بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقنَّ كنوزَهما في سبيل الله". وقد وقع الأمر تمامًا كما قال صلى الله عليه وسلم ، فإنه لم يأت بعد كسرى كسرى غيره، ولما هدمت دولة القياصرة فلم تقم لهم دولة بعد ذلك وإلى يومنا هذا.
أسمِعينا تُشَنَّفِ الآذانُ | إذ تغنَّى لطيفِه الشجعانُ | |
وتنادوا فللغيوبِ انبلاجٌ | في دياجيرِنا ... وآنَ الأوانُ | |
فأعيدي الصَّوتَ المقدَّسَ يُملي | ما أتانا في فجـرِه القرآنُ | |
فالبرايا مشوقةٌ للمثاني | رتَّلتْهـا طوبى لهـا الأزمانُ | |
وهـو الفارسُ التَّقيُّ تنادى | في المدى لاستقبالِه الأعـوانُ | |
فتباري مع الفخـارِ فخطوٌ | لـكِ يحدو يشتاقُه الفرسانُ | |
يومُ فتحٍ ! فالمسلمون يتامى | في زمانٍ عنوانُـه االخسرانُ | |
هـبَّ فيه الرجالُ نحو انعتاقٍ | والنساءُ اللائي لَهُـنَّ الشَّأنُ | |
والشيوخُ الذين عاشوا حيارى | غـلَّ أيديهُمُ الأسى والهوانُ | |
والشَّبابُ الوثَّابُ بينَ يديهم | قد تهاوى الإذلالُ والطغيانُ | |
هـو جيلٌ ذاقَ المرارةَ لكنْ | ماعـراهُ في الشِّدَّةِ الإذعـانُ | |
يتلوَّى على المواجعِ صبرًا | ولـه في ثباتِـه الشـــــــكرانُ | |
قـد رعى الفرحةَ النَّديَّةَ ضمَّـتْ | مُجتَناهـا الفصولُ والأعنانُ | |
فانظريه كما علمتِ حفيدًا | لأباةٍ لفخـرِهـم برهـانُ | |
عربيٌّ أو أعجميٌّ شَغُوفٌ | بالمثاني ماشانه البُطلانُ | |
وهـواهُ في السُّنَّةِ اليومَ يهفو | لمـآتي إرشادِها الشُّبَّـانُ | |
هـو جيلٌ ما ماتَ فيه يقينٌ | أو تلاشى في صدره الإيمانُ | |
رغم كلِّ الأضغانِ ممَّن تعاووا | فذئابٌ ومَن رعاها مُـدانُ | |
إنمـا يصمدُ الرجالُ بساحٍ | مالهـم في هيجائه أعــــــوانُ | |
جمعوا في مغداهُـمُ أرجَ العـزِّ . | . وسارت بذكرِهـم ركبانُ | |
لـم تنلْ منهُمُ ضراوةُ عصرٍ | في يديه الإيـذاءُ والعدوانُ | |
وأطلَّتْ فيالقُ المجدِ تروي | قصةَ الفتـحِ ما طواها الزمانُ | |
هـو جيلُ النُّبُوَّةِ : الوحيُ ألقى | في الأيادي ماشاءَه الرحمنُ | |
يومَ نادى النبيُّ أين التفاني | أين أين اليقينُ والفـــرقـانُ ؟ | |
فاشرأبَّتْ أعناقُهم طمعًـا في | نيلِ فضلٍ لأهلِـه فرسانُ | |
فاستجابوا فللفتوحِ جهـادٌ | ولأهليهِ الفضلُ والرضوانُ | |
قـد تمنَّتْ على الكريمِ الفيافي | أنْ يكونوا هـم الربيع فكانوا | |
فانظر الرملَ مورقًـا والأماسي | مقمراتٌ وفي الربوعِ جِنـانُ | |
عـزَّ جندُ الإسلامِ في كلِّ عصرٍ | فَهُداهـم ــ نعمَ الهدى ــ ريَّانُ | |
وتولي السنون بالناسِ لكنْ | ليس يُطوَى مَن نهجُـه القرآنُ | |
صعَّدتْ طرفَهـا الممالكُ ترنو | ولسكانِهـا الكرامِ امتنانُ | |
هم بنو الجودِ قد حباهم إلهي | بالعطايا فغادرَ الحـــرمانُ | |
وتولَّى ولـــــم يَعُدْ ، وتثنَّى | فيه للدينِ خيـــــــرُه والأمــــانُ | |
إنمـا الفتحُ فيه رحمةُ ربِّـي | ليس للبغيِ والفسادِ مكانُ | |
وهـو الفتحُ بابٌ عـزٍّ وفـوزٍ | يتثنَّى بردنِـــــه الريحـــــانُ | |
مرحبا موكبَ الجهادِ حَفِيًّـا | بالبرايا لأهلِهـا التَّحنانُ | |
فالعشيَّاتُ حلوةٌ والبوادي | آمناتٌ ووجهُهـا ريَّانُ | |
تتغنَّى بهـا السعادةُ مُثلَى | ولهـا معْ طالِبِيهـا اقتـرانُ | |
فاهنئي يامرابع الأرضِ زهـوًا | واطمئني فخيرُهـا هتَّـانُ | |
وأتمِّي سعيَ الهناءةِ فيهـا | ثمراتٌ ولن يجفَّ العَنَانُ | |
جاءَ للأمـرِ أهلُه فالأماني | باسماتٌ والناسُ والبلدانُ | |
إنهـا نعمةُ الكريمِ تدانتْ | من أُناسٍ ماغرَّهـم شيطانُ | |
أو سَبَاهم بالموبقاتِ شقيٌّ | قاده للمهالكِ الكُفرانُ | |
فقرونٌ بالخير بشَّتْ ويُروَى | في رحابِ الممالكِ الظمآنُ | |
أصغِ للآيِ في العوالمِ تُتْلَى | وبهـا العهدُ من إلـهِي مُصــانُ | |
لايغرنَّـكَ السَّرابُ فتعشو | ويولِّـي عن وعيِك العرفانُ | |
أو تخيفَنَّكَ الحشودُ تراها | تتلظَّى كأنَّهــا بركانُ | |
أو يلومنَّك الجبانُ تراءى | في ثيابٍ لزيفِهـا لَمَعَــانُ | |
وَيْكَ عــرِّجْ إلى المدينةِ تشهدْ | ذاتَ يومٍ لمَّـا تعالى الأذانُ | |
فتداعتْ أصنامُهم وتهـاوى | رغـم بُعْدِ المسافةِ الإيوانُ | |
وتردَّى فَسَلْ مسيلمةَ الكذَّابَ . | . لمَّـا دهـى الخبيثَ الطعـانُ | |
يابنَ هذا الإسلامِ ويحـك فاسألْ | كيف فــرَّ المجوسُ والرومانُ | |
إنَّـه اللهُ لـم يـزلْ لَـكَ عـونًا | إن تمادى في عصرِك الطغيانُ | |
وَعَــدَ المتقين في الأرضِ نصرًا | شهدَ اليومَ وعــدَه الحدَثانُ | |
إنــه الدِّينُ دينُ كلِّ رسولٍ | فيه للعالَمين هذا البيانُ | |
هـو دينُ الإسلامِ مـا لسِواهُ اليوم . | . في الأرضِ يا أُخَـيَّ مكانُ | |
فَتَحَـرَّ التاريخَ يُنْبِئْكَ صدقًـا | أنَّ أهـلَ الأوثانِ إذْ ذاك هـانوا | |
وأتاهـم عـذابُ ربِّـكِ يُنهي | سَفَهًـا قـد أغـرى بـه الشيطانُ | |
وتخلَّى لمَّـا رأى العذابَ و ولَّى | حيثُ ولَّتْ في إثـرِه العبدانُ | |
غـرَّهم في بحبوحة العيشِ زورًا | فالجُمانُ المنضودُ والعقيانُ | |
والأماسي جميلُها يتثنَّى | بالكؤوسِ استباحهـا العصيانُ | |
قصصٌ سوفِ تنمحي وسيبكي | أهلُهـا المترفون والخِـلانُ | |
حينما قادني زمانُ انكساري | وهـواني به فبئس الهـوانُ | |
فَتَيَقَنْتُ أنَّ عـزمي سجينٌ | وهـواني بزيفِـه مـزدانُ | |
والأماني التي تُحَوِّمُ حولي | كاذباتٌ قد ساقها الحرمانُ | |
فمـن اعتدَّ بالإلـه تسامى | ومَن ارتدَّ نالَه الخسرانُ | |
كيف ينهارُ مؤمنٌ لدعاوى | باطلاتٍ سمسارُها خزيانُ ! | |
لا أرى الفتحَ في يَدَيْ ذي جنوحٍ | وَهْوَ بالزيفِ والهوى جذلانُ | |
فَيَـدُ المجدِ لـم تُمَكِّنْ شقيًّا | وَهْوَ عن ومضِ نورِها وسنانُ | |
فالأبيُّ النشوانُ في حبِّ دينٍ | لايماري فللأبيِّ اتِّــــــــزانُ | |
تملأُ الحقلَ بهجةً خطواتٌ | فلهـا إنْ فاحَ الربيعُ اقترانُ | |
لتعودَ الصحراءُ جنَّاتِ عدْنٍ | في المغاني وتورقَ الأفنانُ | |
ويُنادَى في الناسِ أن لاتهونوا | فلكم في بستانِها الريحانُ | |
لا لهذا الشقاءِ أنتم خُلِقْتُم | أو لطاغٍ قانونُـه العنفوانُ | |
ما لهذا الزمانِ عنه تغاضى | هـل لأمرٍ فما له طيلسانُ ! | |
صفعتْ وجهَه الخطوبُ وضجَّتْ | بدواعي ويلاتها الأكفانُ | |
في فصولِ الحياةِ دمعٌ سخينٌ | ودماءٌ كأنَّهـا طوفانُ | |
وليالٍ ساعاتُهـا مثقلاتٌ | بالرزايا إذْ غُيِّبَ السُّكانُ | |
جفلتْ نعمةُ الأمانِ دهتْهـا | عربداتٌ يصوغُهـا العدوانُ | |
فقوانينُ بطشِهم ومُداهم | شهدتْ طعنً حقدِها الأبـدانُ | |
إنهـا حِقبةُ الهوانِ لقومي | ولهـذا تستنسرُ الغربانُ ! | |
ويتيهُ المرتدُ كِبرًا وطيشًا | ويصولُ الفجَّـارُ والصِّبيانُ | |
ويجـولُ الدَّجالُ في كلِّ أمـرٍ | عّقَدِيٍّ يحثُّـه السلطانُ | |
فيماري في بحثه ويُجاري | ولِزورٍ تقطَّعتْ أشطانُ | |
إنها حقبةُ العجائبِ جاءت | بيديهـا الأهواءُ والهذيانُ | |
ولهـا في مراتعِ المكرِ باعٌ | ولهــا بعدُ للأذى خُــــــزَّانُ | |
فعجاجُ الأفكارِ هبَّ فتاهتْ | في دياجيرِ غيِّهـا الأذهـانُ | |
وغديرُ المستنقعاتِ جديرٌ | بالعفونــــات صـــدرُه مــــلآنُ | |
هكذا إن خــلا الزمانُ من الخيرِ . | . تولَّى زمـامَـه البهتانُ (1) | |
أَوَبَعْدَ الضَّلالِ ويحـكَ يُرجى | من نهارٍ يسودُه التحنانُ ! | |
لا وربِّي إنَّ البريَّــــــةَ تشكو | قـد عرتْهـا اللأواءُ والأحزانُ | |
وإلى الرحمنِ الرحيمِ يداها | مُـدَّتــا قـد بَرَاهُما الكتمانُ | |
تستغيثانِ بالكريمِ ليعفو | عن ذنوبٍ جزاؤُهـا الحرمانُ | |
ورفيفُ الغيوبِ مازالَ يحيي | ما أماتَ الفجـورُ والعصيانُ | |
وبهذا العصرِ الكئيبِ ائتلاقٌ | لصباحٍ مابعده هِجرانُ | |
هـو صبحُ الإيمانِ باللهِ عادت | في مُحَيَّا حشودِه الركبانُ | |
قد علمنا تكبيرَه في عهودٍ | كلَّلَتْهــا بالعزَّةِ الفرسانُ | |
تُكرمُ الأمــةَ الشَّريعةُ جاءت | والبراهينُ حُجَّــةٌ وبيـانُ | |
أنطقتْها وليس يخفى هُداها | فلهــا في دحضِ الفسادِ لسانُ | |
وعـلاها ولن ينالَ علاهـا | مَن تولَّى أرسانَه الشيطانُ | |
جـرَّه مرغمًـا لسوءِ المخازي | حيثُ مسعاهُ الَّلفُّ والدورانُ | |
وترامى على يــدِ المفترين اليومَ . | . خِبًّـا فمـا لـه اطمئنانُ | |
نحنُ من أُمَّــةٍ أنالَ إلهي | ماتمنَّى أبناؤُهـا الشجعانُ | |
فاقرأ اليوم سِفرَهـم يوم جابوا | جنباتِ الغبراءِ يومَ استجابوا | |
لنداءِ الإسلامِ بعدَ ضلالٍ | ساومتْهم في ريبِه الأوثانُ | |
لـم يذلُّوا في موقفٍ لكفورٍ | غــرَّه في سلطانـِه العبدانُ | |
نحنُ قـومٌ أعـزَّنا اللهُ لمَّـا | ضـمَّ منحى قلوبِنا القرآنُ | |
نحنُ بالإسلامِ الحنيفِ كرامٌ | ماحَيِينَـا وشأنُنا ضحيانُ (2) | |
في إخاءٍ ورحمةٍ وتواصٍ | بالمزايا فظلُّهـا فينانُ (3) | |
نحن من أُمَّــةٍ أقامَ علاهـا | في البريَّاتِ ربُّهـا الرحمنُ | |
يتباهى بهـا الزمانُ ولولا | خطوُهـا العذْبُ ما تباهى الزمانُ | |
وبظلِّ الإسلامِ أنبتتِ الأرضُ . | . وفاضتْ بخيرِها البلدانُ | |
دعـوةٌ بشَّتِ المغاني لديهــا | إذْ سباهـا في الأمسياتِ الأذانُ | |
وهـو العصرُ عصرُنا في ذهـولٍ | أنهكتْهُ الأوجاعُ والأشجانُ | |
وَتَغَشَّتْْهُ رعشةٌ حيثُ أصغى | لنـداءٍ صدَّاحُـه الإيمانُ | |
يعلنُ الفرحةَ التي لايُماري | إذْ أطلَّتْ في زهوها الإنسانُ | |
إنَّـه يابنَ آدمَ اللهُ يقضي | فيؤوب المصدورُ والحيرانُ | |
ويتوبُ الفُسَّاقُ بعدَ انحلالٍ | وإلى الرُّشدِ يرجعُ النُّدمانُ | |
وغثاءُ الإعـلامِ ماعادَ يُجدي | والتَّجنِّي على الشعوبِ يُهـانُ | |
وقُـوى الشَّرِّ في يَدَيْ مُسْتَجارٍ | بِعُلاهُ إنْ عربدَ الطغيانُ | |
يخسفُ اللهُ بالطغاةِ ويقضي | مايشاءُ المهيمنُ الدَّيَّـانُ | |
سيعودُ الإسلامُ والفارسُ الغوثُ . | . تقيًّـا جنودُه الفرسانُ | |
فَيُدَوِّي التكبيرُ في كلِّ ركنٍ | ورحـابُ المدى له أركانُ | |
فضياءُ الإسلامِ يمحو الدياجي | ويزولُ المجوسُ والرومانُ | |
وتراهـم جميعَهم قـد تنادوا | أنْ هلمُّوا فاليومَ هـلَّ الأمانُ | |
ويتوبُ الرحمنُ عمَّنْ تَجَنَّى | وتولَّى أيامَـه النكرانُ | |
وأفاقَ الذي قضاها بلهوٍ | وأنابَتْ لربِّهـا الأعيانُ (4) | |
وأطلَّ الربيعُ يهمي اخضرارا | واطمأنتْ ما تحملُ الأظعانُ | |
ما نأى الخيرُ عن ينابيع دينٍ | أو طــواهُ في الغمرةِ النسيانُ | |
فالمثاني آياتها بيِّناتٌ | والحيارى أدناهُمُ العِرفانُ | |
كيف تبقى أيامهم حالكاتٌ | ولديهم من ربِّهم فرقانُ ! | |
ماوراءَ الضياعِ إلا نهـارٌ | جـاءَ في نورِ صبحِه الرُّبَّانُ | |
ويعودُ الإنسانُ عبدًا لربٍّ | وتولي عن أهلِهـا الأضغانُ | |
ويسودُ التوحيدُ هذي البرايا | آمناتٍ ويُعبدُ الرحمنُ | |
ربِّ جَدِّدْ لأُمَّتي وجـهَ عــزٍّ | ليزولَ استذلالُها والهوانُ |
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
هوامش :
(1) البهتان: كل فعل مُستَبشع يُتعاطَى باليد والرجل، من تناول ما لا يجوز، والمشي إلى مايقبح، ويقال: جاء بالبهيتة أي: بالكذب، وكفى به عارا وسُبَّةً.
(2) ضَحْيانٌ مفرد: ضَحْيا/ وضَحْيانة: صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من ضحِيَ.
(3) فينان: كالشجر الظليل الحسن، ذو الأفنان الوارفة الظلال.
(4) الأعيان: وجهاء القوم، وأهل الحل والعقد فيهم.