بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
معاشر المؤمنين الكرام: لو سألنا أي إنسانٍ تجاوز منتصف العمر. كيف مرت بك الحياة. لقال إنها مرت كطيف خيالٍ أو كرؤيا منام. وهذا المعنى العميق يؤكده القرآن العظيم في آياتٍ كثيرة. قال تعالى: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا}، وقال تعالى: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ • قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ}. وفي الأثر أنّ نوحًا عليه السلام سئل عن الحياة بعد أن مر عليه عمرٌ طويل، فقال كداخلٍ من باب وخارجٍ من آخر.
أيها الأحبة الكرام: كثيرًا ما يؤكد القرآن أهمية الإيمان باليوم الآخر: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون}. وقال في وصف المؤمنين: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُون}. وأكد القرآن العظيم أن عدم الإيمان بالآخرة يسبب الانحراف عن الصراط المستقيم، قال تعالى: {وَإِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُون}.
ألا وإن من أعظم ما يُعين المسلم على تصحيح مساره، وحُسن اختياره لقراره، أن يقارن بعين البصيرة بين الحياة الدنيا وحياة الآخرة. بين البقاء في الدنيا، والبقاء في الآخرة، فالدنيا والآخرة طريقان متغايران، وكفتان متقابلتان، ولا بد للمسلم أن يعرف قدر كل منهما في نفسه، وأن يحدد موقفه من كل منهما، وفي أي كفةٍ منهما يضعُ ثقلهُ. لإنه إن مال مع أحدهما أضر بالأخرى. {مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ}. والمتأمل في أحوال الناس، يرى خللا كبيرًا في ميزان التفضيل بينهما.
أُخيَّ المبارك: لو قيل لك إنك ستبقى في بيتٍ مستأجرٍ صغير لمدة سنةٍ واحدة، ثم تنتقلُ انتقالًا كليًا إلى منزلٍ آخر أضخم وأفخم. وفي حي أرقى وأحلى. ألست ستجعل ثِقلك كلهُ منصبًا على التهيؤ للبيت الكبير. وستهمل أيّ تحسيناتٍ يتطلبُها وجودك في البيت الأول، لأنه في نظرك مؤقتٌ ولا يستحق. ولأنك مشغولٌ بتأثيث وترتيب أمور البيت الكبير.
هذا في المقارنة بين منزلين كلاهما دنيوي مؤقت. أما المقارنة بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة، فمقارنةٌ بين المؤقت والأبدي. إنها مقارنةٌ تجعل الدنيا مهما عظمت رقمًا تافهًا لا يستحق الذكر أصلًا، تأمل معي: فأبديةُ الآخرةِ ليست مئة سنة، ولا ألف سنة، ولا مليون، ولا حتى مليار سنة، إنها حياةٌ لا تنتهي أبدَ الآبدين. فلو قارنت ذلك بأكبر نصيبٍ من الدنيا. بل لو قارنتهُ بالدنيا كلها، فلن يكونَ لها أيُّ قيمة.
قال بعض الحكماء: *من قارن بين الفاني والباقي علم أن الفاني لا قيمة له*. فالمقارنة بين (أبدية الآخرة) و(محدودية الدنيا) كفيلةٌ بإذن الله أن تغير قناعاتنا، وأن تعيننا على تصحيح توجهاتنا، وترتيب أولوياتنا، وتصويب قراراتنا. كفيلةٌ بأن تُذيبَ الغفلةَ من قلوبنا إذابة الملح في الماء. فالميزان القرآني الصحيح في التفضيل بين الدنيا والآخرة، في قوله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}.
وفي الآية الأخرى: {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيل}.
وفي الحديث الصحيح، قال ﷺ: "لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضةٍ ما سقى منها كافرًا شربه ماء".
وفي الحديث الصحيح، قال عليه الصلاة والسلام: "ما مَثلُ الدُّنيا في الآخرةِ إلَّا مَثلُ ما يجعلُ أحدُكم إصبعَه في اليمِ فلينظُرْ بِمَ يرجِعُ".
من يتأمل أحوال الناس، يرى أن أكثرهم قد باع دينه بعَرَضٍ من الدنيا قليل، يجزعُ من فوات حظّه من الدنيا، ولا يقلق من فوات حظّه في الآخرة. يبكي لفوات صفقة، ولا يبكي لفوات صلاة. يسهر الليالي في سبيل مشروعٍ دنيوي صغير، ولا يجد ساعةً من أجل القرآن. يَغضبُ إذا تضررت مصالحه الدنيوية، ولا يغضبُ إذا أهينت مُقدساته ودينه. لأجل الدنيا يتنازل عن مبادئه وقيمه، ولأجلها تتبدل أخلاقه ومواقفه، لأجل مصلحته الدنيوية لا مانع أن يضر بمصلحة الآخرين، ولأجل سعادته لا غضاضة أن يشقى غيره ويُظلم.
إنها يا عباد الله: مشكلة الميزان الأعوج؛ حين يُقاسُ النجاح بالدنيويات فقط، بالمال والمنصب والجاه. فإذا تعارض الدين مع المصلحة مال مع المصلحة على حساب الدين، وإذا تزاحم الباطل والحق رجّح ما يُرضي الناس على ما يُرضي الله.
تأمل: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعبدالله عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِين}.
وقال تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن نَّصِيب}.
وفي الحديث الصحيح، قال ﷺ: "من التمس رِضا اللهِ بسخَطِ الناسِ؛ رضِيَ اللهُ عنه، وأرْضى عنه الناسَ، ومن التَمس رضا الناسِ بسخَطِ اللهِ، سخِط اللهُ عليه، وأسخَط عليه الناسَ". وتأمل بعين البصيرة مشهد السحرة حين كانوا قبل الإيمان يسعون لجائزةٍ عاجلة: {قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ}، فلما عرفوا الله، وقارنوا بين المؤقت والأبدي، انعدل ميزانهم: {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}.
فيا لروعة الوعي، وجمال الحال حين يُضيء القلب، ويعتدل الميزان. لقد عرفوا أن حُكم فرعون مؤقتٌ لا يتجاوز(هذه الحياة الدنيا)، أما الآخرة، فأبديةٌ لا انقضاء لها، فكان القرار الصواب: فاقض ما أنت قاض، إنما تقضي هذه الحياة الدنيا. هذه المقارنة بين المؤقت والأبدي هي التي صححت في قلوب الصالحين ميزان التفضيل بين الدنيا والآخرة. {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُون}.
يقول سفيان الثوري رحمه الله: أعمل للدنيا بقدر بقاءك فيها وأعمل للآخرة بقدر بقاءك فيها، وقال عمر بن عبدالعزيز: *إن الدنيا ليست دار مقام، وإنما أَنزل الله فيها آدم عقوبة، فاعملوا فيها لما خُلقتم له، ولا تشغلنكم بزخرفها*.
ووالله إن ساعةً واحدةً من نعيم الجنة كفيلةٌ أن تُنسي كل تعبٍ في الدنيا، كما قال جاء في الحديث الصحيح: "يُؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيُغمس غمسةً في النار ثم يقال له: هل رأيت نعيمًا قط؟ فيقول: لا والله، ما رأيت نعيمًا قط. ويُؤتى بأبأس أهل الدنيا من أهل الجنة، فيُغمس غمسة في الجنة فيقال له: هل رأيت بؤسًا قط؟ فيقول: لا والله، ما رأيت بؤسًا قط". فيا لله! غمسةٌ واحدة تمحو ذاكرة العمر كله، فكيف بخلودٍ لا آخر له!.
فالمسلم في امتحانٍ مستمر على مدار اللحظة، وهو بين خيارين: بين هوى النفس ورضا الرب، بين زينة الدنيا ونعيم الآخرة، بين العاجل والآجل يقول الامام ابن القيم: *من أراد الدنيا أضر بآخرته، ومن أراد الآخرة أضر بدنياه، فآثروا ما يبقى على ما يفنى*. {بل تؤثرون الحياة الدنيا • وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى}.
ولنتأمل قول ربنا جل وعلا: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُون}. فهذه هي حقيقةُ الدنيا بكل ما فيها من بهرجٍ ومتاع. فهي ساعةٌ محدودة، في مقابل أبدٍ لا ينتهي، فهل يليقٌ بعاقٍل أن يبيع خلود الأبد بلذة ساعةٍ فانية؟.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُون • فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلاَغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُون}.
معاشر المؤمنين الكرام: كثيرةٌ هي الآيات التي تتحدث عن حقارة الدينا وَقِلَّتِهَا، وَسُرْعَةِ فَنَائِهَا، كقوله تعالى: {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ}. وقال تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}. وقال تعالى: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُون}. وغيرها كثير، وهكذا
في الأحاديث الصحيحة. فقد أخبر ﷺ: "أَنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، تفتن العُيُونَ وتأسر القُلُوبَ، وأنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة، وأن الانسان في الدنيا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا، وأَنَّ الدنيا سِجْنُ المُؤمِنِ وَجَنَّةُ الكَافِرِ. وأَنَّ مِثْلهَا فِي الْآخِرَةِ، كَمَثَلِ مَا يَعْلَقُ بِالأُصْبُعِ إذا أَدْخَلَ فِي البَحْرِ".
وأخبر ﷺ "أن الدنيا ملعونة ملعونٌ ما فيها إلا ذكر الله تعالى وما والاه وعالمًا ومتعلمًا".
وَأَخْبَرَ ﷺ: "أَنَّ مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّهِ، جَعَلَ اللهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيهِ، وَشَتَّتَ عَلَيهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ، ومن كانت الآخرة نيته وهمه جمع الله له أمره وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة".
ولما مرّ ﷺ بشاة ميتة منتنة، قال: "والذي نفسي بيده، للدنيا أهون على الله من هذه على أهلها".
وفي أمثال القرآن الكريم ما يلفت الانتباه ويحرك العقول، يقول جل وعلا: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}، ولقد مثل الله حقيقة الدنيا في كتابة الكريم في ثلاثة مواطن مختلفة، أولها في سورةِ يونسَ: {إِنَّمَا مَثَلُ الحَيَاةِ الدُّنيَا كَمَاءٍ أَنزَلنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاختَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرضِ مِمَّا يَأكُلُ النَّاسُ وَالأَنعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرضُ زُخرُفَهَا وَازَّيَّنَت وَظَنَّ أَهلُهَا أَنَّهُم قَادِرُونَ عَلَيهَا أَتَاهَا أَمرُنَا لَيلًا أَو نَهَارًا فَجَعَلنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لم تَغنَ بِالأَمسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَومٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
والثاني في سورةِ الكهفِ: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ}، وفي سورةِ الحديدِ: {اعلَمُوا أَنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنيَا لَعِبٌ وَلَهوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَينَكُم وَتَكَاثُرٌ في الأَموَالِ وَالأَولادِ كَمَثَلِ غَيثٍ أَعجَبَ الكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا. }.
هَكَذَا هِيَ الحَيَاةُ الدُّنيا في التصويرِ القُرآنِي البليغِ. رَبِيعٌ لا يَلبَثُ أَن يَكُونَ حَصِيدًا، وَنَبَاتٌ يَهِيجُ ثم يَغدُو هَشِيمًا، وزروعٌ تخْضَرُ وتزدَانُ، ثُمَّ تَكُونُ حُطَامًا. فليس لِلعَاقِلِ حيالُها، إِلاَّ اغتِنَامُ زمانها المؤقت، وأيامِها القليلة، للتَّزَوَّدِ فيها بأكبر قدرٍ مِنَ البَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ، قَبلَ أَن يَفجَأَ الإنسان أجلُهُ، ويباغته هَادِمُ اللَّذَّاتِ، وهذا ما يوجهنا إليه القرآن الكريم بعد كُلِّ آيةٍ من تلك الأمثال الثلاثة: فبعد أن قال الله تعالى في سورة يونس: {إِنَّمَا مَثَلُ الحَيَاةِ الدُّنيَا كَمَاءٍ أَنزَلنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاختَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرضِ مِمَّا يَأكُلُ النَّاسُ وَالأَنعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرضُ زُخرُفَهَا وَازَّيَّنَت وَظَنَّ أَهلُهَا أَنَّهُم قَادِرُونَ عَلَيهَا أَتَاهَا أَمرُنَا لَيلًا أَو نَهَارًا فَجَعَلنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لم تَغنَ بِالأَمسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَومٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
قال بعدها: {وَاللهُ يَدعُو إِلى دَارِ السَّلامِ وَيَهدِي مَن يَشَاءُ إِلى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ}، وبعد أن قال في سورة الكهف: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا}، قال في الآية التي بعدها: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا}، وحين قَالَ تعالى في سُورَةِ الحَدِيدِ: {اعلَمُوا أَنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنيَا لَعِبٌ وَلَهوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَينَكُم وَتَكَاثُرٌ في الأَموَالِ وَالأَولادِ كَمَثَلِ غَيثٍ أَعجَبَ الكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضوَانٌ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ}. قال بعدها: {سَابِقُوا إِلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا كَعَرضِ السَّمَاءِ وَالأَرضِ أُعِدَّت لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضلُ اللهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ}.
فالسعيدُ وربِّكم مَن اغتنم شريف الأوقات، وسابق في الخيرات، واجتهد في الطاعات، وأكثر من الأعمال الصالحات.
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى • يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَى • وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى • فَأَمَّا مَن طَغَى • وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا • فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى • وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى • فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}.
ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، واحبب من شئت فإنك مفرقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان.