سورة الأعراف - تفسير السعدي | |
| | |
" المص " | |
يقول تعالى | |
| لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم, مبينا له عظمة القرآن | |
" كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى | |
| للمؤمنين " | |
" | |
| كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ " أي: كتاب جليل, | |
| حوى كل ما يحتاج إليه العباد, وجميع المطالب الإلهية, والمقاصد الشرعية, محكما | |
| مفصلا. | |
| " فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ " أي: | |
| ضيق وشك واشتباه. | |
| بل لنعلم أنه تنزيل من حكيم حميد, وأنه أصدق الكلام, لا يأتيه الباطل من بين يديه | |
| ولا من خلفه. | |
| فلينشرح له صدرك, ولتطمئن به نفسك, ولتصدع بأوامره ونواهيه, ولا تخش لائما | |
| ومعارضا. | |
| " لِتُنْذِرَ بِهِ " الخلق, وتعظهم, وتذكرهم, | |
| فتقوم الحجة على المعاندين. | |
| ليكن " وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ " كما قال | |
| تعالى " وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ | |
| " يتذكرون به الصراط المستقيم, وأعماله الظاهرة والباطنة, وما يحول | |
| بين العبد, وبين سلوكه. | |
| ثم خاطب اللّه العباد, ولفتهم إلى الكتاب فقال: | |
" اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا | |
| ما تذكرون " | |
" | |
| اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ " أي: الكتاب الذي أريد إنزاله لأجلكم, وهو: " مِنْ | |
| رَبِّكُمْ " الذي يريد أن يتم تربيته لكم, فأنزل عليكم هذا الكتاب | |
| الذي إن اتبعتموه, كملت تربيتكم, وتمت عليكم النعمة, وهديتم لأحسن الأعمال | |
| والأخلاق, ومعاليها. | |
| " وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ " أي: | |
| تتولونهم, وتتبعون أهواءهم, وتتركون لأجلها الحق. | |
| " قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ " فلو تذكرتم وعرفتم | |
| المصلحة, لما آثرتم الضار على النافع, والعدو على الوليِّ. | |
| ثم حذرهم عقوباته للأمم الذين كذبوا ما جاءتهم به رسلهم, فلا يشابهونهم فقال: | |
" وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون " | |
" | |
| وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا " أي: عذابنا الشديد " بَيَاتًا أَوْ هُمْ | |
| قَائِلُونَ " أي: في حين غفلتهم, وعلى غرتهم غافلون, لم يخطر الهلاك | |
| على قلوبهم. | |
| فحين جاءهم العذاب, لم يدفعوه عن أنفسهم, ولا أغنت عنهم آلهتهم, التي كانوا | |
| يرجونهم, ولا أنكروا ما كانوا يفعلونه من الظلم والمعاصي. | |
" فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين | |
| " | |
" | |
| فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا | |
| كُنَّا ظَالِمِينَ " كما قال تعالى: " وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا | |
| بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا | |
| يَرْكُضُونَ لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ | |
| وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا | |
| ظَالِمِينَ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا | |
| خَامِدِينَ " . | |
" فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين " | |
وقوله " فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ | |
| إِلَيْهِمْ " أي: لنسألن الأمم, الذين أرسل اللّه إليهم المرسلين, عما | |
| أجابوا رسلهم, " وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا | |
| أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ " الآيات. | |
| " وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ " عن تبليغهم, | |
| لرسالات ربهم, وعما أجابتهم به أممهم. | |
" فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين " | |
" فَلَنَقُصَّنَّ | |
| عَلَيْهِمْ " أي: على الخلق كلهم ما عملوا " بِعِلْمٍ " منه تعالى لأعمالهم. | |
| " وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ " في وقت من الأوقات, | |
| كما قال تعالى: " أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ " . | |
| وقال تعالى " وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ | |
| وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ " . | |
" والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون " | |
ثم ذكر الجزاء على الأعمال فقال: " وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ " إلى قوله: " بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ " . | |
| أي: والوزن يوم القيامة يكون بالعدل, والقسط, الذي لا جور فيه ولا ظلم بوجه. | |
| " فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ " بأن رجحت كفة | |
| حسناته على سيئاته. | |
| " فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " أي: الناجون | |
| من المكروه, المدركون للمحبوب الذين حصل لهم الربح العظيم, والسعادة الدائمة. | |
" ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا | |
| يظلمون " | |
" | |
| وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ " بأن رجحت | |
| سيئاته, وصار الحكم لها. | |
| " فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ " إذ | |
| فاتهم النعيم المقيم, وحصل لهم العذاب الأليم. | |
| " بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ " فلم | |
| ينقادوا لها, كما يجب عليهم ذلك. | |
" ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون | |
| " | |
يقول تعالى - ممتنا على عباده بذكر المسكن | |
| والمعيشة " وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ " أي: | |
| هيأناها لكم, بحيث تتمكنون من البناء عليها وحرثها, ووجوه الانتفاع بها. | |
| " وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ " مما | |
| يخرج من الأشجار والنبات, ومعادن الأرض, وأنواع الصنائع والتجارات, فإنه هو الذي | |
| هيأها, وسخر أسبابها. | |
| " قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ " اللّه, الذي أنعم | |
| عليكم بأصناف النعم, وصرف عنكم النقم. | |
" ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا | |
| إلا إبليس لم يكن من الساجدين " | |
يقول تعالى, مخاطبا لبني آدم: " وَلَقَدْ | |
| خَلَقْنَاكُمْ " بخلق أصلكم ومادتكم التي منها خرجتم, من أبيكم آدم | |
| عليه السلام " ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ " في أحسن | |
| صورة, وأحسن تقويم. | |
| وعلمه تعالى ما به تكمل صورته الباطنة, أسماء كل شيء. | |
| ثم أمر الملائكة الكرام, أن يسجدوا لآدم, إكراما واحتراما, وإظهارا لفضله, | |
| فامتثلوا أمر ربهم. | |
| " فَسَجَدُوا " كلهم أجمعون, " | |
| إِلَّا إِبْلِيسَ " أبى أن يسجد له, تكبرا عليه. | |
| وإعجابا بنفسه. | |
" قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار | |
| وخلقته من طين " | |
فوبخه اللّه على ذلك وقال: " مَا مَنَعَكَ أَلَّا | |
| تَسْجُدَ " لما خلقت بيديَّ, أي: شرفته, وفضلته بهذه الفضيلة, التي لم | |
| تكن لغيره, فعصيت أمري, وتهاونت بي؟ " قَالَ " إبليس | |
| معارضا لربه: " أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ " . | |
| ثم برهن على هذه الدعوى الباطلة بقوله له: " خَلَقْتَنِي مِنْ | |
| نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ " . | |
| وموجب هذا, أن المخلوق من نار, أفضل من المخلوق من طين لعلو النار على الطين, | |
| وصعودها. | |
| وهذا القياس من أفسد الأقيسة, فإنه باطل من عدة أوجه. | |
| منها: أنه في مقابلة أمر اللّه له بالسجود, والقياس إذا عارض النص, فإنه قياس | |
| باطل, لأن المقصود بالقياس, أن يكون الحكم الذي لم يأت فيه نص, يقارب الأمور | |
| المنصوص عليها, ويكون تابعا لها. | |
| فأما قياس يعارضها, ويلزم من اعتباره إلغاء النصوص, فهذا القياس من أشنع الأقيسة. | |
| ومنها: أن قوله " أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ " بمجردها | |
| كافية لنقص إبليس الخبيث. | |
| فإنه برهن على نقصه بإعجابه بنفسه, وتكبره, والقول على اللّه بلا علم. | |
| وأي نقص أعظم من هذا؟!! ومنها: أنه كذب في تفضيل مادة النار على مادة الطين | |
| والتراب. | |
| فإن مادة الطين, فيها الخشوع, والسكون, والرزانة, ومنها تظهر بركات الأرض, من | |
| الأشجار, وأنواع النبات, على اختلاف أجناسه وأنواعه. | |
| وأما النار, ففيها الخفة, والطيش, والإحراق. | |
| ولهذا لما جرى من إبليس ما جرى, انحط من مرتبته العالية إلى أسفل السافلين. | |
" قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من | |
| الصاغرين " | |
فقال اللّه له: " فَاهْبِطْ مِنْهَا " أي | |
| من الجنة " فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا | |
| " لأنها دار الطيبين الطاهرين, فلا تليق بأخبث خلق اللّه وأشرهم. | |
| " فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ " أي: | |
| المهانين الأذلين, جزاء على كبره وعجبه, بالإهانة والذل. | |
" قال أنظرني إلى يوم يبعثون " | |
فلما أعلن عدو اللّه بعداوة اللّه, وعداوة آدم وذريته, سأل اللّه | |
| النظرة والإمهال إلى يوم البعث, ليتمكن من إغواء ما يقدر عليه من بني آدم. | |
" قال إنك من المنظرين " | |
ولما كانت حكمة اللّه مقتضية لابتلاء العباد واختبارهم, ليتبين الصادق | |
| من الكاذب, ومن يطيعه, ومن يطيع عدوه, أجابه لما سأل فقال: " | |
| إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ " . | |
" قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم " | |
أي: قال إبليس - لما أبلس, وأيس من رحمة اللّه - " | |
| فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ " أي: للخلق " صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ " أي: لألزمن الصراط ولأسعى | |
| غاية جهدي, على صد الناس عنه, وعدم سلوكهم إياه. | |
" ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم | |
| ولا تجد أكثرهم شاكرين " | |
" | |
| ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ | |
| أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ " أي: من | |
| جميع الجهات والجوانب, ومن كل طريق يتمكن فيه, من إدراك بعض مقصوده فيهم. | |
| ولما علم الخبيث أنهم ضعفاء قد تغلب الغفلة على كثير منهم, وكان جازما ببذل مجهوده | |
| على إغوائهم, ظن وصدق ظنه فقال: " وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ | |
| شَاكِرِينَ " فإن القيام بالشكر, من سلوك الصراط المستقيم, وهو يريد | |
| صدهم عنه, وعدم قيامهم به, قال تعالى: " إِنَّمَا يَدْعُو | |
| حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ " . | |
| وإنما نبهنا اللّه على ما قال وعزم على فعله, لنأخذ حذرنا ونستعد لعدونا, ونحترز | |
| منه بعلمنا, بالطريق التي يأتي منها, ومداخله التي ينفذ منها, فله تعالى علينا | |
| بذلك, أكمل نعمة. | |
" قال اخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم | |
| أجمعين " | |
أي: قال اللّه لإبليس لما قال ما قال: " اخْرُجْ | |
| مِنْهَا " خروج صغار واحتقار, لا خروج إكرام بل " | |
| مَذْءُومًا " أي: مذموما " مَدْحُورًا " مبعدا | |
| عن اللّه, وعن رحمته, وعن كل خير. | |
| " لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ " أي: منك | |
| ومن تبعك منهم " أَجْمَعِينَ " وهذا قسم من اللّه | |
| تعالى, أن النار دار العصاة, لا بد أن يملأها من إبليس وأتباعه من الجن والإنس. | |
| ثم حذر آدم شره وفتنته فقال: | |
" ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه | |
| الشجرة فتكونا من الظالمين " | |
" | |
| وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ " إلى قوله: " مِنَ الْخَاسِرِينَ " . | |
| أي أمر اللّه تعالى, آدم وزوجته حواء, التي أنعم اللّه بها عليه, ليسكن إليها, أن | |
| يأكلا من الجنة حيث شاءا ويتمتعا فيها بما أرادا, إلا أنه عين لها شجرة, ونهاهما | |
| عن أكلها. | |
| واللّه أعلم, ما هي, وليس في تعيينها فائدة لنا. | |
| وحرم عليهما أكلها, بدليل قوله: " فَتَكُونَا مِنَ | |
| الظَّالِمِينَ " | |
" فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما وقال | |
| ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين " | |
فلم يزالا ممتثلين لأمر اللّه, حتى تغلغل إليهما, عدوهما إبليس بمكره, | |
| فوسوس لهما وسوسة, خدعهما بها, وموه عليهما وقال: " مَا | |
| نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ | |
| " أي: من جنس الملائكة " أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ | |
| " كما قال في الآية الأخرى: " هَلْ أَدُلُّكَ | |
| عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى " . | |
" وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين " | |
ومع قوله هذا أقسم لهما باللّه " إِنِّي لَكُمَا | |
| لَمِنَ النَّاصِحِينَ " أي: من جملة الناصحين, حيث قلت لكما, ما قلت. | |
| فاغتر بذلك, وغلبت الشهوة في تلك الحال على العقل. | |
" فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان | |
| عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن | |
| الشيطان لكما عدو مبين " | |
" فَدَلَّاهُمَا " أي: | |
| أنزلهما عن رتبتهما العالية, التي هي البعد عن الذنوب والمعاصي إلى التلوث | |
| بأوضارها, فأقدما على أكلها. | |
| " فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا | |
| " أي: ظهرت عورة كل منهما بعد ما كانت مستورة. | |
| فصار للعرى الباطن من التقوى في هذه الحال, أثر في اللباس الظاهر, حتى انخلع, | |
| فظهرت عوراتهما. | |
| ولما ظهرت عوراتهما, خجلا, وجعلا يخصفان على عوراتهما, من أوراق شجر الجنة, | |
| ليستترا بذلك. | |
| " وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا " وهما بتلك الحال | |
| موبخا ومعاتبا. | |
| " أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ | |
| لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ " فلم اقترفتما | |
| المنهي, وأطعتما عدوكما؟ | |
" قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من | |
| الخاسرين " | |
فحينئذ, من اللّه عليهما بالتوبة وقبولها, | |
| فاعترفا بالذنب, وسألا من اللّه مغفرته فقالا: " رَبَّنَا | |
| ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ | |
| مِنَ الْخَاسِرِينَ " . | |
| أي: قد فعلنا الذنب, الذي نهيتنا عنه, وأضررنا بأنفسنا, باقتراف الذنب, وقد فعلنا | |
| سبب الخسار إن لم تغفر لنا, بمحو أثر الذنب وعقوبته, وترحمنا بقبول التوبة | |
| والمعافاة من أمثال هذه الخطايا. | |
| فغفر اللّه لهما ذلك " وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ | |
| اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى " . | |
| هذا, وإبليس مستمر على طغيانه, غير مقلع عن عصيانه. | |
| فمن أشبه آدم بالاعتراف, وسؤال المغفرة والندم, والإقلاع - إذا صدرت منه الذنوب - | |
| اجتباه ربه وهداه. | |
| ومن أشبه إبليس - إذا صدر منه الذنب, لا يزال يزداد من المعاصي - فإنه لا يزداد من | |
| اللّه إلا بعدا. | |
" قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين | |
| " | |
" | |
| قَالَ اهْبِطُوا " أي: قال اللّه, مخاطبا | |
| لآدم وحواء بلفظ الجمع, لأن إبليس هبط من قبل إلى السماء, ثم هبطوا جميعا إلى | |
| الأرض. | |
| وكرر الأمر لإبليس, تبعا لهما, ليعلم أنهم قرناء أبدا, لأن إبليس, لا يفارق | |
| الإنسان, بل يلازمه كل الملازمة ويبذل كل جهده, في إضلال بني آدم. | |
| وجملة " بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ " في موضع | |
| نصب على الحال, من الضمير الذي هو الواو, في " اهْبِطُوا | |
| " . | |
| وخلاصة المعنى أن اللّه قال لهما وللشيطان: اهبطوا جميعا من الجنة إلى الأرض | |
| متعادين, ولكم في الأرض, استقرار, وموضع استقرار, تتمتعون وتنتفعون, إلى حين | |
| انقضاء آجالكم. | |
" قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون " | |
أي: لما أهبط اللّه آدم وزوجته وذريتهما إلى الأرض, أخبرهما بحال | |
| إقامتهم فيها, وأنه جعل لهم فيها حياة, يتلوها الموت, مشحونة بالامتحان والابتلاء, | |
| وأنهم لا يزالون فيها, يرسل إليهم رسله, وينزل عليهم كتبه, حتى يأتيهم الموت, | |
| فيدفنون فيها. | |
| ثم إذا استكملوا, بعثهم اللّه, وأخرجهم منها إلى الدار التي هي الدار | |
" يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس | |
| التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون " | |
ثم امتن عليهم بما يسر لهم, من اللباس | |
| الضروري, واللباس الذي المقصود منه, الجمال. | |
| وهكذا سائر الأشياء, كالطعام, والشراب, والمراكب, والمناكح ونحوها. | |
| قد يسر اللّه للعباد ضروريها, ومكمل ذلك, وبين لهم أن هذا, ليس مقصودا بالذات, | |
| وإنما أنزله اللّه, ليكون معونة لهم على عبادته وطاعته, ولهذا قال: " وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ " من اللباس | |
| الحسي, فإن لباس التقوى, يستمر مع العبد, ولا يبلى ولا يبيد, وهو جمال القلب | |
| والروح. | |
| وأما اللباس الظاهري, فغايته أن يستر العورة الظاهرة, في وقت من الأوقات. | |
| أو يكون جمالا للإنسان, وليس وراء ذلك منه نفع. | |
| وأيضا, فبتقدير عدم هذا اللباس, تنكشف عورته الظاهرة, التي لا يضره كشفها, مع | |
| الضرورة. | |
| وأما بتقدير عدم لباس التقوى, فإنها تنكشف عورته الباطنة, وينال الخزي والفضيحة. | |
| وقوله: " ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ | |
| يَذَّكَّرُونَ " أي: ذلك المذكور لكم من اللباس, مما تذكرون به, ما | |
| ينفعكم ويضركم, وتستعينون باللباس الظاهر على الباطن. | |
" يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع | |
| عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا | |
| الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون " | |
يقول تعالى, محذرا لبني آدم, أن يفعل بهم | |
| الشيطان كما فعل بأبيهم: " يَا بَنِي آدَمَ لَا | |
| يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ " بأن يزين لكم العصيان, ويدعوكم إليه, | |
| ويرغبكم فيه, فتنقادون له " كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ | |
| الْجَنَّةِ " وأنزلهما من المحل العالي, إلى أنزل منه. | |
| فإياكم يريد أن يفعل بكم كذلك, ولا يألو جهده عنكم, حتى يفتنكم, إن استطاع. | |
| فعليكم أن تجعلوا الحذر منه في بالكم, وأن تلبسوا لأمة الحرب بينكم وبينه, وأن لا | |
| تغفلوا عن المواضع التي يدخل منها إليكم. | |
| " إِنَّهُ " يراقبكم على الدوام, و " يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ " من شياطين الجن " مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ | |
| أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ " . | |
| فعدم الإيمان, هو الموجب لعقد الولاية بين الإنسان والشيطان. | |
| " إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا | |
| وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ | |
| يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ " . | |
" وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل | |
| إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون " | |
يقول تعالى, مبينا لقبح حال المشركين, الذين يفعلون الذنوب, وينسبون | |
| للّه أنه أمرهم بها. | |
| " وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً " وهي: كل ما | |
| يستفحش ويستقبح, ومن ذلك: طوافهم بالبيت, عراة. | |
| " قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا " وصدقوا | |
| في هذا. | |
| " وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا " وكذبوا في هذا, | |
| ولهذا رد اللّه عليهم هذه النسبة فقال: " قُلْ إِنَّ اللَّهَ | |
| لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ " أي: لا يليق بكماله وحكمته, أن يأمر | |
| عباده بتعاطي الفواحش, لا هذا الذي يفعله المشركون ولا غيره. | |
| " أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ " وأي | |
| افتراء أعظم من هذا!!! | |
" قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له | |
| الدين كما بدأكم تعودون " | |
ثم ذكر ما يأمر به فقال: " قُلْ أَمَرَ رَبِّي | |
| بِالْقِسْطِ " أي: بالعدل في العبادات والمعاملات, لا بالظلم والجور. | |
| " وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ " أي: | |
| توجهوا إلى اللّه, واجتهدوا في تكميل العبادات, خصوصا " | |
| الصلاة " أقيموها, ظاهرا وباطنا, ونقوها من كل نقص ومفسد. | |
| " وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ " أي: | |
| قاصدين بذلك وجهه وحده لا شريك له. | |
| والدعاء يشمل دعاء المسألة, ودعاء العبادة أي: لا تريدوا ولا تقصدوا من الأغراض في | |
| دعائكم, سوى عبودية اللّه ورضاه. | |
| " كَمَا بَدَأَكُمْ " أول مرة " | |
| تَعُودُونَ " للبعث. | |
| فالقادر على بدء خلقكم, قادر على إعادته, بل الإعادة, أهون من البدء. | |
" فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء | |
| من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون " | |
" | |
| فَرِيقًا " منكم " هُدًى | |
| " اللّه, أي: وفقهم للهداية, ويسر لهم أسبابها, وصرف عنهم موانعها. | |
| " وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ " أي: | |
| وجبت عليهم الضلالة, بما تسببوا لأنفسهم, وعملوا بأسباب الغواية. | |
| " إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ | |
| اللَّهِ " ومن يتخذ الشيطان وليا من دون اللّه, فقد خسر خسرانا مبينا. | |
| فحين انسلخوا من ولاية الرحمن, واستحبوا ولاية الشيطان, حصل لهم النصيب الوافر, من | |
| الخذلان, ووكلوا إلى أنفسهم فخسروا أشد الخسران. | |
| " وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ " لأنهم | |
| انقلبت عليهم الحقائق, فظنوا الباطل حقا, والحق باطلا. | |
| وفي هذه الآيات, دليل على أن الأوامر والنواهي, تابعة للحكمة والمصلحة. | |
| حيث ذكر تعالى, أنه لا يتصور أن يأمر بما تستفحشه وتنكره العقول. | |
| وأنه لا يأمر إلا بالعدل والإخلاص. | |
| وفيه دليل على أن الهداية, بفضل اللّه ومنه, وأن الضلالة بخذلانه للعبد, إذ تولى - | |
| بجهله وظلمه - الشيطان, وتسبب لنفسه بالضلال. | |
| وأن من حسب أنه مهتد, وهو ضال, فإنه لا عذر له, لأنه متمكن من الهدى. | |
| وإنما أتاه حسبانه, من ظلمه بترك الطريق الموصل إلى الهدى. | |
" يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا | |
| إنه لا يحب المسرفين " | |
يقول تعالى - بعد ما أنزل على بني آدم لباسا | |
| يواري سوءاتهم وريشا -: " يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ | |
| عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ " أي: استروا عوراتكم عند الصلاة كلها, فرضها | |
| ونفلها, فإن سترها زينة للبدن, كما أن كشفها, يدع البدن قبيحا مشوها. | |
| ويحتمل أن المراد بالزينة هنا, ما فوق ذلك, من اللباس النظيف الحسن. | |
| ففي هذا, الأمر بستر العورة في الصلاة, وباستعمال التجميل فيها, ونظافة السترة من | |
| الأدناس والأنجاس. | |
| ثم قال " وَكُلُوا وَاشْرَبُوا " أي: مما رزقكم | |
| اللّه من الطيبات " وَلَا تُسْرِفُوا " في ذلك. | |
| والإسراف, إما أن يكون بالزيادة على القدر الكافي, ولشره في المأكولات التي تضر | |
| بالجسم. | |
| وإما أن تكون بزيادة الترفه والتنوق في المآكل, والمشارب, واللباس وإما بتجاوز | |
| الحلال إلى الحرام. | |
| " إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ " فإن | |
| السرف يبغضه اللّه, ويضر بدن الإنسان ومعيشته, حتى إنه ربما أدت به الحال إلى أن | |
| يعجز عما يجب عليه من النفقات. | |
| ففي هذه الآية الكريمة, الأمر بتناول الأكل والشرب, والنهي عن تركهما, وعن الإسراف | |
| فيهما. | |
" قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي | |
| للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون | |
| " | |
يقول تعالى - منكرا على من تعنت, وحرم ما | |
| أحل اللّه من الطيبات:- " قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ | |
| الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ " من أنواع اللباس, على اختلاف أصنافه, | |
| والطيبات من الرزق, من مأكل, ومشرب, بجميع أنواعه. | |
| أي: من هذا الذي يقدم على تحريم ما أنعم اللّه على العباد, ومن ذا الذي يضيق | |
| عليهم, ما وسعه اللّه؟!!. | |
| وهذا التوسيع من اللّه لعباده, بالطيبات, جعله لهم ليستعينوا به على عبادته, فلم | |
| يبحه إلا لعباده المؤمنين, ولهذا قال: " قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ | |
| آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ " أي | |
| لا تبعة عليهم فيها. | |
| ومفهوم الآية, أن من لم يؤمن باللّه, بل استعان بها على معاصيه, فإنها غير خالصة | |
| له ولا مباحة, بل يعاقب عليها, وعلى التنعم بها, ويسأل عن النعيم يوم القيامة. | |
| " كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ " أي: نوضحها | |
| ونبينها " لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ " لأنهم الذين | |
| ينتفعون بما فصله اللّه من الآيات, ويعلمون أنها من عند اللّه, فيعقلونها | |
| ويفهمونها. | |
" قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير | |
| الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون | |
| " | |
ثم ذكر المحرمات, التي حرمها اللّه في كل شريعة من الشرائع فقال: " قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ " أي: | |
| الذنوب الكبار, التي تستفحش وتستقبح, لشناعتها وقبحها, وذلك, كالزنا, واللواط, | |
| ونحوهما. | |
| وقوله " مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ " أي: | |
| الفواحش التي تتعلق بحركات البدن, والتي تتعلق بحركات القلوب, كالكبر, والعجب | |
| والرياء, والنفاق, ونحو ذلك. | |
| " وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ " أي: | |
| الذنوب التي تؤثم, وتوجب العقوبة في حقوق اللّه. | |
| والبغي على الناس, في دمائهم, وأموالهم, وأعراضهم. | |
| فدخل في هذا, الذنوب المتعلقة بحق اللّه, والمتعلقة بحق العباد. | |
| " وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ | |
| سُلْطَانًا " أي: حجة, بل أنزل الحجة والبرهان على التوحيد. | |
| والشرك, هو: أن يشرك مع اللّه في عبادته, أحد من الخلق. | |
| وربما دخل في هذا, الشرك الأصغر, كالرياء, والحلف بغير اللّه, ونحو ذلك. | |
| " وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ " | |
| في أسمائه وصفاته وأفعاله, وشرعه. | |
| فكل هذه قد حرمها اللّه, ونهى العباد عن تعاطيها, لما فيها من المفاسد الخاصة | |
| والعامة, ولما فيها من الظلم والتجرؤ على اللّه, والاستطالة على عباد اللّه. | |
| وتغيير دين اللّه وشرعه. | |
" ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون | |
| " | |
أي: وقد أخرج اللّه بني آدم إلى الأرض, وأسكنهم فيها, وجعل لهم أجلا | |
| مسمى, لا تتقدم أمة من الأمم على وقتها المسمى, ولا تتأخر, لا الأمم المجتمعة, ولا | |
| أفرادها. | |
" يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى | |
| وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون " | |
لما أخرج اللّه بني آدم من الجنة, ابتلاهم بإرسال الرسل, وإنزال الكتب | |
| عليهم, يقصون عليهم آيات اللّه, ويبينون لهم أحكامه. | |
| ثم ذكر فضل من استجاب لهم, وخسار من لم يستجب لهم فقال: " | |
| فَمَنِ اتَّقَى " ما حرم اللّه, من الشرك, والكبائر, والصغائر. | |
| " وَأَصْلَحَ " أعماله الظاهرة والباطنة " فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ " من الشر الذي قد يخافه | |
| غيرهم " وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ " على ما مضى. | |
| وإذا انتفى الخوف والحزن, حصل الأمن التام, والسعادة, والفلاح الأبدي. | |
" والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها | |
| خالدون " | |
" | |
| وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا " أي: لا آمنت بها قلوبهم, ولا انقادت لها جوارحهم. | |
| " أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ | |
| " كما استهانوا بآياته, ولازموا التكذيب بها, أهينوا بالعذاب الدائم | |
| الملازم. | |
" فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته أولئك ينالهم | |
| نصيبهم من الكتاب حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون | |
| الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين " | |
أي: لا أحد أظلم " مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ | |
| كَذِبًا " بنسبة الشريك له, والنقص له, والتقول عليه ما لم يقل. | |
| " أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ " الواضحة المبينة | |
| للحق المبين, الهادية إلى الصراط المستقيم. | |
| فهؤلاء, وإن تمتعوا بالدنيا, ونالهم نصيبهم مما كان مكتوبا لهم في اللوح المحفوظ - | |
| فليس ذلك بمغن عنهم شيئا, يتمتعون قليلا, ثم يعذبون طويلا. | |
| " حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ | |
| " أي: الملائكة الموكلون بقبض أرواحهم, واستيفاء آجالهم. | |
| " قَالُوا " لهم في تلك الحالة- توبيخا وعتابا - " أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ " من | |
| الأصنام والأوثان, فقد جاء وقت الحاجة, إن كان فيها منفعة لكم, أو دفع مضرة. | |
| " قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا " أي: اضمحلوا وبطلوا, | |
| وليسوا مغنين عنا من عذاب اللّه من شيء. | |
| " وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ | |
| " مستحقين للعذاب المهين الدائم. | |
" قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار | |
| كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا | |
| هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون " | |
فقالت لهم الملائكة " ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ " | |
| أي: في جملة أمم. | |
| " قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ | |
| " أي: مضوا على ما مضيتم عليه, من الكفر والاستكبار, فاستحق الجميع | |
| الخزي والبوار, والخلود " فِي النَّارِ " . | |
| كلما دخلت أمة من الأمم العاتية النار " لَعَنَتْ أُخْتَهَا | |
| " كما قال تعالى " ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ | |
| يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا " . | |
| " حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا " أي: | |
| اجتمع في النار, جميع أهلها, من الأولين والآخرين, والقادة, والرؤساء, والمقلدين | |
| الأتباع. | |
| " قَالَتْ أُخْرَاهُمْ & أكثر المصاحف تفاعلاً |