بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
وصلتُ اليومَ إلى جمهورية إندونيسيا الحبيبة، بدعوةٍ كريمةٍ من أهل العلم فيها جزاهم الله خيرًا …
هذا البلدُ الطيب الذي يحوي أكثرَ عددٍ للمسلمينَ في العالم؛ إذ عددُهم فيها يَقرب مِن مائتي مليونِ مسلم !
أتيتُ لزيارة إخوةٍ لي في الله، وللانتفاع من أهل العلم فيها بإذن الله ...
(إندونيسيا) بلدُ الفطرة والمحبة والجمال، ولا تحسبوا أني أتكلم عن جمال الوجه وحسنِ القَوام، فهذا أمرٌ يختلف تقديرُه مِن شخصٍ لآخر، ومِن بلدةٍ لأُخرى، أنا أتكلم عن جمالِ الطبيعة وحلاوةِ الرُّوح، أتحدَّث إليكم عن قومٍ أوفياءَ للعرب محبِّين لهم، بل ولكلِّ المسلمينَ على وجه الأرض …
إنني إذا سمعتْ كلمةَ (إندونيسيا) اجتمع في مُخيِّلتي كلُّ معاني التضحية والبطولة، وتجسَّد في وِجداني الثباتُ على المبدأ في وجه الظلم والطغيان.
غايةُ أعداءِ الإسلام أنْ يَفصلوا بينَ بلاد المسلمينَ ويُباعدوا بينَ قلوبِهم، سعادةُ أهلِ الظلم والطغيان ألا يَعرفَ المسلمُ عن أخيه المسلم شيئًا، وألا يعيشَ آلامَه وآمالَه.
فكم يجهل الناشئةُ اليومَ عن تضحية الملايينِ مِن المسلمينَ في إندونيسيا ؟!
المسلمون كتب الله عليهم أنْ يَبيعوا أنفسَهم لله، ويَشتروا منه جنةً عرضُها السمواتِ والأرض؛ وذلك مقابلَ أن ينشروا الهدايةَ في العالم، وأن يَقفوا بوجه الظلم والمجرمين، وقد بذل الصحابةُ ومَن بعدَهم أرواحَهم لنشر دين الله في الأرض ...
وأما الأمرُ عندَ إخوتنا في إندونيسيا فشيءٌ مختلف، دخلوا في دين الله أفواجًا دونَ حربٍ وقتال، ودونَ معاركَ وسجال، ما كتب الله عليهم التضحيةَ للدخول في دين الله، ولكنْ كتب عليهم التضحيةَ للبقاء في دين الله !
هذه الجنانُ وآلافُ الجزر المتمثِّلةِ اليومَ في جمهورية إندونيسيا، توالتْ عليها عشراتُ الحملاتِ الآثمةِ المجرمة؛ لتخرجَهم عن دين الله ويسرقوا بلادَهم، فسجَّل الإندونسيّونَ سجلًّا خالدًا مِن التضحية في وجه الكفرة والمعتدين، لم يَبيعوا دينَهم بعرضٍ مِن الحياة الدنيا، ولم يَرضوا بالحياة الحيوانية مِن طعامٍ وشرابٍ وأمنٍ مقابلَ عزَّةِ دينِهم …
وانتبهْ - أخي القارئ - هنا بشدَّة، وأرعِ سمعَك وبصرَك أخي الكريم: جهادُ أهلِ إندونيسيا لم يكن شهورًا أو سنواتٍ فحسب، بل امتدَّ ذلك نحوٌ مِن ثلاثة قرون، لم تبقَ مِلةٌ كافرةٌ وشِرذمةٌ متغطرسةٌ إلا وحاولتْ إخراجَهم عن دينهم، وهم يقولون بلسان الحال قبل المقال: لا، وألفُ لا !
وما كان لي أنْ أُحدِّثَكم عن كل هذه الحروبِ وما ينبغي لي، بل أنتقل فقط إلى ثورتهم بوجهِ الوثنيينَ مِن اليابان، هذه الثورةُ التي كان بعدَها استقلالُهم، ولكنْ بعدَ تضحيةٍ مِن الرجال والنساء والأطفال.
يُردِّد البعضُ مقولةَ: (إنَّ النساءَ هنَّ نصفُ المجتمع)، وأنا لا أرضى بها البتة؛ إذ هنَّ المجتمعُ كلُّه، هنَّ الولادةُ والحياة، هنَّ السعادةُ والتربية، هنُّ الإعداد والتضحية، أولُ شهيدٍ في الإسلام امرأة، وأولُ ناصرٍ للإسلام بالجاه والمال امرأة، وآخرُ وصيةٍ مِن النبيِّ صلى الله عليه وسلم لأُمته كانت للامرأة …
أرجع إلى إندونيسيا فأَراني أطلتُ اليومَ الكتابةَ، وأخشى مِن الملامة والملالة:
عندما نشبت الثورةُ ضدَّ الاحتلال الياباني، خرج أهلُ إندونيسيا كلُّهم، وكان أكبرُ سلاحِهم وقتَها قنابلَ صغيرة، لا تَفلُّ جيشًا ولا تُدمر آليةً حربية، فكانت المرأةُ الإندونيسية تربط حولَ جسدِها عددًا مِن هذه القنابل الصغيرة، ثم تُودِّع أهلَها وتُلقي نفسَها بوجهِ الجيش الياباني، فتفجِّر آلياتِه ودباباته !
في ذلك الزمن أيضًا ترك العلماءُ كتبَهم ومدارسَهم، ومشوا في صفوف المجاهدينَ والثائرين، فاستطاع شعبٌ فقيرٌ أعزلُ أن يَتحرَّرَ ويَستقلَّ وذلك عامَ: 1945م.
العزةُ والرِّفعةُ أيها الإخوةُ لا تكون بدَعَةٍ وسلامة، المُكنةُ في الأرض ومقارعةُ الظالمينَ لا تكون بنومٍ وراحة، وحفظ الله إندونيسيا وشعبَها وسائرَ بلادِ المسلمين ...
وأنصح ختامًا بقراءة كتاب: "صورٌ من الشرق في أندونيسيا" للأستاذ علي الطنطاوي رحمه الله
(وفيها مسجد منارة قدس؛ نسبةً ورابطةً مع المسجد الأقصى، وهو أقدمُ مسجدٍ في إندونيسيا بُني عام: 956هـ- 1549م. وقد بُنيتْ المنارةُ فقط قريبةً من الطراز الآسيوي عندَ غير المسلمين؛ وذلك لتأليف قلوبهم وإدخالهم للمسجد ثم للإسلام، وقد تمَّ هذا المقصد، ودخل الكثيرُ منهم).
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد