قيمة العمل في الإسلام


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

يعطي الإسلام أهمية خاصة لجد المسلم وعمله والمكافأة التي يتلقاها، فالله سبحانه وتعالى خلق الطبيعة كلها من أجل الإنسان، وللإنسان حق الاستفادة من نعم الطبيعة.

قال تعالى في سورة الإسراء الآية 70:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}. الدعاء والعمل هما وسيلة للعبد ليشكر بهما ربه، ومن خلالهما يتعرف العبد على الخير والمكافأة. والدليل على ذلك الآيات من سورة النجم الآيات من 39 إلى 42 حيث يقول الله تعالى:{وَأَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ * وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الْمُنتَهَىٰ}.

ومن الطبيعي أن يكون هناك مكافأة للعمل. ففي سورة البقرة الآية 22 قال تعالى:{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ}. العبد الذي يعمل، بفضلِ رحمة الله يحصل على الغذاء والربح. وإذا كانت الزراعة أو تربية الحيوانات الأنشطة الرئيسية في العصور القديمة، ففي العصر الحديث أصبح هناك أنواعٌ متنوعةٌ من العمل، مثل العمل العقلي والتعليمي وغيرها. وقال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم:"ما أكل أحدٌ طعامًا خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه الصلاة والسلام كان يأكل من عمل يده، كان يصنع الدروع ويأكل من عمل يده عليه الصلاة والسلام، فما كان من كسب اليد فهو من أفضل الكسب، وهكذا البيوع المبرورة السَّليمة من الغشِّ".

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لَأَنْ يَغْدُوَ أحَدُكم فَيَحْتَطِبَ على ظَهرِهِ، فيَتَصَدَّقَ مِنهُ، ويَسْتَغْنِي به عنِ النَّاسِ، خَيرٌ له من أنْ يَسألَ رَجُلًا، أعطاهُ أو مَنَعهُ، ذَلكَ بِأنَّ اليَدَ العُلْيَا أفضَلُ من اليدِ السُّفْلَى، وابْدأْ بِمنْ تَعُولُ". واستنادًا إلى أقوال النبي صلى الله عليه وسلم يُمكن القول بأن المال الذي يُكسَب بالعمل الحلال، ويُنفق في مصالح الأسرة، يُحسب كصدقة، وأثناء النوم المُرهق تُغفَر ذنوب رب الأسرة.

بواسطةِ عمله، يكسب الإنسان رزقه ويزيد من رأس ماله، مُحسِّنًا نوعية حياته. ولكننا لا يجب أن ننسى أن الله هو الذي يمنحنا القِسمة ويجازي عن الجهد. لذا فالتقوى هي الجانب الأساسي في حياة كل مسلم. لأن الرزق يجب أن يتم الحصول عليه بوسائل حلال، فالله قد حرّم الكسب الحرام.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بين يدي الساعةِ يظهر الرِّبا والزِّنا والخمرُ"، مُشيرًا إلى أن أحد علامات الساعة أن الناس سيهتمون فقط بالربح وليس بما إذا كان الرزق حلالًا أم حرامًا. ولذلك التقوى مهمة، فالمال الذي يُكسب بشكلٍ حلالٍ يأتي مع بركة. وعليه فيجب أن يكون العمل والمال المكتسب حلالًا.

ومن الهام أن يكون المسلم حازمًا في مهنته. فالعلماء في الإسلام يوضحون أنه بعد اكتساب المعرفة، الواجب التالي هو اختيار مهنة جيدة. بينما يتمتع العلماء والمتخصصون بمعرفة دينية عميقة، فإن الواجب بعد معرفة الأركان الخمس (الإيمان، الصلاة، الزكاة، الصيام، والحج) هو اختيار مهنة، لأنه يتعين علينا أن نملك مجموعة متنوعة من المهن. فإذا كان الجميع علماء دين، فمن سيعالج المرضى ويبني المنازل والمدن؟ نلاحظ اليوم مشاركة واسعة في الدورات التدريبية حول *الأعمال والتراكم المالي*. ولكن يجب علينا أن نتذكر أن الثراء ليس هو الهدف الرئيسي للمسلم، بل الهدف هو المكسب الحلال! يجب أن نتذكر أن خلف العمل الذي نقوم به، هناك رزقٌ مبارك. فالعمل والجهد هما الأساس وبعدهما تأتي البركة.

والجزء الأكبر من الصحابة كانوا تُجارًا أثرياء، وفي الوقت نفسه كانوا يمارسون الزهد وكانوا من الناس البارّين. عبدالرحمن بن عوف مُهاجرًا، وآخى النبيُّ بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، قال سعد:"يا عبدالرحمن، أُقاسمُك مالي، أُعطيك الشطر، وإنَّ لي زوجتين، سوف أُطلق إحداهما، فاختر إحداهما أُطلِّقها، وتزوَّجها بعدي، فقال عبدالرحمن بن عوف: بارك الله لك في أهلك ومالك، لا حاجةَ لي في هذا، ولا في هذا، بارك الله لك في أهلك ومالك، دلُّوني على السوق، فدلوه على السوق، واشترى بعض الحاجات، وأغناه الله، وصار من أكثر الناس مالًا". (رواه البخاري).

من خلال العمل نُقدم نموذجًا لأطفالنا ونغرس فيهم حب العمل. ليس من الطبيعي أن يُعيل الأب حتى الأربعين ثم يُعيل الابن بعد ذلك، لأن الإنسان يجب أن يعمل ويكسب ففي ذلك خير. والهدف هو الكسب لا فقط الحلم بأموال كبيرة. وفي سورة الشورى الآية 27 يقول تعالى:{وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ}.

بعض الناس قد يحلم بأموالٍ كثيرةٍ بسبب ضعف إيمانهم، لكن الله عالمٌ بعبده يمنحه حسب قدره حتى لا يفسد.  فسواءٌ كان ما نملكه قليلًا أو كثيرًا، يجب أن نتذكر أن المال المكتسب بالعمل الشريف مباح وهو أحلى وأقرب إلى رضا الله. تذكر دائمًا أن الحلال يُكتسب بصعوبة، بينما الحرام بسهولة.

وفي حديثٍ آخر قال صلى الله عليه وسلم:"خيرُ الكسْبِ كَسبُ العاملِ إذا نَصحَ". وهذا يعني إذا أظهر المهارة وتجنب الغش، وقام بكل ما يجب عليه بإخلاص.

ورسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه عن الطير قال:"لو أنكم تتوكلونَ على اللهِ حقَّ توكلِهِ لرزقكم كما يرزقُ الطيرُ تغدو خِمَاصًا وتروحُ بِطَانًا"، مُشيرًا إلى أن الطيور تذهب في الصباح لطلب رزقها. ومن المعلوم أن الصحابة كانوا يتاجرون ويسافرون برًا وبحرًا، وكانوا يزرعون نخلهم، وعلينا أن نأخذ منهم العبرة. فمنهم من لم يكن لديه مال وثروة، فكان عليهم أن يعملوا أو يتاجروا لكسب رزقهم.

ومن أجل أن يتمكن الإنسان من التصرف بإخلاص، يجب أن يكون مقتنعًا بأن الربح والغنى في الآخرة أفضل من ربح هذه الحياة، وأن الرزق في هذه الحياة قد يكون مفيدًا طالما أن الإنسان حي، ولكن عندما يأتي الموت يزول كل شيء، وتبقى الظلمات والذنوب المرتبطة بجمع الثروة، فكيف يمكن للإنسان الحكيم أن يفضّل الدنيا على الدين؟ يجب علينا ألا ننسى أن كل الخير في حفظ الدين. فالإنسان الذي يدرك أن مثل هذه الأمور تضر بإيمانه وأن الإيمان هو رأس ماله للتجارة في الحياة الأخرة، لن يُضيع رأس ماله المخصص للحياة الأبدية من أجل ربحٍ قد يستمر لأيام معدودة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply