بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
قال تعالى في سورة الأنبياء: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ)68( قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ)69( وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ){70.(
{حرقوه} أي أحرقوا إبراهيم بالنار {وانصروا آلهتكم} التي أهانها وكسرها {إن كنتم فاعلين} أي مريدين نصرتها حقًا وصدقًا.
ونفذوا ما أجمعوا عليه وجمعوا الحطب وأججوا النار في بنيان خاص وألقوه فيه بواسطة منجنيق لقوة لهبها وشدة حرها، وقال تعالى للنار ما أخبر به في قوله:{قلنا يا نار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم} فكانت كما طلب منها، ولم تحرق غير وثاقه، الحبل الذي شدت به يداه ورجلاه.
قال كعب وقتادة والزهري: ما انتفع أحد من أهل الأرض يومئذ بنار، ولا أحرقت النار شيئًا يومئذ إلاّ وثاق إبراهيم، ولم تأت يومئذ دابّة إلاّ أطفأت عنه النار إلاّ الوزغ، فلذلك أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقتله وسمّاه فويسقًا.
وقال ابن أبي حاتم:"عن جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ سَائِبَةَ، مَوْلَاةٍ لِفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ فَرَأَتْ فِي بَيْتِهَا رُمْحًا مَوْضُوعَةً، فَقَالَتْ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ مَا تَصْنَعِينَ بِهَذَا؟ قَالَتْ: نَقْتُلُ بِهِ الْأَوْزَاغَ، فَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَنَا أَنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا أُلْقِيَ فِي النَّارِ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْضِ دَابَّةٌ إِلَّا أَطْفَأَتِ النَّارَ عَنْهُ غَيْرَ الْوَزَغُ، فَإِنَّهُ كَانَ يَنْفُخُ عَلَيْهِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقَتْلِهِ"[صحيح ابن حبان]
ولو لم يقل الله تعالى {وسلامًا} لكان من الجائز أن تنقلب النار جبلًا من ثلج ويهلك به إبراهيم عليه السلام.
وعن المنهال بن عمرو أنه قال: أخبرت أن إبراهيم مكث هناك إما أربعين وإما خمسين يوما، وأنه قال:ما كنت أياما وليالي أطيب عيشا إذ كنت فيها، ووددت أن عيشي وحياتي كلها مثل إذ كنت فيها.صلوات الله وسلامه عليه.
وروى أن والد إبراهيم لما رأى إبراهيم لم تحرقه النار وهو يتفصد عرقًا قال: نعم الرب ربك يا إبراهيم! ولذلك قال تعالى:{وأرادوا به كيدًا فجعلناهم هم الأخسرين}.
وقيل: كان النمروذ يحتكر، فإذا احتاجوا اشتروا منه الطعام، فإذا دخلوا عليه سجدوا له، فلما دخل إبراهيم لم يسجد له، فقال: مالك لم تسجد لي؟! فقال: أنا لا أسجد إلا لربي. فقال له نمروذ: من ربك؟ قال:{ربي الذي يحيي ويميت}.
وفي رواية: أنه كان كلما جاء قوم قال من ربكم وإلهكم؟ فيقولون: أنت، فيقول: ميروهم، وجاء إبراهيم يمتار، فقال له: من ربك وإلهك؟ فقال:{ربي الذي يحيي ويميت}.
وقيل: كانت المحاجة بعد أن خرج إبراهيم من النار التي ألقاه فيها النمرود، وذكروا أنه لما لم يُمْرِهِ النمرود، فمر على رمل أعفر، فأخذ منه وأتى أهله ونام، فوجدوه أجود طعام، فصنعت منه وقربته له، فقال: من أين هذا؟ قالت من الطعام الذي جئت به فعرف أن الله رزقه، فحمد الله.
وقيل: مرّ على رملة حمراء، فأخذ منها، فوجدوها حنطة حمراء، فكان إذا زرع منها جاء سنبله من أصلها إلى فرعها حبًا متراكبًا.
قال تَعَالَى:{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} [الزخرف:84] أي أَنَّهُ إِلَه أَهْل الْأَرْض وَإِلَه أَهْل السَّمَاء .
وعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ:"قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَبِي حَصِينٍ: كَمْ تَعْبُدُ إِلَهًا؟ قَالَ: سَبْعَةً، سِتًّا فِي الأَرْضِ، وَوَاحِدًا فِي السَّمَاءِ قَالَ: فَأَيُّهُمْ تُعِدُّ لِرَغْبَتِكَ وَلِرَهْبَتِكَ؟ قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ قَالَ: يَا حُصَيْنُ، أَمَا إِنَّكَ إِنْ أَسْلَمْتَ عَلَّمْتُكَ كَلِمَتَيْنِ تَنْفَعَانِكَ، فَلَمَّا أَسْلَمَ حُصَينٌ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، عَلِّمْنِي كَلِمَتَيْنِ اللَّتَيْنِ وَعَدْتَنِي قَالَ: قُلِ: (اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي، وَأَعِذْنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي) "[الترمذي، حسن]
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة في قوله {وأحسنوا إن الله يحب المحسنين} قال: أحسنوا الظن بالله .
وعَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: أَحْسِنُوا الظَّنَّ بِاللَّهِ، يَبَرَّ بِكُمْ.
وقيل: أحسنوا الظن بالله في إخلافه عليكم.
وقيل: أحسنوا الظن بالله -عز وجل- في المغفرة لمن تاب.
وقيل: أحسنوا الظن بالله تعالى أنه يضاعف الحسنات ويخلف النفقة.
عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ:"سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ يَقُولُ: (أَحْسِنُوا الظَّنَّ بِاللَّهِ)". أخرجه مسلم
وفي بعض الأحاديث كما رواه مسلم من حديث الأعمش عن أبي سفيان طلحة بن نافع عن جابر قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:"لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى".
قَالَ الْقَاضِي: الْإِحْسَانُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْحُسْنِ، وَهُوَ كُلُّ مَا مُدِحَ فَاعِلُهُ.
والعجب إن قوما غرتهم الأماني أحسنوا الظن بالله وكذبوا، فلو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل، فإن حسن الظن من حسن العمل.
فأحسنوا الظن بالله تعالى وأكثروا الاستغفار،{وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87] ولا تقنطوا من رحمة الله، فإنه لا يقنط من رحمة ربه إلا الضالون.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد