فوائد من درس دلائل الإعجاز 40

110
6 دقائق
7 ذو القعدة 1446 (05-05-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فوائد من درس دلائل الإعجاز 40 - محمد أبو موسى

مما قال فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى في درس شرح كتاب «دلائل الإعجاز» بالجامع الأزهر الشريف.

يوم الأحد: 24 من شعبان 1446ه الموافق لـ 23 من فبراير 2025م:

• نحن الآن لسنا بإزاء بيان الفرق بين الكناية والتصريح،،و الاستعارة والحقيقة؛ لأن هذا الفرق معلومٌ وظاهرٌ، وإنَّما نحن نَدرُس سِرَّ هذا الفرق، وهذه هي الخفايا والدقائق: لماذا كانت الاستعارةُ أبلغَ من الحقيقة ومن التشبيه؟ ولماذا كانت الكنايةُ أبلغَ من التصريح؟

• لا بُدَّ أن نُحدِّد النقطة الأساسية التي بها كانت فُروقُ الكلام، لا بُدَّ أن نُحدِّد النقطة الأساسية التي أفضتْ إلى الفُروق بين الكلام، وهذا مهمٌّ جدًّا؛ لأن الذائقة البيانية عند العامِّيِّ تُدرِك أن هذا جيدٌ وهذا أجود، والعالِم لا يَبحثُ عن هذا؛ لأن العامِّيَّ يُدرِكه، وإنَّما العالِم يَبحثُ لماذا كان الجيِّدُ جيدًا ولماذا كان الأجودُ أجودَ.

• العالِم يأخذ كلامَ مَن سبقه، ثم يُعمِلُ فيه عقلَه؛ لعلَّه يجد له بُرعمًا صغيرًا يستطيع أن يَستخرج منه شيئًا، وهذا هو البحثُ العلميُّ: يأخذ كلامَ مَن سبقه، ويَعقِلُه، ويُفكِّر فيه، ويبحث فيه؛ لعلَّه يَجد فيه خيطًا خفيًّا يستطيع من خلاله أن يضيف لَبِنةً.

• سيدُنا رسولُ الله لما قال: "وأنا اللَّبِنَة" كانت كلمةً جليلةً، هي كلمةُ البحث العلمي، كنْ لَبِنةً، ولن تكون لَبِنةً إذا حَفِظتَ كلَّ كلامِ مَن سبقوك في بابِك، وإنَّما تكون لَبِنةً إذا استخرجتَ مِن كلامِ مَن سبقوك كلمةً.

• لن تكون فقيهًا إذا حَفِظتَ كلَّ الفقه، وإنَّما تكون فقيهًا إذا استخرجتَ مِن الفِقْه فِقْهًا.

• الفقيهُ الذي يَستخرج من الفِقْه فِقْهًا هو الذي يَقيسُ ما لا يَعْلمُ على ما يَعْلمُ، والنَّحْويُّ الذي يَستخرج من النَّحْو نَحْوًا هو الذي يَقيسُ ما لا يَعْلمُ على ما يَعْلمُ.

• حين أقول إن الفقيهَ هو الذي يَستخرج من الفِقْه فِقْهًا لا أعني أنه مُطالَبٌ بأن يَكتب كتابًا مثلَ كتاب «الأُمّ» أو كتاب «الرِّسالة»، لا، إنه لو قضى حياتَه كلَّها في استخراج جُملةِ سُطورٍ أقلَّ مِن نصفِ صفحةٍ يكون قد وفَّى واستخرج وأجاد.

• حين يُطالبنا المنهجُ بأن نَستخرج فليس معنى هذا أن نَستخرج كُتُبًا، وإنَّما أن نَستخرج سُطورًا في العُمْر كلِّه، لو انتهى العُمْرُ وقد استخرجتُ من البلاغة سُطورًا؛ بقياسِ ما لا أعلم على ما أعلم، لكانت كافيةً؛ وذلك حتى لا تَدخُلَ المسألةُ في الفوضى وكلُّ واحدٍ نائمٍ يُخَطْرِفُ ويقول: «هذا فِقْهٌ من الفقه، وهذه بلاغةٌ من البلاغة»، ليست المسألةُ كذلك، المسألةُ لها حساباتٌ أخرى.

• سَمعتُ من الشيخ محمود شاكر - رحمه الله - أن الكتابَ لو أضيفتْ إليه صفحةٌ لكان كتابًا آخر، نعم؛ لأن الكتابَ الذي تَنقُصُه هذه الصفحةُ لا يمكن أن يكون كالكتاب الذي فيه هذه الصفحة.

• العِلمُ قَطراتٌ وإضاءاتٌ، ولذلك حين تُباشِر المسائل تَجِدُ كلَّ فكرةٍ تُنادي فكرة، وأنت لا تُنادي أفكارًا، الأفكارُ هي التي تَتنادَى، وأنت تُتابع.

• حديثُ عبد القاهر عن دلالة اللفظ على المعنى ودلالة المعنى على المعنى فكرةٌ تحتها معنى جليلٌ جدًّا، معنى حياتيٌّ، ليس معنى فكريًّا علميًّا؛ لأنه يريد أن يقول إن الفكرةَ التي تحتاج إلى مجهودٍ في استخراجها أفضلُ من الفكرة التي تُستخرج بلا مجهود، وإن الفكرةَ التي تحتاج إلى مجهودٍ في وَعْيِها أفضلُ من الفكرة التي لا تحتاج إلى هذا المجهود، وإن القضيةَ في النهاية هي قضيةُ إعمالِ عقل، هي قضيةُ إيقاظِ عقل، هي قضيةُ استنفارِ طاقاتٍ إنسانية؛ لأن هذا الاستنفارَ هو الذي يَصنع الحياة الأفضل.

• المجهودُ الأعلى هو الصانعُ للأفكار الأعلى، وما دام هو الصانعَ للأفكار الأعلى فهو الصانعُ للأوطان الأعلى، هو الصانعُ للإنسان الأعلى.

• أنا مِن النَّاسِ الذين يُحبُّون أن يَستنطقوا الأفكار.

• يا سيدنا، في كل دراساتي تَعلَّمتُ شيئًا واحدًا؛ هو أن علماء النَّحْو لم يَكتبوا سطرًا واحدًا في النَّحْو إلا سطرًا استخرجوه من اللُّغة، ولم يَستخرجوا من عقولهم شيئًا، وأن علماءَ البلاغةِ لم يَكتبوا في البلاغة سطرًا إلا سطرًا استخرجوه من اللِّسان العربي، وأن الحقائقَ أمامَنا في اللِّسان العربي: استخرج النُّحاةُ نَحْوَهم من هذا اللسان، واستخرج البلاغيون بلاغتَهم من هذا اللِّسان.

• الإصغاءُ إلى الأفكار وهي تَتناغَى، وهي تتكلَّم بهَمْس، ووَعْيُ هذا الهَمْسِ هو الذي يَستخرج علمًا جديدًا وفكرًا جديدًا.

• كان محمَّد مندور - رحمه الله - يتكلَّم دائمًا لا عن الدلالة النَّاطقة، وإنَّما عن الدلالة الهامسة، وفي هذه الأثناء كنتُ أقرأ كلامًا لكرامٍ يَصِفُون الكلامَ بما قالوا إنه «نَميمةُ الأسلوب»، أي إن الأسلوبَ فيه نَمنماتٌ خفيةٌ تُخبر عن شيءٍ ساكنٍ في نفس المتكلِّم، ليس باللِّسان النَّاطق، وإنَّما بالهَمْهَمَة الخفيَّة والنَّمْنَمَة الخفيَّة، ووجدتُ ذلك كلامًا واضحًا عند العلماء؛ حين قال عبد القاهر إنَّ ما قاله الناسُ في البلاغة قبلَه كالرَّمْز والإيماء والإشارة في خفاء، ثم هو جَعلَ من الرَّمز كلامًا له قواعد، ومن الإيماء كلامًا علميًّا واضحًا.

• المهمُّ أن تَعْقِلَ ما تقرأ، ثم تَستخرج ممَّا تَعْقِلُ شيئًا، واعلمْ أن هذا الذي عَقَلْتَ فيه خفيٌّ، وأن عليك أن تُحْسِنَ الإصغاءَ إلى هذا الخفيِّ.

• ليس العالِمُ هو مَن يَعلَمُ مَنطِقَ الكلام الواضح، وإنَّما هو الذي يَعلَمُ مَنطِقَ الكلام الخفيِّ.

• حضر الدرسَ معنا مرةً واحدٌ من طلاب العلم القدامى الذين درَّستُ لهم، فقال لي في آخر الدرس: «لماذا لم تكن تقول لنا هذا الكلام في الكلية؟!»، فقلتُ له: يا عزيزي، هناك فرقٌ بين الدرسِ في الجامع الأزهر والدرس في الفصل الدراسي، في الفصل الدراسي عندي منهجٌ لا بُدَّ أن أشرحَه، إنَّما هنا أُعطي كلامَ العلماء الأفقَ الذي يتَّسع له كلامُهم، أو الذي يُشير إليه كلامُهم، أنا في الجامع الأزهر لا أُبيِّن مرادَ المصنِّف، وإنَّما أستخرجُ همسًا خفيًّا مِن مراد المصنِّف.

• حين أقرأ كلامَ العلماء في الجامع الأزهر أنا لا أشرح كلام العلماء، وإنَّما أشرحُ الذي وراء كلام العلماء، وهو الذي لا أستطيع أن أستخرجَه من الدَّرْس في الكلية؛ لأن درسي في الكلية منهجٌ.

• الفضلُ في الاستعارة ليس راجعًا إلى ذات الاستعارة، وإنما يَرجِعُ إلى أنها تَستنفرُ العقلَ فيَعملُ ويُراجِعُ ويُفكِّر؛ فكلُّ ما يَستنفرُ العقلَ هو أفضل.

• الرِّفعةُ والسُّموُّ والنجاحُ مع يقظة العقل، والخَيْبةُ والمَيْلَةُ والفشلُ مع الغفلة.

• لا تَقلْ لي: «زيدٌ ناجح»، أمسِكْ لسانَك واجعلْ نجاحَ زيدٍ يقول لي: «زيدٌ ناجح»؛ فإذا كان حَسَنَ الصُّنْعِ واستطاع أن يُعِينَ الناس على أن يَصِيروا مِن العُسْر إلى اليُسْر، ومن الشدَّة إلى الرَّخاء، ومن الخوف إلى الأمن، فهو ناجحٌ بلا شكٍّ، أمَّا إنْ نَزلَ لي زَبُورٌ من السَّماء يقول لي: «زيدٌ ناجح» و«زَيدٌ» هذا نَقلَ الناسَ من الرَّخاء إلى الشدَّة، ومن اليُسْر إلى العُسْر، ومن الأمن إلى الخوف، فسأقول للزَّبُور: أنا آسف، لن أؤمن بك؛ لأن الواقعَ أصدقُ لسانٍ يتحدَّث عن الإنسان.

• لسانٌ واحدٌ من الحقيقة يُلغِي ألفَ لسانٍ من غير الحقيقة.

• أُريد منك أن تُحدِّثني عن مقالة العلماء، ثم تُحدِّثني عن فَهْمِك أنتَ لمقالةِ العلماء.

• لا قيمةَ لفكرٍ مِن عقلٍ ليس فيه علمٌ، ولا قيمةَ لعقلٍ اكتفى بما حصَّل، وإنَّما المطلوبُ أن تتدبَّر فيما حصَّلتَ، المطلوبُ أن يكون تحصيلُك للعلم بدايةَ العمل في العلم، ومن يومِ أن اعتبرنا أن تحصيلَ العلم هو نهايةُ العمل في العلم ونحن نَعيشُ عَالَةً على غيرنا.

• أدهشني جدًّا خطأُ وخَطَلُ الذين يقولون إن البلاغةَ العربيةَ أصلُها يوناني؛ إننا نرى البلاغةَ العربيةَ منزوعةً من لسان العرب، وبلاغةَ اليونان منزوعةً من لسان اليونان، وبلاغةَ الطَّليان منزوعةً من لسان الطَّليان، ليس في الدنيا بلاغةُ لُغةٍ إلا وهي منزوعةٌ من هذه اللُّغة.

• إعمالُ العقل لا يحتاج إلى علم، هو فقط مُحتاجٌ إلى تفكير.

• يُسعدني جدًّا جدًّا حين أجدُ العالِمَ يَقف وقفةً عقليةً مَحْضة، ويَستخرج بها علمًا، وأقول: هذا تعليمٌ لنا وتنبيهٌ لنا أننا بمَحْضِ العقل نَصِلُ إلى حقائقَ جليلة.

• في ختام المجلس نوَّه شيخُنا بتوقُّف الدرس خلال شهر رمضان، ثم قال:

- ربُّنا سبحانه وتعالى إذا شَدَّ عليك الصَّومَ فاعلمْ أن الأجرَ قد زاد، فإذا أحسستَ بالجُوع أو بالعطش فاحتسبْ؛ لأن سيدَنا رسولَ الله قال: "أفضلُ العباداتِ أَحْمَزُها"، أي: أشقُّها على النَّفْس.

- عليكم بالقرآن في رمضان، وفي غير رمضان، وكلَّ مرةٍ يأتي في خاطري أن أُحدِّثَكم عن هذا: لا تَنقطعْ عن قراءة القرآن؛ لأن الله فرض علينا ذلك في الصَّلوات، وإنَّما اقرأ بقليلٍ من التدبُّر حتى تَجِدَ للقرآن في نفسِك حلاوةً، وادعُ حتى تَجِدَ للدُّعاء في نفسِك حلاوةً.

- القرآنُ كلُّه - وأنا نَهارِي كلُّه نَظرٌ في المصحف وفي التفسير - صناعةُ الإنسان الأعلى والأكرم، حتى إنني أحيانًا أقول إن القرآن نَزَلَ بشيء واحد؛ هو صناعةُ خير أمَّةٍ أُخرِجَتْ للنَّاس.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


أضف تعليق