بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
إن مما يلحظ كثرة الرسائل التي تشدد في الالتزام بالدعاء بالمأثورات من الأدعية الصحيحة الواردة في الوحيين. مع قلة التنبيه لمقصد مواطأة القلب اللسان، فدعاء بالعامية من قلب حاضر خير من دعاء بالفصحى لمن لا يفهم الدعاء.
وفيما يأتي بعض النقول في ذلك:
أولًا: استحقاب الدعاء بالمأثور:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله -:
وينبغي للخلق أنْ يدْعوا بالأدعية الشرعيَّة التي جاء بها الكتاب والسنة؛ فإنَّ ذلك لا ريب في فضله وحُسنه وأنَّه الصراط المستقيم، وقد ذكر علماءُ الإسلام وأئمَّة الدين الأدعيةَ الشرعيَّة، وأعرضوا عن الأدعية البدعية فينبغي اتباع ذلك.
" مجموع الفتاوى" (1 / 346 و 348).
ولا بأس بالدعاء بغير المأثور ففي صحيح البخاري (835)، ومسلم (402) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود، قَالَ: كُنَّا إِذَا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلاَةِ، قُلْنَا: السَّلاَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ، السَّلاَمُ عَلَى فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لاَ تَقُولُوا السَّلاَمُ عَلَى اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلاَمُ، وَلَكِنْ قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمْ أَصَابَ كُلَّ عَبْدٍ فِي السَّمَاءِ أَوْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ، فَيَدْعُو". ولمسلم: ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ بَعْدُ مِنَ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ أَوْ مَا أَحَبَّ، وفي رواية له: ثُمَّ يَتَخَيَّرُ بَعْدُ مِنَ الدُّعَاءِ.
ومنع بعض الفقهاء الدعاء في الصلاة بغير المأثور، وهو قول الحنفية، ومنع آخرون الدعاء بملاذ الدنيا، وهو قول الحنابلة، والراجح جواز الأمرين.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله وقوله: "ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو": يستدل به على أنه يجوز الدعاء في الصلاة بما لا يوافق لفظه لفظ القرآن، وعامةُ الأدعية المروية عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صلاته كذلك، وقد سبق في الباب الماضي بعض ذلك، وهذا قول جمهور العلماء، خلافًا لأبي حنيفة والثوري في قولهما: لا يدعو في صلاته إلا بما يوافق لفظَ القرآن، فإن خالف بطلت صلاته. وحكى أصحاب سفيان الثوري مذهبه كذلك.
والصحيح المنصوص عن أحمد: أنه يجوز الدعاء بما يعود بمصلحة الدين بكل حالٍ، وهو قول جمهور العلماء.
وفي سنن أبي داود أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لرجل: "كيف تقول في الصلاة؟" قالَ: أتشهد، ثُمَّ أقول: اللهمّ إني أسألك الجنة، وأعوذُ بك من النار، أما إني لا أحسنُ دندنتك ولا دندنة معاذ، قالَ النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حولها ندندن".
وهذا يشعر بأنه يجوز الدعاء بمصالح الآخرة بأي لفظٍ كان.
واختلفوا: هل يجوز الدعاء في الصلاة بالمصالح الدنيوية خاصة؟
فقالت طائفة: يجوز، منهم: عروة ومالك والشافعي، وحُكي روايةً عن أحمد، واستدلوا بعموم حديث ابن مسعود.
وقالت طائفة: لا يجوز ذلك، وهو المشهور عن أحمد، واختاره أبو محمد الجويني من الشافعية. وإنما هذا فيما لم يرد النص بمثله، كالرزق والعافية والصحة، ونحو ذلك مما ورد الدعاء به في الأخبار في الصلاة وغيرها، فإنه يجوز الدعاء به في الصلاة، وإنما الممنوع طلبُ تفاصيل حوائج الدنيا؛ كالطعام الطيب والجارية الوضيئة والثوب الحسن، ونحو ذَلِكَ، فان هذا عندهم من جنس كلام الآدميين الذي قالَ فيهِ النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس".
ثانيًا: جواز الدعاء بغير العربية وبالعامية:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأمَّا مَن دعا الله مخلصًا له الدين بدعاءٍ جائزٍ، سمعه الله وأجاب دعاه، سواء كان معربًا أو ملحونًا...بل ينبغي للداعي، إذا لم يكن عادته الإعراب: ألا يتكلف الإعراب. قال بعض السلف: إذا جاء الإعراب ذهب الخشوع.
وهذا كما يكره تكلف السجع في الدعاء، فإذا وقع بغير تكلفٍ: فلا بأس به.
فإنَّ أصل الدعاء مِن القلب، واللسان تابعٌ للقلب، ومَن جعل همَّته في الدعاء تقويم لسانه، أضعف توجه قلبه.
ولهذا يدعو المضطر بقلبه دعاء يفتح عليه، لا يحضره قبل ذلك، وهذا أمرٌ يجده كلُّ مؤمنٍ في قلبه.
والدعاء يجوز بالعربيَّة، وبغير العربيَّة.
والله سبحانه يعلم قصد الداعي ومراده، وإن لم يقوِّم لسانه؛ فإنه يعلم ضجيج الأصوات، باختلاف اللغات، على تنوع الحاجات *انتهى من الفتاوى الكبرى * (2 / 424).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
والدعاء يجوز بالعربية، وبغير العربية، والله سبحانه يعلم قصد الداعي ومراده، وإن لم يقوِّم لسانه، فإنَّه يعلم ضجيج الأصوات، باختلاف اللغات على تنوع الحاجات.
" مجموع الفتاوى ." (22 / 488 – 489
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد