بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
١- ظلم الإنسان لغيره ذنب من الذنوب ويكون عظيما ودون ذلك بحسب قدر الظلم وأحواله وظروفه ووقته وحال الظالم والمظلوم وكلها أحوال لا يعلم بها على التفصيل كاملة إلا الله تعالى.
٢- توبة الظالم من الظلم ولو بدون التحلل من المظلوم تنفعه من حيث أن في الظلم حقا لله تعالى وحقا للمظلوم فالظلم والعدوان في ذاته معصية لله تعالى فمن تاب منها تاب الله عليه وبقي حق المظلوم.
٣- هناك فرق في التحلل من المظلوم بين حال القدرة على التحلل والعجز فمن عجز عن رد المظالم عجزا حقيقيا مع صدق توبته فقد فعل ما أمره الله به واتقى ربه بقدر وسعه والأصل المطرد في الشريعة أن من اتقى الله جعل الله له مخرجا.
٣- القضاء بين العباد يوم القيامة يكون بالحسنات والسيئات وتقدير ما يأخذ المظلوم من حسنات الظالم من الأمور الغيبية التي لا يعلم قدرها على الحقيقة إلا الله تعالى وهو الذي يقضي بالحق لا يظلم مثقال ذرة سبحانه. فالمظلوم يعطى بقدر مظلمته بلا زيادة ولا نقصان. وليس مرد ذلك إلى هوى المظلوم أو حكمه. فإن الإنسان ظلوم ولو كان الأمر لهواه لما وقف عند الانتصاف فلو ظلم مبلغا يسيرا من المال لتمنى أن ينسحق الظالم وتتكسر عظامه ويسلب كل ماله في الدنيا ويدخل النار في الآخرة... والله المستعان.
٤- الظلم حكم شرعي ليس مرده إلى الناس فكون العمل ظلما هو تقدير شرعي.
٥- عدم سقوط حقوق العباد لا يعني أن من وقع منه الظلم لغيره لابد أن يعذب بل من يخشى عليه العذاب هو من كثرت مظالمه كما في حديث المفلس حتى رجحت سيئاته على حسناته أما من بقي له حسنات بعد استيفاء المظالم أكثر من سيئاته فهو ممن ثقلت موازينهم وهو من الناجين.
بل قد يدخل من له مظلمة النار ويدخل ظالمه فيها الجنة لرجحان سيئات المظلوم الأخرى وحسنات الظالم وفي الحديث القدسي الحسن.
(لا ينبغي لأحدٍ من أهلِ النّارِ أن يدخُلَ النّارَ وله عند أحدٍ من أهلِ الجنَّةِ حقٌّ حتّى أقُصَّه منه، ولا ينبغي لأحدٍ من أهلِ الجنَّةِ أن يدخُلَ الجنَّةَ ولأحدٍ من أهلِ النّارِ عنده حقٌّ حتّى أقُصَّه منه حتّى اللَّطمةَ. قال: قلنا: كيف وإنَّنا نأتي عُراةً غُرلًا بُهمًا؟ قال: الحسناتُ والسَّيِّئاتُ).
٦- من تسببت المظالم وذنوبه الأخرى في نقص حسناته ورجحت سيئاته فلا يحكم له بالعذاب والنار بل هو تحت المشيئة كسائر الكبائر إن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له.
٧- الاستكثار من الحسنات من العبادات والطاعات من عمل العقلاء الذين يخافون نقص حسناتهم بسبب الظلم الذي وقع منهم استعدادًا لايفاء من ظلمهم وبقاء الحسنات التي تنجيه.
ولذلك فإن تزهيد الناس في الطاعات بحجة وقوع بعض المظالم منهم هو قول من ضعف فقهه بل هذا لمن تأمله صد عن سبيل الله وحب للمعصية فإن الأحوال ثلاثة أن يأتي العبد بالطاعات ويكف عن المظالم أو أن يأتي بالطاعات ولا يكف عن المظالم أو يترك الطاعات ويظلم الناس والأخيرة شر المنازل والدعوة إليها من الجهل.
٨- ذكر العلماء أن من أحوال إنصاف المظلومين أن يعطيهم الله من عنده ويرضيهم دون أخذ من حسنات من ظلمهم لمعان من العبودية والتوبة الصادقة أو الشفاعة أو الحسنات الكبرى وغير ذلك من مكفرات الذنوب.
قال ابن تيمية رحمه الله:
أما من حقوق العباد فإن التوبة لا تبطل حقوقهم بل إما أن يستوفيها صاحبها ممن ظلمه أو يعوضه الله عنها من فضله العظيم.
٩- بعض من وقعت عليه مظلمة يقع في محاذير منها سوء الظن بالله فبعضهم يعتقد أن الله تعالى بسبب نوع من الظلم وقع فيه بعض العباد سوف يمحو الله كل حسناته ويضاعف عذابه ولا يقبل توبته ونحو ذلك.
ولو أن الله عاملنا بمقتضى ما يتمنى المظلوم لمن ظلمه لهلكنا. لكن الله تعالى غفور رحيم ودود تواب يقبل التوبة عن عباده.
١٠- ليس من شروط قبول العمل الصالح عدم وقوع الظلم من العبد فشرطا العمل الصالح الإخلاص والمتابعة. فمن ظلم غيره فصلاته وصومه وقيامه كغيره من المسلمين لم يقل أحد من أهل العلم بردها بسبب ذلك.
١١- الأمور السابقة ليست تهوينًا من شأن ظلم حقوق العباد بل توضيحًا لبعض المفاهيم الخاطئة فالمظلوم وظالمه كلهم عبيد لله وتحت حكمه ولا يصير المظلوم بوقوع بعض الظلم عليه حاكما فبعضهم يقول لظالمه والله لأفعلن بك يوم القيامة وأفعلن ولأحاسبنك ونحو ذلك. فالحكم كله لله العلي الكبير. وعلى العبد أن يراعي الأدب مع ربه وليعلم أن الفصل بيد الله وحده في يوم الفصل.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد