هل التفكير المتفائل سبب في التغيير الواقعي؟


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

أرسل إلي أحد الأصدقاء الكرام هذه التغريدة:

*على مسؤوليتي: التفكير المتفائل مهما كانت الظروف يزيد احتمال حدوث أشياء سارة في حياتك، أو انفراج أزمات متعبة، بحول الله. التفكير المتفائل بحد ذاته سعادة وراحة وطمأنينة.*

وقال: ما تعليقك عليه؟

وعلقت عليه بما يلي:

هذه التغريدة فيها إشكال وغموض، وهي غير نافعة في تخليص النفوس المؤمنة مما تعاني من أحزان وأزمات، وليست جارية على منهج الشريعة في معالجة ما يعاني منه الإنسان من الأقدار المؤلمة في حياته.

ويتضح ذلك بما يلي:

الأمر الأول:

قوله: *التفكير المتفائل*، حسن أنه يقصد التفكير العقلي الذي يتوقع الأفضل في الحياة من غير عمل ولا بذل للأسباب المخصوصة، وهذا المعنى لا قيمة له في تغيير الأقدار، ولا أثر له فيها. فمجرد أن يكون الإنسان في ذهنه أفكارًا يتوقع من خلالها حصول الأفضل له في حياته لا يعد سببًا حقيقيًا في الشيء، بل الاعتماد عليه خرافة، وقد تصل بالمسلم إلى الشرك والخروج من الإسلام.

والأصل أن المسلم إذا أطلق تلك الجملة لا يقصد هذا المعنى، ومع ذلك فلا يصح إطلاقها من غير بيان وتوضيح؛ لأن أصحاب الخرافة والفلسفات الروحية الوثنية يطلقون مثل هذه الجمل كثيرًا، ويربطون الناس بها، ويعلقون عليها إيقاع التأثير في الوجود، وهو ضلال مبين، وانحراف كبير.

الأمر الثاني:

لا بد أن نفرق بين التأثير النفسي والتأثير في الواقع. التفكير المتفائل والإيجابية قد تحدث أثرًا في النفس، وتعين المسلم على التقليل من الشعور بالآلام التي يعيشها، وتنسيه قدرا من الأحزان التي هو فيها. ولكن هذا لا يعني أن تلك الأمور تحدث أثرًا في الواقع الخارجي. فالتأثير في الخارج وتغيير الأحوال الخارجية إلى الأحسن أو تبديل الفقر إلى غنى، والمرض إلى صحة، لا يكون إلا بالأسباب الحقيقية الواقعية، مع ما شرعه الله وأخبرنا عنه من الأسباب الغيبية التي لا يملكها البشر.

الأمر الثالث:

الشريعة استعملت لفظا أدق وأجمل وأكمل، وهو: *حسن الظن بالله*، ومعناه أن يتيقن المسلم بأن الله تعالى لا يحدث في الكون شيئًا إلا لحكمة بالغة، وأنه سبحانه لا يفعل إلا ما هو خير ورحمة.

فهذه الحقيقة الشرعية تتضمن معنى التفكير المتفائل الذي هو توقع حصول الخير في المستقبل مع ربط ذلك بمصدره الحق وهو الله سبحانه وتعالى.

فهناك فرق كبير جدا بين التراكيب التي تغرس توقع الخير في النفس مع ربطها بالله تعالى وبين التراكيب التي تغرس توقع الخير في النفس من غير أن تذكر الله سبحانه وتعالى، وربط ذلك بحكمته وكماله وتدبيره.

الأمر الرابع:

أن المسلم إذا بنى توقع الخير في حياته على معنى حسن الظن بالله يحصل على فوائد كثيرة لا يمكن أن يحصل عليها إذا بنى توقع الخير على مجرد التفكير المتفائل. وأعظم ما يحصل عليه المسلم هو الثواب الجزيل من الله تعالى، لأن حسن الظن عبادة من العبادة. فقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن حسن الظن بالله تعالى من حسن العبادة".

بهذا المبدأ الشرعي يتحصل المسلم على غرس التفاؤل في نفسه، وتقويتها، وإزالة الحزن عنها، ويحقق لنفسه الاستقامة مع مقتضيات العقل والفطرة، ويتحصل مع ذلك على ثواب عظيم من الله تعالى.

فلماذا يحرم المسلم نفسه من القيام بهذه العبادة، ويستبدلها بمعاني لا تتضمنها ولا تدل عليها ولا ترشد إليها؟!

الأمر الخامس:

أن الاقتصار على التفكير المتفائل والتركيز عليه يدخل في الاعتماد على الخلق الذي حذرت النصوص الشرعية منه كثيرًا، وهو فساد في العقل والحكمة؛ إذ كيف ينزل العبد حاجته على غير القادر وعلى غير المالك.

فمن ركز على التفكير المتفائل في تغيير الأقدار المتعسرة في حياته فهو في حقيقة أمره قد أنزل حاجته على نفسه، وهو فرد من الخلق لا يملك نفعًا ولا ضرًا، ولا يقدر على تغيير شيء من أقدار الله.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس لم تُسَدَّ فاقته، ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله، فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل".

ومعنى قوله: "أنزلها بالناس"، يعني علق تغييرها وإزالتها على الناس، وتفكير الإنسان وقدراته. ومعنى قوله: "إنزالها بالله"، يعني أن الله تعالى يحقق له حاجته.

فالنجاة للمسلم من أحزانه وآلامه هو أن ينزلها بالله تعالى، فهي جزء من الخلق.

الأمر السادس:

دلت النصوص الشرعية على أن حسن الظن بالله تعالى من أسباب تغيير الأحوال والأقدار، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي". متفق عليه.

وفي المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل قال: أنا عند ظن عبدي بي، إن ظن بي خيرًا فله، وإن ظن بي شرًا فله".

ومعنى هذه الأحاديث: أن الله يعطي العبد على حسب ما قام في قلبه من الظن عن ربه، فإن توقع من الله الخير فإنه يعطى له الخير، وإن توقع الشر فإنه يعطى له الشر.

ويعني هذا أن المسلم ينبغي عليه أن يهتم بهذا السبب اهتمامًا كبيرًا، فيقوي حسن الظن بالله تعالى ويكمله حتى يظفر بأكمل تغيير في حياته.

فبدل أن ينشغل بتكوين الأفكار المتفائلة في ذهنه على المستقبل الأحسن، عليه أن يعوض نفسه بتقوية حسن الظن بالله، فهذا من أفضل وسائل تحسين الحياة وأكمل أسباب تغييرها إلى الأحسن.

مع أن حسن الظن بالله تعالى سبب من الأسباب الصحيحة في تغيير الأحوال والأقدار، إلا أنه لا يصح الاقتصار عليه فقط، وإنما لا بد من الحرص على بذل الأسباب المادية المناسبة لطبيعة الحال الذي يراد تغييره.

فمن أصيب بمرض عضال، فإن من أقوى الأسباب التي تعينه على الشفاء من هذا المرض حسن الظن بالله تعالى وحرص على بذل الأسباب الطبية التي تناسب ذلك المرض.

ومن أصيب بفقر شديد، فإن من أقوى الأسباب التي تعينه على الفرج حسن الظن بالله تعالى وحرص على بذل الأسباب المادية التي تناسب ذلك البلاء.

بهذه المنهجية الشرعية العقلية المتكاملة يصل المسلم إلى أفضل الطرق في التعامل مع الأقدار والأحزان التي يصاب بها، وهذا خير له من أن يتعلق بمفاهيم لا تتضمن إرشاده إلى مادية وتدخله في متاهات من التناقض والاضطراب والقلق.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين  

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply