بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
كثيرة هي المواقف الحياتية التي يمر به المرء في حياته اليومية، يأخذ منها العبر والعظات، وتبين قدرة الله وعظمته.
وفيما يلي بعض المواقف الحياتية التي شاهدت بعضها، واستمعت لبعضها، كانت قد تم نشرها في بعض المواقع، ونجمعها هنا تعميمًا للفائدة، ندعو الله تعالى أن ينفع بها القارئ الكريم. اللهم آمين.
والله من وراء القصد، وهو الموفق والمستعان.
عامر في طريقه إلى الحرم!! (قدرة الله وإرادته):
إنها إرادة الله، سبحانه إذا أراد شيئا قال له كن فيكون، سبحانه يجيب المضطر إِذَا دَعَاهُ قال تعالى: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} (سورة النمل،62).
وكثيرًا ما نقرأ في القصص القديمة والحديثة، التي تبين أن الله يجيب المضطر إِذَا دَعَاهُ،من هذه القصص قصة الرجل الذي جاءت الحرائق فحرقت جميع البيوت في منطقته إلا بيته، والرجل الذي أمطرت السماء لتروي حديقته دون الحدائق المحيطة به، وقصة المرأة التي كانت في قرية نائية في باكستان، وكان لديها ابن ابنها مريضًا وهو يتيم، ووصف لها الأطباء أن هذا المرض النادر لا يعالجه إلا دكتور شهير في مكان بعيد عنها، بينها وبينه آلاف الكيلو مترات، فدعت الله بإخلاص أن يسخر لها الأسباب للوصول إلى هذا الطبيب، ويشأ الله (سبحانه)،ويكون هذا الطبيب مسافرًا لحضور أحد المؤتمرات الطبية،وتتعطل به الطائرة وتهبط،ولكن تهبط في نفس البقعة التي بها الطفل المريض فيعالج الطبيب هذا الطفل!! حقا إنها قدرة الله!!
وقديمًا قرأنا قصة الخباز الي كان يدعو الله ليلًا أثناء عمله، ومن أهم الدعاء الذي كان يدعو به أن يرى فقيه عصره الإمام والمحدث أحمد بن حنبل، فإذا بالله القدير يُحضر له في إحدى الليالي الإمام أحمد بن حنبل (رحمه الله) فيرأه رأي العين حيث كان الإمام أحمد مسافرًا، وحطت رحاله في بلد هذا الخبار، وشاء الله أن يجيب دعوة هذا الخباز.
ومنذ أيام قرأنا قصة حقيقية وسائل التواصل الاجتماعي قصة حقيقة نصها ما يلي: كان المواطن الليبي ابن سبها متوجهًا إلى بيت الله الحرام، وكعادة جميع دول العالم لا بد من اتخاذ الإجراءات المتفق عليها أمنيا وقانونيا بالسفر، وحدث أن كان هناك بين اسمه، واسم شخص عليه مخالفات فتم منع عامر المهدي منصور القذافي من الصعود على متن الطائرة المتجهة إلى بيت الله الحرام لأسباب تتعلق بتشابه الاسماء، فأقلعت الطائرة، أقلعت الطائرة لكنها واجهت خللًا فنيًا واضطرت للعودة إلى المطار وكان قد تم التأكد من سلامة أوراق عامر أمنيا. وعندما حاول عامر الصعود مرة أخرى بعد السماح له من الجوازات، مُنع للمرة الثانية لرفض الطيار ركوبه بالطائرة لتأخره في الإجراءات، وأقلعت الطائرة للمرة الثانية من جديد، لكنها عادت مرة ثانية بسبب عطل آخر. عندها قرر قائد الطائرة السماح لعامر بالصعود، فركب عامر الطائرة التي أقلعت بنجاح هذه المرة، ووصلت إلى وجهتها بسلام. ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [الإنسان: 30].
الأمر الذي جعل رواد وسائل التواصل الاجتماعي يرددون يا عامر "ماذا بينك وبين الله – يا عامر-ليسخر لك كل هذا؟!!" إنها قدرة سبحانه يجيب المضطر إذا دعاه ونكرر ثانية:"{أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} (سورة النمل،62) فالله (سبحانه وتعالى) يجيب المضطر إذا دعاه وخاصة وقت الشدائد.
ولنتذكر أن هناك لله عبادا لو أقسموا على الله لأبرهم. اللهم اجعلنا منهم. اللهم آمين.
صدق النوايا: صاحبة الكتاب في الحرم الجامعي والمكي!!:
في قيظ أواخر يونية عام 1989خرج الطالب صادق من الامتحان النهائي في المادة الأخيرة لامتحانات الفرقة الثانية الجامعية، وصلى العصر في مسجد الكلية حيث إن جميع الطلاب انصرفوا مبتهجين بانتهاء امتحانات العام الدراسي، وخرج من باب الكلية؛ فإذا بكتاب ملق بجانب السور يبدو أنه وقع من الحائط المرتفع الذي كانت صاحبته قد وضعته فيه بعد مراجعتها السريعة للمادة قبيل دخول الامتحان كعادة بعض الطلاب.
ولما كان هذا اليوم هو اليوم الأخير في الامتحانات: لو تركت الكتاب مكانه لجمعه عامل النظافة وألقى به في سلة المهملات، فقلت لموظف الأمن: هذا الكتاب ملقى على الأرض وبه آيات قرآنية (كان كتابًا حول علم البيان في البلاغة العربية) فقال لي: خذه، فقررت أن أحتفظ به كأمانة عسى أن أجد صاحبته حيث إن اسمها مكتوب على غلاف الكتاب، وأنتابني شعور غريب بأنني سأجد صاحبته مهما طال الزمن، والغريب لا أدري لماذا انتابني هذا الشعور؟!
ومرت السنة تلو الأخرى؛ لكنني لم أجد بعد البحث والسؤال في مديرية التعليم صاحبته ضمن معلمات اللغة العربية كافة!!
وبعد مرور ثلاثة عقود من الزمان (في صيف 2019م)!!كنت قد انتهيت من مناسك العمرة، وكان يفترض أن أذهب إلى باب الملك عبدالعزيز للخروج حيث محلات الحلاقة بالقرب من برج وقف الملك عبدالعزيز (طيب الله ثراه)، ولكنني خرجت من الباب القريب من المروة، وبينما أنا أخرج فإذ بامرأة في بدايات العقد السادس من عمرها كما يبدو من شكلها من دولة عربية شقيقة ومعها أولادها تسألني من أين أذهب إلى الاتوبيسات التي تتجه إلى العزيزية بمكة؟ قلت لهم اتجهوا ناحية كذا وكذا ووصفت لهم كيفية الذهاب، وشكروني، ولكن الغريب أنها قالت لي:أنت مصري من محافظة كذا من قرية كذا،قلت سبحان الله كلامك صحيح من أين عرفتي ذلك!!!، وأنا في غاية الدهشة، قالت من لهجتك، وقالت لي أنا من دولة كذا بجواركم ،ولكن ولدت وعشت في محافظتكم وبها تعلمت، وحصلت على كلية كذا قسم كذا، قلت نفس تعليمي تماما بتمام،ونفس الكلية ونفس القسم،وقالت علمني الدكتور كذا وكذا قلت وأنا كذلك فدفعني فضولي لأن أسألها ما اسمك قالت أنا الدكتورة فلانة قلت في نفسي إنها هي صاحبة الكتاب!!!
وقصصت لها قصة الكتاب فقالت حلال عليك، وقالت: سبحان الله إنه صدق النوايا، قصة ولا في الأحلام، والغريب أنها أتمت لي الحديث في كيفية حصولها على الدكتوراه من دولة كذا في قسم كذا، وأنا أيضا حصلت على نفس الدرجة العلمية ونفس القسم ونفس الدولة!!!
وأولادها يستمعون الكلام وهم في دهشة وتعجب!!
فليس هناك مستحيل، والله على كل شيء قدير فسبحان الذي لم يجمع صادق لصدق نيته بالكتاب في الحرم الجامعي وبصاحبته في الحرم المكي!!!! وانصرف الجميع واغرورقت دموع صادق في عينيه من عظمة الله وقدرته!!!
فما أجمل صدق النوايا!!
ثلاثة في الاستراحة!! حدث بالفعل، بالأعمال الصالحة يكشف الله الكرب:
قال لي صديقي الصدوق: سبحان من يفرج الهم، ويكشف الكرب ويزيل الغم! سبحانه من توكل عليه كفاه!
قلت: صدقت، سبحان من يكشف الكرب عن عباده!
قال: أتذكُرُ قصة الثلاثة من بني إسرائيل الذين حُبسوا في الغار حينما سدت صخرة كبيرة فم الغار عليهم، ونجاهم الله تعالى بأعمالهم الصالحة، التي حدثنا عنها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
قلت: نعم أعلمها، ويعلمها المثقف الصغير قبل الكبير.
قال: لقد حدثت لي قصة مثلها منذ عقد ونصف من الزمان.
قلت له: هاتِ العلوم والخبر بصدقك المعهود.
قال: كنت في طريقي مسافرا بحرًا بالباخرة، من مدينة "ضبا" بمملكة الخير والأمان إلى مدينة سفاجا بمصر الكنانة، حفظها الله؛ لإتمام عقد قراني، ودخولي عش الزوجية، الذي تأخر طويلًا لحكمة يعلمها الله، وإن كنت من الذين يحثون على التبكير في الزواج فور امتلاك القدرة.
وما إن وصلنا إلى مدينة "ضبا" واسترحنا بالميناء؛ استعدادًا لإنهاء إجراءات المغادرة، جاءت التعليمات بأن الباخرة القادمة من سفاجا لضبا، والتي ستعود بنا لسفاجا ما زال الركاب لم ينزلوا منها بسبب غرق أحد الركاب، وإنه لا بد من الانتظار لحين إنهاء الإجراءات الإدارية والأمنية والقانونية المتعارف عليها، وفقًا للأنظمة التي يجب اتباعها في هذه الحالات.
ولما طال الانتظار قامت الشركة التي كنا حاجزين تذاكر السفر منها باستضافة جميع الركاب المغادرين؛ ومنهم الشباب، وكبار السن، والنساء، والأطفال، في أقرب استراحة من الميناء، ومر يوم والثاني، ومنا المرضى الذين هم في حاجة للعلاج، حالات وحالات.
وفي اليوم الثالث شق على الجميع الانتظار، وكان معي في الغرفة بالاستراحة ثلاثة من الشباب، لا يعرف أحد منا الآخر، الذي جمعنا فقط رحلة السفر وانتظار المغادرة.
ومما لفت انتباهي جَزَع معظمنا من هذا الانتظار وأنا منهم، إلا أن هؤلاء الثلاثة -الذين جمعني الله بهم لحكمة يعلمها -كانوا يتسمون بالبساطة، وعدم الجزع، والهدوء، وحسن السمت، وكثرة ذكر الله، والتضرع إلى الله.
ومما زاد إعجابي بهم أن الثلاثة يعملون بحرف مختلفة من سباكة، وبناء، وطلاء الحوائط بالبويات (زخرفة)، وإن الله يحب المؤمن المحترف، وإنا لهم لَمحبون، وليت الشباب الذين يبحثون عن عمل، بهم يقتدون.
ولما رأى هؤلاء الثلاثة ازدياد جزع المسافرين في الاستراحة، وكان عددهم كبيرًا يبلغ المئات، سمعتهم يقولون: إن حالنا حال الثلاثة الذين حُبسوا في الغار، فلماذا لا نتضرع إلى الله بصالح أعمالنا؟ عسى الله أن يكشف عنا الكرب، فقالوا لي: نبدأ بك، فأنت المتعلم فينا، وأكبرنا سنًّا، وأكثرنا علمًا، فقلت في نفسي: إنهم يَسْتَسْمِنون ذا ورمٍ، قلت ودموعي تغلبني: شكرًا على حسن ظنكم بي، لكني قليل البضاعة من الصالحات والطاعات، لا ذكر ولا طاعات، كما ترون حالي.
قالوا: تضرع إلى الله بأي عمل صالح، أما عملت عملًا صالحًا قط.
قلت: غفر الله لي ولكم، ذنوبي كثيرة وصالحاتي قليلة؛ فإني أراني أشر الناس إن لم يتغمدني الله وإياكم برحمته ومغفرته، على أي حال إن الله سبحانه يجيب المضطر إذا دعاه وقلت: اللهم إنك تعلم أني كثير الذنوب والمعاصي، قليل الطاعات، ولكن تعلم يا ربي أني أحب الصالحين ولست منهم، وتعلم يا ربي أني علي الفطرة والبساطة، حَسن النية مع الجميع، لا أحب إيذاء أحد قط، ولا أعتدي على أحد قط، وأعفو عمن يسيء إليَّ، ولا أرد على إساءتي، لكني أدعوك أن تصرفه عني، وإني أحب قضاء حاجة المكروبين ابتغاء وجهك، وما قصدني أحد في شيء أقدر عليه، ورددته أيًّا كانت جنسيته ودينه، اللهم إن كنت أني صادقًا في ذلك ففرِّج عنا.
وقلت لهم: الآن أنتم لها، والحمد لله أنتم ثلاثة، وأصحاب الغار كانوا ثلاثة فبعملكم الصالح إن شاء الله سيفرج الله عنا.
تضرع الأول، فأثنى على الله بما هو أهله، وقال: اللهم إنك تعلم أنني أكفل أبناء أخي الأيتام منذ سنين، اللهم إن كنت تعلم - وأنت يا ربي بكل شيء عليم - أنني أعمل ذلك ابتغاء وجهك؛ ففرج عنا ما نحن فيه.
وقال الثاني: اللهم إنك تعلم أنني شاركت في بناء مسجد، لا أبغي إلا رضاك، اللهم إن كنت تعلم أنني فعلت ذلك ابتغاء وجهك؛ ففرج عنا ما نحن فيه.
وقال الثالث: اللهم إنك تعلم أنني بارٌّ بوالدي، وأصل الرحم، وأحسن إلى من أعرف ومن لا أعرف، أفعل ذلك ابتغاء وجهك، اللهم إن كنت تعلم أنني أعمل ذلك ابتغاء وجهك؛ ففرج عنا ما نحن فيه.
قال صديقي: ما انتهى الثالث من عبارة "ففرج عنا ما نحن فيه"، إلا وسمعنا جلبة بفناء الاستراحة، وأصوات تحمد الله، وتشكره، فخرجنا نستقصي الخبر، فعرفنا أن القيادة الملكية الرشيدة مشكورة فور علمها بحالتنا، أصدرت الأوامر بأن تحمل باخرة بديلة المسافرين، وأن يغادروا على الفور لجهة سفرهم، مع سرعة الانتهاء من متطلبات السفر الإدارية.
قال صديقي: فبكيت فرحًا... وكانت فرحتي الكبرى أن هناك بسطاء لا يُلتفت إليهم، لو أقسموا على الله لأبرَّهم، رأيت الكثير الكثير منهم في حياتي من خلال مواقف حدثت أمامي، ألم أقل لكم: إني أحب الصالحين، ولست منهم، وما الثلاثة الذين كانوا معي في الاستراحة عنا ببعيدٍ.
*تم نشر هه القصة بقلم معد الكتاب (القصة حقيقية فقط التغيير في الصياغة حسب ما تم تذكره).
العجوزان ووقف حبوب القمح:
منذ ربع قرن من الزمان كان عبد الباسط طالبًا في الفرقة الأولى بالجامعة، وكان يسكن في شقة مستأجرة بحي قريب من الكلية ؛نظرا لبعد قريته من موقع الكلية،وبينما هو ذاهب لشراء بعض أغراضه من حي آخر بالمدينة التي يسكن بها لفت انتباهه امرأة عجوز أمام مخزن غلال المدينة ؛حيث كانت العجوز تمسك بإناء وتجمع فيه حبوب القمح المتناثرة على الأرض أمام بوابة المخزن،فبكى وكان سبب بكائه هو ارتعاش يد العجوز،وهي تحمل الحبوب من الأرض، وتضعها في الإناء، بالإضافة إلى ضعف بصرها أدرك عبد الباسط ذلك من خلال طريقة جمع العجوز للحبوب!!
ولسان حال العجوز يقول: إنها فقيرة، وأنها تجمع الحبوب لطيور تربيها في بيتها!!
اقترب عبد الباسط من العجوز، وأراد طمأنتها، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرفعت العجوز رأسها، وردت السلام بصوت ضعيف يكاد يُسمع فأردف عبد الباسط: أساعدك يا أمي، شكرًا يا ابني، فأخرج كل ما في جيبه من نقود وأعطاها للعجوز وهي تأبى، وأمام إلحاحه صمتت العجوز وهي تلهج بكلمات لا يسمعها عبد الباسط، ولكنه أيقن أنها تدعو له، وفي المساء وصل عبد الباسط لقريته فاستقبلته أمه فرحة: مبارك لك يا ولدي لقد فزت بالمركز الأول في مسابقة الأوقاف، وأرسلوا لك هذا الشيك حتى تصرفه من البنك، قارن عبد الباسط بين المبلغ الذي أعطاه للعجوز والمبلغ الذي في الشيك فوجده كما ورد في آيات سورة البقرة مع مضاعفته ألف مرة (سبحان المعطي الوهاب) {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ. وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ. وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى. لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (262).
وبعد مرور ربع قرن من الزمان سافر عبد الباسط ليعمل بإحدى الدول العربية، ومن الغريب أيضا أنه شاهد بالقرب من مقر إقامته عجوزا لكنها هذه المرة تنثر حبوب القمح أمام دارها وتضع بجوار الحبوب إناء ًبه ماء، راقب عبد الباسط الموقف فشاهد الطيور وهي تلتقط الحبوب وتشرب الماء فدعا لها بخير، وقرر أن يخصص مبلغا شهريًا من راتبه كوقف باسم العجوزين يشتري بهذا المبلغ حبوب قمح ينثرها يوميا على رأس الجبل الذي يسكن بالقرب منه...
{أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرّ}َ إِذَا دَعَاهُ، حدث بالفعل "من العريش إلى باب البيت"!!:
قال لي صديقي الصدوق: ماذا تفعل إن فقدت قواك، ولن تقدر على القيام من مكانك، ولا تقدر على الحركة، وأردت أن تعود لبيتك وبين وبينه مسافة 700كلم؟!!
على الفور قلت: أفوض أمري إلى الله إن الله على كل شيء قدير، قال: أحسنت هو ما فعلته بالفعل، قلت له فصل لي القول.
قال: كنت منذ قرابة ثلاثة عقود تقريبا في رحلة ضمن معسكرات الشباب الصيفية التي تقيمها وزارة الشباب للشباب وطلاب الجامعة بمدينة العريش، وفور وصولي أصبت بنزلة معوية وإسهال مزمن مستمر فقدت على إثره قواي، وأصبحت غير قادر على الحركة، ولما ساءت حالتي وخشيت على نفسي طلبت من المسؤولين إرجاعي إلى بلدي، فقال لي مدير المعسكر الرجل الخلوق الأستاذ /عبد الهادي مستغربا كيف ذلك وحالتك كما ترى وبينك وبين بيتك 700كلم؟ تركب خلالها العديد من وسائل المواصلات، ومن الذي يذهب معك!!
عندها رفعت وجهي للسماء، وقلت ربي إنك قلت وقولك الحق:
{أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} (النمل /آية 62).
فأدعوك يا إلهي أن تشفيني، وأن أرجع لبيتي سالمًا، وما هي إلا دقائق وأسمع من يقول: يا أستاذ جهز نفسك هناك فوج راجع للقاهرة بعد الظهر!! فقلت في نفسي سهلة نصف المسافة على الأقل دون تعب!!
وبالفعل ركبت مع طلاب جامعة القاهرة أتوبيس مصر للسياحة عائدين للقاهرة، وكان تسهيل ربي أن هناك طلاب فرع الجامعة من بني سويف سيقوم الأتوبيس بإيصالهم إلى مدينة بني سويف، فطلبت من السائق أن أنزل في بني سويف بدلا من القاهرة وقلت في نفسي لقد أصبح الأمر سهلا باقي (250) كم فكان السائق في قمة الأخلاق، ورحب بالأمر أيما ترحيب، وفي لحظة نزولي من الأتوبيس في مدينة بني سويف فإذا بالسائق يقول للطلاب لقد طلبت مني الشركة الذهاب إلى مدينة الأقصر،فضحكت باكيا من فرج الله، وقلت له أريد أن أنزل في الطريق في محافظة كذا فرحب الرجل مشكورا ونزلت من الأتوبيس في محافظتي، وكان بيني وبين بيتي خطوات ودقائق معدودة، وأردت أن أعطي السائق بعض الجنيهات فقال لي: لقد سخرني الله لك أن أصل بك إلى هذا المكان، وما كان من المخطط أصلا أن يكون هذا خط سيري، وأتريدني أن أخذ منك مالا!!
{فسبحان من يجيب الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}، وما إن وصلت إلى البيت، ورأيت أمي التي توفيت بعد هذه أحداث القصة بسنين (رحمها الله) تحسنت حالتي النفسية، وبدأت في التحسن والتشافي، فرددت مع صديقي، {سبحان من يجيب الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}!!
صداقة حقة من المحيا إلى الممات!! الصديقان جلال وعبدالسيد:
في إحدى مديريات الإصلاح الزراعي بإحدى المحافظات كان يعمل العاملان جلال وعبد السيد معًا في نفس المكان، فلمس كل منهما في الآخر حسن الخلق والسمات الحسنة فتوطدت الزمالة في العمل إلى صداقة مخلصة وفية أكثر من علاقة الأخ الشقيق بأخيه وأصبح كل منهما يعرف سر الآخر يأكلان معا ويشربان معا، ويشتريان نفس الملابس، ونفس حاجات الأسرة، حيث التزاور الأسري، ولسان حالهم القول الشهير: صديقك الحقيقي ھو من يرافقك في كل وقت، ويساندك في الشدّة قبل الفرح.
ومرت السنون على هذا الوضع إلى أن بلغ عبد السيد سن المعاش "التقاعد" فقال جلال لعبد السيد، وكان جلال أصغر في السن من عبد السيد، قال له: لن أبقى في العمل يوم واحد بعد تقاعدك، ولو تطلب الأمر أن أقدم استقالتي، وأثناء تخليص عبد السيد أوراق التقاعد في نفس الوقت تفيض روح جلال إلى خالقها. {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِّيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا سورة الأحزاب} (24).
رحم الله جلال، ووفق الله عبد السيد على فراقه وألهمه الصبر والسلوان، فهما نموذج للصداقة المخلصة من المحيا حتى الممات...
الطريق إلى مكة!!:
في صباح أحد الأيام شعر (مهند اليعقوبي) الذي هو في العقد الثالث من عمره، شعر بالضيق فخرج من سكنه بالمدينة التي انتقل إليها من قريته؛ نظرًا لطبيعة عمله الجديد ؛حتى يكون قريبًا من مقر العمل ؛ خرج لشراء بعض الصحف والمجلات من ميدان المحطة في المدينة الشهير بتواجد بائعي الصحف والمجلات قرابة الساعة التاسعة (صباحًا)، وهو في الطريق أمام أحد مكاتب شركة سياحية للحج والعمرة شاهد حول أحد الاتوبيسات أهالي المعتمرين، وهم يودعونهم تمهيدًا لسفرهم بريًّا من مدينته لمدينة سفاجا ثم لضبا بالمملكة العربية السعودية، ثم من ضبا لمكة المكرمة ثم المدينة المنورة فدمعت عيناه،وتمنى لو كان أحد هؤلاء المسافرين لأداء مناسك العمرة، ولكن أنَّ له ذلك وهو شاب فقير الحال، فخاطب نفسه قائلًا: إن الله إذا أراد شيئا قال له كن فيكون فاستبشر خيرًا قائلًا عسي الله أن يكرمنا قريبًا بعمرة فهو(سبحانه) على كل شيء قدير.
المهم وبينما هو واقف أمام بائع الصحف إذ بفتاة في العقد الثاني من عمرها تقف أمام باب محطة القطار، وتتجه نحوه دون غيره (سبحان الله)!! قائلة له لو سمحت يا أستاذ أريد أن أذهب إلى مبنى التأمين الصحي فقال لها:لماذا؟ قالت لأعتمد أوراق عملية جراحية لأمي حيث إنها لا تبصر جيدا وستجري عملية جراحية، قال لها: أما تعرفين كيفية الذهاب إلى هذا المكان ؟ قالت لا أنا من محافظة أخرى تبعد من هنا قرابة ثلاث مئة كيلو متر،على الفور تذكر (مهند اليعقوبي) الحديث النبوي الذي رواه عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلى من أن أعتكف في هذا المسجد شهرا ومن كف غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضا يوم القيامة،ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجة حتى تتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزل الأقدام، وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل".
على الفور تظاهر (مهند اليعقوبي) للفتاة،بأنه ذاهب إلى هذا المكان،وقال لها: حاجتك مقضية إن شاء الله، وأوقف سيارة أجرة (تاكسي)، وركب هو بجوار السائق، وجلست الفتاة في المقعد الخلفي؛ لتطمئن الفتاة، ولما وصلا إلى مبنى التأمين الصحي طلب من الفتاة الانتظار أمام المبنى، ودخل بنفسه واعتمد الأوراق للفتاة وخرج إليها، وقال لها: إلى أي مكان تودين الذهاب إليه الآن؟ قالت: شكرا يا أستاذ، أود الذهاب إلى مستشفى كذا حيث أمي محجوزة هناك،قال (مهند اليعقوبي) حتى يطمئن الفتاة: إن المكان قريب من مكان أود الذهاب إليه، وبالفعل أو قف (مهند اليعقوبي) سيارة تاكسي بعد أن اشترى طعاما للفتاة وأمها وأوصل الفتاة إلى غرفة أمها بالمستشفى، وقالت الفتاة لأمها: أمي الشاب الطيب هذا ختم لك الأوراق،فقالت الأم ل(مهند اليعقوبي) : كأني أعرفك من أنت؟ قال (مهند اليعقوبي) وهو يريد طمأنتها، وهو يكتم دموعه: أنتِ تعرفيني جيدًا (أنا الخير الذي كنت تقدمينه للناس) اسمي فاعل خير!!،قالت الأم:اللهم ارض عن فاعل الخير،واجعل طريقه لبلاد الحجاز وارزقه بحجة (ويكأنها كانت مع (مهند اليعقوبي) في حواره لنفسه صباح اليوم!!!)، وبعد أيام بالفعل تعاقد (مهند اليعقوبي) مع إحدى الشركات للعمل ببلاد الحجاز، وحج بيت الله الحرام في نفس العام وأدى مناسك العديد من المرات!!
خذ مصحفك!!:
قال لي صديقي الصدوق: من توكَّل عليه كفاه، ومن سأله أجابه، قلت: نعم الحق قلت، ثم أجهَش بالبكاء، قلت له: خيرًا، ما بك؟ قال: أقُص لك قصة حقيقية حدثت معي تذكَّرتها، فبكيت من عظمة الله العظيم الذي يسمع النجوى والسر وأخفى سبحانه!
قال: حدث لي ذات يوم جمعة في الحرم المكي بعد أن فرغت من صلاة الجمعة، وأداء مناسك العمرة، أن اتَّجهت لإكمال النسك بتقصير شعري، وبينما أنا في الطريق لمحلات الحلاقة، رأيت عجوزًا تُمسك ببعض المصاحف توزِّعها على المارين، وكنت أحد المارين، فمنعني حيائي أن أتجه إليها لأخذ مصحف، وقلت في نفسي: عسى الله أن يأتي بالمصحف إليَّ، ثم قصرت شعر رأسي، وعُدتُ للحرم المكي لأداء صلاة العصر، وفي لحظة خروجي من الحرم، فإذ بشاب في نهاية العقد الثاني يتجه نحوي، ويقول لي: خذ مصحفك، خذ هذا المصحف، إنه لك!
قلت له: لماذا اتجهت نحوي دون غيري من مئات الخارجين من المسجد، قال لي: لا أدري، فقلت له: بارك الله فيك، أنا أدري، وأجهشت بالبكاء، فسبحان من توكل عليه كفاه، ومن سأله أجابه!
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين