سورة المائدة - تفسير السعدي | |
| | |
" يا أيها | |
| الذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلي | |
| الصيد وأنتم حرم إن الله يحكم ما يريد " | |
| هذا | |
| أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين, بما يقتضيه الإيمان, بالوفاء بالعقود أي: | |
| بإكمالها, وإتمامها, وعدم نقضها ونقصها. | |
| وهذا شامل للعقود, التي بين العبد وبين ربه, من التزام عبوديته, والقيام بها أتم | |
| قيام, وعدم الانتقاص من حقوقها شيئا, والتي بينه وبين الرسول بطاعته واتباعه, | |
| والتي بينه وبين الوالدين, والأقارب, ببرهم, وصلتهم, وعدم قطيعتهم. | |
| والتي بينه وبين أصحابه من القيام بحقوق الصحبة في الغنى والفقر, واليسر والعسر, | |
| والتي بينه وبين الخلق من عقود المعاملات, كالبيع, والإجارة, ونحوهما, وعقود | |
| التبرعات, كالهبة ونحوها, والقيام بحقوق المسلمين, التي عقدها الله, بينهم في | |
| قوله: " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ " بل التناصر على الحق, والتعاون | |
| عليه, والتآلف بين المسلمين, وعدم التقاطع. | |
| فهذا الأمر شامل لأصول الدين وفروعه, فكلها داخلة في العقود التي أمر الله بالقيام | |
| بها. | |
| ثم قال - ممتنا على عباده - " أُحِلَّتْ لَكُمْ " أي لأجلكم, رحمة بكم | |
| " بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ " من الإبل, والبقر والغنم. | |
| بل ربما دخل في ذلك, الوحش منها, والظباء, وحمر الوحش ونحوها, من الصيود. | |
| واستدل بعض الصحابة بهذه الآية, على إباحة الجنين, الذي يموت في بطن أمه, بعدما | |
| تذبح. | |
| " إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ " تحريمه منها في قوله " | |
| حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ " إلى آخر | |
| الآية. | |
| فإن هذه المذكورات, وإن كانت من بهيمة الأنعام, فإنها محرمة. | |
| ولما كانت إباحة بهيمة الأنعام عامة في جميع الأحوال والأوقات, استثنى منها الصيد | |
| في حال الإحرام فقال: " غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ " | |
| أي: أحلت لكم بهيمة الأنعام في كل حال, إلا حيث كنتم متصفين بأنكم, غير محلي | |
| الصيد, وأنتم حرم, أي: متجرئون على قتله في حال الإحرام, فإن ذلك لا يحل لكم, إذا | |
| كان صيدا, كالظباء ونحوه. | |
| والصيد. | |
| هو: الحيوان المأكول المتوحش. | |
| " إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ " أي: فمهما أراده تعالى, حكم به | |
| حكما موافقا لحكمته, كما أمركم بالوفاء بالعقود, لحصول مصالحكم ودفع المفضار عنكم. | |
| وأحل لكم بهيمة الأنعام, رحمة بكم, وحرم عليكم ما استثنى منها, من ذوات العوارض, | |
| من الميتة ونحوها, صونا لكم, واحتراما, ومن صيد الإحرام, احتراما للإحرام, وإعظاما. | |
" يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا | |
| الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا وإذا حللتم | |
| فاصطادوا ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على | |
| البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب | |
| " | |
يقول تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا | |
| تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ " أي: محرماته, التي أمركم بتعظيمها, | |
| وعدم فعلها. | |
| فالنهي يشمل النهي عن فعلها, والنهي عن اعتقاد حلها, فهو يشمل النهي, عن فعل القبيح, | |
| وعن اعتقاده. | |
| ويدخل في ذلك, النهي عن محرمات الإحرام, ومحرمات الحرم. | |
| ويدخل في ذلك ما نص عليه بقوله " وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ | |
| " أي: لا تنتهكوه بالقتال فيه وغيره, من أنواع الظلم كما قال تعالى: " إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا | |
| فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ | |
| حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ " | |
| . | |
| والجمهور من العلماء, على أن القتال في الأشهر الحرم, منسوخ بقوله تعالى: " فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا | |
| الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ " وغير ذلك من العمومات, التي | |
| فيها الأمر بقتال الكفار مطلقا, والوعيد في التخلف عن قتالهم مطلقا. | |
| وبأن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل أهل الطائف, في ذي القعدة, وهو من الأشهر | |
| الحرم. | |
| وقال آخرون: إن النهي عن القتال في الأشهر الحرم, غير منسوخ لهذه الآية وغيرها, | |
| مما فيه النهي عن ذلك بخصوصه. | |
| وحملوا النصوص المطلقة الواردة على ذلك, وقالوا: المطلق يحمل على المقيد. | |
| وفصل بعضهم فقال: لا يجوز ابتداء القتال في الأشهر الحرم, وأما استدامته, وتكميله, | |
| إذا كان أوله في غيرها, فإنه يجوز. | |
| وحملوا قتال النبي صلى الله عليه وسلم, لأهل الطائف على ذلك, لأن أول قتالهم في " حنين " في " شوال " . | |
| وكل هذا في القتال الذي ليس المقصود منه الدفع. | |
| فأما قتال الدفع - إذا ابتدأ الكفار المسلمين بالقتال - فإنه يجوز للمسلمين القتال, | |
| دفعا عن أنفسهم, في الشهر الحرام وغيره, بإجماع العلماء. | |
| وقوله " وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ " أي: | |
| ولا تحلوا الهدي الذي يهدى إلى بيت الله, في حج, أو عمرة, أو غيرها, من نعم | |
| وغيرها, فلا تصدوه عن الوصول إلى محله, ولا تأخذوه بسرقة أو غيرها, ولا تقصروا به, | |
| أو تحملوه ما لا يطيق, خوفا من تلفه, قبل وصوله إلى محله, بل عظموه, وعظموا من جاء | |
| به. | |
| " وَلَا الْقَلَائِدَ " هذا نوع خاص من أنواع | |
| الهدي, وهو الهدي الذي يفتل له قلائد أو عرى, فيجعل في أعناقه, إظهارا لشعائر | |
| الله, وحملا للناس على الاقتداء, وتعليما لهم للسنة, وليعرف أنه هدي, فيحرم, ولهذا | |
| كان تقليد الهدي من السنة والشعائر المسنونة. | |
| " وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ " أي: | |
| قاصدين له " يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا | |
| " . | |
| أي: من قصد هذا البيت الحرام, وقصده فضل الله بالتجارة, والمكاسب المباحة, أو قصده | |
| رضوان الله, بحجه وعمرته, والطواف به, والصلاة, وغيرها من أنواع العبادات, فلا | |
| تتعرضوا له بسوء, ولا تهينوه, بل أكرموه, وعظموا الوافدين الزائرين لبيت ربكم. | |
| ودخل في هذا, الأمر بتأمين الطرق الموصلة إلى بيت الله, وجعل القاصدين له, مطمئنين | |
| مستريحين, غير خائفين على أنفسهم من القتل فما دونه, ولا على أموالهم من المكس | |
| والنهب ونحو ذلك. | |
| وهذه الآية الكريمة مخصوصة بقوله تعالى " يَا أَيُّهَا | |
| الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ | |
| الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا " . | |
| فالمشرك, لا يُمَكَّن من الدخول إلى الحرم. | |
| والتخصيص في هذه الآية, بالنهي عن التعرض لمن قصد البيت, ابتغاء فضل الله أو | |
| رضوانه - يدل على أن من قصده, ليلحد فيه بالمعاصي, فإن من تمام احترام الحرم, صد | |
| من هذه حاله, عن الإفساد ببيت الله, كما قال تعالى: " وَمَنْ | |
| يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ " . | |
| ولما نهاهم عن الصيد في حال الإحرام قال: " وَإِذَا | |
| حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا " أي: إذا حللتم من الإحرام, بالحج والعمرة, | |
| حل لكم الاصطياد, وزال ذلك التحريم. | |
| والأمر بعد التحريم, يرد الأشياء إلى ما كانت عليه من قبل. | |
| " وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ | |
| الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا " أي: لا يحملنكم بغض قوم, | |
| وعداوتهم, واعتداؤهم عليكم, حيث صدوكم عن المسجد, على الاعتداء عليهم, طلبا | |
| للاشتفاء منهم, فإن العبد عليه أن يلتزم أمر الله, ويسلك طريق العدل, ولو جُنِي | |
| عليه, أو ظلم, واعتدي عليه. | |
| فلا يحل له أن يكذب على من كذب عليه, أو يخون من خانه. | |
| " وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى " أي: | |
| ليعن بعضكم بعضا على البر. | |
| وهو: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه, من الأعمال الظاهرة والباطنة, من حقوق | |
| الله, وحقوق الآدميين. | |
| والتقوى في هذا الموضع: اسم جامع, لترك كل ما يكرهه الله ورسوله, من الأعمال | |
| الظاهرة والباطنة. | |
| وكل خصلة من خصال الخير المأمور بفعلها, أو خصلة من خصال الشر المأمور بتركها, فإن | |
| العبد مأمور بفعلها بنفسه, وبمعاونة غيره عليها من إخوانه المؤمنين, بكل قول يبعث | |
| عليها, وينشط لها, وبكل فعل كذلك. | |
| " وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ " وهو | |
| التجري على المعاصي, التي يأثم صاحبها, ويجرح. | |
| " وَالْعُدْوَانِ " وهو: التعدي على الخَلْق, في | |
| دمائهم, وأموالهم, وأعراضهم. | |
| فكل معصية وظلم, يجب على العبد, كف نفسه عنه, ثم إعانة غيره على تركه. | |
| " وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ | |
| " على من عصاه, وتجرأ على محارمه. | |
| فاحذروا المحارم, لئلا يحل بكم عقابه العاجل والآجل. | |
" حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به | |
| والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على | |
| النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم | |
| واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا فمن اضطر | |
| في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم " | |
هذا الذي حولنا الله عليه في قوله " إِلَّا مَا | |
| يُتْلَى عَلَيْكُمْ " . | |
| واعلم أن الله تبارك وتعالى, لا يحرّم ما يحرّم, إلا صيانة لعباده, وحماية لهم من | |
| الضرر الموجود في المحرمات, وقد يبين للعباد ذلك, وقد لا يبين. | |
| فأخبر أنه حرم " الْمَيْتَةَ " , والمراد | |
| بالميتة: ما فقدت حياته بغير ذكاة شرعية, فإنها تحرم, لضررها, وهو احتقان الدم في | |
| جوفها ولحمها, المضر بآكلها. | |
| وكثيرا ما تموت بعلة تكون سببا لهلاكها, فتضر بالآكل. | |
| ويستثنى من ذلك, ميتة الجراد, والسمك فإنه حلال. | |
| " وَالدَّمَ " أي: المسفوح, كما قيد في الآية | |
| الأخرى. | |
| " وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ " وذلك شامل لجميع | |
| أجزائه. | |
| وإنما نص الله عليه من بين سائر الخبائث من السباع, لأن طائفة من أهل الكتاب, من | |
| النصارى, يزعمون أن الله أحله لهم. | |
| أي: فلا تغتروا بهم, بل هو محرم من جملة الخبائث. | |
| " وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ " أي ذكر | |
| عليه اسم غير الله, من الأصنام, والأولياء, والكواكب, وغير ذلك من المخلوقين. | |
| فكما أن ذكر الله تعالى يطيب الذبيحة, فذكر اسم غيره عليها, يفيدها خبثا معنويا, | |
| لأنه شرك بالله تعالى. | |
| " وَالْمُنْخَنِقَةُ " أي: الميتة بخنق, بيد, أو | |
| حبل, أو إدخالها رأسها بشيء ضيق, فتعجز عن إخراجه, حتى تموت. | |
| " وَالْمَوْقُوذَةُ " أي: الميتة بسبب الضرب, | |
| بعصا, أو حصى, أو خشبة, أو هدم شيء عليها, بقصد, أو بغير قصد. | |
| " وَالْمُتَرَدِّيَةُ " أي: الساقطة من علو, | |
| كجبل, أو جدار, أو سطح ونحوه, فتموت بذلك. | |
| " وَالنَّطِيحَةُ " وهي التي تنطحها غيرها فتموت. | |
| " وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ " من ذئب, أو أسد, أو | |
| نمر, أو من الطيور التي تفترس الصيود, فإنها إذا ماتت بسبب أكل السبع, فإنها لا | |
| تحل. | |
| وقوله " إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ " راجع لهذه | |
| المسائل, من منخنقة, وموقوذة, ومتردية, ونطيحة, وأكيلة سبع, إذا ذكيت وفيها حياة | |
| مستقرة لتتحقق الذكاة فيها. | |
| ولهذا قال الفقهاء: " لو أبان السبع أو غيره, حشوتها, أو قطع | |
| حلقومها, كان وجود حياتها, كعدمها, لعدم فائدة الذكاة فيها " . | |
| وبعضهم لم يعتبر فيها إلا وجود الحياة, فإذا ذكاها وفيها حياة, حلت, ولو كانت | |
| مبانة الحشوة, وهو ظاهر الآية الكريمة. | |
| " وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ " أي: | |
| وحرم عليكم الاستقسام بالأزلام. | |
| ومعنى الاستقسام: طلب ما يقسم لكم, ويقدر بها. | |
| وهي قداح ثلاثة, كانت تستعمل في الجاهلية, مكتوب على أحدها " | |
| افعل " وعلى الثاني " لا تفعل " والثالث | |
| " غفل " لا كتابة فيه. | |
| فإذا هَمَّ أحدهم بسفر, أو عرس أو نحوهما, أجال تلك القداح المتساوية في الجرم, ثم | |
| أخرج واحدا منها. | |
| فإن خرج المكتوب عليه " افعل " مضى في أمره. | |
| وإن ظهر المكتوب عليه " لا تفعل " لم يفعل ولم | |
| يمض في شأنه. | |
| وإن ظهر الآخر, الذي لا شيء عليه, أعادها حتى يخرج أحد القدحين, فيعمل به. | |
| فحرم الله عليهم الذي في هذه الصورة, وما يشبهها, وعوضهم عنه, بالاستخارة لربهم, | |
| في جميع أمورهم. | |
| " ذَلِكُمْ فِسْقٌ " الإشارة لكل ما تقدم من | |
| المحرمات, التي حرمها الله, صيانة لعباده, وأنها فسق, أي: خروج عن طاعته, إلى طاعة | |
| الشيطان. | |
| ثم امتن على عباده بقوله: " الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ | |
| كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ " الآية. | |
| واليوم المشار إليه, يوم عرفة, إذ أتم الله دينه, ونصر عبده ورسوله, وانخذل أهل | |
| الشرك انخذالا بليغا, بعد ما كانوا حريصين على رد المؤمنين عن دينهم, طامعين في | |
| ذلك. | |
| فلما رأوا عز الإسلام وانتصاره وظهوره, يئسوا كل اليأس من المؤمنين, أن يرجعوا إلى | |
| دينهم, وصاروا يخافون منهم ويخشون. | |
| ولهذا في هذه السنة, التي حج فيها النبي صلى الله عليه وسلم سنة عشر حجة الوداع - | |
| لم يحجج فيها مشرك, ولم يطف بالبيت عريان. | |
| ولهذا قال " فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ " أي: | |
| فلا تخشوا المشركين, واخشوا الله, الذي نصركم عليهم, وخذلهم, ورد كيدهم في نحورهم. | |
| " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ " بتمام | |
| النصر, وتكميل الشرائع, الظاهرة والباطنة, الأصول والفروع. | |
| ولهذا كان الكتاب والسنة, كافيين كل الكفاية, في أحكام الدين, وأصوله وفروعه. | |
| فكل متكلف يزعم, أنه لا بد للناس في معرفة عقائدهم وأحكامهم, إلى علوم, غير علم | |
| الكتاب والسنة, من علم الكلام وغيره, فهو جاهل, مبطل في دعواه, قد زعم أن الدين لا | |
| يكمل, إلا بما قاله, ودعا إليه. | |
| وهذا من أعظم الظلم والتجهيل لله ولرسوله. | |
| " وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي " الظاهرة | |
| والباطنة " وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا " أي: | |
| اخترته واصطفيته لكم دينا, كما ارتضيتكم له. | |
| فقوموا به, شكرا لربكم, واحمدوا الذي مَنَّ عليكم, بأفضل الأديان وأشرفها وأكملها. | |
| " فَمَنِ اضْطُرَّ " أي: ألجأته الضرورة إلى أكل | |
| شيء من المحرمات السابقة, في قوله " حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ | |
| الْمَيْتَةُ " . | |
| " فِي مَخْمَصَةٍ " أي: مجاعة " | |
| غَيْرَ مُتَجَانِفٍ " أي: مائل " لِإِثْمٍ " | |
| بأن لا يأكل حتى يضطر, ولا يزيد في الأكل على كفايته. | |
| " فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ " حيث أباح له | |
| الأكل في هذه الحال. | |
| ورحمه, بما يقيم به بنيته, من غير نقص يلحقه في دينه. | |
" يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح | |
| مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه | |
| واتقوا الله إن الله سريع الحساب " | |
يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم " | |
| يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ " . | |
| من الأطعمة؟. | |
| " قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ " وهي كل ما | |
| فيه نفع أو لذة, من غير ضرر بالبدن, ولا بالعقل. | |
| فدخل في ذلك, جميع الحبوب, والثمار, التي في القرى والبراري. | |
| ودخل في ذلك, جميع حيوانات البر, إلا ما استثناه الشارع, كالسباع, والخبائث منها. | |
| ولهذا دلت الآية بمفهومها, على تحريم الخبائث, كما صرح به في قوله تعالى: " وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ | |
| " . | |
| " وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ " . | |
| أي: أحل لكم ما علمتم من الجوارح إلى آخر الآية. | |
| دلت هذه الآية على أمور: أحدها: لطف الله بعباده, ورحمته لهم, حيث وسع عليهم طرق | |
| الحلال, وأباح لهم, ما لم يذكوه, مما صادته الجوارح. | |
| والمراد بالجوارح: الكلاب, والفهود, والصقر, ونحو ذلك, مما يصيد بنابه, أو بمخلبه. | |
| الثاني: أنه يشترط, أن تكون معلمة, بما يعد في العرف تعليما, بأن يسترسل, إذا | |
| أرسل, وينزجر إذا زجر, وإذا أمسك, لم يأكل, ولهذا قال: " | |
| تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ | |
| عَلَيْكُمْ " أي: أمسكن من الصيد لأجلكم. | |
| وما أكل منه الجارح فإنه لا يعلم أنه أمسكه على صاحبه, ولعله أن يكون أمسكه على | |
| نفسه. | |
| الثالث: اشتراط أن يجرحه الكلب, أو الطير ونحوهما, لقوله " | |
| مِنَ الْجَوَارِحِ " مع ما تقدم من تحريم المنخنقة. | |
| فلو خنقه الكلب أو غيره, أو قتله بثقله, لم يبح. | |
| هذا بناء على أن الجوارح اللاتي يجرحن الصيد, بأنيابها, أو مخالبها. | |
| والمشهور أن الجوارح, بمعنى الكواسب أي: المحصلات للصيد, والمدركات له. | |
| فلا يكون فيها - على هذا - دلالة. | |
| والله أعلم. | |
| الرابع: جواز اقتناء كلب الصيد, كما ورد في الحديث الصحيح, مع أن اقتناء الكلب | |
| محرم لأن من لازم إباحة صيده وتعليمه, جواز اقتنائه. | |
| الخامس: طهارة ما أصابه فم الكلب, من الصيد, لأن الله أباحه, ولم يذكر له غسلا, | |
| فدل على طهارته. | |
| السادس: فيه فضيلة العلم, وأن الجارح المعلم - بسبب العلم - يباح صيده, والجاهل | |
| بالتعليم, لا يباح صيده. | |
| السابع: أن الاشتغال بتعليم الكلب أو الطير أو نحوهما, ليس مذموما, وليس من العبث | |
| والباطل. | |
| بل هو أمر مقصود, لأنه وسيلة لحل صيده, والانتفاع به. | |
| الثامن: فيه حجة لمن أباح بيع كلب الصيد, قال: لأنه قد لا يحصل له إلا بذلك. | |
| التاسع: فيه اشتراط التسمية عند إرسال الجارح, وأنه إن لم يسم الله متعمدا, لم يبح | |
| ما قتل الجارح. | |
| العاشر: أنه يجوز أكل ما صاده الجارح, سواء قتله الجارح, أم لا. | |
| وأنه إن أدركه صاحبه, وفيه حياة مستقرة, فإنه لا يباح إلا بها. | |
| ثم حث تعالى على تقواه, وحذر من إتيان الحساب في يوم القيامة, وأن ذلك, أمر قد | |
| دنا, واقترب فقال: " وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ | |
| سَرِيعُ الْحِسَابِ " . | |
" اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم | |
| حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا | |
| آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط | |
| عمله وهو في الآخرة من الخاسرين " | |
كرر تعالى إحلال الطيبات, لبيان الامتنان, ودعوة للعباد إلى شكره | |
| والإكثار من ذكره, حيث أباح لهم ما تدعوهم الحاجة إليه, ويحصل لهم الانتفاع به من | |
| الطيبات. | |
| " وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ | |
| " أي: ذبائح اليهود والنصارى, حلال لكم - يا معشر المسلمين - دون باقي | |
| الكفار, فإن ذبائحهم لا تحل للمسلمين. | |
| وذلك لأن أهل الكتاب, ينتسبون إلى الأنبياء والكتب. | |
| وقد اتفق الرسل كلهم, على تحريم الذبح لغير الله, لأنه شرك. | |
| فاليهود والنصارى, يتدينون بتحريم الذبح لغير الله, فلذلك أبيحت ذبائحهم, دون | |
| غيرهم. | |
| والدليل على أن المراد بطعامهم ذبائحهم, أن الطعام الذي ليس من الذبائح, كالحبوب, | |
| والثمار, ليس لأهل الكتاب فيه خصوصية, بل يباح ذلك, ولو كان من طعام غيرهم. | |
| وأيضا, فإنه أضاف الطعام إليهم. | |
| فدل ذلك, على أنه كان طعاما, بسبب ذبحهم. | |
| ولا يقال: إن ذلك للتمليك, وأن المراد: الطعام الذي يملكون. | |
| لأن هذا, لا يباح على وجه الغصب, ولا من المسلمين. | |
| " وَطَعَامُكُمْ " أيها المسلمون " | |
| حِلٌّ لَهُمْ " أي: يحل لكم أن تطعموهم إياه. | |
| وأحل لكم الْمُحْصَنَاتِ أي: الحرائر العفيفات " مِنَ | |
| الْمُؤْمِنَاتِ " والحرائر العفيفات " مِنَ | |
| الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ " أي: من اليهود | |
| والنصارى. | |
| وهذا مخصص لقوله تعالى " وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ | |
| حَتَّى يُؤْمِنَّ " . | |
| ومفهوم الآية, أن الأرقاء من المؤمنات, لا يباح نكاحهن للأحرار, وهو كذلك. | |
| وأما الكتابيات, فعلى كل حال, لا يبحن, ولا يجوز نكاحهن للأحرار مطلقا, لقوله | |
| تعالى: " مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ " . | |
| وأما المسلمات - إذا كن رقيقات - فإنه لا يجوز للأحرار نكاحهن إلا بشرطين, عدم الطول, | |
| وخوف العنت. | |
| وأما الفاجرات, غير العفيفات عن الزنا, فلا يباح نكاحهن, سواء كن مسلمات, أو | |
| كتابيات, حتى يتبن لقوله تعالى: " الزَّانِي لَا يَنْكِحُ | |
| إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً " الآية. | |
| وقوله " إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ " أي: | |
| أبحنا لكم نكاحهن, إذا أعطيتموهن مهورهن. | |
| فمن عزم على أن لا يؤتيها مهرها, فإنها لا تحل له. | |
| وأمر بإيتائها, إذا كانت رشيدة, تصلح للإيتاء, وإلا أعطاه الزوج لوليها. | |
| وإضافة الأجور إليهن, دليل على أن المرأة, تملك جميع مهرها, وليس لأحد منه شيء, | |
| إلا ما سمحت به لزوجها, أو وليها أو غيرهما. | |
| " مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ " أي: حالة | |
| كونكم - أيها الأزواج - محصنين لنسائكم, بسبب حفظكم لفروجكم عن غيرهن. | |
| " غَيْرَ مُسَافِحِينَ " أي: زانين مع كل أحد " وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ " . | |
| وهو: الزنا مع العشيقات لأن الزناة في الجاهلية, منهم من يزني مع من كان, فهذا هو | |
| المسافح. | |
| ومنهم من يزني مع خدنه ومحبه. | |
| فأخبر الله تعالى أن ذلك كله, ينافي العفة. | |
| وأن شروط التزوج, أن يكون الرجل عفيفا عن الزنا. | |
| وقوله تعالى: " وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ | |
| عَمَلُهُ " أي: ومن كفر بالله تعالى, وما يجب الإيمان به, من كتبه | |
| ورسله, أو شيء من الشرائع, فقد حبط عمله, بشرط أن يموت على كفره كما قال تعالى: " وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ | |
| فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ " " | |
| وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ " أي: الذين خسروا أنفسهم, | |
| وأموالهم, وأهليهم يوم القيامة وحصلوا على الشقاوة الأبدية. | |
" يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم | |
| وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا | |
| وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا | |
| ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من | |
| حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون " | |
هذه آية عظيمة, قد اشتملت على أحكام كثيرة, | |
| نذكر منها, ما يسره الله وسهله. | |
| أحدهما: أن هذه المذكورات فيها امتثالها, والعمل بها من لوازم الإيمان, الذي لا | |
| يتم إلا به, لأنه صدرها بقوله " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ | |
| آمَنُوا " إلى آخرها. | |
| أي: يا أيها الذين آمنوا, اعملوا بمقتضى إيمانكم, بما شرعناه لكم, والثاني: الأمر | |
| بالقيام بالصلاة لقوله " إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ | |
| " . | |
| والثالث: الأمر بالنية للصلاة, لقوله: " إِذَا قُمْتُمْ إِلَى | |
| الصَّلَاةِ " أي: بقصدها ونيتها. | |
| الرابع: اشتراط الطهارة, لصحة الصلاة, لأن الله أمر بها عند القيام إليها, والأصل | |
| في الأمر, الوجوب. | |
| الخامس: أن الطهارة لا تجب بدخول الوقت, وإنما عند إرادة الصلاة. | |
| السادس: أن كل ما يطلق عليه اسم الصلاة, في الفرض, والنفل, وفرص الكفاية, وصلاة | |
| الجنازة, تشترط له الطهارة, حتى السجود المجرد عند كثير من العلماء, كسجود التلاوة, | |
| والشكر. | |
| السابع: الأمر بغسل الوجه, وهو: ما تحصل به المواجهة, من منابت شعر الرأس المعتاد, | |
| إلى ما انحدر من اللحيين والذقن, طولا. | |
| ومن الأذن إلى الأذن, عرضا. | |
| ويدخل فيه المضمضة والاستنشاق, بالسنة. | |
| ويدخل فيه, الشعور التي فيه. | |
| لكن إن كانت خفيفة, فلا بد من إيصال الماء إلى البشرة. | |
| وإن كانت كثيفة, اكتفي بظاهرها. | |
| الثامن: الأمر بغسل اليدين, وأن حدهما إلى المرفقين. | |
| و " إلى " كما قال جمهور المفسرين, بمعنى " مع " كقوله تعالى " وَلَا | |
| تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ " . | |
| ولأن الواجب لا يتم إلا بغسل جميع المرفق. | |
| التاسع: الأمر بمسح الرأس. | |
| العاشر: أنه يجب مسح جميعه, لأن الباء ليست للتبعيض, وإنما هي للملاصقة وأنه يعم | |
| المسح بجميع الرأس. | |
| الحادي عشر: أنه يكفي المسح كيفما كان - بيديه, أو إحداهما, أو خرقة, أو خشبة, أو | |
| نحوهما, لأن الله أطلق المسح, ولم يقيده بصفة, فدل ذلك, على إطلاقه. | |
| الثاني عشر: أن الواجب, المسح. | |
| فلو غسل رأسه, ولم يمر يده عليه, لم يكف, لأنه لم يأت بما أمر الله به. | |
| الثالث عشر: الأمر بغسل الرجلين إلى الكعبين, ويقال فيهما ما يقال في اليدين. | |
| الرابع عشر: فيها الرد على الرافضة, على قراءة الجمهور بالنصب. | |
| وأنه لا يجوز مسحهما ما دامتا مكشوفتين. | |
| الخامس عشر: فيه الإشارة إلى مسح الخفين, على قراءة الجر في " | |
| وأرجلكم " . | |
| وتكون كل من القراءتين, محمولة على معنى. | |
| فعلى قراءة النصب فيها, غسلهما, إن كانتا مكشوفتين. | |
| وعلى قراءة الجر فيها, مسحهما إذا كانتا مستورتين بالخف. | |
| السادس عشر: الأمر بالترتيب في الوضوء, لأن الله تعالى ذكرها مرتبة. | |
| ولأنه أدخل ممسوحا - وهو الرأس - بين مغسولين, ولا يعلم لذلك فائدة, غير الترتيب. | |
| السابع عشر: أن الترتيب, مخصوص بالأعضاء الأربعة, المسميات في هذه الآية. | |
| وأما الترتيب بين المضمضة والاستنشاق والوجه, أو بين اليمنى واليسرى من اليدين | |
| والرجلين, فإن ذلك غير واجب. | |
| بل يستحب تقديم المضمضة والاستنشاق, على غسل الوجه. | |
| وتقديم اليمنى, على اليسرى من اليدين والرجلين. | |
| وتقديم مسح الرأس, على مسح الأذنين. | |
| الثامن عشر: الأمر بتجديد الوضوء, عند كل صلاة, لتوجد صورة المأمور به. | |
| التاسع عشر: الأمر بالغسل من الجنابة. | |
| العشرون: أنه يجب تعميم الغسل للبدن, لأن الله أضاف التطهر للبدن, ولم يخصصه بشيء | |
| دون شيء. | |
| الحادي والعشرون: الأمر بغسل ظاهر الشعر وباطنه في الجنابة. | |
| الثاني والعشرون: أنه يندرج الحدث الأصغر, في الحدث الأكبر, ويكفي من هما عليه, أن | |
| ينوي, ثم يعمم بدنه, لأن الله لم يذكر إلا التطهر, ولم يذكر أنه يعيد الوضوء. | |
| الثالث والعشرون: أن الجنب يصدق على من أنزل المني, يقظة أو مناما, أو جامع ولو لم | |
| ينزل. | |
| الرابع والعشرون: أن من ذكر أنه احتلم, ولم يجد بللا, فإنه لا غسل عليه, لأنه لم | |
| تتحقق منه الجنابة. | |
| الخامس والعشرون: ذكر مِنَّة الله تعالى على العباد, بمشروعيته التيمم. | |
| السادس والعشرون: أن من أسباب جواز التيمم, وجود المرض, الذي يضره غسله بالماء, | |
| فيجوز له التيمم. | |
| السادس والعشرون: أن من جملة أسباب جوازة, السفر والإتيان من البول والغائط, إذا | |
| عدم الماء. | |
| فالمرض يجوز التيمم مع وجود الماء, لحصول التضرر به. | |
| وباقيها يجوزه, العدم للماء, ولو كان في الحضر. | |
| السابع والعشرون: أن الخارج من السبيلين, من بول وغائط, ينقض الوضوء. | |
| الثامن والعشرون: استدل بها من قال: لا ينقض الوضوء إلا هذان الأمران. | |
| فلا ينتقض بلمس الفرج, ولا بغيره. | |
| التاسع والعشرون: استحباب التكنية عما يستقذر التلفظ, لقوله تعالى: " أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ " . | |
| الثلاثون: أن لمس المرأة بلذة وشهوة, ناقض للوضوء. | |
| الحادي والثلاثون: اشتراط عدم الماء, لصحة التيمم. | |
| الثاني والثلاثون: أن مع وجود الماء, ولو في الصلاة, يبطل التيمم, لأن الله إنما | |
| أباحه, مع عدم الماء. | |
| الثالث والثلاثون: أنه إذا دخل الوقت, وليس معه ماء, فإنه يلزمه طلبه في رحله, | |
| وفيما قرب منه, لأنه لا يقال " لم يجد " لمن لم | |
| يطلب. | |
| الرابع والثلاثون: أن من وجد ماء لا يكفي بعض طهارته, فإنه يلزمه استعماله, ثم | |
| يتيمم بعد ذلك. | |
| الخامس والثلاثون: أن الماء المتغير بالطاهرات, مقدم على التيمم, أي يكون طهورا, | |
| لأن الماء المتغير ماء, فيدخل في قوله " فَلَمْ تَجِدُوا | |
| مَاءً " . | |
| السادس والثلاثون: أنه لا بد من نية التيمم لقوله " | |
| فَتَيَمَّمُوا " أي: اقصدوا. | |
| السابع والثلاثون: أنه يكفي التيمم بكل ما تصاعد على وجه الأرض, من تراب وغيره. | |
| فيكون على هذا, قوله " فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ | |
| وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ " إما من باب التغليب, وأن الغالب أن يكون له | |
| غبار يمسح منه, ويعلق بالوجه واليدين. | |
| وإما أن يكون إرشادا للأفضل, وأنه إذا أمكن التراب الذي فيه غبار فيه, فهو أولى. | |
| الثامن والثلاثون: أنه لا يصح التيمم بالتراب النجس, لأنه لا يكون طيبا, بل خبيثا. | |
| التاسع والثلاثون: أنه يمسح في التيمم, الوجه واليدان فقط, دون بقية الأعضاء. | |
| الأربعون: أن قوله " بِوُجُوهِكُمْ " شامل لجميع | |
| الوجه وأن يعمه بالمسح, إلا أنه معفو عن إدخال التراب في الفم والأنف, وفيما تحت | |
| الشعور, ولو خفيفة. | |
| الحادي والأربعون: أن اليدين تمسحان إلى الكوعين فقط, لأن اليدين عند الإطلاق, | |
| كذلك. | |
| فلو كان يشترط إيصال المسح إلى الذراعين, لقيده الله بذلك, كما قيده في الوضوء. | |
| الثاني والأربعون: أن الآية عامة في جواز التيمم, لجميع الأحداث كلها, الحدث | |
| الأكبر, والأصغر, بل ونجاسة البدن, لأن الله جعلها بدلا عن طهارة الماء, وأطلق في | |
| الآية, فلم يقيد. | |
| وقد يقال: إن نجاسة البدن, لا تدخل في حكم التيمم, لأن السياق في الأحداث, وهو قول | |
| جمهور العلماء. | |
| الثالث والأربعون: أن محل التيمم في الحدث الأصغر والأكبر, واحد, وهو الوجه | |
| واليدان. | |
| الرابع والأربعون: أنه لو نوى مَنْ عليه حدثان, التيمم عنهما, فإنه يجزئ, أخذا من | |
| عموم الآية وإطلاقها. | |
| الخامس والأربعون: أنه يكفي المسح بأي شيء كان, بيده أو غيرها, لأن الله قال " فامسحوا " ولم يذكر الممسوح به, فدل على جوازه بكل | |
| شيء. | |
| السادس والأربعون: اشتراط الترتيب في طهارة التيمم, كما يشترط ذلك في الوضوء. | |
| ولأن الله بدأ بمسح الوجه, قبل مسح اليدين. | |
| السابع والأربعون: أن الله تعالى - فيما شرعه لنا من الأحكام - لم يجعل علينا في | |
| ذلك من حرج ولا مشقة, ولا عسر. | |
| وإنما هو رحمة منه بعباده, ليطهرهم, وليتم نعمته عليهم. | |
| وهذا هو الثامن والأربعون: أن طهارة الظاهر بالماء والتراب, تكميل لطهارة الباطن | |
| بالتوحيد, والتوبة النصوح. | |
| التاسع والأربعون: أن طهارة التيمم - وإن لم يكن فيها نظافة وطهارة, تدرك بالحس | |
| والمشاهدة, فإن فيها طهارة معنوية, ناشئة عن امتثال أمر الله تعالى. | |
| والخمسون: أنه ينبغي للعبد أن يتدبر الحِكَم والأسرار, في شرائع الله, في الطهارة | |
| وغيرها ليزداد معرفة وعلما, ويزداد شكرا لله ومحبة له, على ما شرع من الأحكام التي | |
| توصل العبد إلى المنازل العالية الرفيعة. | |
" واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا | |
| وأطعنا واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور " | |
يأمر تعالى عباده بذكر نعمه الدينية | |
| والدنيوية, بقلوبهم وألسنتهم. | |
| فإن في استدامة ذكرها, داعيا لشكر الله تعالى, ومحبته, وامتلاء القلب من إحسانه. | |
| وفيه زوال للعجب, من النفس, بالنعم الدينية, وزيادة لفضل الله وإحسانه. | |
| و " مِيثَاقِهِ " أي: واذكروا ميثاقه " الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ " أي: عهده الذي أخذه | |
| عليكم. | |
| وليس المراد بذلك, أنهم لفظوا ونطقوا بالعهد والميثاق. | |
| وإنما المراد بذلك, أنهم - بإيمانهم بالله ورسوله - قد التزموا طاعتهما. | |
| ولهذا قال " إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا " أي: | |
| سمعنا ما دعوتنا به, من آياتك القرآنية والكونية, سمع فهم, وإذعان, وانقياد. | |
| وأطعنا ما أمرتنا به, بالامتثال, وما نهيتنا عنه بالاجتناب. | |
| وهذا شامل لجميع شرائع الدين, الظاهرة والباطنة. | |
| وأن المؤمنين يذكرون في ذلك, عهد الله وميثاقه عليهم, وتكون منهم على بال, ويحرصون | |
| على أداء ما أُمِرُوا به كاملا غير ناقص. | |
| " وَاتَّقُوا اللَّهَ " في جميع أحوالكم " إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ " أي: ما | |
| تنطوي عليه, من الأفكار, والأسرار, والخواطر. | |
| فاحذروا أن يطلع, من قلوبكم, على أمر لا يرضاه, أو يصدر منكم ما يكرهه, واعمروا | |
| قلوبكم, بمعرفته, ومحبته, والنصح لعباده. | |
| فإنكم - إن كنتم كذلك - غفر لكم السيئات, وضاعف لكم الحسنات, لعلمه بصلاح قلوبكم. | |