من درر العلامة ابن القيم عن الصدقة

177
5 دقائق
21 شوال 1446 (20-04-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

الصدقة من المواضيع التي تكلم عليها العلامة ابن القيم، رحمه الله في عدد من كتبه، وقد جمعتُ بفضل من الله وكرمه بعضًا مما ذكره، أسأل الله الكريم أن ينفع بها الجميع.

· [كتاب: الروح]

· أفضل الصدقة:

أفضل الصدقة ما صادفت حاجة من المتصدق عليه، وكانت دائمة مستمرة، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أفضلُ الصدقة سقيُ الماء" وهذا في موضع يقلُّ فيه الماء، ويكثرُ فيه العطش.

· [ كتاب: الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب].

· المن بالصدقة مبطل لها:

المنُّ بالصدقة، والمعروف والبر والإحسان والصلة مُفسد لها، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ﴾ [البقرة:264].

· [ كتاب: زاد المعاد إلى هدى خير العباد].

· هديه في صدقة التطوع:

• كان أعظم الناس صدقة بما ملكت يده.

• كان لا يستكثر شيئًا أعطاه لله تعالى، ولا يستقله.

• كان لا يسأله أحد شيئًا عنده إلا أعطاه، قليلًا كان أو كثيرًا.

• كان أجود الناس بالخير,... عطاؤه عطاء من لا يخاف الفقر.

• كان العطاءُ والصدقةُ أحبَّ شيءٍ إليه، وكان سروره وفرحهُ بما يعطيه أعظمَ من سرور الآخذ بما يأخذه.

• كان إذا عرض له مُحتاج، آثره على نفسه، تارةً بطعامه، وتارةً بلباسه.

• كان يُنوع في أصناف عطائه وصدقته، فتارةً بالهبة، وتارة بالصدقة، وتارة بالهدية، وتارةً بشراء الشيء ثم يُعطي البائع الثمن والسعلة جميعًا، كما فعل ببعير جابر، وتارة كان يقترض الشيء فيرد أكثر منه وأفضل وأكبر، يشتري الشيء فيعطي أكثر من ثمنه، ويقبل الهدية ويكافئ عليها بأكثر منها أو بأضعافها، تلطفًا وتنوعًا في ضروب الصدقة والإحسان بكل ممكن.

• كان أشرح الناس صدرًا، وأطيبهم نفسًا، وأنعمهم قلبًا فإن للصدقة وفِعل المعروف تأثيرًا عجيبًا في شرح الصدر.

• كانت صدقته وإحسانه بما يملكه، وبحاله، وبقوله، فيُخرجُ ما عنده، ويأمُرُ بالصدقة، ويحضُّ عليها، ويدعو إليها بحاله وقوله، فإذا رآه البخيل الشحيح دعاه حاله إلى البذل والعطاء، وكل من خالطه وصحبه ورأى هديه لا يملك نفسه من السماحة والندى.

· [ كتاب: عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين].

· فوائد الصدقة:

في الصدقة فوائد ومنافع لا يحصيها إلا الله، فمنها:

• تقي مصارع السوء.

• تدفع البلاء حتى أنها لتدفع عن الظالم.

• تطفئ الخطيئة.

• تحفظ المال.

• تجلب الرزق.

• تفرح القلب.

• توجب الثقة بالله، وحسن الظن به.

• ترغم الشيطان.

• تزكى النفس وتنميها.

• تُحببُ العبد إلى الله وإلى خلقه، وتستُر عليه كل عيب.

• تزيد في العمر.

• تستجلب أدعية الناس ومحبتهم.

• تدفع عن صاحبها عذاب القبر.

• تكون عليه ظلًا يوم القيامة.

• تشفع له عند الله.

• تهون عليه شدائد الدنيا والآخرة.

• تدعوه إلى سائر أعمال البر فلا تستعصي عليه.

· [ كتاب: الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب].

· الصدقة ودفع البلاء:

للصدقة تأثيرًا عجيبًا في دفع أنواع البلاء، ولو كنت من فاجر أو ظالم، بل من كافر، فإن الله تعالى يدفع بها عنه أنواعًا من البلاء، وهذا أمر معلوم عند الناس.

والمتصدق كلما تصدق بصدقة انشرح لها قلبه، وانفسح بها صدره,... فكلما تصدق اتسع وانفسح وانشرح، وقوي فرحه، وعظم سروره، ولو لم يكن في الصدقة إلا هذه الفائدة وحدها لكان العبد حقيقًا بالاستكثار منها والمبادرة إليها.

· [كتاب: بدائع الفوائد].

· الصدقة ودفع العين وشر الحاسد:

الصدقة والإحسان ما أمكنه، فإن لذلك تأثيرًا عجيبًا في دفع البلاء، ودفع العين، وشرِّ الحاسد، ولو لم يكن في هذا إلا تجارب الأُمم قديمًا وحديثًا لكفي به، فما يكادُ العينُ والحسد والأذى يتسلَّط على محسن متصدقٍ، وإن أصابه شيء من ذلك كان معاملًا فيه باللُّطف والمعونة والتأييد، وكانت له فيه العاقبة الحميدة، فالمحسنُ المُتصدِّقُ في خفارة إحسانه وصدقته، عليه من الله جُنَّة واقية وحصن حصين، وبالجملة فالشكرُ حارس النعمة من كل ما يكون سببًا لزوالها....فالمحسن المُتصدِّق يستخدمُ جندًا وعسكرًا يقاتلون عنه وهو نائم على فراشه، فمن لم يكن له جند ولا عسكر وله عدو فإنه يوشكُ أن يظفر به عدُوُّهُ، وإن تأخرت مُدَّة الظَّفر، والله المُستعان.

· [ كتاب: طريق الهجرتين وباب السعادتين].

· غبطة أهل الصدقة والإحسان:

أهل الإيثار والصدقة والإحسان إلى الناس بأموالهم على اختلاف حاجاتهم ومصالحهم... وهم أحد الصنفين اللذين قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله الحكمة فهو يقضى بها ويعلمها الناس، ورجل آتاه الله مالًا وسلطه على هلكته في الحق" يعني: أنه لا ينبغي لأحد أن يغبط أحدًا على نعمه ويتمنى مثلها إلا أحد هذين، وذلك لما فيهما من النفع العام والإحسان المتعدي إلى الخلق: فهذا ينفعهم بعلمه، وهذا ينفعهم بماله.

· سمى الله عز وجل الإنفاق قرضًا حثًا للنفوس على الصدقة والبذل:

قال الله سبحانه وتعالى: ﴿مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقرِضُ ٱللَّهَ قَرضًا حَسَنٗا فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥ وَلَهُۥٓ أَجرٞ كَرِيمٞ﴾ [الحديد:11] سمى ذلك الإنفاق قرضًا حثًا للنفوس وبعثًا لها على البذل، لأن الباذل متى علم أن عين ماله يعود إليه ولا بد، طوعت له نفسه بذله، وسهل عليه إخراجه، فإن علم أن المستقرض ملي وفي محسن كان أبلغ في طيب قلبه وسماحة نفسه، فإن علم أن المستقرض يتجر له بما أقرضه، وينميه له، ويثمره حتى يصير أضعاف ما بذله، كان بالقرض أسمح وأسمح، فإن علم أنه مع ذلك كله يزيده من فضله وعطائه أجرًا آخر من غير جنس القرض، وأن ذلك الأجر حظ عظيم وعطاء كريم، فإنه لا يتخلف عن قرضه إلا لآفة في نفسه من البخل والشح أو عدم الثقة بالضمان، وذلك من ضعف إيمانه، ولهذا كانت الصدقة برهانًا لصاحبها.

· الصدقة لا بدّ لها من ثلاثة شروط:

وحيث جاء هذا الإقراض في القرآن قيده بكونه حسنًا، وذلك يجمع أمورًا ثلاثة:

أحدها: أن يكون من طيب ماله، لا من رديئه وخبيثه.

الثاني: أن يخرجه طيبةً به نفسه، ثابتةً عند بذله، ابتغاء مرضاة الله.

الثالث: أن لا يمن به ولا يؤذي.

· الحذر من المن بالصدقة:

المن نوعان:

أحدهما: منّ بقلبه من غير أن يصرح به بلسانه، وهذا وإن لم يبطل الصدقة فهو يمنعه شهود منة الله عليه في إعطائه المال وحرمان غيره. وتوفيقه للبذل ومنع غيره منه، فلله المنَّة عليه من كل وجه، فكيف يشهد قلبُه منَّةً لغيره؟

النوع الثاني: أن يمن بلسانه، فيعتد على من أحسن إليه بإحسانه، ويُريه أنه اصطنعه وأنه أوجب عليه حقًا، وطوقه منَّةً في عنقه، ويقول: أما أعطيتك كذا وكذا؟

وحظر الله سبحانه على عباده المن بالصنيعة، واختص به صفة لنفسه، لأن منَّ العباد تكدير وتعيير، ومنَّ الله سبحانه إفضال وتذكير.

الامتنان استعباد وكسر وإذلال لمن تمُنّ عليه، ولا تصلح العبودية والذلّ إلا لله، وأيضًا: فالمنة أن يشهد المعطى أنه هو رب الفضل والإنعام وأنه ولي النعمة ومسديها، وليس ذلك في الحقيقة إلا الله... وأيضًا فإن المعطي قد تولى الله ثوابه، وردَّ عليه أضعاف ما أعطى، فبقى عوض ما أعطى عند الله، فأيّ حقًّ بقي له قِبَلَ الأخذ؟ فإذا امتنَّ عليه فقد ظلمه ظلمًا بينًا.

· مضاعفة الأجر لمن قبل الله منه صدقته:

قال تعالى: ﴿مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَموَٰلَهُم فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَت سَبعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٖ مِّاْئَةُ حَبَّةٖۗ وَٱللَّهُ يُضَٰعِفُ لِمَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة:261].

قوله تعالي: ﴿وَٱللَّهُ يُضَٰعِفُ لِمَن يَشَآءُۚ﴾ قيل: المعنى والله يضاعف هذه المضاعفة لمن يشاء، لا لكل منفق، بل يختص برحمته من يشاء، وذلك لتفاوت أحوال الإنفاق في نفسه، وفي صفات المنفقين وأحواله، وفي شدة الحاجة وعظم النفع وحسن الموقع، وقيل: والله يضاعف لمن يشاء فوق ذلك، فلا يقتصر به على السبعمائة، بل يجاوز في المضاعفة هذا المقدار إلى أضعاف كثيرة.

· حذر المنفق والمتصدق من آفتين:

قال تعالى: ﴿وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَموَٰلَهُمُ ٱبتِغَآءَ مَرضَاتِ ٱللَّهِ وَتَثبِيتٗا مِّن أَنفُسِهِم كَمَثَلِ جَنَّةِۭ بِرَبوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٞ فََٔاتَت أُكُلَهَا ضِعفَينِ فَإِن لَّم يُصِبهَا وَابِلٞ فَطَلّٞۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة:265]

المنفق تعترضه عند إنفاقه آفتان إن نجا منهما كان مثلُه ما ذكر في هذه الآية.

إحداهما: طلبه بنفقته محمدةً أو ثناءً أو غرضًا من أغراضه الدنيوية، وهذا حال أكثر المنفقين.

الآفة الثانية: ضعف نفسه بالبذل وتقاعسها وترددها: هل تفعل أم لا؟

فالآفة الأولى تزول بابتغاء مرضاة الله، والآفة الثانية تزول بالتثبيت فإن تثبيت النفس تشجيعها وتقويتها والإقدام بها على البذل وهذا هو صدقها. وطلب مرضاة الله إرادة وجهه وحده وهذا إخلاصها.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


مقالات ذات صلة


أضف تعليق