فوائد من درس دلائل الإعجاز 34


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

مما قال فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى في درس شرح كتاب «دلائل الإعجاز» بالجامع الأزهر الشريف.

الأحد: 12 من رجب 1446ه = 12 من يناير 2025 م.

• درسُ اليوم - إنْ شاء الله تعالى - فيه مِن دقائق العِلم ما يُعِينُ على فَهْم أسرار الكلام، ويُقرِّب من وسائل البيان، وكيف يكون كلامٌ أفضلَ مِن كلام.

• مِن الفِطْرة أن تكون قادرًا على تمييز الكلام الفاضل والكلام الأفضل، وإذا لم تَعرِفْ ذلك كان هذا نقصًا عندك في الفِطْرة، ولهذا كانت هذه القُدرةُ أمرًا عامًّا يشترك فيه المُتخصِّص وغيرُ المُتخصِّص.

• الطريقُ إلى تمييز الكلام الفاضل من الكلام الأفضل ليس قراءةَ كُتب البلاغة، وإنَّما قراءة البيان نفسِه؛ قراءةُ الشِّعر تُعِدُّ المَلَكةَ اللِّسانيةَ وتُعِدُّ الذائقةَ البيانية، قراءةُ البيان العالي ولو كان يُبِينُ عن الفقه، أو يُبِينُ عن النَّحو، أو يُبِينُ عن التاريخ، أو يُبِينُ عمَّا شئتَ من أبواب المعرفة.

• الذي قامت البلاغةُ عليه ليس هو أن تَعرِفَ الجيِّدَ والأجود، وإنَّما قامت البلاغةُ على أن تَعرِفَ لماذا كان الأجودُ أجودَ.

• البلاغةُ ليست عِلمًا يُعلِّمنا الجيِّدَ والأجود، ولكنها علمٌ يُعلِّمنا الأشياءَ التي كان بها الأجودُ أجودَ، وعبدُ القاهر نَصَّ على ذلك في كتابه «دلائل الإعجاز»، وعرَّفَنا إيَّاه من أول الطريق، حين قال كلمةً عاليةً حَفِظْناها من أوَّل حياتنا، وهي: «ولا تزالُ ترى شِعرًا يَروقُكَ مَسْمَعُه، ويَلْطُفُ لديك موقعُه، ثم تَنظرُ فتجدُ سببَ أن رَاقَك ولَطُفَ عندك أن قُدِّم فيه شيءٌ، وحُوِّل اللفظُ عن مكانٍ إلى مكان»، و«يَروقُكَ مَسْمَعُه» معناه أن البلاغةَ لا تَعمَلُ عملَها إلَّا بعد أن يَروقَك الكلامُ ويَلطُفَ عندك، وأنها تبحث لك عن الذي به رَاقَكَ الكلامُ ولَطُفَ عندك.

• درسُ اليوم فيه فكرٌ جديدٌ وجيِّد، وإنْ كان موصولًا بالقضية التي نحن فيها، وهي أنَّ مزايا الكلام تَرجعُ إلى معانيه، وأن هناك من يقول إنها تَرجعُ إلى ألفاظه.

• كنتُ دائمًا أحرص على أن يَفهمَ الطالبُ رأسَ المسألة مِن الكِتاب، ولذلك كنتُ دائمًا أُسْمِعُ الطلابَ ما في الكِتاب قبل أن أُحدِّثَهم عن شرح الذي في الكِتَاب؛ حتى تُدرَّبَ عقولُهم على فَهْم العِلم من الكُتب.

• في درس اليوم عبدُ القاهر طرح اعتراضًا للذين يقولون إن مزايا الكلام راجعةٌ إلى ألفاظه، وكان اعتراضًا قويًّا جدًّا، وكانت قوَّتُه الشديدة من الأسباب التي أخرجتْ مِن عبد القاهر ردًّا هو من أفضل أصول علم البلاغة، ومن أفضل أصول علم الشِّعر، ومن أفضل أصول علم البيان.

• أهلُ العلم حين يكونون مخطئين يكون احتجاجُهم للخطأ علمًا جليلًا.

• حين يكون الاعتراضُ الذي يُحتجُّ به للخطأ اعتراضًا قويًّا، ثم يَتلقَّى هذا الاعتراضَ القويَّ عالمٌ جليلٌ تكون قوَّةُ هذا الخطأ مِن نِعَمِ الله؛ لأنها تَستخرج من العالِم شيئًا ما استخرجَه من عقله إلَّا هذه الحجَّةُ الباطلةُ.

• تعليقًا على قول الإمام عبد القاهر: «قد أردتُ أن أُعيدَ القولَ في شيءٍ هو أصلُ الفساد ومُعظَمُ الآفة»، قال شيخُنا: اسْمَعَنْ، أصلُ الفساد هذا كان الردُّ عليه هو أصلُ علم البلاغة، ولم أقرأ في علم البلاغة أفضلَ ولا أدقَّ ممَّا قاله عبدُ القاهر في الردِّ على ما قال إنه «أصلُ الفساد».

• إذا وجدتَ أصلَ الفسادِ ومَصدرَ الآفةِ فتأكَّد أنك وجدتَ عِلمًا؛ فتابِعْ.

• يا عزيزي، فَهْمُك لخُطوات العقل إذا ضلَّ مِن العِلم؛ لأن الهُدى من العِلم، والضَّلال أيضًا من العِلم؛ لأن معرفةَ الضَّلال حمايةٌ للهُدى من الضَّلال.

• تعليقًا على قول الإمام عبد القاهر: «.. وأخذَ بهم عن طريق النَّظر»، قال شيخُنا: الخطيئةُ التي يقولُها عبدُ القاهر في هذه الجملة هي عدمُ النَّظر، وعدمُ التأمُّل، وعدمُ التدبُّر. إذا تَعلَّمْتَ حُسْنَ النَّظر، وتَعلَّمْتَ حُسْنَ التدبُّر، وتَعلَّمْتَ حُسْنَ التأمُّل، ذَهبَ عنك الضَّلالُ وذَهبَ عنك الخطأُ، وعَرَفْتَ الصِّراطَ المستقيم.

• الصِّراطُ المستقيمُ ليس هو الصِّراطَ المستقيمَ في الدِّين فقط، الصِّراطُ المستقيمُ في العِلم، الصِّراطُ المستقيمُ في العبادة، الصِّراطُ المستقيمُ في العمل في الدُّنيا.

• عبدُ القاهر وَصفَ عقولَ مُعارضِيه بأكثرَ ممَّا وَصفَ به أقوالَهم؛ لأن المسألةَ هي العقلُ.

• عبدُ القاهر يَصِفُ العقولَ المخطئةَ بأكثرَ ممَّا يتكلَّم عن خطأ هذه العقول.

• في أوَّل حياتي كنتُ أهتمُّ ب«الموازنة» و«الوساطة» وكتاباتِ عبد القاهر أكثرَ مِن اهتمامي بالحَواشي والشُّروح، ثمَّ كان ممَّا أكرمني الله به أني التحقتُ بمجلس الشيخ محمود شاكر في أوَّل حياتي، وكنتُ أتكلَّم بجرأةٍ شديدة؛ فذُكِرَت الحَواشي، فقلتُ إن الحَواشِيَ لا تُعلِّمُنا البلاغة، وإنَّما الذي يُعلِّمُنا البلاغةَ هو الآمديّ، هو عليُّ بن عبدالعزيز الجُرجاني، هو عبدُ القاهر؛ فالشيخُ - الله يرحمه رحمة واسعة - قال لي: الحواشي لا تُعلِّمُك البلاغة، ولكنها تُعلِّمُك الفِكرَ، وإذا تَعلَّمْتَ الفِكرَ استطعتَ أن تَتعلَّمَ البلاغةَ وغيرَ البلاغة، وإذا لم تَتعلَّم الفِكرَ فلن تَتعلَّم شيئًا، لا مِن «الآمديِّ» ولا مِن غير «الآمديِّ»؛ فبدأتُ أقرأُ الحَواشِيَ لأتعلَّم منها كيف أُفكِّر، فوَجدتُ أنها فِعلًا كُتُبٌ لبناء العقل.

• مجالسُ محمود شاكر ومجالسُ العقاد كانت مَدارِسَ عُليا؛ لأنها كانت تَجمعُ صفوة المفكِّرين مِن العُلماء.

• مجلسُ محمود شاكر كان عامرًا بكبار علماء مصر والعالم العربي، لكنَّ عنايتَه الأساسيةَ كانت بالجيل الصغير النَّاشئ؛ يكون في المجلس كبارُ المفكِّرين ويكونُ حوارُ الشيخ مع طالبٍ مبتدئ.

• لا تَقلْ لي إن الحواشيَ ليس فيها نقدٌ أدبي، ولا تَقلْ لي إن الحواشيَ ليس فيها بلاغة، ولا تَقلْ لي إن الحواشيَ ليس فيها كذا، وإنَّما قُلْ لي إن الحواشيَ فيها كيف يتكوَّن عقلُ الطالب المبتدئ، وإذا تكوَّن عقلُه وتكوَّن فِكرُه دخل في النَّحو ونَجح، ودخل في الفقه ونَجح، ودخل في البلاغة ونَجح، أمَّا إذا كانت الطاقةُ المُفكِّرةُ فيه ضعيفةً عاجزةً فلن يَنتفع بشيء.

• مِن العِلم الجليلِ القدرةُ على تصوير الخطأ، لا شكَّ في هذا؛ فمَن لم يُحْسِنْ فَهْمَ الخطأ لن يُحْسِنَ فَهْمَ الصَّواب.

• الشعوبُ لا تَنْهَضُ ب«البَعْبَعة»، ولا تَنْهَضُ بالأكاذيب، ولا تَنْهَضُ بالأضاليل التي تُسمِّي الخرابَ عُمرانًا، والفشلَ نجاحًا، والهدمَ بُنيانًا.

• لا تُضيِّعْ وقتَك في مناقشة أهل الباطل، وإنَّما ضَيِّعْ وقتَك في إيقاظ أهل الحق؛ فإذا استيقظَ أهلُ الحق رَحلَ أهلُ الباطل.

• ارفعْ مُستوى الشعب عن أن يَقبلَ أن يُظلمَ فلن تَجِد ظالمًا، ارفعْ مُستوى الشعب عن أن يَقبلَ أن يُستبدَّ به فلن تَجِد مُستبدًّا، هذا هو الطريق؛ الطريقُ هو إحياءُ الشُّعوب.

• لم أجدْ عند الله أكرمَ ولا أكثرَ ثوابًا ولا أكثرَ رِضًا مِن العمل في خدمة هذه الأُمَّة، العملُ في خدمة هذه الأُمَّة صلاةٌ وصيام.

• الله - جلَّ وعلا - جعلَ رجلًا يَتقلَّبُ في الجنة بسبب إزالتِه غُصنَ شَوكٍ من طريق الأُمَّة؛ فكيف بمَن يُزِيلُ عنها الجهل، ويَعيشُ ليُزِيلَ عنها الغفلة، ويَعيشُ ليوقظَها، ويَعيشُ ليَدعُوَها لأنْ تَعملَ وتكونَ قوية!

• يَقيني أن خدمةَ هذه الأُمَّة - التي هي خيرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للناس - هي الدِّينُ وهي العبادة، والذين يقولون إن الدِّينَ مكانُه المسجدُ يتكلَّمون عن دِينٍ آخرَ غيرِ هذا الدِّين.

• تكوينُ عقلِك هو السَّبيلُ إلى أن تكون مِن العلماء، فإذا لم تُكوِّنْ عقلَك فلا سبيلَ إلى أن تكون من العلماء.

• أصولُ المعاني يشترك فيها الناسُ جميعًا، أمَّا «صُوَرُ المعاني» فهي صنعةُ البارع في بيانِه.

• لا عملَ للشاعر في شِعْرِه إلَّا في «صُوَر المعاني»، أمَّا المعاني العامَّة فهي مشتركةٌ بين الناس جميعًا، وهذا ما قاله العبقريُّ الرائعُ (الجاحظ): «والمعاني مطروحةٌ في الطريق يَعرِفُها العَجميُّ والعربيُّ، والبدويُّ والقَروِيُّ والمَدنيُّ، وإنَّما الشأنُ في إقامة الوزن، وتَخيُّر اللفظ، وسُهولة المَخْرج، وكثرة الماء، وفي صحَّة الطَّبع وجودةِ السَّبك، فإنَّما الشعرُ صناعةٌ، وضَربٌ من النَّسْج، وجِنسٌ من التَّصوير».

• عبدُ القاهر أسَّسَ البلاغةَ على صُوَرِ المعاني، ولو أنك قرأتَ البلاغةَ كثيرًا ووَعَيْتَها كثيرًا ستَجِدُ المسألةَ كلَّها عن صُوَرِ المعاني.

• تكلَّم أبو بكر محمد بنُ الطيِّب مِن زمنٍ قديمٍ عن سَبْك أبي تمَّامٍ وسَبْك البُحتريِّ. سَبْكُ أبي تمَّامٍ لا معنى له إلَّا إحداث صُوَر في معاني أبي تمَّام، سَبْكُ البُحتريِّ لا معنى له إلَّا إحداث صُوَر في معاني البُحتري، وإنَّما اختارَ أبا تمَّامٍ والبُحتريَّ لأن أقربَ شاعرٍ إلى أبي تمَّامٍ هو البُحتريُّ، وأقربَ شاعرٍ إلى البُحتريِّ هو أبو تمَّامٍ، ومع هذه القرابة الشديدة وأُستاذية أبي تمَّامٍ للبُحتريِّ كان البُحتريُّ له طريقةٌ في صناعة صُوَر المعاني، وأبو تمَّامٍ له طريقةٌ في صناعة صُوَر المعاني.

• لمَّا وَقَعْنا على صُوَر المعاني في عِلم الشِّعْر أدركْنا كيف نَقترِبُ مِن عِلم الشِّعْر.

• تَجاوُرُ المعاني في الشِّعرِ وفي البيان بلاغةٌ أخرى نحن غافلون عنها، مع أن الأوائل قالوا: «ولكلِّ كلمةٍ مع صاحبتِها مَقام».

• إذا أعجبتَك الجملةُ الرائعةُ فانظرْ إلى ما قبلها؛ لأنك تكاد تقول: لو لم يَنطقْ بها الشاعرُ لنطقتْ بها الجملةُ التي قبلَها، ولو كان للجملة التي قبلَها لِسانٌ لقالَها.

• يا سيِّدنا، أنا لا أرجو مِن الله إلَّا أن أكون كذلك الرَّجل الذي أزاح غُصْنَ شَوكٍ مِن طريق المسلمين فصار به يَتقلَّبُ في الجنَّة.

• أيُّ قَدْرٍ مِن الإخلاص والحُبِّ لهذه الأُمَّة كان في قلب ذلك الرجل حين أزاحَ غُصْنَ شَوكٍ مِن طريق المسلمين فأعطاه الله هذا العطاءَ الأوفى؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - لم يُعْطِه لأنه أزالَ غُصنَ شَوك، وإنَّما أعطاه لأنه يَعلمُ ما في قلبه من الحِرْص على خير أُمَّة أُخْرِجَتْ للناس؛ فإن عِشتَ في خير أُمَّة أُخْرِجَتْ للناس ولا هَمَّ لك إلَّا أن تأكلَ وتَشربَ فأنت أضلُّ مِن الضَّلال.

• فرصةٌ عجيبةٌ جدًّا أن يَجعلَك الله واحدًا مِن خير أُمَّة أُخْرِجَتْ للناس، ثم تَعيشَ أنانيًّا تَبحثُ عن الذي تَبحثُ فيه، وإذا وجدتَ خيرًا في الكَذِب كَذَبْتَ، وإذا وجدتَ خيرًا في الضَّلال أضللتْ!

• الكذَّابون في الأُمَّة مِن أعجبِ العَجَب؛ حين تكون كذَّابًا في خير أُمَّة أُخْرِجَتْ للناس فهذا مِن أعجبِ العَجَب.

• أهلُ الباطل أحيانًا يُحْسِنون، لكنَّ أهلَ الحقِّ لا يَخدَعُهم هذا الإحسان.

• مِن زمنٍ بعيدٍ جاءني طالبٌ أنا درَّستُ لأبيه؛ فكنتُ سعيدًا جدًّا بأنني أُدرِّس للابن كما درَّستُ للأب، كَمْ مِن أبناء درَّستُ لهم مع تدريسي لآبائهم، لكن بَقِيَ شيءٌ: أن أُدرِّس لطالبٍ وقد درَّستُ لجَدِّه [قالها شيخُنا متبسِّمًا ضاحكًا، ودعا له الحضورُ بطول العُمر].

• البَلوى أن يَعرِفَ كلُّنا المعروفَ، وليس فينا من يحاول أن يبحثَ عن غير المعروف، مع أني قرأتُ هذا الكلامَ لعُلماء القرن الثاني؛ كانوا يقولون: «لا تكتبْ فيما كتبَ فيه غيرُك، وإنَّما لا بُدَّ أن تكتبَ فيما لم يَكتبْ فيه غيرُك»؛ فقلتُ: يا ربِّ، لو عَمِلْنا ذلك فلن نكتبَ مطلقًا، ثم بدا لي أن التفكيرَ فيما كتبَ فيه غيرُك يَفتحُ لك البابَ إلى ما لم يكتبْ فيه غيرُك.

• التفكيرُ فيما قِيلَ يَفتحُ البابَ إلى قَوْلِ ما لم يُقَلْ.

• كلُّ مَن يَعملُ يَجِدُ، ولو كان كافرًا، غيرُ المُسلِم عَمِلَ والمُسلِمُ تَوهَّم أنه ما دام يُصلِّي ويَصوم سيَدخلُ الجنَّة، ليس الأمرُ هكذا؛ سيِّدُنا رسولُ الله قال للعابد الذي يسعى عليه أخوه العامل: هو خيرٌ منك.

• الحقائقُ العلميةُ مع التفكير تُعطِي حقائقَ جديدةً في كلِّ حِين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply