّ مقتٍ أدخلهُ هذا المخذولُ على نفسه، وأيُّ حرمانٍ وشقاء اكتسبهُ وباء به؟ {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}، {وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا} ..

وكما للتوفيق أسباب، فللخذلان اسبابٌ كثيرة، من أخطرها .. سوء النِيَّةِ وَالقَصدُ، فعَلَى قَدرِ نِيَّةِ العَبدِ وَحُسنِ مقصدهِ, أَو سُوءِ رَغبَتِهِ ومقصده، يَكُونُ تَوفِيقُ الله له وَإِعَانَتُهُ، أَو خذلانُهُ وَفَشَلُهُ، فَالمَعُونَةُ مِنَ اللهِ تأتي بِقَدرِ نَيِّة العبد في الخَيرَ وَرَغبَتِهِ فِيهِ، وَالخِذلانُ بحَسَبِ ذَلِكَ، {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ} .. وَمَن صَدَقَ اللهَ صَدَقَهُ اللهُ، {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} .. وَفي الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ: "إِنَّمَا الأَعمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امرِئٍ مَا نَوَى" .. ويقولُ الحقُّ جلَّ وعلا عن الحكمين بين الزوجين المتخاصمين: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا}، ومن أعظم أسباب الخذلان إن لم يكن أعظمها، اتِّباعُ الهوى، فاتباع الهوى كما يقول عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه: يَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ وعن سبيل الهدى .. قال تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} .. وقال الفُضيل بْن عِيَاضٍ: من استحوذ عليه الهوى واتِّباعُ الشهوات انقطعت عنه مواردُ التوفيق، ويشهدُ لهذا قوله تعالى: {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} ... ومن أعظم أسباب الخذلان: الكبرُ والغرورُ وإعجابُ المرءِ بنفسه: قال تعالى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}، ويقول تعالى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا}، ويقولُ الحقُّ جلَّ وعلا: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}، وعن ابن عمر رضي الله عنه أنّ رسولَ الله قال: "ثَلاثٌ مُهْلِكاتٌ: شُحٌ مُطاعٌ, وَهَوىً مُتَّبَعٌ, واعْجابُ المَرْءِ بِنَفْسِهِ" والحديث حسنه الألباني .. وقال الإمام الغزالي: "ومن آفات العُجْب أنه يحجب عن التوفيق والتأييد من الله تعالى، فإن المُعْجبَ مخذول، فإذا انقطع عن العبد التأييد والتوفيق فما أسرع ما يَهلك" ... ومن أعظم أسباب الخذلان: تعلُّقُ القلبِ بغير الله تعالى، يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: "فليس على العبد أضرُّ من (التعلق بغير الله تعالى)، ولا أقطعَ لهُ عن مصالحه وسعادته من (ذلك)، فإنه إذا تعلَّقَ بغير الله وكلهُ اللهُ إلى ما تعلَّق به، وخذَله من جهة ما تعلَّقَ به، وفاتهُ تحصيلُ مقصودهِ من الله عزَّ وجلَّ بتعلُّقِه بغيره، والتفاتَهُ إلى سِواه، فلا على نصِيبه من الله تعالى حصَّل، ولا إلى ما أمَّلهُ ممن تعلَّق به وصَل" ... ومن أعظم أسباب الخذلان: الركون إلى الظَّلمة: قال تعالى: {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ}.. ومن أعظم أسباب الخذلان: التفرقُ والاختلاف في الدِّين، قال تعالى:{وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}، {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} ..

وَهَكَذَا أَيُّهَا المُؤمِنُونَ فمَن عَلِمَ اللهُ سُبحَانَهُ مِن قَلبِهِ أَنَّهُ مَحَلٌّ لِلخَيرِ وَفَّقَهُ إِلَيهِ، وَمَن عَلِمَ أَنَّهُ خِلافُ ذَلِكَ خَذَلَهُ وَوكله إلى نفسه يتخبطُ في المهالك، قَالَ تَعَالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} .. وقال الله تعالى لنبيه في شأن الأسرى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} .. جعلني الله واياكم من الصادقين الموفقين المرحومين ..

ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان ..

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply