بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
ما أحسن العدل والإنصاف، وما أسوء البغي والظلم، ومن المحزن أن الإنصاف قليل في الناس، قال مالك بن دينار رحمه الله: ليس في الناس شيء أقل من الإنصاف. وقال جعفر بن سعد رحمه الله: ما أقل الإنصاف.
والله عز وجل، ورسوله عليه الصلاة والسلام، يحبان العدل والانصاف في كل الأمور، قال الإمام ابن القيم: قال شيخنا (يقصد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله): وهذا من كمال محبة الله ورسوله للعدل، فإنه أمر به حتى في شأن الإنسان مع نفسه، فنهاه أن يحلق بعض رأسه ويترك بعضه؛ لأنه ظلم للرأس؛ حيث ترك بعضه كاسيًا وبعضه عاريًا.
الظلم عاقبته سيئة، فجيش بن محمد بن صمصامة، أمير دمشق، كان جبارًا ظالم سفاكًا للدماء، أخاذًا للأموال، كثر ابتهال أهل دمشق إلى الله في هلاكه، حتى هلك بالجذام...ولما بلغ في مرضه ما بلغ من الجذام، وألقى ما في بطنه. وكان يقول لأصحابه: اقتلوني، أريحوني من الحياة لشدة ما يناله من الألم.
والوزير ابن هبيرة، حضر طبيبه فسقاه شيئًا. فيقال: إنه سمّه، فمات. وسُقي الطبيب بعده بنص سنة سمًا. فكان يقول: سُقيتُ كما سقيتُ. فمات.
والخليفة المنتصر، جاء عنه أنه قال في مرضه: ذهبت يا أماه الدنيا والآخرة، عاجلت أبي فعوجلت، وكان يتهم بقتل أبيه...لم يمتع بالخلافة، وهلك بعد أشهر معدودة، فإنه ولي بعد عيد الفطر، ومات في خامس ربيع الآخر، وعاش ستًا وعشرين سنة، سامحه الله.
فينبغي الحذر من الظلم، فدعوة المظلوم مستجابة، قال ولد يحيى البرمكي لأبيه وهو في السجن والقيود: يا أبه، بعد الأمر والنهي والأحوال صرنا إلى هذا ؟ فقال: يا بني، دعوة مظلوم غفلنا عنها، لم يغفل الله عنها.
وحُكي أن بعض الوزراء ظلم رجلًا، فقال له الرجل: اتق الله، وكفّ عنّي، وإلا دعوت الله تعالى عليك، فقال له الوزير: ادعُ بما شئت. فما مضت أيام حتى قُبض على الوزير، وعُذّب. فكتب إليه الرجل بهذين البيتين:
سِهام الليل لا تهدا ولكن لها أمد وللأمـــــــــــد انتــــــهاءُ
أتهزأُ بالدعــــــــــــــــاء وتزدريه تأمل فيك ما فعل الدعاءُ
للسلف أقوال في الظلم، يسّر الله الكريم فجمعت بعضًا منها، أسأل الله أن ينفع بها الجميع.
** ذكر الظلم في مجلس ابن عباس، فقال كعب: إني لا أجد في كتاب الله المنزل أنّ الظلم يُخرب الديار، فقال ابن عباس: أنا وجدته في القرآن، قال الله عز وجل: ﴿فتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا﴾[النمل:52]
** قال أبو الدرداء رضي الله عنه: إياكم ودعوة اليتيم، ودعوة المظلوم، فإنها تسري بالليل، والناس نيام.
** بكار بن قتيبة بن عبيدالله، طلب أحمد بن طولون منه لعن الموفق، فامتنع، فسجنه، ولما اعتل ابن طولون راسل بكارًا وقال: أنا أردك إلى منزلك فأجنبني، فقال للرسول: قل له: شيخ فانٍ، وعليل مدنف، والملتقى قريب، والقاضي الله.
** نعيم بن حماد بن معاوية، الحافظ الفقيه، مات في السجن، وكان مقيدًا لامتناعه من القول بخلق القرآن، وأوصى أن يدفن في قيوده، وقال: إني مخاصم.
** قال علي بن زيد: كنت عند الحسن، فأُخبر بموت الحجاج، فسجد.
** قال الحجاج لسعيد بن جبير: اختر أي قتلة أقتلك ؟ فقال: اختر أنت فالقصاص أمامك
** قتل الحجاج ابن الزبير وصلبه، وقال لأمه أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهم: كيف رأيتني صنعت بعبدالله ؟ قالت: رأيتك أفسدت عليه دنياه، وأفسد عليك آخرتك.
** قال أبو جعفر المنصور: أنقص الناس عقلًا من ظلم من هو دونه.
** عبدالله بن صالح بن علي بن عبدالله بن عباس، له كلمة نفيسة وهي: لا يكبرن عليك ظُلم من ظلمك، فإنه يسعى إلى مضرته، وينفعك.
** قال ابن سيرين: ظلمًا لأخيك أن تذكر فيه أسوأ ما تعلم عنه، وتكتم خيره
** سمع مسلم بن يسار رجلًا يدعو على رجل، فقال: كِل الظالم إلى ظلمه، فإنه أسرع إليه من دعائك عليه، إلا أن يتداركه بعمل، وقمن أن لا يفعل.
** قال الإمام ابن قتيبة: حبس بعض الملوك رجلًا ثم غفل عنه إلى أن مضى عليه زمان، فقال للموكِّل به: قُل له: إنّ كل يوم يمضي من نعيمك يمضي من بؤسي، والأمر قريب، والحكمُ الله عز وجل. والسلام.
** قال ميمون بن مهران في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾ [إبراهيم:42] وعيد للظالمين وتعزية للمظلوم.
** دخل رجل على عمر بن عبدالعزيز رحمه الله، فجعل يشكو إليه رجلًا ظلمه، ويقع فيه، فقال له عمر: إنك أن تلقى الله، ومظلمتك كما هي، خير لك من أن تلقاه وقد اقتصصتها.
** قال عمر بن عبدالعزيز:
- إذا دعتك قدرتك على الناس إلى مظلمة فاذكر قدرة الله عليك.
- بلغني أن الرجل ليظلم بمظلمة، فلا يزال المظلوم يشتم الظالم وينتقصه، حتى يستوفي حقه، ويكون للظالم الفضل عليه.
** قال إبراهيم بن يزيد التيمي: إن الرجل ليظلمني فأرحمه.
** قال شريح بن الحارث الكندي: إن الظالم ينتظر العقاب وإن المظلوم ينتظر النصر
** قال علي بن يحيى المحرمي: الظلم يزل القدم، ويزيل النعم، ويجلب الفقر، ويهلك الأمم.
** قال مجاهد: المُعلمُ إذا لم يعدل بين الصبيان كُتب من الظلمة.
** قال الفضيل بن عياض: إذا أراد أن يُتحف العبد سلط عليه من يظلمه.
** قال الإمام النووي: فيه الحث على المراقبة عند المرور بديار الظالمين، ومواضع العذاب.... والخوف والبكاء، والاعتبار بهم، وبمصارعهم، وأن يستعيذ بالله من ذلك
** قال الإمام القرطبي: إذا رأيت ظالمًا ينتقم من ظالم فقف، وانظر إليه متعجبًا.
** قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
-جماع السيئات الظلم
- الظلم وضع الشيء في غير موضعه.
- الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام.
- الله يحب الكلام بعلم وعدل، ويكره الكلام بجهل وظلم.
- المظلوم إذا صبر واتقى كانت له العاقبة.
- المظلوم ينبغي له العفو عن ظالمه إذا قدر عليه.
- من أعان ظالمًا سلّطهُ اللهُ عليه.
- عاقبة الظلم وخيمة.
- جماع الشر الجهل والظلم.
- التسوية بين المؤمن والمنافق والمسلم والكافر أعظم الظلم.
- ينبغي للظالم التائب أن يستكثر من الحسنات، حتى إذا استوفى المظلومون حقوقهم لم يبق مفلسًا.
** قال العلامة ابن القيم:
- سبحان الله كم بكت في تنعم الظالم عين أرملة، واحترقت كبد يتيم، وجردت دمعة مسكين ﴿ كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ ﴾ [المرسلات:46] ﴿ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ﴾ [ص:88] لا تحتقر دعاء المظلوم فشرر قلبه محمول بعجيج صوته إلى سقف بيتك، ويحَك نبال أدعيته مُصيبة وإن تأخر الوقتُ، قوسه قلبُهُ المقروحُ، ووترُهُ سواد الليل، احذر عداوة من ينام وطرفه باك، يقلب وجهه نحو السماء، يرمى سهامًا ما لها غرض سوى الأحشاء منك.
- الظلم عند الله عز وجل يوم القيامة له دواوين ثلاثة، ديوان لا يغفر الله منه شيئًا، وهو الشرك به، فإن الله لا يغفر أن يشرك به، وديوان لا يترك الله تعالى منه شيئًا، وهو ظلم العباد بعضهم بعضًا، فإن الله تعالى يستوفيه كله.
وديوان لا يعبأ الله به شيئًا، وهو ظلم العبد نفسه بينه وبين ربه عز وجل، فإن هذا الديوان أخف الدواوين وأسرعها محوًا، فإنه يُمحي بالتوبة والاستغفار، والحسنات الماحية، والمصائب المكفرة، ونحو ذلك، بخلاف ديوان الشرك، فإنه لا يمحى إلا بالتوحيد، وديوان المظالم لا يُمحى إلا بالخروج منها إلى أربابها، واستحلالهم منها.
** قال الحافظ ابن رجب:
- من سلم من ظلم غيره، وسلم الناس من ظلمه فقد عُوفي وعوفي الناس منه، فظلم العباد شر مكتسب، لأن الحق فيه لآدمي مطبوع على الشح، فلا يترك من حقه شيئًا لاسيما مع شدة حاجته يوم القيامة، فإن الأم تفرحُ يومئذ إذا كان لها حق على ولدها لتأخذه منه.
- قال الله عز وجل: ﴿ لَّا يُحِبُّ اللَّـهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ ﴾ [النساء:148] قال الحسن: قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه، وذلك قوله تعالى: ﴿ إِلَّا مَن ظُلِمَ ﴾ ومن صبر فهو خير، وقال: قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه، من غير أن يعتدي عليه. وروي عنه، قال: لا تدع عليه، ولكن قل: اللهم أعنّي عليه، واستخرج حقي منه.
** قال الحافظ ابن كثير: قال بعض السلف: لا يغرنك بُكاء المُتظلم، فرُبَّ ظالم وهو باك، وأذكر بكاء إخوة يوسف، وقد جاءوا أباهم عشاء يبكون، أي في ظلمة الليل، ليكون أمشى لغدرهم لا لعذرهم.
** قال الحافظ ابن حجر: إنما ينشأ الظلم عن ظلمة القلب، فلو استنار بنور الهدى لاعتبر، فإذا سعى المتقون بنورهم الذي حصل لهم بسبب التقوى، اكتنفت ظلمات الظلم الظالم، حيث لا يغني عنه ظلمه شيئًا.
** قال العلامة السعدي:
- الله تعالى يملي للظالم، حتى يزداد طغيانه، ويترادف كفرانه، ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر، فليحذر الظالمون من الإمهال، ولا يظنوا أن يفوتوا الكبير المتعال.
- كل ظالم وإن تمتع في الدنيا بما تمتع به فنهايته فيه الاضمحلال والتلف.
- سمى ظلم النفس ظلمًا، لأن نفس العبد ليست ملكًا له، يتصرف فيها بما يشاء، وإنما هي ملك لله تعالى، قد جعلها أمانة عند العبد وأمره أن يقيمها على طريق العدل بإلزامها الصراط المستقيم، علمًا وعملًا، فيسعى في تعليمها ما أمر به، ويسعى في العمل بما يجب، فسعيه في غير هذا الطريق ظلم لنفسه وخيانة.
- العباد إذا كثر ظلمهم وفسادهم، ومنعهم الحقوق الواجبة، ولى عليهم ظلمة، يسومونهم سوء العذاب، ويأخذون منهم بالظلم والجور أضعاف ما منعوا من حقوق الله، وحقوق عباده، على وجه غير مأجورين فيه، ولا محتسبين. كما أن العباد إذا صلحوا واستقاموا، أصلح الله رعاتهم، وجعلهم أئمة عدل وإنصاف.
- إذا ظهر الظلم فلم يغير فإن عقوبته تعم الفاعل وغيره، وتتقى هذه الفتنة بالنهي عن المنكر، وقمع أهل الشر والفساد، وأن لا يمكنوا من المعاصي والظلم مهما أمكن & أهل الظلم والإجرام لهم العقوبة الدنيوية، والعقوبة الأخروية.
- قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ﴾ ففي هذه الآية: التحذير من الركون إلى كل ظالم، والمراد بالركون الميل والانضمام إليه بظلمه، وموافقته على ذلك، والرضا بما هو عليه من الظلم. وإذا كان هذا الوعيد في الركون إلى الظلمة، فكيف حال الظلمة ؟!! نسأل الله العافية من الظلم.
-الله يمهل المدد الطويلة ولا يهمل، حتى إذا أخذ الظالمين بعذابه لم يفلتهم. ..فليحذر هؤلاء الظالمون، من حلول عقاب الله، ولا يغتروا بالإمهال.
- قال تعالى: ﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ﴾ فلا تجدون مجرمًا قد استمر على إجرامه، إلا وعاقبته شرُّ عاقبة، وقد أحلّ الله به من الشرّ والعقوبة ما يليق بحاله.
- قال تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾ [إبراهيم:42] حيث أمهلهم وأدرَّ عليهم الأرزاق، وتركهم يتقلبون في البلاد، آمنين مطمئنين، فليس في هذا ما يدل على حسن حالهم فإن الله يُملي للظالم ويمهله، ليزداد إثمًا، حتى إذا أخذه لم يفلته، ﴿ وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾
- قوله تعالى: ﴿ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ الذين يجنون على غيرهم ابتداء، أو يقابلون الجاني بأكثر من جنايته، فالزيادة ظلم.
** قال العلامة ابن باز:
- الظلم عاقبته وخيمة ودعوة صاحبه حرية بالإجابة...فجنس الظلم منكر وحرام على الظالم، ومن أسباب غضب الله عليه، ومن أسباب العقوبات العاجلة والآجلة، والمظلوم حري بالنصر، وحري بالاستجابة لدعوته سواء كان طيبًا أو خبيثًا، وسواء كان مسلمًا أو كافرًا،...ثم إن كل عاقل في هذه الدار يشاهد من يظلم، ومن تؤخذ حقوقه، ومن يعتدي عليه في ماله وبدنه وغير ذلك، ثم يموت الظالم ولم يرد الحقوق، ولم ينصف المظلوم، فهل يضيع ذلك الحق على المظلومين المساكين المستضعفين ؟ كلا...فإن الخالق العظيم الحكيم العليم حددَّ للإنصاف موعدًا ذلك الموعد هو يوم القيامة ينصف فيه المظلوم الذي لم يعط حقه في الدنيا كاملًا من الظالم، فينتقم منه ويعاقبه بما يستحق،....إن هذه الدار ليست دار جزاء ولكنها دار امتحان وابتلاء، وعمل وسرور وأحزان، وقد ينصف فيها المظلوم فيأخذ حقه فيها، وقد يؤجل أمره إلى يوم القيامة لحكمة عظيمة، فينتقم الله من هؤلاء الظالمين، كما قال سبحانه وتعالى ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾ [إبراهيم:42] ففي هذا اليوم الرهيب ينصف الله المظلومين، ويعطيهم جزاءهم، وينتقه لهم من الظالمين.
- قوله عز وجل: ﴿ وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَٰلِكَ ﴾ [الطور:47] يعني قبل يوم القيامة، هو ما يحصل لهم في الدنيا من أنواع العذاب من الغم والهم والقلق، وما يقع في صدورهم من الضيق والحرج والحيرة والشك، وما يكون لهم في القبور من العذاب المعجل قبل يوم القيامة، نسأل الله السلامة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد