بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
إن الكِبْرَ خُلُقٌ باطنٌ موجودٌ داخل النفس البشرية، تصدر عنه أقوال وأعمال هي ثمرته، فيظهر الكِبْرُ على الجوارح ويرى الإنسان نفسه أفضل في صفات الكمال من الآخرين فيستعظم عليهم. والكِبْرُ آفةٌ عظيمةٌ وفيه يَهلكُ العُبَّاد والعلماء إلا من عصمه الله تبارك وتعالى. فأقول وبالله تعالى التوفيق:
معنى الكبر
الكِبْرُ: رفض الحق واحتقار الناس.
التحذير من التكبر على الناس في القرآن:
حذرنا الله تعالى من الكبر وسوء عاقبته في مواضع عديدة في القرآن الكريم:
(1) قال الله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} (البقرة: 34).
(2) وقال سبحانه: {الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} (الأعراف: 88).
(3) وقال جلَّ شأنه: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} (الأعراف: 146).
(4) وقال سبحانه: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا} (الفرقان: 21).
(5)وقال عز وجل: {قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} (الزمر: 72).
(6) وقال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (غافر: 60).
التحذير من التكبر في السُّنة:
حذرنا نبينا من الكبر في كثير من أحاديثه المباركة، وسوف نذكر بعضًا منها:
(1) روى مسلمٌ عَنْ عبدالله بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ.قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً.قَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ. الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ" (مسلم حديث 91).
بَطَرُ الْحَقِّ: أي رَدُّ الحق. وَغَمْطُ النَّاسِ: أي احتقار الناس.
(2) روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "احْتَجَّتْ النَّارُ وَالْجَنَّةُ فَقَالَتْ هَذِهِ: يَدْخُلُنِي الْجَبَّارُونَ وَالْمُتَكَبِّرُونَ. وَقَالَتْ هَذِهِ: يَدْخُلُنِي الضُّعَفَاءُ وَالْمَسَاكِينُ. فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِهَذِهِ: أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ. وَقَالَ لِهَذِهِ: أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا". (البخاري حديث 7449 / مسلم حديث 2846).
(3) روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ شَيْخٌ زَانٍ وَمَلِكٌ كَذَّابٌ وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِر"ٌ (أي فقير مستكبر). (مسلم حديث 107).
(4) روى البخاريُّ عن أبي هُرَيْرَة َقال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي حُلَّةٍ تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ مُرَجِّلٌ جُمَّتَهُ (شعره) إِذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". (البخاري حديث 5789).
(5) روى أبو داودَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ" (حديث صحيح). (صحيح أبي داود للألباني حديث 3446).
(6) روى الشيخانِ عن عبدالله بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَطْوِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى ثُمَّ يَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ ثُمَّ يَطْوِي الْأَرَضِينَ بِشِمَالِهِ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ، أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ" (البخاري حديث 7412 / مسلم حديث 2788).
(7) روى الترمذيُّ عَنْ عبدالله بْنِ عُمَرَو بْنِ العاص عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ يَغْشَاهُمْ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَيُسَاقُونَ إِلَى سِجْنٍ فِي جَهَنَّمَ يُسَمَّى بُولَسَ تَعْلُوهُمْ نَارُ الْأَنْيَارِ يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ طِينَةَ الْخَبَالِ". (حديث حسن) (صحيح الترمذي للألباني حديث 2025)"
(8) روى البخاريُّ عَنْ عبدالله عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: "بَيْنَمَا رَجُلٌ يَجُرُّ إِزَارَهُ مِنْ الْخُيَلَاءِ خُسِفَ بِهِ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الْأَرْضِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". (البخاري حديث 3485).
أقوال السلف عن التكبر:
ذكر أهل العلم كثيرًا من أقوال السلف الصالح عن الكبر، سوف نذكر بعضًا منها:
(1) قال أبو بكر الصديق: لا يحقرن أحدٌ أحدًا من المسلمين فإن صغير المسلمين عند الله كبير. (إحياء علوم الدين للغزالي ج3 ص524).
(2) قال الأحنف بن قيس: عجبًا لابن آدم يتكبر وقد خرج من مجرى البول مرتين. (إحياء علوم الدين للغزالي ج3 ص524).
(3) قال وهْبُ بن مُنَبه: لما خَلَقَ اللهُ جنة عدن نظر إليها فقال: أنت حرامٌ على كل متكبر. (إحياء علوم الدين للغزالي ج3 ص524).
(4) قال محمد بن الحسين بن علي: ما دخل قلب امرئ شيء من الكِبر قط إلا نقص من عقله بقدر ما دخل من ذلك أو كثر. (إحياء علوم الدين للغزالي ج3 ص524).
(5) رأى عبدالله بن عمر بن الخطاب رجلًا يختالُ في مشيته ويجر إزاره فقال: إن للشيطان إخوانًا. (إحياء علوم الدين للغزالي ج3 ص526).
(6) رَأَى مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ ابْنًا لَهُ يَمْشِي مِشْيَةً مُنْكَرَةً. فَقَالَ: تَدْرِي بِكَمْ شَرَيْتُ أُمَّكَ؟ بِثَلَاثِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَأَبُوكَ - لَا كَثَّرَ اللَّهُ فِي الْمُسْلِمِينَ مِثْلَهُ - أَنَا. وَأَنْتَ تَمْشِي هَذِهِ الْمِشْيَةَ؟ (إحياء علوم الدين للغزالي ج3 ص526).
(7) رأى مطرف بن عبدالله المُهَلَّبَ وهو يتبختر في جبة خز(حرير) فقال: يا عبدالله هذه مشية يبغضها الله ورسوله فقال له المهلب أما تعرفني؟ فقال: بلى أعرفك، أولك نطفة مذرة وآخرتك جيفة قذرة، وأنت بين ذلك تحمل العذرة. فمضى المهلب وترك مشيته تلك. (إحياء علوم الدين للغزالي ج3 ص526).
(8) قال مسروق بن الأجدع: كفى بالمرء عِلمًا أن يخش اللهَ، وكفى بالمرء جهلًا أن يُعجب بعلمه. (الدر المنثور للسيوطي ج7 ص20).
(9) قال عبدالله بن هُبيرة سُئل سلمان الفارسي عن السيئة التي لا تنفع معها حسنة؟ قال: الكبر. (نضرة النعيم ج11 ص5378).
(10) قَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: «إِذَا طَلَبَ الْعَبْدُ الْعِلْمَ لَيَعْمَلَ بِهِ كَسَرَهُ، وَإِذَا طَلَبَهُ لِغَيْرِ الْعَمَلِ زَادَهُ فَخْرًا» (اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي رقم 33).
(11) حج عمر بن عبدالعزيز قبل أن يُستخلف فنظر إليه طاوس بن كيسان، وعمر يختال في مشيته فغمز جنبه بأصبعه ثم قال: ليست هذه مشية من في بطنه خِراء. (إحياء علوم الدين للغزالي ج3 ص526).
(12) قال ابنُ قيم الجوزية: أركان الكفر أربعة: الكبر، والحسد، والغضب، والشهوة. (الفوائد لابن الجوزي ص157).
أنواع الكبر:
ذكر بعض أهل العِلم أن الكبر على ثلاثة أنواع هي:
أولًا: التكبر على الله تعالى:
يُعتبر التكبر على الله تعالى من أسوأ أنواع الكبر وذلك بأن يتكبر هذا الإنسان الضعيف، الذي لا حول له ولا قوة على خالقه عز وجل، فيدَّعي أنه ربٌ لهذا الكون من دون الله، وقد ذكر الله لنا نماذج لهذا النوع من الكبر.
النمروذ بن كنعان:
قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (البقرة: 258).
قال ابن كثير (رحمه الله): يُقال أن النَّمْرُوذَ بْنَ كَنْعَانَ مَكَثَ أَرْبَعَمِائَةِ سَنَةٍ فِي مُلْكِهِ. (تفسير ابن كثير ج2 ص451).
وعاقبه اللهُ تعالى بأن أمر بعوضة دَخَلَتْ فِي أنف النمروذ، عَذَّبَهُ اللَّهُ بِهَا فَكَانَ يَضْرِبُ رَأْسَهُ بِالْمَرَازِبِ حَتَّى أَهْلَكَهُ اللَّهُ تعالى بِهَا. (تفسير ابن كثير ج2 ص452).
فرعون:
كان فرعون يسير على نهج النمروذ بن كنعان وذلك بتكبره عن عبادة الله تعالى وادعائه أنه إلهًا وربًا من دون الله عز وجل، وقد بين الله ذلك في كتابه العزيز:
قال تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ} (القصص: 38: 39).
قال سبحانه: {قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} (الشعراء: 29).
وقال جل شأنه: {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} (النازعات: 24).
وقال تعالى: {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ} (الزخرف: 51).
قال وهب بن منبه: قال موسى لفرعون: آمن ولك ملكك، قال: حتى أشاور هامان، فشاور هامان، فقال هامان: بينما أنت ربٌ تُعبد، إذا صرت عبد تَعبد، فاستنكف عن عبودية الله، وعن اتباع موسى عليه السلام. (إحياء علوم الدين للغزالي ج3 ص535).
قال الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا} (الفرقان: 60).
وقال سبحانه: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (غافر: 60).
ثانيًا: التكبر على أنبياء الله تعالى:
النفسُ البشرية قد تمتنع أن تنقاد لرسل الله الكرام من حيث أنهم بشر وقد يمتنع العبد أن ينقاد لرسول الله تارة وهو يعتقد أنه محق وتارة وهو يعلم أن الرسول على حق ولكن يمنعه الكبر عن طاعة هذا الرسول الكريم وقد تحدث القرآن الكريم عن تكبر الناس على رسل الله الكرام في مواضع شتى.
(1) فرعون وقومه:
يقول الله تعالى حكاية عن فرعون وقومه مع موسى وهارون عليهما السلام: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ * فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ * فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ} (المؤمنون: 45: 48).
(2) أصحاب القرية:
يقول الله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ *قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ * قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ * وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ * قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} (يس: 13: 19).
(3) نوح مع قومه:
يقول الله تعالى: {قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} (هود: 32).
(4) شعيب مع قومه:
يقول سبحانه: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} (هود: 91).
(5) نبينا ﷺ مع أهل مكة:
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} (الزخرف:31).
قال تعالى: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا * أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا * انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا} (الفرقان: 7: 9).
(6) نبينا ﷺ مع المنافقين:
يقول الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} (المنافقون: 5).
ثالثًا: التكبر على الناس:
التكبر على الناس يكون بأن يستعظم الإنسان نفسه ويحتقر غيره من المخلوقين وتأبى نفسه الانقياد إلى غيرها من البشر، وتدعوه إلى الترفع عليهم، وهذا النوع من التكبر وإن كان دون النوعين، الأول والثاني، إلا أنه عظيم من وجهين:
الوجه الأول: أن الكبر والعز والعظمة لا يليق إلا بالله الملك الجبار، فأما العبد فهو ضعيف لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا ولا يملك موتًا ولا حياة ولا نشورا، فعندما يتكبر العبد، فقد نازع الله في صفة لا تليق إلا به سبحانه وتعالى.
ومثال ذلك: أن يأخذ العبدُ قلنسوةَ الملك فيضعها على رأسه ويجلس على كرسي الملك، فما أعظم استحقاقه للمقت وما أشد تجرأه على سيده، ومولاه، فمن تكبر على عبد من عباد الله تعالى، فقد نازع الله تعالى في حقه.
الوجه الثاني: أن التكبر على الناس يدعو العبد إلى مخالفة أوامر الله تعالى، لأن المتكبر إذا سمع الحق من عبد من عباد الله تعالى، استكبر عن قبوله. فكل من يناظر من أجل الغلبة والإفحام، وليس من أجل الوصول إلى الحق، يتكبر على حجج وآراء من يناظره من الآخرين حتى لو كان الحق مع خصمه الآخرين. والتكبر على الناس يحمل الإنسان على رفض الوعظ كما قال الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} (البقرة: 206).
قال عبدالله بن مسعود: كفى بالمرء إثمًا إذا قيل له اتق الله، قال: عليك نفسك. (إحياء علوم الدين للغزالي ج3 ص535: ص537).
قال الحسن البصري: السجود يذهب بالكبر والتوحيد يذهب بالرياء. (نضرة النعيم ج11 ص5377).
وقال أيضًا: من خَصَفَ نعليه، ورفع ثوبَه، وعَفَّرَ وجهه لله عز وجل، فقد برئ من الكبر. (نضرة النعيم ج11 ص5377).
درجات الكبر:
قال ابنُ قدامة: اعلم أن العلماءَ والعُبَّاد في آفة الكبر على ثلاث درجات:
(1) الدرجة الأولى:
أن يكون الكبر مستقرًا في قلب الإنسان منهم، فهو يرى نفسه خيرًا من غيره، إلا أنه يجتهد ويتواضع، فهذا شجرة الكبر مغروسةُ، إلا أنه قد قَطَّعَ أغصانها.
(2) الدرجة الثانية:
أن يُظهر لك بأفعاله من الترفع في المجالس، والتقدم على الأقرآن، والإنكار على من يُقصرَّ في حقه، فترى العالم يُصعِرُ خده، (أي يميله من الكبر) للناس، كأنه مُعرِض عنهم، والعابد يعيش ووجهه كأنه مستقذر لهم وهذان قد جهلا ما أدَّبَ اللهُ به نبيه ﷺ حين قال: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (الشعراء: 215).
(3) الدرجة الثالثة:
أن يظهر الكبر بلسانه، كالدعاوى والمفاخر وتزكية النفس، وحكايات الأحوال في معرض المفاخِر لغيره، وكذلك التكبر بالنسب، فالذي له نسب شريف يستحقر من ليس له ذلك النسب، وإن كان أرفع منه عملًا. (مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة ص292).
قال عبدالله بن عباس: يقول الرجل للرجل: أنا أكرم منك، وليس أحدٌ أكرمَ من أحد إلا بالتقوى. قال الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (الحجرات: 13).
وكذلك التكبر بالمال، والجمال، والقوة، وكثرة الأتْباع، ونحو ذلك، فالكبر بالمال أكثر ما يجري بين الملوك والتجار ونحوهم،
والتكبر بالجمال أكثر ما يجري بين النساء، ويدعوهن إلى التنقص والغيبة وذكر العيوب، وأما التكبر بالأتْباع والأنصار، فيجري بين الملوك بالمكاثرة بكثرة الجنود، وبين العلماء بالمكاثرة بالمستفيدين، والحاضرين في مجلسه.
وفي الجملة فكل ما يمكن أن يُعتقد كمالًا، فإن لم يكن في نفسه كمالًا، أمكن أن يُتكبر به، حتى أن الفاسق قد يفتخر بكثرة شرب الخمر، والفجور، لظنه أن ذلك كمالًا. والتكبر يظهر في شمائل الإنسان، كنظره احتقارًا للآخرين، وإطراق رأسه، وجلوسه متربعًا ومتكئًا، وفي أقواله، حتى في صوته ونغمته، وصيغة إيراده الكلام. ويظهر ذلك أيضًا في مشيته وتبختره، وقيامه وقعوده وحركاته وسكناته وسائر تقلباته. (مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة ص292: ص293).
أسباب الكبر:
ذَكَرَ أهلُ العِلم أن للكبر أربعة أسباب هي: العُجْب، والحقد، والحسد، والرياء.
أولًا: العُجْب:
العُجْبُ يورث الكبر الباطن والكبر يثمر التكبر الظاهر في الأعمال والأقوال والأحوال.
ثانيًا: الحقد:
الحقد يحمل على التكبر من غير عجب كالذي يتكبر على من يرى أنه مثله أو فوقه ولكن قد غضب عليه بسبب سبق منه فأورثه الغضب حقدا ورسخ في قلبه بغضه فهو لذلك لا تطاوعه نفسه أن يتواضع له وإن كان عنده مستحقا للتواضع.
ثالثًا: الحسد:
الحسد يُوجب البغض للمحسود وإن لم يكن من جهته إيذاءٌ وسببٌ يقتضي الغضب، والحقد ويدعو الحسد أيضًا إلى جحد الحق، ويمتنع الإنسان عن قبول النصيحة نتيجة لحسده للغير، فلا يقبل من الغير شيئًا من الخير أبدًا لأنه يحسده ولا يتعلم منه علمًا، فكم من جاهل يشتاق إلى العلم ولكن يمنعه حسده لأهل العِلم أن يقبل العِلم والحق منهم. (إحياء علوم الدين للغزالي ج3 ص546: ص547).
رابعًا: الرياء:
الرياء من أسباب الكبر. إن الرجل ليناظر من يعلم أنه أفضل منه وليس بينه وبينه معرفة ولا محاسدة ولا حقد ولكن يمتنع من قبول الحق منه ولا يتواضع له في الاستفادة، خيفة من أن يقول الناس إنه أفضل منه فيكون باعثه على التكبر عليه الرياء المجرد ولو خلا معه بنفسه لكان لا يتكبر عليه، وأما من يتكبر بالعجب أو الحسد أو الحقد فإنه يتكبر على الآخرين عند الخلوة بهم. (إحياء علوم الدين للغزالي ج3 ص547).
وسائل التكبر:
يمكن أن نُجْمِلَ وسائل التكبر على عِباد الله تعالى فيما يلي:
(1) التكبر بالعلم:
ما أسرع الكبر إلى العلماء، فإن العالم قد يتعزز بعلمه، ويستعظم ويحتقر الناس، وينظر إليهم باعتبارهم جُهلاء يحتاجون دائمًا إلى علمه، ويظهر هذا الكبر في سلوك بعض العلماء، فيرى بعضهم أنه يجب على الناس أن يبدءوه بالسلام وأن يفسحوا له المكان وألا يتكلم أحدٌ قبله، وأن يقوموا بخدمته وقضاء مصالحه، وإن قصروا في ذلك عاتبهم عتابًا شديدًا، ويرى أن حقه على الناس أن يقوموا بزيارته وتقديم الهدايا له، وهذا بالنسبة لأمور الدنيا. وأما بالنسبة لأمر الآخرة، فإن بعض العلماء يرى أنه أفضل من كثير الناس عند الله تعالى، ويرجو لنفسه من الثواب عند الله أكثر مما للناس، ويُظهر للناس أنه يخاف عليهم سوء الخاتمة وأليم العقاب يوم القيامة. (إحياء علوم الدين للغزالي ج3 ص538).
(2) التكبر بكثرة العبادة:
بعض الزهاد والعُبَّاد قد يتكبرون على الناس بكثرة عبادتهم ويرون أن الناس هلكى وهم ناجون، ويظهر ذلك في كلامهم فيقول بعضهم أنني أختم القرآن كل كذا وكذا، وأُصلي في اليوم كذا وكذا ركعة، وحججت كذا مرة، وأديت كذا عُمْرة، ولا يدري هؤلاء المساكين هل قَبِلَ اللهُ عبادتهم أم لا! (إحياء علوم الدين للغزالي ج3 ص538).
(3) التكبر بالنسب:
التكبر بالنَّسَب شائعٌ بين الناس فترى صاحب النسب الشريف يتكبر بنَسَبه على الآخرين، فيقول: أنا فلان بن فلان، فيتكبر عليه وإن كان الآخر أرفع منه علمًا وعملًا، وأول من افتخر بنسبه هو إبليس. قال الله تعالى: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ *قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} (ص: 71: 78)(إحياء علوم الدين للغزالي ج3 ص538).
(4) التكبر بالجمال:
التكبر بالجمال كثيرًا ما يكون بين النساء وهذا يدعو إلى الغيبة والنميمة، فالمرأة التي منحها الله تعالى قدرًا من الجمال ولكنها قليلة الإيمان تتكبر على غيرها من النساء بهذا الجمال، وأنها تستطيع أن تتزوج الرجل التي تريده بجمالها، وإذا تزوجت فإنها يمكن أن تتكبر على زوجها أيضًا بأنها إذا طُلقت منه فإن هناك الكثير من الرجال الذين يرغبون في زواجها.
(5) التكبر بالمال:
التكبر بالمال يجري بين الملوك في خزائنهم وبين التجار في بضائعهم وبين المتجملين في لباسهم وخيولهم ومراكبهم فيستحقر الغني الفقير ويتكبر عليه ويقول له: أنت مُكِدٌ ومسكينٌ، وأنا لو أردت لاشتريت مثلك واستخدمت من هو فوقك، ومن أنت، وما معك وأثاث بيتي يساوي أكثر من جميع مالك وأنا أنفق في اليوم ما لا تأكله في سنة وكل ذلك لاستعظامه للغنى واستحقاره للفقر وكل ذلك جهل منه بفضيلة الفقر وآفة الغنى. (إحياء علوم الدين للغزالي ج3 ص545).
تكبر قارون بماله:
قال تعالى: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ * فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ * فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ} (القصص: 76: 81).
صاحب الجنتين:
{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا *كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا * وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا * قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا * لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا * وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا * فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا * أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا * وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا * وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا * هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا} (الكهف: 32: 44).
(6) التكبر بكثرة الأتباع:
التكبر بكثرة الأتباع يكون بين العلماء فيقول بعضهم: يحضر مجلس الآلاف من الناس، وأنت لا يحضر لك إلا كذا وكذا، ويكون ذلك بين زعماء القبائل. (إحياء علوم الدين للغزالي ج3 ص546).
وقفة للتأمل:
من تكبر بسبب الغنى، فإذا تأمل بعض اليهود، وجدهم أغني منه، فأف لشرف تسبق به اليهود، ويسرقه السارق في لحظة، فيعود صاحبه ذليلًا. ومن تكبر بسبب العلم، فليعلم أن حُجَّة الله على العالم أكثر من الجاهل، وليتفكر في الخطر العظيم الذي هو بصدده، فإن خطره أعظم من خطر غيره كما أن قَدْره أعظم من قَدْر غيره. وليعلم هذا العالِم أن الكبر لا يليق إلا بالله سبحانه وأنه إذا تكبر صار ممقوتًا عند الله تعالى بغيضًا عنده، وقد أحبَّ الله منه أن يتواضع. (مختصر منهاج القاصدين ص297).
ومَن تكبرت بجمالها، فلتعلم أن الجمال يزول أو تفقده صاحبته في حادث مِن الحوادث فتصبح لا قيمة لها بعد زوال هذا الجمال.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد