بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ في النار.
معاشر المؤمنين الكرام: في قول الله تعالى: {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا}، دلالةٌ على وجوب اعتقادِ المسلمِ أَنَّ الرزقَ بِيدِ اللهِ وَحْدَهُ، وأنه لا رازق غيره: {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُور}.
ثم إنَّ الْإِسلَامَ قَدْ حَرِص عَلَى حِفْظِ كَرَامَةِ الْإِنسَانِ، وصانهُ عَن الابْتِذَالِ، وعن كلَّ ما يُعَرّضهُ للذُّلِ والمهَانَةِ. وهَيَّأَ له أَسَبَّابَ الْعَيْشِ بِأمنٍ وكَرَامَةٍ: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}.
بَلْ وجَعَلَ الْعَمَلَ عِبَادَةً يُؤَجِّرُ الْإِنْسَانُ عَلَيْهَا وَيُثَابُ، قَالَ ﷺ: "مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ"، والحديث في الْبُخَارِيُّ، وفي الْبُخَارِي أيضًا قَالَ ﷺ: "والذي نَفْسِي بيَدِهِ، لَأَنْ يَأْخُذَ أحَدُكُمْ حَبْلَه، فيَحْتَطِبَ علَى ظَهْرِه؛ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أنْ يَأْتيَ رَجُلًا، فيَسْأَلَهُ، أعْطاهُ أوْ مَنَعَهُ".
ولِقَدْ رَبَّى النَّبِيُّ ﷺ اتباعه عَلَى الْاِسْتِغْنَاءِ عَنِ الْخَلْقِ، والسعيُ الجادُّ لطلبِ الرِّزْقِ؛ فعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِطِيبِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى"، والحديث مُتَفقٌ عَلَيْهِ.
وقد أوصى النبيُّ ﷺ خواصّ أصحابه ألا يسألوا الناس شيئًا، فعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "من يتقبَّلُ لي بواحدةٍ وأتقبَّلُ لَهُ بالجنَّةِ، قلتُ أنا، قالَ لا تسألِ النَّاسَ شيئًا، قالَ فَكانَ ثَوبانُ يقعُ سوطُهُ وَهوَ راكبٌ فلا يقولُ لأحدٍ ناوِلنيهِ حتَّى ينزلَ فيأخذَهُ". صححه الألباني.
فمَا أَحرى المسلمَ أَن يتَحَلَّى بِالقَنَاعَةِ وَغنى النَّفْسِ، وأن يوقنَ أَنَّ الأمرَ كلهُ للهِ، وأنّ {اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِين}، وَأَنَّ خَزَائِنَهُ سبحانهُ مَلأى، وأن يدهُ بالعطاء سحاء.
ففي الحديث القدسي الصحيح: "يَا عِبَادِي، لَو أَنَّ أَوَّلَكُم وَآخِرَكُم وَإِنسَكُم وَجِنَّكُم قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُوني فَأَعطَيتُ كُلَّ إِنسَانٍ مَسأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ ممَّا عِندِي إِلاَّ كَمَا يَنقُصُ المِخيَطُ إِذَا أُدخِلَ البَحرَ". وَقَالَ ﷺ: "إِنَّ يمينَ اللهِ مَلأَى لا يَغِيضُها نَفَقَةٌ، سَحَّاءَ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ، أَرَأَيتُم مَا أَنفَقَ مُنذُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ؟ فَإِنَّهُ لم يَنقُصْ مَا في يمينِهِ"، وَقَالَ ﷺ: "إِنَّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ في رَوعِي أَنَّ نَفسًا لَن تموتَ حتى تَستَكمِلَ أَجَلَهَا وَتَستَوعِبَ رِزقَهَا، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجمِلُوا في الطَّلَبِ، وَلا يحمِلَنَّ أَحَدَكُمُ استِبطَاءُ الرِّزقِ أَنْ يَطلُبَهُ بِمَعصِيَةِ اللهِ، فَإِنَّ اللهَ تعالى لا يُنَالُ مَا عِندَهُ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ".
نعم: حرّيٌ بِكُلِّ مسلمٍ أن يرضى بما قسمهُ اللهُ له، وأَن يبذُلَ ما يستطيعُ من الاسباب المباحةِ في طَلَبِ الرِزقِ، بَعِيدًا عَنِ سُؤالِ الآخَرِينَ أعطَوه أو منعوه.
ففي الصحيحَين أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ:"ما يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ، حتَّى يَأْتِيَ يَومَ القِيَامَةِ ليسَ في وجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ". وفي صحيح البخاري، قال النَّبِيِّ ﷺ: "لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةٍ مِنَ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا، فَيَكُفَّ اللهُ بِهَا وَجْهَهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ، أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ". وفي البخاري أيضًا، قَالَ ﷺ: "وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِىَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ"، وقَالَ ﷺ: "مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنَ النَّارِ. فقيل: يا رَسولَ اللهِ، وما يُغنيه؟ قال: قَدرُ ما يغدِّيهِ أو يعشِّيهِ"، صححه الألباني.
التَّسوّلُ يا عباد الله: بَابُ مَذَمَّةٍ وَثَوْبُ مذلَّةٍ؛ يَجْعَلُ صَاحِبُهَ عالةً عَلَى النَّاسِ يَسْتَثْقِلُهُ القريب والبعيد.
التَّسوّلُ: حقارةٌ للنفس وهوانٌ لها، وهدرٌ لكرامة الانسانِ وإسفافٌ بها، وإذا كان الله تعالى يقول: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}، فإنّ الْمُتَسَوِّلَ حين يَمُدُّ يَدَيْهِ لِلنَّاسِ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ، قد استبدلَ كرامةَ اللهِ بإهانةِ نفسهِ وإذلالها. وَنحن لا نتحدثُ عن العاجز بسببٍ قاهرٍ، فهذا صاحبُ ضرورة، والضرورة تُقدرُ بقدرها، فيُسمحُ له بالسؤال على قدر حاجته، إنما نتحدثُ عن الصحيح الْقَادِر عَلَى الْعَمَلِ، نتحدثُ عمن اتَّخَذَ من التَّسَوُّل حِرْفَةً ومهنةً، وراحَ يُريقُ ماءَ وجههِ عند الرائحِ والغادي، ويستجديهم أموالهم، بينما هو قادرٌ على أن يصونَ كرامتهُ ويحفظَ ماءَ وجههِ بعَملٍ مُبَاحِ. ثمَّ نتساءلُ عن الموقفِ الصحيح ممن يمتهنونَ بيوتَ اللهِ المعظمة، ويحتالونَ على الوصولِ للأموال بأي طريقةٍ ممكنة. فَمِنْهُمْ مَنْ يَدِّعِي الإعَاقَةَ، ومنهم من يحكي قصصًا مخترعة، وَمِنهُمْ مَنْ يَفْتَعِلُ البُكَاءَ، ومنهم من يزوِّر الفواتير والتقارير، ومنهم من يجلبُ معه معاقينَ وعجزة، لِسَانُ حَالِهم: نُريدُ مَالًا بِلا عَمَلٍ، ولو عن طريق الكذب في بيوت الله، في الحديث الصحيح، قَالَ ﷺ: "إذَا لَمْ تَسْتَحِ، فَاصْنَعْ مَا شِئتَ".
وبعيدًا عن الصادق منهم والكاذب، فلا شكّ أنّ مِهنةَ التَّسَوُّلِ ذُلٌّ وهوانٌ فِي الدُّنْيَا، وَخِزْيٌ وندامةٌ فِي الْآخِرَةِ، والإِسْلَامُ يحَارَبُ هذا المسلك المشين، وَينهي عَنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ تكسبًا، ففي صحيح مُسلِم، قَالَ ﷺ: "مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أمْوالَهُمْ تَكَثُّرًَا، فإنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ، أوْ لِيَسْتَكْثِرْ".
وفي الحديث الصحيح، قال عليه الصلاة والسلام: "مَنْ سَأَلَ النَّاسَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَمَسْأَلَتُهُ فِي وَجْهِهِ خُمُوشٌ، أَوْ خُدُوشٌ، أَوْ كُدُوحٌ".
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيم}.
اتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين، وكونوا من {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَاب}.
معاشر المؤمنين الكرام: كم هو قبيحٌ بالعبد أن يتعرَّضَ لسؤال العبيد، وهو يجدُ عندَ مولاهُ كلَّ ما يريد. والربُّ تعالى كلَّما سألتهُ كَرُمتَ عليه ورضي عنك وأحبَّك، والمخلوقُ كلَّما سألته هُنتَ عليه وأبغضك وهجرك، كما قيل:
الله يغضبُ إنْ تركتَ سؤالَه *** وبُنيُّ آدمَ حين يُسألُ يغضبُ
واسَمَعُوا إلى كَلامِ قيّمٍ للإمام ابنِ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ، يَقُولُ: (وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْأَصْلِ حَرَامٌ، وَإِنَّمَا أُبِيحَتْ لِلْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ، لِأَنَّهَا ظُلْمٌ فِي حَقِّ الرُّبُوبِيَّةِ. ولِأَنَّهُ بَذَلَ سُؤَالَهُ وَفَقْرَهُ وَذُلَّهُ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَذَلِكَ نَوْعُ عُبُودِيَّةٍ، فَوَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا، وَأَنْزَلَهَا بِغَيْرِ أَهْلِهَا، وَظَلَمَ تَوْحِيدَهُ وَإِخْلَاصَهُ، وَفَقْرَهُ إِلَى اللَّهِ، وَتَوَكُّلَهُ عَلَيْهِ، وَرِضَاهُ بِقَسْمِهِ، وَاسْتَغْنَى بِسُؤَالِ النَّاسِ عَنْ مَسْأَلَةِ رَبِّ النَّاسِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ يَهْضِمُ مِنْ حَقِّ التَّوْحِيدِ، وَيُطْفِئُ نُورَهُ وَيُضْعِفُ قُوَّتَهُ. وفِيهِ ظُلْمٌ لِنَفْسِهِ: فَإِنَّهُ أَرَاقَ مَاءَ وَجْهِهِ، وَذَلَّ لِغَيْرِ خَالِقِهِ، وَأَنْزَلَ نَفْسَهُ أَدْنَى الْمَنْزِلَتَيْنِ، وَرَضِيَ لَهَا بِأَبْخَسِ الْحَالَتيْنِ. وَبَاعَ صَبْرَهُ وَرِضَاهُ وَتَوَكُّلَهُ، وَقَنَاعَتَهُ بِمَا قُسِمَ لَهُ، وَرَضِيَ أَنْ تَكُونَ نَفْسُهُ تَحْتَ نَفْسِ الْمَسْئُولِ، وَيَدُهُ تَحْتَ يَدِهِ، وَلَوْلَا الضَّرُورَةُ لَمْ يُبَحْ ذَلِكَ فِي الشَّرْعِ).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: *كلُّ من علّقَ قلبه بالناس أن ينصروه أو يرزقوه، خضعَ قلبُهُ لهم، وصارَ فيهِ من العبودية لهم بقدر ذلك، وإن كان في الظاهر أميرًا لهم، ومُدبرًا لأمورهم، ومتصرفًا بهم. وكلما قويَّ طمعهُ في فضل اللهِ ورحمتهِ ورجائهِ لقضاء حاجتهِ ودفعِ فاقته، قَوِيَت عبوديّتهُ لله*.
وَإِذَا كَانَ التَّسوُّلُ بِغَيْرِ حَقٍّ عملٌ مشين، وصِفَةٌ قبيحة، فَإنها تُصبحُ أشدُّ قبحًا، إِذَا مورست في بيوت اللَّه تَعالَى، فبيوت الله لَمْ تُبْنَ للتسول وحلبِ الأموال، إنما بُنيت لإقامةِ ذكر الله وتعظيمِ الكبيرِ المتعال، قال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَال}.
بيوتُ اللهِ من شعائر الله، وشعائرُ اللهُ وَاجِبٌ احْتِرَامُها وتعظيمها، وتنزيهها عن الأغراض الدنيوية، فقد جاء في صحيح مسلم، قال ﷺ: "مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ لاَ رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا". فلئن كان البيعُ والشراءُ ونُشدَان الضالة لا خلافَ في حُرمتهِ وعدمِ جوازهِ في المسجد، فإنّ التَّسولَ من باب أولى وأحرى، ولأنَّ فيهِ من سوء الأدبِ مع اللهِ ما فيه، فإنّ المتّسولَ يأتي إلى بيت الله، ليشكو إلى الناس ما أصابهُ من الله، كما قال الشاعر:
وإذا دهتك مُصيبةٌ فاصبر لها *** صبر الكريم فإنهُ بك أعلمُ
وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما *** تشكو الرحيمَ إلى الذي لا يرحم.
وهذا جهلٌ كبير، كما قال ابن القيم رحمه الله، فإنَّه لو عرَفَ ربَّهُ لما شكاه، ولو عرَفَ الناسَ لما شكا إليهم. ولذلك يرى كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ عدمُ جَوَازَ التَّصَدُّقِ عَلى مَنْ يَسْأَلُ في الْمَسْجِدِ، احتِرامًا لبيوت الله ألّا تُمْتَهَنَ، كما أنّ فِي إعْطَائِهِمْ تَشْجِيعًا لهم، واسهامًا في ازديادهم، فمن أرادَ أن يتصدقَ فليتحرَ بها من يستحقُها أو ليعطيها من يثق به من الجمعيات والمؤسسات الخيرية وما أكثرها. كيف وقد جاءت التعليمات من الجهات المسؤولة مشددةٍ على حماية بيوت الله من أن تمتهن في التكسب والتسول، وإشغال المصلين عن الذكر والدعاء، وأنَّ من يفعلُ ذلك يخالفُ الأنظمة، ويعرضُ نفسه للجزاء الرادع.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا}.
يا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، واحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين