بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
يا سعادة من كان من الدعاة إلى الله عز وجل، وكانت دعوته خالصة لوجه الله، قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: من شروط الدعوة إلى الله أن تكون خالصة لوجه الله، لا يراد منها رياء، ولا سمعة، ولا ظهورًا، ولا تعاظمًا على الناس، وإنما غرض الداعية نفع الناس، وإنقاذهم من الظلمات إلى النور، هذه هي الدعوة إلى الله.
والدعوة إلى الله جل وعلا لا يقتصر أثرها على المدعو، بل إن لها أثارًا على الداعية، يقول الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ عن أثرها على الداعية: الفرد إذا دعا إلى الله عز وجل، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر، بآداب الدعوة وشروطها، وبحسب ما أنيط به، فإنه يقوى فيه أشياء إيمانية:
** أولها: أنه يضعف تسلط الشيطان على النفس، ويكره الشر، وبالتالي يضعف أثر الشيطان عليه في تحبيب الشر إليه.
** أثره عليه من جهة العزة، وخاصة في مثل هذا الزمن الذي انتشرت فيه كثير من الملهيات والمغريات والصادات عن الحق والالتزام به، والمغيرات للفطرة التي جعل الله الناس عليها هو إذا دعا، وأمر ونهى ونشر الخير فإنه يكون عنده عزة هذه العزة تبعثه على عدم قبول الشر أن يدخل إليه عدم قبول أن ينفذ إليه ما يعكر عليه دينه.
** من أثر الدعوة إلى الله عز وجل على النفس أن الداعية إلى الله عز وجل يحب أهل الخير، ويعينهم، لأنه إذا أحب الدعوة، وأحب نشر دين الله عز وجل، وأحب تكثير الخير، فإنه حينئذ يحب أهل الخير، والمرء مع من أحب.
** من أثر الدعوة على الإنسان في نفسه أن الداعية إلى الله عز وجل يشعر بالسعادة، ويشعر بانشراح الصدر، ليس عند الداعية إلى الله عز وجل قلق ولا ريب في صدره، ولا بعد عن السكينة والطمأنينة لأنه دعا.
** وآخرها: أن الدعوة إلى الله عز وجل توطن الإنسان المسلم الذي يمشي في هذا السبيل، توطنه على أمر عظيم جلل، وهو حب الآخرة وعدم الركون إلى الدنيا، والركون إلى الدنيا وحب الدنيا هو رأس كل خطيئة.
وهذه الآثار وغيرها مما يدفع المسلم إلى الدعوة إلى الله، يقول العلامة عبدالعزيز بن باز رحمه الله: يقول سبحانه: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت:33] ولا ريب أن هذا الثناء يحفز الهمم ويلهب الشعور، ويخفف عبء الدعوة، ويدعو إلى الانطلاق في سبيلها بكل نشاط وقوة.
لأهل العلم أقوال كثيرة في الدعوة إلى الله، منهم العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله، في تفسيره النافع المشهور: " تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان " فقد تحدث عن الدعوة إلى الله عز وجل، عند تفسيره لبعض آيات القرآن الكريم، وقد يسّر الله الكريم فجمعت بعضًا منها، أسأل الله أن ينفع بها الجميع.
· الداعية على ثقة من أمره فلا يثنيه عن الدعوة شيء:
لا ينبغي أن يثنيك عن الدعوة شيء لأنك ﴿ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [الملك: 22] أي معتدل موصل للمقصود، متضمن علم الحق والعمل به. فأنت على ثقة من أمرك، ويقين من دينك، فيوجب ذلك لك الصلابة والمضي لما أمرك به ربك ولست على أمر مشكوك فيه أو حديث مفترى فتقف مع الناس ومع أهوائهم وآرائهم ويوقفك اعتراضهم.[تفسير سورة الحج]
· الدعوة إلى الله بحكمة:
قوله تعالى: ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ ﴾ [النحل: 125] أي: كل أحد على حسب حاله، وفهمه، وقبوله، وانقياده. ومن الحكمة: الدعوة بالعلم لا بالجهل، والبدأة بالأهم فالأهم، وبالأقرب إلى الأذهان والفهم، وبما يكون قبوله أتم، وبالرفق واللين.[تفسير سورة النحل]
-قد أمرنا الله باتباع ملة إبراهيم، فمن اتباع ملته سلوك طريقه في الدعوة إلى الله، بطريق العلم والحكمة واللين والسهولة والانتقال من رتبة إلى رتبة [تفسير سورة مريم]
· المصلحون المخلصون يصلح الله أعمالهم:
المصلحون الذين قصدهم بأعمالهم وجه الله تعالى، وهي أعمال ووسائل نافعة، مأمور بها، فإن الله يصلح أعمالهم ويرقيها، وينميها على الدوام.[تفسير سورة يونس]
· تنوع أساليب الدعوة:
-مما ينشط العاملين أن يذكر لهم من ثواب الله على أعمالهم ما به يستعينون على سلوك الصراط المستقيم،...وأن يذكر في مقام الترهيب، العقوبات المترتبة على ما يرهب منه، ليكون عونًا على الكف عما حرم الله [تفسير سورة الأحزاب]
-من الدعوة إلى الله: تحبيبه إلى عباده، بذكر تفاصيل نعمه، وسعة جوده، وكمال رحمته، وذكر أوصاف كماله، ونعوت جلاله...ومن ذلك: الوعظ لعموم الناس، في أوقات المواسم، والعوارض، والمصائب، بما يناسب الحال [تفسير سورة فصلت]
-من الدعوة إلى الله: الترغيب في اقتباس العلم والهدى من كتاب الله، وسنة رسوله، والحث على ذلك بكل طريق موصل إليه، ومن ذلك: الحث على مكارم الأخلاق والإحسان إلى عموم الناس ومقابلة المسيء بالإحسان [تفسير سورة فصلت]
· بذل الجهد في الدعوة إلى الله عز وجل والصبر:
-إذا كان أولياء الشيطان يصبرون ويقاتلون وهم على باطل، فأهل الحق أولى بذلك. [تفسير سورة النساء]
-لا ينبغي للداعي إلى الله أن يصده اعتراض المعترضين، ولا قدح القادحين، وخصوصًا إذا كان القدح لا مستند له، ولا يقدح فيما دعا إليه، وأنه لا يضيق صدره، بل يطمئن بذلك، ماضيًا على أمره، مقبلًا على شأنه [تفسير سورة هود]
-﴿وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَا آذَيْتُمُونَا ۚ﴾ [إبراهيم:12] أي: ولنستمرنّ على دعوتكم ووعظكم وتذكيركم، ولا نبالي بما يأتينا منكم من الأذى فإنا سنوطن أنفسنا على ما ينالنا منكم من الأذى احتسابًا للأجر، ونصحًا لكم، لعل الله أن يهديكم، مع كثرة التذكير [تفسير سورة إبراهيم]
-الصبر على ما ينال الداعي من أذى الخلق بالقول والفعل، ومقابلة ذلك بالصفح والعفو، بل بالإحسان القولي والفعلي [تفسير سورة مريم]
· عدم حزن الداعية إذا لم يستجب أحد لدعوته:
-المأمور بدعاء الخلق إلى الله عليه التبليغ، والسعي بكل سبب يوصل إلى الهداية، وسدّ طرق الضلال والغواية بغاية ما يمكنه، مع التوكل على الله في ذلك، فإن اهتدوا فبِهَا ونِعمت، وإلا فلا يحزن ولا يأسف. فإن ذلك مُضعف للنفس، هادم للقوى، ليس فيه فائدة، بل يمضي على فعله، الذي كُلِّف به وتوجه إليه، وما عدا ذلك فهو خارج عن قدرته. [تفسير سورة الكهف]
-﴿ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾ [النحل:127] إذا دعوتهم فلم تر منهم قبولا لدعوتك، فإن الحزن لا يجدي عليك شيئًا [تفسير سورة النحل]
· الدعاء بشرح الصدر وتيسّر الأمر:
-﴿ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي﴾ [طه:25] أي: وسعه وأفسحه، لأتحمل الأذى القولي والفعلي، ولا يتكدر قلبي بذلك، ولا يضيق صدري، فإن الصدر إذا ضاق لم يصلح صاحبه لهداية الخلق ودعوتهم، قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران:159] وعسى الخلق يقبلون الحق مع اللين، وسعة الصدر وانشراحه عليهم [تفسير سورة طه]
-﴿ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي﴾ [طه:26] أي: سهل عليَّ كل أمر أسلكه، وكل طريق أقصده في سبيلك، وهوّن عليَّ ما أمامي من الشدائد. ومن تيسير الأمر أن ييسر للداعي أن يأتي جميع الأمور من أبوابها ويخاطب كل أحد بما يناسب له ويدعوه بأقرب الطرق الموصلة إلى قبوله.[تفسير سورة طه]
· الداعية أول من يمتثل لما يدعو إليه:
-ينبغي للآمر بالخير أن يكون أول الناس مبادرة إليه والناهي عن الشر، أن يكون أبعد الناس عنه قال تعالى ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [سورة البقرة:44] وقال شعيب عليه السلام ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ۚ ﴾ [هود:88] [تفسير سورة]
-من تكملة دعوة الداعي وتمامها، أن يكون أول مبادر لما يأمر غيره به، وأول منته عما ينهى غيره عنه، كما قال شعيب عليه السلام: ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ۚ ﴾ [هود:88] ولقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف:2] [تفسير سورة هود]
· أمور يحتاج إليها الداعي إلى الله:
الداعي إلى الله، المرشد للخلق،...يحتاج إلى...لسان فصيح، يتمكن من التعبير عن ما يريده ويقصده، بل الفصاحة والبلاغة لصاحب هذا المقام من ألزم ما يكون، لكثرة المراجعات والمراوضات، ولحاجته لتحسين الحق وتزينه بما يقدر عليه، ليحببه إلى النفوس، وإلى تقبيح الباطل وتهجينه، لينفر عنه.[تفسير سورة طه]
· عدم اليأس من هداية المدعوين:
﴿َقالَ الَّذِي آمَنَ﴾[غافر30]مكررًا دعوة قومة غير آيس من هدايتهم كما هي حالة الدعاة إلى الله تعالى لا يزالون يدعون إلى ربهم ولا يردهم عن ذلك راد[سورة غافر]
· الباطل له صولة وقت غفلة الحق عنه، ثم مآله الاضمحلال:
-الباطل، من المحال أن يغلب الحق، أو يدفعه، وإنما يكون له صولة، وقت غفلة الحق عنه، فإذ برز الحق وقاوم الباطل قمعه [تفسير سورة سبأ]
-كل مفسد عمل عملًا واحتال كيدًا، أو أتى بمكر، فإن عمله سيبطل، ويضمحل، وإن حصل لعمله رواج في وقت ما فإن مآله الاضمحلال والمحق [تفسير سورة يونس]
وختامًا فإذا ظهر النور اختفى أهل الباطل. قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: "المداولات بين الحق والباطل ليست مستغربة، إنما الذي يستغرب هو ضعف المسلمين، وإخلاد المسلمين، وتخاذل المسلمين ومعهم الحق.
والذي يستغرب هو صمود أهل الباطل، وتكاتف أهل الباطل وليس معهم إلا الباطل، فأهل الباطل إنما يعيشون في الظلام، إذا اختفى النور ظهر أهل الباطل، لأنهم لا يعيشون إلا في الظلام. أما إذا ظهر النور فإن أهل الباطل يختفون، والنور هو الحق، والذي يظهر النور إنما هو أهله المستمسكون به.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد