الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
يشرفني اليوم أن أكون في معية شيخنا وفقيهنا الكبير الدكتور علي القره داغي، هذا الرجل الذي أراه منذ زمن بعيد سلوكًا يمشي على قدمين، ويعلمنا بخلقه أكثر مما يعلمنا بعلمه، وهو غزير وفير.
أنت متحفظ بعض الشيء على مسألة العملات الرقمية والبيتكوين، وأنت من أهل التخصص، نريد سماع رأيك، خاصة أن البيتكوين الآن في حالة صعود، والدول بدأت تستخدم عملة البيتكوين، فما رأيكم في الموضوع؟
رد الدكتور علي: حقيقةً، الغرب دائمًا يعتمد على مسائل المضاربات والمنافع الاقتصادية دون النظر إلى الجانب الشرعي أو مصالح الآخرين. نحن أول ما تعرفنا على آدم سميث في الاقتصاد الوضعي، وعلى غيره من كبار الاقتصاديين، وجدنا أنهم عرّفوا الاقتصاد بأنه إدارة الثروة لتحقيق الرفاهية للفرد والهيمنة للدولة الرأسمالية.
وهذه نظرة مادية أوروبية من آدم سميث إلى من بعده على مرّ التاريخ. ولذلك فالحلال عندهم ما حلّ في أيديهم، والحرام ما حُرم منهم، أما نحن كأمة إسلامية، فنحن أمة أخلاقية لنا مبادئنا، ومبادئنا هي الحق، وهي التي تحقق المصلحة الحقيقية، لكنها لا تجد نصيرًا أو مروجًا لها، بل تجد أعداءً كثرًا لهذا الحق.
حتى بين المسلمين، قال الإمام الشافعي رحمه الله: (لم يترك لي الحق صديقًا، فالحق دائمًا له أعداء، لأنه يُزعج المصالح).
والعملات الرقمية فيها تفصيل، ويمكن أن نقسمها إلى نوعين:
النوع الأكبر والأساس فيها هو مثل (البيتكوين وأخواتها)، وهناك نوع آخر مثل (الإيثريوم وسولانا وغيرها).
أما النوع الأول ففي نظر الشريعة لا نجد له أي مخرج شرعي.
أما النوع الثاني فقد نجد له بعض المخارج، فمثلًا: الإيثريوم قد يُدرس أمره، أما البيتكوين فلا.
الدكتور عمر: نحن لا نريد دعاية لأي نوع، ولكنك تقسمها إلى قسمين: قسم ليس له أي فائدة سوى المضاربات، وقسم قد يكون له فائدة محدودة.
فيقول الدكتور علي مؤكدًا:
اليوم وصلت قيمة العملات الرقمية إلى ما يقارب أربعة تريليونات دولار، تحديدًا ثلاثة تريليونات وستمائة مليار دولار، أي خامس أكبر أصل مالي في العالم، لكنها خلال يومين أو ثلاثة خسرت أربعمائة مليار!
والخاسرون دائمًا هم الضعفاء والفقراء كما هي العادة، إنها ميسر، مقامرة كبرى.
والأدهى من ذلك أن هذه التريليونات لم تؤدِّ إلى أن تُغني فقيرًا واحدًا، ولا أن تُعين دولة واحدة، إنما هي مجرد مضاربات بين الأغنياء والفقراء، كطواحين الهواء تدور في الفراغ.
فأين علاقة هذه الأمور بمصالح العباد والبلاد؟ المال مال الله، ويجب أن يكون وسيلة للعمران لا أداة للمقامرة.
يختم الدكتور عمر اللقاء بقوله: نسأل الله أن يبارك فيك، كلمات موجزة من خبير فقهي، أستاذنا الدكتور علي القره داغي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وفقيهنا الذي تجمعني به أرحام كثيرة، آخرها رحم العلم والأزهر.
وهذا الكتاب الذي بين يديه -أحكام الاستثمار في البورصة والذهب والعملات العادية والرقمية والتجارة الإلكترونية- هو مرجع عظيم، كأنه المتن والشرح والحاشية في آنٍ واحد.
جزاكم الله كل خير، وأكرمكم الله، وشكر الله لكم هذه الكلمات الثريّة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين