الكسب والمطعم الحلال


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

مُقتَرَحُ خُطبَة الجُمُعَةِ الثَّالِثَةِ مِن شَهرِ رَجَبٍ، وَدُرُوسُ هذا الأُسبُوعِ، وَدُرُوسُ النِّسَاءِ:

1- مُقَدِّمَةٌ عَنْ أَهَمِّيَةِ تَحَرِّي المَطْعَمِ الحَلَالِ.

2- ثَمَرَاتُ، وَكُنُوزُ المَطْعَمِ الحَلَالِ.

3- مَفَاتِيحُ وَأَسْبَابُ الكَسْبِ، والمَطْعَمِ الحَلَالِ.

الهَدَفُ مِنَ الخُطبَةِ: التَّذْكِيرُ بِفَضَائِلِ وَثَمَرَاتِ المَطْعَمِ الحَلَالِ، وَأَنَّهُ مِنْ أَسبَابِ السَعَادَةِ وَالطَّمَأنِينَةِ وَرَاحَةِ البَالِ.

مُقَدِّمَةٌ ومَدَخَلٌ للمُوْضُوعِ:

أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، ((الكَسْبُ وَالمَطْعَمُ الحَلَال؛ هَنَاءٌ وَسَعَادَةٌ وَرَاحَةُ بَالٍ)) إِى وَاللهِ يَا عِبَادَ الله؛ فَإِنَّ الكَسْبَ الحَلَال، واللقمةَ الحَلَال تَدفَعُ النِّقَمَ، وَتَصرِفُ البَلَاءِ عَن الأنفُسِ، والأمْوَالِ، والأَوْلَادِ، والأَعمَالِ، والدِّيَارِ، وَإنَّ تحرِّي أكلَ الحلالِ، والبُعدَ عنِ الحرامِ والمُشتَبِهَاتِ، مِن أعظمِ الخِصالِ التي يَتَحَلَّى بِهَا المُؤْمِنَ.

وَمَعنَى الكَسبِ، وَالمَطْعَمِ الحَلَالِ:

1- أَنْ يَتَحَرَّى العَبدُ فِي مَطعَمِهِ وَمَشْرَبِهِ الطَّيِّبَات التِي أَبَاحَهَا اللهُ تَعَالَى؛ فَلَا يَأْكُل أَوْ يَشْرَب إِلَّا مِمَّا أَحَلُّهُ اللهُ تَعَالَى.

2- وَأَنْ يَكُونَ كَسْبُ المُؤْمِن حَلَالًا.

فِإِنَّ طَلَبَ الحَلَالِ وَتَحَرِّيهِ أَمْرٌ وَاجِبٌ وَحَتمٌ لَازِمٌ، فَلَنْ تَزُولَ قَدَمَا عَبدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ؛ فَكَانَ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ أَنْ يَتَحَرَّى الطَّيِّبَ مِنَ الكَسْبِ؛ لِيَأْكُلَ حَلَالًا وَيُنْفِق فِي حَلَالٍ؛ امْتِثَالًا لِأََمْرِ الكَبِيرِ المُتَعَال جَلَّ جَلَالُهُ.

فقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}. 

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} .

وقال تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}.

• حَلَالًا: أي ليس مكتسبًا بطريق محرم؛ كالربا، والغش، والسرقة، والرشوة؛ وسُمِّيَ الحلالُ حلالًا لانحلال عقدة الحظر عنه.

• طَيِّبًا: أي ليس بخبيث في ذاته؛ كالميتة، والخمر، والدخان، وغيرها من أنواع الخبائث.

فَالمَطْعَمُ وَالْكَسْبُ الحَلَالِ الطَّيِّبِ لَابُدَّ أَنْ يَكُونَ:

1- طَيِّبًا فِي ذَاتِهِ: أي ليس محرَّمًا.

2- طَيِّبًا فِي كَسْبِهِ: أي بطريق حلال.

ففي الحديث الصحيح: "إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّبًا"

وَمِمَّا يُبَيِّنُ ضَرُورَةَ وَأَهَمِّيَّةَ هَذَا الأَمْرِ أَنَّ اللهَ تعالى سَوَّى بَيْنَ صَفْوَةَ الخَلْقِ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، وَعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، فِي وُجُوبِ الْأَكْلِ مِنَ الْحَلَالِ، وَاجْتِنَابِ الْحَرَامِ.

فَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}.

وكان من مَهَامِ بِعثَةِ النَّبي صلى الله عليه وسلم تقريرُ هذا الأمر.

قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

وقال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ... الآية} .

وَحَثَّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى البحث عنِ الرزقِ الحلالِ الطيبِ.

قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}.

وطمأننا سبحانه وتعالى أن الرزق الحلال الطيب مضمونٌ قد تكفَّل به جل في علاه.

قال تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ}.

وقال تعالى: {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}.

وقال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.

الوَقْفَةُ الثَّانِيَةُ: ثَمَرَاتُ، وَكُنُوزُ المَطْعَمِ الحَلَالِ.

1- تحرِّي الكَسْبَ الحَلَال، وَطِيب المَطعَمِ: هُوَ امتِثَالٌ لِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى.

فقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}. 

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}.

2- وَالسَّعيِ فِي تَحَرِّي الكَسَبَ الحَلَال، وَطِيبُ المَطعَمِ: مِنْ أَجَلِّ العِبَادَاتِ وَأَشْرَفِهَا.

ففي صحيح البخاري عنِ الْمِقْدَامِ بنِ معدِي كَرِبَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أنه قَالَ: "مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ، خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ".

وَرُوِيَ عن عيسى عليه السلام، أنه رأى رجلًا فقال: "ما تصنع؟ قال: أتعبد، قال: ومن يعولك؟ قال: أخي، قال: وأين أخوك؟ قال: في مزرعة، قال: أخوك أعبد لله منك".

3- وَالسَّعيِ فِي تَحَرِّي الكَسَبَ الحَلَال، وَطِيبُ المَطعَمِ: مِنْ أَسْبَابِ الحُصُولِ عَلَى الأَجْرِ العَظِيمِ.

فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "منْ أمسَى كالًّا منْ عَمِلَ يَدِيْهِ؛ أَمْسَى مَغفُورًا لهُ"[رواه ابن أبي شيبة، والطبراني، وضعفه الألباني].

وَعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، فَرَأَى أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَلَدِهِ ونَشَاطِهِ مَا أَعْجَبَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ‌لَوْ ‌كَانَ ‌هَذَا ‌فِي ‌سَبِيلِ ‌اللَّهِ؟!، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يَعِفُّها فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ رِيَاءً وتَفَاخُرًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ"[رواه الطبراني، وصححه الألباني في صحيح الجامع].

وقال بعض السلف: (إن من الذنوب ذنوبًا لا يكفرها إلا الهم في طلب المعيشة).

4- الكَسْبُ الحَلَالُ، وَطِيبُ المَطعَمِ: مِنْ أَسْبَابِ صَلَاحِ القُلُوبِ.

فإن صلاح القلوب لا يكون إلا بصلاح المطعم والمشرب؛ ولذا فالنبي صلى الله عليه وسلم، يوضح لنا أن صلاح الأعضاء بصلاح القلوب، وصلاح القلوب بصلاح المطعم والمشرب.

في الصحيحين عن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إن الْحَلالَ بَيِّنٌ، وَإنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُما مُشْتَبِهَاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثيِرٌ مِنَ الناسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ في الشُّبُهاتِ وَقَعَ في الْحَرَامِ؛ كالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلا وَإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلا وَإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلا وَإنَّ حِمَى الله مَحَارِمُه، أَلا وَإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَح الْجَسَدُ كُلُّهُ، وإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ الْقَلْب".

قال ابن حجر رحمه الله: (فيه التنبيه على تعظيم قدر القلب والحث على صلاحه والإشارة إلى أن لِطيب الكسب أثرًا فيه).

وسُئِل الإمام أحمد رحمه الله: ((بِمَ تلين القلوب؟ قال: بأكل الحلال)).

5- الكَسْبُ الحَلَالُ، وَطِيبُ المَطعَمِ: مِنْ أَسْبَابِ الحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ المُطمَئِنَّةِ، وَالسَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.

عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أَرْبَعٌ إِذَا كُنَّ فِيكَ فَلاَ عَلَيْكَ مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا: حِفْظُ أَمَانَةٍ، وَصِدْقُ حَدِيثٍ، وَحُسْنُ خَلِيقَةٍ، وَعِفَّةٌ فِي طُعْمَةٍ" ؛ [رواه أحمد، وصححه الألباني في صحيح الترغيب].

قال حذيفة المرعشي رحمه الله: (جماع الخير في حرفين: حل الكسرة، وإخلاص العمل لله).

6- مِنْ أَسْبَابِ القَنَاعَةِ، وِغِنَى النَّفْسِ.

في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قال: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، وَلكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ" ؛ أي: إن حقيقة الغنى: أن يستغني العبدُ بما أوتي قلَّ أو كثر، وأن يَقْنَع بما قسم الله له، ويَرضَى بما أعطاه الله فيعيش سعيدًا، هانئَ النفْس، مطمئنَّ القلب، يَعلم أن ما قسمه الله له لن يمنعه مانعٌ مِن الخلْق، وأن ما منعه الله إياه لن يحصِّله، ولو بذل أشدَّ الجهد.

قال بكر بن عبد الله المزني رحمه الله: (يكفيك من الدنيا ما قنعت به، ولو كفَّ تمرٍ، وشربة ماءٍ، وظلَّ خباءٍ، وكلما انفتح عليك من الدنيا شيءٌ ازدادت نفسك به تعبًا).

وَالرِّضَا بِمَا قَسَمَ اللهُ تَعَالى، وَالقَنَاعَةُ؛ سَبَبٌ فِي البَرَكَةِ، وَالسَّعَةِ فِي الأَرزَاقِ؛ كما في الحديث الصحيح: "أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَبْتَلِي عَبْدَهُ بِمَا أَعْطَاهُ، فَمَنْ رَضِيَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَهُ، بَارَكَ اللهُ لَهُ فِيهِ، وَوَسَّعَهُ، وَمَنْ لَمْ يَرْضَ لَمْ يُبَارِكْ لَهُ"[رواه أحمد، والحاكم، وصححه الألباني].

7- مِنْ أَسْبَابِ صَلَاحِ الأَبْنَاءِ.

قال أبو الحسن إسماعيل بن إبراهيم رحمه الله، عند موته: (لا ‌أعلم ‌في ‌جميع ‌مالي درهما من شبهة) فكانت من ثمرات تحري الحلال وطيب المطعم، أن ينشأ في هذا البيت: ((محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري رحمه الله))، صاحب صحيح البخاري؛ والظن أن طيب المكسب كان له أثر على صلاحه وتميزه.

8- مِنْ أَسْبَابِ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ.

في صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ تعالى أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا}، وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أَشْعَثَ، أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ.؟".

قال ابنُ رجبٍ رحمهُ اللهُ: (وفي هذا الحديثِ إشارةٌ إلى أنَّه لا يُقبلُ العملُ ولا يزكو إلا بأكلِ الحلالِ، وأنَّ أكلَ الحرامِ يُفسدُ العملَ، ويمنعُ قبولَه).

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: تُلِيَتْ هَذِهِ الآية عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا}، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "يَا سَعْدُ أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ"[رواه الطبراني].

وَقد ذَكَرَ الإمامُ أَحْمَد رحمه الله فِي كِتَابِ الزُّهْدِ: (أَصَابَ بَنِي إسرائيل بَلَاءٌ، فَخَرَجُوا مَخْرَجًا، فَأَوْحَى اللَّهُ عز وجل إلى نَبِيِّهِمْ أَنْ أَخْبِرْهُمْ: إِنَّكُمْ تَخْرُجُونَ إلى الصَّعِيدِ بِأَبْدَانٍ نَجِسَةٍ، وَتَرْفَعُونَ إِلَيَّ أَكُفًّا قَدْ سَفَكْتُمْ بِهَا الدِّمَاءَ، وَمَلَأْتُمْ بِهَا بُيُوتَكُمْ مِنَ الْحَرَامِ، الْآنَ حِينَ اشْتَدَّ غَضَبِي عَلَيْكُمْ؟ وَلَنْ تَزْدَادُوا مِنِّي إِلَّا بُعْدًا).

9- مِنْ أَسْبَابِ قَبُولِ الأَعمَالِ.

ففي الحديث: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ الْعَبْدَ لَيَقْذِفُ اللُّقْمَةَ الْحَرَامَ فِي جَوْفِهِ مَا يُتَقَبَّلُ مِنْهُ عَمَلَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَأَيُّمَا عَبْدٍ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنَ السُّحْتِ وَالرِّبَا فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ".

وقال ابن عبّاس رضي اللّه عنهما قال: "لا يقبل اللّه صلاة امرئ في جوفه حرام".

وسأل رجل سفيان الثوري عن فضل الصف الأول فقال: (انظر كسرتك التي تأكلها من أين تأكلها؟ وقم في الصف الأخير) وكأنه رأى من الرجل استهانةً بهذا الأمر، فأحب أن ينبهه إليه، لأنه أهم مما سأل عنه.

وقالَ يُوسُفُ بْنُ أَسْبَاطٍ رحمه الله: (إِذَا تَعَبَّدَ الشَّابُّ يَقُولُ إِبْلِيسُ: انْظُرُوا مِنْ أَيْنَ مَطْعَمُهُ، فَإِنْ كَانَ مَطْعَمُهُ مَطْعَمَ سُوءٍ قَالَ: دَعُوهُ، لَا تَشْتَغِلُوا بِهِ، دَعُوهُ يَجْتَهِدُ، وَيَنْصَبُ، فَقَدْ كَفَاكُمْ نَفْسَهُ) [البيهقي في الشعب].

وقال وهيب بن الورد رحمه الله: (لو قمت مقام هذه السارية لم ينفعك شيء حتى تنظر ما يدخل بطنك حلال أم حرام).

وقال بعض الصالحين: (من أكَلَ الحرام عصت جوارحه شاء أم أبى، عَلِمَ أم لم يعلم، ومن كانت طُعْمَتُهُ حلالًا أطاعته جوارحه، ووفِّقَت للخيرات).

10- الكَسْبُ الحَلَالُ، وَطِيبُ المَطعَمِ: مِنْ أَسْبَابِ دُخُولِ الجَنَّةِ، وَالنَّجَاةِ مِنَ النَّارِ.

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَكَلَ طَيِّبًا، وَعَمِلَ فِي سُنَّةٍ، وَأَمِنَ النَّاسُ بَوَائِقَهُ دَخَلَ الجَنَّةَ" فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا اليَوْمَ فِي النَّاسِ لَكَثِيرٌ، قَالَ: "وَسَيَكُونُ فِي قُرُونٍ بَعْدِي" [رواه الترمذي، والحاكم، وضعفه الألباني].

وَأَمَّا الكَسْبُ الحَرَامِ فَهُوَ مِنْ أَسْبَابِ العَذَاب فِي الآخِرَةِ:

ففي صحيح البخاري عن خولَةَ الأنصارية رضي الله عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن رجالًا يتخوَّضون في مالِ الله بغيِر حقٍّ، فلهم النارُ يومَ القيامةِ".

وعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتْ النَّارُ أَوْلَى بِهِ"[رواه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح الترمذي].

نسألُ اللهَ العظيم أنْ يرزقنَا الرزقَ الحلالَ، وأنْ يباركَ لنا فيه، وأنْ يباعدَ بيننَا وبينَ الحرامِ كما باعدَ بينَ المشرقِ والمغربِ.

 

الخُطبَةُ الثَّانِيَةُ: مَفَاتِيحُ وَأَسْبَابُ الكَسْبِ، والمَطْعَمِ الحَلَالِ.

أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، فإنَّ للرزقِ الحلالِ، والمطعمِ الحلالِ الطيِّبِ أسبابٌ جالبةٌ، ووسائل معينةٌ؛ وَمِنْ ذَلِكَ:

1- التَّوْبَةُ وَالاستِغْفَارُ:

ولماذا التوبة والاستغفار؟ لأن العبد قد يُحرم الرِّزق بالذنب يُصيبه.

قال الله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}.

وعنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضِي اللَّه عنْهُما قَال: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "منْ لَزِم الاسْتِغْفَار، جَعَلَ اللَّه لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مخْرجًا، ومنْ كُلِّ هَمٍّ فَرجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ"[رواه أبو داود، وضعَّفه الألباني].

2- تَقْوَى اللهِ تَعَالَى:

قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} .

وقال تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}.

والتقوى: أن يُطاع الله فلا يُعصى، ويُذكر فلا يُنسى، ويُشكر فلا يُكفر.

وقال طَلق بن حَبيب رحمه الله: (التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نور من الله، تخشى عقاب الله).

3- التَّوَكُّلُ عَلَى اللهِ تَعَالَى:

قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}.

وَعَنْ عُمَرَ رضْي اللهُ عنه، قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: "لو أنَّكُمْ تَتَوكَّلُونَ علَى اللهِ حقَّ توكُّله لرزقَكم كما يرْزقُ الطَّيرَ، تغدوا خِماصًا وتَرُوحُ بِطانًا"[رواه الترمذيُّ، وقال: حديثٌ حسَنٌ].

والتوكل الحقيقي لا بد له من أسباب؛ ولذلك قال الله تعالى لمريم عليها السلام: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} وهو قادر على رزقها دون هز وعناء منها.

4- التَّفَرُّغُ لِعِبَادَةِ اللهِ تَعَالَى:

عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقولُ الله: يَا ابْنَ آدَمَ، تَفَرَّغْ لعبادَتي؛ أمْلأْ صَدْرَك غِنًى، وأسُدَّ فَقْرَكَ، وإلا تَفْعَلْ؛ ملأْتُ صدرَك شُغْلًا، ولَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ"[رواه الترمذي، وصححه الألباني].

وفي رواية: "إنَّ ربَّكُم عزَّ وجلَّ يقولُ: يا بنَ آدمَ تفرَّغْ لعبادتي أملأْ قلبَكَ غنًى، وأملأْ يدَك رزقًا، لا تتباعَدْ منِّي فأملأَ قلبَكَ فقرًا، وأملأ يدك شُغلًا".

وليس معنى الحديث تركُ طلب الرزق، وإنما المُراد أنك في حال العبادة أفرغ قلبك لله، وتجرَّد من الدنيا، وأقْبِل على ربِّك يفتح لك أبوابَ الرِّزق.

كما قال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}.

5- صِلَّةُ الرَّحِمِ:

في الصحيحين عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ؛ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ".

وفي رواية: "فَلْيتَّقِ اللَّهَ، وَلْيصِلْ ذا رَحِمِهِ".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تعلَّموا مِن أنسابِكم ما تصِلونَ بهِ أرحامَكم؛ فإنَّ صلةَ الرَّحمِ محبَّةٌ في الأهلِ، مَثْراةٌ في المالِ، مَنْسأةٌ في الأثَرِ"[رواه أحمد، والترمذي، وصححه الألباني].

والقصدُ من الحديث أن صلةَ الرحمِ "مَثْراةٌ في المال"؛ أي: سبب في كثرة المال والرِّزق، "محبَّةٌ في الأهل"؛ أي: سببٌ للودِّ والتحابِّ بين الأقارب، "مَنْسأةٌ في الأَثَرِ"؛ أي: تزيد العُمر؛ والزيادة في العمرِ قِيل فيها:

• أنَّ المراد البركة فيهِ.

• وقيل: الحديث على ظاهرِه والزيادة حقيقية.

6- الصَّدَقَاتُ وَالإِنفَاقُ فِي سَبِيلِ اللهِ تَعَالَى:

قال الله تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُمْ مّن شيء فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}.

وفي الصحيحين عن أبى هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قَالَ اللَّه تَعَالَى: أنفِق يَا ابْنَ آدمَ يُنْفَقْ عَلَيْكَ" وفي رواية: "أَنْفِق يا ابن آدم أُنْفِق عليك".

ومن القصص في هذا المعنى: قصة لأهل منزلٍ كانت لهم شجرةُ ليمونٍ بفِناء المنزل، وكانت لهم جَدَّة لا تمنَع أحدًا مِن قَطْف ليمونة اشتهاها، أو يُريدها لأحد أبنائه، فكانت تُثمر ثمرًا لا نظير له في الكثرة، وأهلُ القرية يعلمون هذا فيأتون لأخذِ اللَّيمون، فتُوفِّيَت الجَدَّة وكانت زوجةُ ابنها تمنع كُلَّ مَنْ يأتي إلى اللَّيمونة، فيَبِسَتِ اللَّيمونةُ، وهذا هو التَّلَف، وما أشبه هذه القصَّة بقصة أصحاب الجنة.

ومن القصص التي نعتبر بها: أنَّ جرادًا استولى في بعض البلاد على الحقولِ إلا حقلًا واحدًا، وهذا أمر عجيبٌ يدل على قدرة الله، كيف يأكل الجَراد من النواحي الأربع ويترك هذا الحقل؟! لا شكَّ أنه مأمور بأمْرِ ربِّه، بحثوا عن صاحب الحقلِ، فقالوا له: ما القصة؟ قال لهم: كنت أداوي حقلي، قالوا: لماذا لم ترشدنا إلى هذا الدواء؟ فقال لهم: كنت أداويه بالزكاة، فحصَّن بستانه بالصدقة، أما من طغى عليهم التفكير المادي فلا يُفكِّرون إلا في الأدوية المادية.

7- إِعَانَةُ الضُّعَفَاء والفُقَرَاء والمُحتَاجِين:

فَقَد بيَّن صلى الله عليه وسلم أن الأمة لا تُنتَصر، ولا تُرزَق إلا بضعفائها وفقرائها.

في صحيح البخاري عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ".

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أَبْغُونِي ضُعَفَاءَكُمْ، فَإِنَّكُمْ إِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ"[رواه أبوداود، الترمذي].

بل وربما يُرزقُ الإنسانُ بسبب قريبٍ له فقير كان يتعاهدُهُ وينفِقُ عليه.

روى الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كانَ أخَوانِ على عَهْدِ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فَكانَ أحدُهُما يأتي النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ والآخرُ يحترِفُ، فشَكَى المحترفُ أخاهُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فقالَ: "لعلَّكَ ترزقُ بِهِ".

8- الزَّوَاجُ:

قال تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} قال ابن مسعود رضي الله عنه: (التمسوا الغنى في النكاح، وتلا هذه الآية.) وقال عمر رضي الله عنه: (عجبي ممن لا يطلب الغنى في النكاح؛ وقد قال الله تعالى: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ.{

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثَلاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ: الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ"[رواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وحسنه الألباني].

9- المُتَابَعَةُ بَينَ الحَجِّ وَالعُمرَةِ:

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَابِعُوا بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ، وَالذَّهَبِ، وَالفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ المَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلَّا الجَنَّةُ"[رواه أحمد، والترمذي، وصححه الألباني .[

10- الدُّعَاءُ:

دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار يُقال له أبو أمامة، فقال: "يا أبا أمامة، ما لي أراك جالسًا في المسجد في غير وقت صلاة؟" قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، قال: "أفلا أعلمك كلامًا إذا قلته، أذهب الله همَّك، وقضى عنك دينك؟" قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: "قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من البخل والجبن، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال"، قال: فقلت ذلك، فأذهب الله عز وجل همي، وقضى عني ديني.

نسألُ اللهَ العظيم أنْ يرزقنَا الرزقَ الحلالَ، وأنْ يباركَ لنا فيه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply