فضائل عشر للأيام العشر


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

مُقتَرَحُ خُطبَة الجُمُعَةِ الرَّابِعَة مِن شَهرِ ذِي القَعدَةِ، وَدُرُوسُ هذا الأُسبُوعِ، وَدُرُوسُ النِّسَاءِ:

1- فَضَائِلُ وَخَصَائِصُ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ.

2- الأَعمَالُ المُسْتَحَبَّةُ وَالمَشْرُوعَةُ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ.

3- مَا يَجِبُ عَلَى مَنْ دَخَلَت عَلَيْهِ العَشْرُ وَأَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ؟

الهَدَفُ مِنَ الخُطبَةِ: التذكيرُ بفضائل هذه الأيام، والحثُّ على الاهتمام بها واغتنام أوقاتها، وبيانُ الأعمالِ المشروعةِ في هذه الأيام.

مُقَدِّمَةٌ ومَدَخَلٌ للمُوْضُوعِ:

أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، فمن فضل الله تعالى على عباده أن جعل لهم مواسم للطاعات يستكثرون فيها من العمل الصالح، ويتنافسون فيها على فعل الخيرات؛ ومن هذه المواسم الفاضلة: أيامُ العشر الأول من شهر ذي الحجة؛ فهي أيامٌ شهد لها الله جل في علاه، وشهد لها رسوله صلى الله عليه وسلم بأنها أفضل الأيام وأعظم المواسم؛ وهذا يستدعي من العبد أن يعرفَ فضائلَها وخصائصَها والأعمالَ المستحبةِ فيها؛ لكي يُحسن استقبالها واغتنامها، ويجتهد فيها، ويكثر من الأعمال الصالحة.

فَمَا هِيَ فَضَائِلُ وَخَصَائِصُ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ؟ وَمَا هِيَ الأَعمَالُ المُسْتَحَبَّةُ وَالمَشْرُوعَةُ فِيهَا؟ هذا ما نتعرف عليه من خلال هذه الوقفات.

الوقفة الأولى: فَضَائِلُ وَخَصَائِصُ وَمَنْزِلَةُ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ.

وتتجلى هذه الخصائص والمنزلة العالية لهذه الأيام: في صيغ التفضيل التي استعملها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان فضلها ومكانتها، وفضل العمل الصالح فيها؛ فقد وصفها بأوصاف تدل على فضلها ومنزلتها.

1- فمن فَضَائِلِ وَخَصَائِصِ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ: أنها أعظمُ الأيام عند الله تعالى.

فعن ابن عمر رضي الله عنهما، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ قال: "ما مِن أيَّامٍ أعظمُ عِندَ اللهِ، ولا أحَبُّ إليه مِن العَملِ فيهنَّ مِن هذه الأيَّامِ العَشرِ؛ فأَكْثِروا فيهِنَّ مِن التَّهليلِ، والتَّكبيرِ، والتَّحْمِيد"[رواه أحمد]

2- ومنها: أنها أفضل أيام الدنيا.

فعن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل أيام الدنيا أيام العشر ـ يعني عشر ذي الحجة" قيل: ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال: "ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عفر وجهه بالتراب"[رواه البزار، وابن حبان، وصححه الألباني].

3- ومنها: أن العمل الصالح فيها من أفضل الأعمال عند الله تعالى.

كما في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما العَمَلُ في أيَّامٍ أفْضَلَ منها في هذه"، قالوا: ولا الجِهادُ؟ قالَ: "ولا الجِهادُ، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخاطِرُ بنَفْسِه ومالِه، فلَمْ يَرْجِعْ بشَيءٍ"

وفي رواية: "إلا من عقر جواده وأهريق دمه"[صحيح الترغيب والترهيب].

4- ومنها: أن العمل الصالح فيها من أحب الأعمال عند الله تعالى.

ففي سنن الترمذي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللهِ من هذه الأيَّامِ العشرِ". قالوا: يا رسولَ اللهِ ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ إلَّا رجلًا خرج بنفسِه ومالِه فلم يرجِعْ من ذلك بشيءٍ".

5- ومنها: أن العمل الصالح فيها من أزكى الأعمال عند الله تعالى.

ففي رواية للدارمي: "مَا مِنْ عَمَلٍ أَزْكَى عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلا أَعْظَمَ أَجْرًا مِنْ خَيْرٍ يَعْمَلُهُ فِي عَشْرِ اْلأضْحَى"، قِيلَ: وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: "وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، إِلا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ".

قَالَ راوي الحديث: *وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إِذَا دَخَلَ أَيَّامُ الْعَشْرِ اجْتَهَدَ اجْتِهَادًا شَدِيدًا حَتَّى مَا يَكَادُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ*.

6- ومما يدل على فضلها: أن الله تعالى أقسم بها في كتابه؛ والإقسام بالشيء يدل على أهميته، وعظمته.

قال تعالى: {والفجر * وَلَيَالٍ عَشْرٍ} قال ابن عباس رضي الله عنهما: *إنها عشر ذي الحجة*.

7- ومما يدل على فضلها: أنها هي الأيام المعلومات التي شرع الله تعالى فيها ذكره.

كما قال تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} قال ابن عباس رضي الله عنهما: *الأيَّامُ المعلوماتُ أيامُ عشرِ ذِي الحِجّة*.

8- ومن خصائصها: أنها الأيام التي تجتمع فيها أمهات الطاعات؛ بل تجتمع فيها وتكتمل أركان الإسلام الخمسة.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح: *والذي يظهر أنَّ السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكانِ اجتماعِ أمهاتِ العبادة فيه وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج ولا يتأتى ذلك في غيره*.

9- ومن خصائصها: أنها هي الأيام التي أتمَّها الله تعالى لكليمِهِ موسى عليه السلام، وواعده فيها.

قال تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً... الآية} قال مجاهد رحمه الله: *هو ذو القعدة، وعشر ذي الحجة*.  فقد مكث موسى عليه السلام على الطور أربعين ليلة وأنزل الله تعالى عليه التوراة.

10- ومن خصائصها: أن الله تعالى جعل فيها أفضلُ أيام السنةِ كُلِّها على الإطلاق.

ففيها يوم التروية: الذي يُحرم الحجيج فيه بالحج ويمكثون فيه بمنىً إلى صبيحة يوم عرفة.

وفيها يوم عرفة: اليوم الذي أتم الله تعالى فيه النعمة، وأكمل فيه الدين: "خير يوم طلعت فيه الشمس".

• ‏اليوم الذي يؤدي فيه الحجيج أعظم أركان الحج وهو الوقوف بعرفة.

• ‏اليوم الذي يطلع الله تعالى فيه على أهل صعيد عرفات ويباهى بهم ملائكته.

فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي مَلَائِكَتَهُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِأَهْلِ عَرَفَةَ فَيَقُولُ: انْظُرُوا إلى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا"[رواه أحمد.]

• ‏اليوم الذي يعتق الله فيه من النار.

ففي صحيح مسلم عن عَائِشَة رضى الله عنها أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ".

وفيها يوم النحر: يوم الحج الأكبر؛ أعظم الأيام عند الله تعالى.

ففي الحديث الصحيح: "إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يوم النحر ثم يوم القر"[رواه أحمد]

• ‏ويوم القر: هو اليوم الحادي عشر لأن الناس يقرون فيه بمنى؛ أي يقيمون بها أيام التشريق.

نسأل الله العظيم أن يوفقنا لاغتنام هذه الأيام في طاعته، وحُسنِ عبادته.

 

الخطبة الثانية: الأَعمَالُ المُسْتَحَبَّةُ وَالمَشْرُوعَةُ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ.

أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، ففي عشْرِ ذي الحجةِ أعمالٌ فاضلة، وطاعاتٌ متعددة، وهي غيرُ منحصرة، فما يُشرَع في سائرِ الأوقات يزدادُ تأكيدًا في تلْكُم الأيام، فإنَّ العملَ يَشرُفُ بشَرفَ الزمانِ والمكان؛ فمن هذه الأعمال:

1- الصيام (استعادة الذكريات بعد مرور أكثر من شهرين على شهر رمضان).

فعَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَصُومُ تِسْعَ ذي الْحِجَّةِ وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ وَثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ"[رواه أبو داود] .

قال النووي رحمه الله: *والمراد بالعشر هنا الأيام التسعة من أول ذي الحجة؛ قالوا: وهذا مما يتأول فليس في صوم هذه التسعة كراهة؛ بل هي مستحبة استحبابا شديدا.*

وأفضلها صيام يوم عرفة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتي بَعْدَهُ"[رواه مسلم].

2- الإكثار من ذكر الله تعالى؛ من التكبير والتحميد والتهليل، وقراءة القرآن والدعاء.

كما قال الله تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ}.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ"[رواه أحمد].

وكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما يَخْرُجَانِ إلى السُّوقِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ يُكَبِّرَانِ وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا.[رواه البخاري].

وقال البخاري رحمه الله: *وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُكَبِّرُ فِي قُبَّتِهِ بِمِنًى فَيَسْمَعُهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ فَيُكَبِّرُونَ وَيُكَبِّرُ أَهْلُ الْأَسْوَاقِ حَتَّى تَرْتَجَّ مِنًى تَكْبِيرًا*.

3- ومنها: المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها، والإكثار من نوافل الصلوات، والحرص على الصدقات، وصلة الأرحام، وغيرها من أبواب الخير التي يتفاوت الناس في تحصيلها.

ونختم بتنبيه مهم: وَهُوَ مَا يَجِبُ عَلَى مَنْ دَخَلَت عَلَيْهِ العَشْرُ وَأَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ؟

ففي صحيح مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كان له ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ، فإذا أُهِلَّ هِلال ذِي الحِجَّة، فلا يَأْخُذَنَّ من شَعْرِه ولا من أظْفَارِه شيئا حتى يُضَحِّي" .

وفي رواية: "إذا رَأَيْتُمْ هِلالَ ذِي الحِجَّةِ، وأَرادَ أحَدُكُمْ أنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عن شَعْرِهِ وأَظْفارِهِ"، وفي رواية: "فلا يَمَسَّ من شعره وبَشَرِه شيئًا".

• ‏فهذا نهي لمن أراد أن يضحي أن يأخذ من شعره، أو أظفاره شيئًا حتى يضحي.

• ‏فإذا دخل العَشْر من ذي الحِجَّة وأنت تريد أن تضحي أضحيةً عن نفسك، أو عن غيرك من مالك فلا تأخذ شيئًا من شعرك؛ لا من الإبِط، ولا من العَانة، ولا من الشَّارب، ولا من الرأس، ولا من أظفارك حتى تضحي.

• ‏وذكر العلماء أن النهي الوارد في الحديث يفيد التحريم؛ إذ لا صارف له إلا لعذر: (جهل أو نسيان).

• ‏وعليه من فعل ذلك لغير عذر فإنه يأثم وعليه التوبة إلى الله تعالى ولا كفارة عليه.

• ‏وذكر العلماء: أن من مقتضيات ومعاني تفضيل أيام عشر ذي الحجة أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل فيها محترزات ومنهيات مالم يكن في غيرها؛ فإن المكان والزمان الذي يقع فيه نهي عن فعل من الأفعال فإنه آكد من غيره في التفضيل والتعظيم.

• وهذا الحُكْمُ خَاصٌّ بصاحِبِ الأُضحِيَةِ، وأمَّا من نَابَ عَنْهُ فِي شِرائِها، أو ذبحِها، أو توزيعِها، فليس داخلًا في هذا الحكم.

• وأما من حَجَّ، وأرادَ أنْ يُضَحِّيَ، أو يُوَكِّلَ من يُضَحِّيَ عنه في بلده، فله الأخذُ من شعرهِ عند التَّحَلُّلِ من عمرتِهِ أو حجَّتِهِ؛ لأن الأخذَ من الشعرِ عند التَّحَلُّلِ من إحرامِهِ نُسُكٌ مِن منَاسِكَ الحَجِّ.

نسأل الله العظيم أن يوفقنا لاغتنام هذه الأيام وأن يجعلنا فيها من الفائزين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply