الطواف أطياف وألطاف


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد،ولم يكن له كفوا احد،

الحمد لله اصطفى لحج بيته عباد، وجعل لهم مواسم وأعياد، ووطئ لهم على فراش كرامته وداد، وهيأ لهم عند بيته المحرم ذكريات وأمجاد!!

الحمد لله القاهر فوق عباده فلا يمانع، والحاكم بما يريد فلا يدافع، والآمر بما يشاء فلا يُراجَع، الحمد لله كتب على نفسه البقاء، وكتب على خلقه الفناء، وقدَّر ما كان قبل أن يكون في اللوح والقلم، وخلق آدم وجعل من نسله العرب والعَجَم، جعل الدنيا دار فناء، والآخرة دار بقاء}بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى{الأعلى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا نِدَّ له، ولا مِثْلَ له، مَن تكلَّم سَمِع نطقَه، ومَنْ سكَتَ عَلِم سِرَّه، ومَنْ عاش فعليه رِزْقُه، ومَنْ مات فإليه منقلبه}وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ{الشعراء.

ونشهد أن سيدنا محمدًا عبدُ الله ورسوله، اعتزَّ بالله فاعَزَّه، وانتصر بالله فنَصَرَه، وتوكَّل على الله فكفاه، وتواضَعَ لله فشرح له صدره، ووضع عنه وِزْرَه، ويسَّر له أمْرَه، ورفع له ذكره، وذلَّل له رِقابَ عَدَوِّه، اللهُمَّ صَلِّي وسلِّم وبارك عليك يا رسول الله، وعلى أهلك وصحبك، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين!

أيها المسلمون: لقد سُئل النبي صلى الله عليه وسلم:"أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله. قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور"صحيح. والحج المبرور له شروط، وله واجبات، يعيش الحاج بكل مشاعره هذه الأجواء، ويتناغم بكل احساسه مع هذه المشاعر، وهذه تأملات إيمانية، وألطاف إلهية في الحج عموما والطواف خصوصا نسأل الله أن يرزقنا الاخلاص و القبول.

البداية ورؤية الكعبة:

عباد الله: يصل الحاج إلى البيت العتيق الذي جعله الله مثابة للناس وأمنا، فيدخل من باب السلام، يري الكعبة فيبدأها بالتحية والسلام، مقتديا بنبيه عليه الصلاة والسلام، داعيا لنفسه ولغيره من الأنام: اللهم زد بيتك هذا تشريفًا وتكريمًا وتعظيمًا ومهابةً ورفعةً وبرًّا، وزد يا رب مَن شرَّفه وكرَّمه وعظَّمه ممن حجه واعتمره تشريفًا وتكريمًا وتعظيمًا ومهابةً ورفعةً وبرًّا.يصل المشعر الحرام، وينظر الركن والمقام، يتذكر نبيه في هذا المُقام، القائد والقدوة والإمام، عليه الصلاة والسلام.

يقدم رجله اليمنى ويقول: بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك. أو: أعوذ بوجهك العظيم وسلطانك القديم من الشيطان الرجيم.

كيف لا:

 كيف لا: وقد بدأ نبينا دعوته من هنا، وجهر بها من أعلى الصفا، داعيًا إلى دين التوحيد وتحطيم الأوثان، صابرا على الأذى، ومبلغا بالرفق والإيمان، وداعيا بالصبر والقرآن، مجادلا بالحكمة والإحسان،}وجادلهم بالتي هي أحسن{ النحل.

كيف لا: وفي مكة، وعند الكعبة، تتحول الفطرة النقية، الفطرة المؤمنة إلى صورة أخرى من صور الطواف جعلها الله تعالى من أهم مميزات الإسلام، ومن أفضل مفآخر الدين، الطواف حول الكعبة المشرفة الذي يعتبر من شعائر الحج والعمرة.

كيف لا: وهو يتذكر عندما يقف عند مقام إبراهيم، خليل الرحمن، الذي رفع البيت ووضع قواعده مع اسماعيل ولده، ليكون قبلة المسلمين، إلي يوم الدين، عندئذ تتجلى في قلبه عظمة ذلك البيت، حيث لا يكون بين العبد وربه حجاب، وليس هناك أحساب ولا أنساب، ولا تفآخر بالألقاب، فقط الاخلاص لله وحده، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد!!

كيف لا: وقد بشرنا النبي صلى الله عليه وسلم بإجابة الدعاء، في ذلك المقام الرُّوحاني، وهذا الموقف الإيماني، وذلك المحفل الرباني قائلا: تُفتَح أبوابُ السماءِ وتُستجاب دعوة المسلم عند رؤية الكعبة.

كيف لا: والكعبة المشرفة مركز للجاذبية الروحية التي ينبغي أن تكون بين العبد المؤمن وبيت الله العتيق، هذا البيت الذي يستقبله المسلمون ويتجهون إليه في صلاتهم خمس مرات على الأقل كل يوم وهم بعيدون عنه، إنها القوة الخفية التي تجعل كل قادم يطوف حول الكعبة بمجرد الوصول إليها، تمامًا مثلما يطوف أي جِرم سماوي بمجرد وقوعه في أسر جاذبية جرم آخر أكبر منه.

كيف لا: والحاج يتذكر البيت العالي المعمور، فوق البيت العتيق المغمور، الكعبة في الأرض يطوف حولها الحجيج من كل البقاع، ومن كافة الأصقاع، بكل اللغات ومختلف الأنواع، وفوقه البيت المعمور في السماء، يدخله الملائكة المقربون، كل يوم سبعون ألف ملك يطوفون، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ولمن في الأرض يستغفرون}وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{الشورى.

كيف لا: وهنالك في ذلك الجمع الإيماني، والمجمع القرآني، والمكان الروحاني الرباني، تتلاقى أرواح المسلمين من كل بقاع الأرض، وتتناجى من كل أرجاء الدنيا، ويحسون بنداء الرحمن الذين هم في ضيافته يستلهمون التوفيق، ويسترشدون الهدي، يزدادون التقوى ويرتدون الإيمان}وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب{البقرة.

كيف لا: والمسلمون يطوفون حول الكعبة المشرفة في عكس اتجاه حركة عقارب الساعة، حيث يكون القلب أقرب إلى مركز الجذب والطواف، وكذا *التيامن* أيضًا في اتجاه الحركة عند السعي ذهابًا وإيابًا بين الصفا والمروة، الذي هو من شعائر الله

كيف لا: والأعمال واحدة، والأمة واحدة، والرب واحد، كيف؟!:}إنَّ هذهِ أمتكم أمة واحدة وأنا ربُّكُم فاتقون{المؤمنون.

كيف لا: والحجيج في هذا المشهد العظيم أخلصوا لله نواياهم، وصفوا لله طواياهم، وقدموا لله نفقاتهم، فارتفوا من الأرض إلى الملكوت الأعلى، متسامين عن منازع الخلاف، مترفعين عن مواقف الجدال، قد زكت نفوسهم، وطهرت قلوبهم، وترفعت ألسنتهم، وقُبلت أعمالهم، وغُفرت ذنوبهم، قال نبينا صلى الله عليه وسلم: من حج فلم يرفث، ولم يفسق، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.

كيف لا: وتلك هي الأرض التي شهدت نزول القرآن الكريم، كتاب السماء الأول الذي ربط الأرض بالسماء، والمخلوق بالخالق، والدنيا بالآخرة، وهو الذي فرق بين الحق والباطل، وبين الهدى من الضلال، وأظهر الخير من الشر.

 كيف لا: وقد نشأ هنا نبينا الصادق الامين، علي هذه الأرض درجت قدماه، وفي هذا المكان استقبل وحي الله، وحول الكعبة بدأت الصلاة، وإليها من كل الدنيا توجهت الجباه، وهناك مورست الحياه!!

كيف لا: والطواف شعيرة تعبدية ترمز إلى سر عظيم من أسرار الكون، يقوم على شهادة التوحيد الخالص لله، تلبية للنداء الإلهي الذي أمر إبراهيم الخليل عليه السلام أن يؤذن في الناس بالحج:}وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَإذن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ{الحج.  

كيف لا: وهذه رؤية إيمانية تدلنا على أن الطواف سلوك كوني يشير إلى مظاهر الوحدة، ويكثر التماثل والتناغم بين التكاليف الشرعية والنواميس الكونية، ولهذا كان شعار التلبية في الحج أثناء الطواف حول الكعبة هو النداء الناطق بالتوحيد: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك،لا شريك لك !!

إستلام الحجر:

أيها المسلمون: يتقدم الحاج إلى الحجر، فيستلمه بيده اليمنى ويقبِّله، فإن شق التقبيل يستلمه بيده فقط، وإن شق بيده يستلمه بعصا أو غيرها ولا يقبلها، فإن شق الاستلام، يشر إليه بيده اليمنى ولا يقبلها، فاذا تيسر له تقبيل الحجر، يعلم أنه عبادة، رغم أنه حجر لايضر ولا ينفع، ولا علاقة له به سوى التعبد لله، بتعظيمه واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه حين قبل الحجر: إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك.

وضع الحجر إخماد الفتنة: عباد الله: هنا يتذكر الحاج قصة وضع الحجر مكانه وإنهاء الخلاف في قريش وإخماد الفتنة، حين همّوا بوضع الحجر الأسود في مكانه اختلفوا بينهم على من يقوم بوضع الحجر، فكلّ منهم يطمح أن ينال شرف وضع الحجر الأسود في مكانه، وكاد النزاع يدُبّ بينهم حتّى اتّفقوا في الاحتكام لأوّل رجل يدخل عليهم في البيت الحرام، وإذا بالرسول عليه الصّلاة والسّلام قادم، وهتفوا جميعهم بالصادق الأمين رضينا، وأخبروه نزاعهم، فأشار الرسول عليه الصّلاة والسّلام عليهم بوضع الحجر الأسود على ثوب، ثمّ أمر كل قبيلة بمسك طرف من الثوب ثمّ القيام برفعه جميعًا، وحمله الرسول عليه الصّلاة والسّلام بيديه الشريفتين، ووضعه في مكانه وأنهى النزاع فيما بينهم.

بداية الطواف: يبدأ بالطواف، سواء كان حاجًا فيطوف طواف القدوم وهو سنة، أو معتمرًا فيطوف طواف العمرة وهو ركن، ويجب ألا يقل عدد أشواط الطواف حول الكعبة عن سبعة أشواط،

أما الطواف الذي هو ركن الحج وهو طواف الإفاضة فيكون بعد العودة من عرفات، ليقضوا نسكهم، ويوفوا هديهم، ويقدموا نذورهم، ثم طواف الركن}ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ{الحج.

يطوف المؤمنون وهم يهتفون هتاف رسول الله صلى الله عليه وسلم: بسم الله، والله أكبر.اللهم إيمانًا بك وتصديقًا بكتابك ووفاءً بعهدك واتباعًا لسنّة نبيّك، ثم يدعو كل منهم ما يخطر في باله من أدعية، متوجهًا بقلب صاف إلى رب العزة سبحانه، طالبًا منه العفو والغفران، والدعم والتأييد في كل شؤون حياته!!

ولقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكبر الله تعالى كلما أتى على الحجر الأسود، وكان يقول بين الركن اليماني والحجر الأسود:}رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ{البقرة.

التحرر والانطلاق:

أيها المسلمون: يطوف المؤمنون وفق دائرة ما انتهت حتى تبدأ من جديد، معاهدين الله بهتافهم الرائع:

باسمك يا رب، يا أكبر من كل كبير، وأغني من كل غني، وأقوي من كل قوي، وأعز من كل عزيز، يارب الأرباب، يامن بيده كل الأسباب، نعاهدك عهد الإسلام والإيمان، على أن نستمر معظم حياتنا بالحركة المستمرة والجهاد الدائم الذي يبدأ ولا ينتهي حتى يتحرر الناس من عبادة العباد إلي عبادة رب العباد، ومن جور الأديان الي عدل الاسلام، ومن ضيق الدنيا إلي سعة الدنيا والآخرة، وسنورّث أهدافنا إلى ذرارينا التي ستأتي من بعدنا، لتستمر بعد رحيلنا عن هذه الدنيا الفانية، حركةُ الجهاد إلى يوم القيامة، فيبقى كتابك الكريم هو الصراط المستقيم}وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولاتتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون{الأنعام، وهو الحبل المتين}واعتصموا بحبل الله جميعا ولاتفرقوا{البقرة، وهو الدستور الحكيم الشامل لحياة البشر}شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي اوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي اليه من ينيب{الشورى، تدعمه سنّة نبيّك وحبيبك محمدٍ صلى الله عليه وسلم حيث قال:"خذوا عني مناسككم، وقال أيضا: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي"، صحيح مسلم.

يا رب الأرباب:نعاهدك على كل ذلك، عهد التصديق والوفاء والإيمان!!

الصلاة عند المقام:

أيها المسلمون: يصلي الحاج ركعتين عند المقام، اتباعا لإبراهيم عليه السلام خليل الرحمن، واقتداءا بمحمد رسول الله صلي الله عليه وسلم، وتكريما للفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه الذي وافقه الله تعالى في هذا العمل  }وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى{البقرة ، عن أنس رضي الله عنه قال: قال عمر بن الخطاب: وافقت الله في ثلاث، أو وافقني ربي في ثلاث، قلت: يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى؟

 وقلت: يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب؟ فأنزل الله آية الحجاب، قال: وبلغني معاتبة النبي صلى الله عليه وسلم بعض نسائه، فدخلت عليهن، قلت: إن انتهيتن أو ليبدلن الله رسوله خيرًا منكن، حتى أتيت إحدى نسائه، قالت: يا عمر، أما في رسول الله ما يعظ نساءه حتى تعظهن أنت؟! فأنزل الله:}عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَات{التحريم، والحيث في البخاري.

 من خلال الطواف نعيش السلام، ونتعلم النظام، ونتدرب على التعاون علي البر والتقوي، ونسدي الإيثار وإنكار الذات، ونتلقى دروسًا عملية في الأدب والمروءة، والقيم والأخلاق، والحب والعطف، أي توجيه أسمى من هذا التوجيه؟، وأي جمع مثل هذا الجمع؟، واي تناغم مثل هذا التناغم؟، وأي وحدة تكون لها مثل هذه الفعالية؟ وأي نظام مثل هذا النظام؟!!

النظام والسلام:

إن الجيوش النظامية في العالم تحتاج إلى ربط وضبط، إلي إحكام و إلتزام، بعد تدريب متواصل، وعمل مستمر، وجهاد شاق، إلا أننا نرى الحجيج على كثرتهم، واختلاف أجناسهم، وتعدد لغاتهم، وتباين ثقافاتهم، يسيرون في اتجاه واحد، ويؤدون أعمال واحدة، في ارتباط وتآزر، في وحدة وتؤدة، في أمان وسلام، لا يبغي أحد على أحد، ولا يتطاول أحد على أحد، وسط التلبية الهادرة، إذا إذن المؤذن سمعوا الأذان، وإذا نادى المنادي لبّوا النداء، فإذا بالجميع وقوف كأن على رؤوسهم الطير، لا تسمع حينئذ إلا همسا، ولا ترى إلا جسما، ولا تنظر إلا قدما يهمسون بذكر الله، ويتحركون بتوفيق الله، ويتقدمون بعون الله ، إذا ركع إمامهم ركعوا، وإذا سجد سجدوا، وإذا قرأ أنصتوا، وإذا دعا أمّنوا، إنها صورة من صور الجمال، ومشهد من مشاهد الجلال، ومرحلة من مراحل الكمال}اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا{المائدة.

فهم لقبلة واحدة يتجهون، ولكتاب واحد يقرأون، ولنبي واحد يتبعون، ولرب واحد يعبدون}وان هذه امتكم امة واحدة وانا ربكم فاعبدون{الأنبياء.

 حدثنا: سفيان، عن إبن جدعان قال: سمع عمر رجلًا يقول في الطواف: اللهم اجعلني من الأقلين فقال: يا عبد اللّه وما الأقلون؟، قال: سمعت اللّه يقول: وما آمن معه إلاّ قليل، وقليل من عبادي الشكور وذكر آيات آخر، فقال عمر: كل أحد أفقه من عمر!!

تُطل الدنيا على هذا المنظر البديع، ويشهد الوجود هذا الصنيع، يقف مبهورا، وينتبه مسرورا، ويعرف بأن الإسلام هو دين النظام، ودين التضامن، ودين الألفة، ودين الحب، ودين السعادة، ودين الأمل، ودين الحياة، فيدخل الناس في دين الله أفواجا، عن طواعية، وعن ود لا بغض، وعن حب لا كره}لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي{البقرة .

أخي القارئ العزيز، كانت هذه أطياف من الإيمان تغزو المكان، وألطاف من الرحمة تغمر الإنسان!!

إنها تأملات إيمانية في الحج، ونبضات روحية في الطواف، ووقفات مهمة مع الشعائر والمشاعر، أسأل الله تعالى أن تصل مراميها، وأن ينفع المؤمنين بها، وأن يأجرهم عليها.

اللهم ارزقنا وأحبابنا حجًا مبرورًا وذنبًا مغفورًا وسعيًا مشكورًا.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply