تاريخ المسلمين في مدينة مورمانسك


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

مدينة مورمانسك أُسست في عام 1916. ومنذ أيامها الأولى، استوطن المدينة ممثلو الشعوب الإسلامية المختلفة، وخاصة من كان يخدم في الأسطول البحري للقوات المسلحة للإمبراطورية الروسية، ومن ثم الاتحاد السوفييتي، إضافةً إلى من شغلوا وظائفًا مدنية متنوعة.

في بداية العشرينات من القرن الماضي، افتتحت أول مدرسة إسلامية، ولكنها لم تستمر طويلًا بعد قرار تحويل المدارس الدينية إلى مدارس مدنية؛ فتحولت إلى مدرسة حكومية عادية، وانتقل مؤسسها إلى جمهورية تتارستان السوفيتية الاشتراكية ذات الحكم الذاتي.

في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، بدأ المسلمون بالتجمع في البيوت لأداء صلوات الجمعة والأعياد، بقيادة بعض الأئمة الغير رسميين. فمثلًا، في الستينيات من القرن الماضي، كان من أوائل الأئمة السيد إسحاق عثمانوفيتش بغدانوف، وتلاه في الإمامة أخاتي باباي.

وإلى جانب أداء صلاة الجمعة والعيدين، أدوا أيضًا صلاة التراويح جماعة في ليالي رمضان. ومع بداية فترة سياسة البيريسترويكا في الاتحاد السوفييتي، أصبح نشاط جماعة المسلمين قانونيًا. ففي مارس 1990، تم تأسيس جمعية الثقافة البشكيرية والتتارية *أديل أورال*، التي ترأسها حينها واريس بصيروفيتش حافظوف، التتاري القومية. والذي تعرف في 1991 على الطلاب العرب الدارسون في المعهد العالي للملاحة البحرية واتفق معهم على تنظيم دروس اللغة العربية وأسس الإسلام.

في 1991، وبمرافقة أحد الفرق الفنية التتارية التي زارت المدينة، وصل إمام أحد المساجد في مدينة كازان، عاصمة تتارستان. شارك في مؤتمر ضم أعضاء جمعية *اديل-اورال*، وكانت نتيجته قرار بتأسيس جمعية إسلامية دينية. وأصبح أول مؤسسيها 12 شخصًا وانتخبت رئيسة لها عاملة المكتبة غولدجيهان شهيدزيانوفا صديقوفا وهي تتارية القومية.

ومن أول الأهداف التي وضعتها الجمعية هي بناء مسجد في المدينة وقد تجاوبت إدارة المدينة مع هذا المطلب وخصصت أرضًا لبناء المسجد في منطقة بحيرة سيميونوف، ورغم أنه قد تم جمع مبلغ من التبرعات لبناء المسجد، إلا أن رئيسة الجمعية لم تتمكن من استلام التبرعات لغيابها في سفر مما أدى إلى تآخر البناء وسحب إدارة المدينة للأرض!

وفي 1991 تأسستت جمعية اجتماعية *فرع هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية* في ذات العام، وترأسها عمر الفاروق حسن.

في تلك الفترة، كان من نشطاء العمل الدعوي الطلاب العرب فضل ويهدي. أما إمام المسلمين فأصبح مصباح أحمد جانوف، الذي كان يعمل قبل ذلك كسباك، وهو تتاري القومية.

في 1993، وبفضل جهود هيئة الإغاثة، تم شراء شقة لتكون مقرًا لإدارة جمعية المسلمين في المدينة. وفي يناير 1994، تم انتخاب سعيد الله حسنوفيتش بيديلدينوف، كزخي القومية، رئيسًا للاتحاد الديني لمسلمي مدينة مورمانسك.

وقد تم الحصول مرة أخرى على قطعة أرض من إدارة المدينة لبناء مسجد، ولكنها طلبت من المسلمين هدم بيتين قديمين على الأرض. ولكن بسبب قلة الموارد المالية، لم تستطع الجمعية الإسلامية القيام بالهدم.

في عام 1998، تم تخصيص قطعة أرض جديدة في شارع *مير* (السلام)، وقد حصلت في ذلك الوقت على تبرع من إحدى المواطنات في الإمارات العربية المتحدة، عن طريق الهيئات الخيرية والإدارة الدينية للمسلمين. وبفضل هذه التبرعات تم البدء في تنفيذ المشروع وصُرف 14 ألف دولار (وهو مبلغٌ كبير حسب ذلك الوقت).

ولكن، بسبب أعمال الشغب التي قامت بها بعض القوى المتطرفة، وحرقهم للآليات وكتاباتهم المناهضة لبناء المسجد، وبدعم من بعض نواب المجلس البلدي، وعجز النيابة العامة عن إجراء تحقيق عادل، وعدم محاكمة أي من المخربين بسبب هذه الأحداث، تقرر توقيف العمل في بناء المسجد. وبقيت التبرعات ثلاث سنوات في حساب البنك دون صرفها، لأن الحصول على قطعة أرض جديدة في تلك الظروف كان غير ممكن. وفي النهاية، أعاد رئيس الاتحاد الأموال للمتبرعين.

ظل البحث عن قطعة أرضٍ مناسبة لبناء المسجد مستمرًا، ولكن إدارة المدينة كانت تخصص أراضٍ غير مناسبة حتى عام 2004، حيث تم الحصول على أرض في شارع كولسكي 120. وخلال هذه الفترة، غادر الطلبة العرب المدينة، ففقد المسلمون معلميهم الذين كانوا يدرسونهم اللغة العربية والعلوم الدينية ويقيمون الشعائر الإسلامية.

في عام 2006، تم انتخاب واقيف نقيبوفيتش عالي أكبروف من التتار، والمتخصص في مجال البناء. وفي عام 2007، تم انتخاب الدكتور أرتور أحمد جانوف كرئيسٍ للاتحاد، وهو طبيب أسنان.

ومن أبرز العائلات المسلمة التي ساهمت في نمو ونشر الإسلام في مورمانسك هما عائلتي عبدالحق وعديلي حاميدوف. واليوم يعيش في المدينة 19 ألف مسلم حسب الإحصائيات الرسمية، ويمثلون شعوبًا إسلامية متنوعة. وحسب تقديرات المسلمين أنفسهم فإن العدد الحقيقي يصل إلى 30 ألف مسلم.

وحسب الإحصائيات الرسمية فمن أكبر التجمعات القومية المسلمة: التتار 8 آلاف، الأذربيجانيين 4.6 ألف، البشكير 1.2 ألف، الليزغين (الداغستانيين) 0.8 ألف، والكازاخ والأوزبك 500 شخص، بالإضافة إلى غيرهم من القوميات.

اليوم، الاتحاد الديني لمسلمي مدينة مورمانسك يضم بين أعضاءه الشباب الذين يتطلعون لخدمة أمتهم في هذه المدينة، وهم يضعون لأنفسهم أهدافًا محددة، مثل بناء أول مسجد ومركز إسلامي في أقصى الشمال الروسي وفي دائرة القطب الشمالي، وإيجاد برنامج تعليمي للمسلمين من جميع الأعمار.

ممثلو الاتحاد يشاركون كأعضاء في المجلس المجتمعي لحكومة محافظة مورمانسك ولهم علاقات جيدة مع الاتحادات والمنظمات الدينية في المحافظة، ويشاركون أيضًا في عمل المؤسسات الحكومية.

في عام 2011، كان المسلمون يستأجرون صالة المركز الثقافي في أيام الجمعة لإقامة الصلاة، ولكن الصالة كانت تتسع لمئة شخص فقط، مما أدى إلى عدم وجود مكان للصلاة للمسلمين الذين كانوا يأتون من المناطق المجاورة.

وفي عام 2016، تم الحصول على أرض جديدة لبناء المسجد في طريق مورمانسك الدائري، وكان هذا هو التبرع الأكبر من الحكومة. وقد بدأت الأعمال في بناء المسجد، والتي ما زالت مستمرة حتى الآن.

وفي الختام، يمكننا القول أن تطور الإسلام في مدينة مورمانسك لم يكن سهلًا، ولكن بالرغم من التحديات والمصاعب، فإن المسلمين في المدينة لا يزالون يعملون بجد وثبات للحفاظ على هويتهم ودينهم وتعزيز وجودهم في المجتمع.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply