حقيقة معتقد الدروز

538
5 دقائق
28 محرم 1447 (24-07-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

إن معرفة الأصل تُسهم في إدراك حقيقة الأمر، ولذا لا بد إذا تكلّمنا عن الدروز أن نبدأ باستعراض نشأتهم وتاريخهم، فإن الاطلاع على جذور هذه الطائفة يسلط الضوء على مدى بُعدها عن الإسلام الصافي الخالي من الشوائب والبدع.

يعد الدروز من الطوائف التي أثارت حولها الكثير من التساؤلات والجدل؛ إذ يظن البعض أنهم فرقة إسلامية على مذاهب الشيعة الإسماعيلية، بل ويسمّون أنفسهم «الموحدين» اقتداءً بزعمهم أنهم وحدوا الله في ذاتهم. إلا أن علماء المسلمين أجمعوا على أن عقائد الدروز خارجة عن دائرة الإسلام، وأنهم خرجوا عن المذهب الإسماعيلي ذاته، بمدعياتٍ لا سند لها في الكتاب أو السنة.

تنطلق قصة الدروز من مصر الفاطمية عام 405 هـ (1044 م)، عندما زار حمزة الزوزني وهو فارسيّ الانتماء، دار الحكم على يد الخليفة «بأمر الله»، طالبًا العلم على مذهب الإسماعيلية. فانبهر بحكم هذا الخليفة ومدى قبوله للأفكار الغريبة التي كان ينادي بها الزوزني، حتى بلغ به الخيال أنّ الله تعالى «تجسّد» في شخص الحاكم، وهو رأي مأخوذ عما كان يعتقده قدماء الفرس من حلول الآلهة في أجساد الملوك. فرأى الزوزني أنّ هذا الاعتقاد سينشر دعائمه إذا ما سلّط الضوء عليه سرًا قبل جهره؛ فأقنع الخليفة بأن يقرّر هذا السر في طقوس خاصة بالعلية، ثمّ يعلنها للعامة.

مرت ثلاث سنوات على زيارة حمزة إلى القاهرة قبل أن يختار بدوره رجلًا اسمه الحسن بن حيدرة ليؤذن ببداية «الدين الموحد». وعندما ألقى بن حيدرة خطابه سنة 408 هـ (1017 م) أمام الناس في مصر، قام أهل المدينة بقتله رفضًا لهذه البدعة. فاعتُبِر ذلك اليوم يوم تأسيس الدروز، وتحويل تقويمهم إليه، ولا يزالون يحيون ذكرى «يوم الشهادة» كأولى محطات ديانتهم.

ويعود لقب «بني معروف» الذي أطلقه حمزة بن علي الزوزني -مؤسس الدعوة الدرزية- على أتباعه، لا لكونهم قبيلة بهذا الاسم، بل لأنه أول توصيفٍ قدمه في رسائله بعنوان «رسائل الحكمة». وقد حرص الدروز على إخفاء عقائدهم عن الناس خوفًا من الرفض والاضطهاد، فاعتمدوا التقية شعارًا لهم، فاكتنف العقيدة السر والغموض.

بعد شهورٍ قليلة أرسل الحاكم حمزة الزوزني إلى بلاد الشام، حيث أُخلي سبيله إلى جبال سوريا ولبنان، وهناك راح يروّج لفكره الجديد ويعلن «محمد الدرزي» خياطًا فارسيًا بذلك الحقبة زعيمًا لمدرسته. وقتل الدرزي بعد عامٍ من نشر دعوته، غير أن مذهبه استمر في الامتداد، ووجد من يتبناه في سوريا ولبنان وفلسطين.

وتفرقت الدعوة الدرزية بين تيارين: تيار حمزة الزوزني من إيران، والذي أُطلق عليه «العقل»، وتيارٌ آخر يُنسبُ إلى محمد الدرزي (نستكين)، الذي أعلن العقيدةَ الدرزية في جبال لبنان وسوريا وسُمي باسمه «إمامًا للموحّدين». وقد اندلع صراعٌ داخلي بينهما وصل حد الاغتيال، ما يؤكد افتقار الدعوة للثبات والاتساق.

يبني الدروز عقيدتهم على «الحلول والاتحاد»؛ إذ يؤمنون بأن روح الإنسان تنتقل عند الوفاة إلى جسد آخر، فتتجسد دورة الروح حتى يوم القيامة. وهذا الاعتقاد يُلغي مفهوم البعث والجزاء، إذ كيف تُحاسب روحٌ إذا انتقلت من مؤمنٍ إلى كافرٍ ثم إلى آخر؟! ولا يمتّ لأي مذهب إسلامي بصلة، بل يخالف صراحة قوله تعالى: ﴿سَيُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا﴾ (السجدة: 10)، كما ويخالف موقف النبي ﷺ في تأكيده على بقاء الروح بالجسد في القبر، فلا تنفصل عنه.

والرد على هذه الخرافة بأن الإسلام يقوم على البعث بعد الموت والحساب المستقل لكل نفس في قبرها ثم في القيامة، وهذا منصوص في القرآن الكريم والسنة النبوية. قال تعالى:

﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي﴾ (الحجر: 29)

فالنفس ثابتة في جسدها بعد نفخ الروح، ولا تنتقل إلا إلى بارئها في النهاية.

كما بيّن النبي ﷺ أن الروح تبقى مع الجسد في القبر، فتُعذّب أو تُنعّم حسب عمل صاحبها، ولا يطرأ عليها تبدّلٌ كما يدّعي المتقلّبون. وورد: «إنَّ المَيِّتَ إذا وُضِعَ في قَبْرِهِ، إنَّه لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعالِهِمْ إذا انْصَرَفُوا. وفي رواية : إنَّ العَبْدَ إذا وُضِعَ في قَبْرِهِ وتَوَلَّى عنْه أصْحابُهُ». (رواه مسلم)، فكان بيانًا صريحًا لاستقرار الروح بالجسد بعد الموت حتى البعث.

وعقائد الدروز وغيرهم من فرق الباطنية هي عقائد عبثية ملفقة من أديان ومذاهب وأهواء لا صلة لها بدين الإسلام، وليس لها أصول حقيقية، ولهذا لا يُعَدّون من الأمة الإسلامية، وهذا ما يفسّر عمالتهم لليهود، ولهذا قال ابن تيمية عنهم: (والدروز كفار باتفاق المسلمين).

وما زاد الطائفة انغلاقًا أنّها أغلقت باب الدعوة بعد عشرين عامًا من نشوئها، وأحكمت ترسيم عضويتها بأن تقتصر على المواليد داخلها فقط، فلا ينضم إليها أحد من خارجها، ولا تتزاوج إلا فيما بينها. وبذلك تحولت إلى مجتمعٍ مغلقٍ يصعب اختراقه أو تغييره.

ومن أعقد النقاط عندهم إسقاطُ الفروض الخمس كاملةً: الصلاة، والصوم، والزكاة، والحج، وغيرها من العبادات؛ بحجة أنّ الرسالة توقّفت عند مصيرٍ خاص لهم، فلا حاجةَ لهم بالفرائض بعد حلول الإله في الخليفة.

إضافةً إلى ذلك، يعتقدونَ أن النبي أحدٌ من خمسة أنبياءٍ، ويجسّدون رموزهم بخمسة ألوانٍ حول نجمتهم الخماسيّة: الأخضر للعقل (حمزة الزوزني)، والأحمر للنفس (محمد بن حامد التميمي)، والأصفر لمحمد بن وهب القرشي، والأزرق لسلامة السامري، والأبيض للضيف بهاء الدين السموكي، الذي أُغلق على يديه بابُ الدعوة، فصار المجتمعُ الدرزيّ مغلقًا أمام كلِّ الغير، فلا يَقبلُ فيهم إلا من وُلد لهم، ولا يتزوجون من خارجهم.

يمتدّ وجود الدروز الجغرافي إلى ثلاث دول رئيسية: سوريا، حيث يقدر عددهم بمليون نسمة، ثلثهم يقيمون في محافظة السويداء وحدها، ولبنان بحوالي 400 ألف، وفلسطين (داخل الخط الأخضر) بحوالي 150 ألف، وهم مواطنون إسرائيليون يحق لهم الانضمام إلى الجيش كأي مواطن آخر. وهناك بقية قليلة في الأردن ومهاجرون إلى الغرب وأمريكا وأوروبا وغرب إفريقيا، ولا يزيد المجموع الإجمالي على مليوني فرد، ولذا تستخدمُهم بعضُ القوىُ ذريعةً للتدخل في شؤون البلاد التي يوجدون فيها، كما حدث ويحدث عبر ادّعاء حماية الأقليّة الدرزية في سوريا ولبنان. كما جرى فيما مضى مع الموارنة في جبل لبنان خلال الفترة (1841–1861م)، حيث انتشرت الفتن وأودت بحياة الآلاف.

نشر المفكر الكردي السوري محمد كرد علي في العدد الرابع من جريدة المقتبس تاريخ نيسان 1910، مقالًا بعنوان جبل الدروز وفتنتهم، بدأه بالتعريف بسهل حوران وجبلها، الذي أطلق عليه اسم جبل الدروز، وتحدث عن جغرافيا المكان وتاريخه، وكما هو معروف فتاريخ المنطقةِ يعود إلى الألفية الأولى قبل الميلاد، واستمرت مأهولة زمن الرومان والبيزنطيين، وقبل الفتوحات الإسلامية سكنتها القبائل العربية المسيحية، وبعد الفتوحات سكنتها عشائر معروفة، ومنها قبيلة زبيد التي تعود لها تسمية جبل العرب.
وقال كُرد عَلِي إنَّ في الجبل زمن كتابة المقال، مائةً وثمانيةَ قريةٍ، يُقَدَّرُ سكانها على التخمينِ بخمسينَ ألف نسمة، وربما استطاع حمل السلاح منهم نحو ثمانية آلاف، وكانوا يشنّون الغاراتَ ويَستَبِحون الأبرياء ويسلبون المارَّةَ، وإقليمهم (متضمنا أقضية السويداء وصلخد أو صرخد كما كانت تلفظ وبلدات القنوات وثعلة وغيرها) هو الإقليم الوحيد في البلادِ بأسرها، الذي أزمنت فيه الفوضى، واختارَ أهلُهُ أن يعيشوا عيشَ السلبِ والنهبِ والموتِ، يؤذون من خالفهم من مجاوريهم، ويعتَدُون على أبناء السبيل، ويناوئون الحكومة ويَعصُون قوانينها، فلا يؤدون الضرائب ولا يخدمون الجندية. وإذا لم يجدوا من يُهلكونَهُ ويُمَثِّلون به، يقتتلون فيما بينهم، كأنهم يتعبَّدون بإهلاكِ الناسِ والعبث والفساد في البلاد.

أما موقفنا كمسلمين، فلا يخفى علينا أنّ العودةَ إلى العقيدة الصحيحة تقتضي نبذ كل دعوةٍ جعلت الإنسان إلهًا، أو حوّلتهُ موضعَ تجسّدٍ للربّ. فالتمسّك بتوحيد الله تعالى والتمسّك بشريعته هو الأساس، وما خلا ذلك فهو من الإضلال والضلال. قال تعالى: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ (الحجر: 99).

نسأل الله أن يصون بلاد المسلمين من الفتن وأهلها من الفرقة، وأن يردّ كيد المعتدين في نحورهم. ففي النهاية لا خير في دينٍ يبني نفسه على ادعاء حلول الإله في البشر، وينأى عن الفروض الربانية التي فرضها الله على عباده، ويُحرم أتباعه من دعوة صالحة وعادلة تحضّ على التوحيد الحقيقي والعبادة الخالصة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

المراجع:

- طائفة الدروز تاريخها وعقائدها: محمد حسين كامل.
- خطة الشام: محمد كرد علي.
- المسلمون الموحدون (الدروز): صالح زهر الدين.
- مسلك التوحيد: سامي نسيب المكارم.
- عقيدة الدروز عرض ونقد: محمد أحمد الخطيب.
- تاريخ المذاهب الإسلامية: محمد أبو زهرة.


مقالات ذات صلة


أضف تعليق