<div class="wrapper" style="padding:10px;"> | |
<h1 class="title">سورة التوبة - تفسير السعدي</h1> | |
<div class=Section1 dir=RTL> | |
<p><h1>" براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين " </h1></p> | |
<p>أي: | |
هذه براءة من اللّه, ومن رسوله إلى جميع المشركين المعاندين, أن لهم أربعة أشهر, | |
يسيحون في الأرض على اختيارهم, آمنين من المؤمنين, وبعد الأربعة الأشهر, فلا عهد | |
لهم, ولا ميثاق. <br> | |
وهذا لمن كان له عهد مطلق, غير مقدر, أو مقدر بأربعة أشهر, فأقل. <br> | |
أما من كان له عهد مقدر, بزيادة على أربعة أشهر, فإنه يتعين أن يتمم له عهده, إذا | |
لم يخف منه خيانة, ولم يبدأ بنقض العهد. <br> | |
ثم أنذر المعاهدين في مدة عهدهم, أنهم, وإن كانوا آمنين, فإنهم لن يعجزوا اللّه, | |
ولن يفوتوه. <br> | |
وأنه, من استمر منهم على شركه, فإنه لا بد أن يخزيه. <br> | |
فكان هذا, مما يجلبهم إلى الدخول في الإسلام, إلا من عاند, وأصر, ولم يبال بوعيد | |
اللّه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء | |
من المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله | |
وبشر الذين كفروا بعذاب أليم " </h1> | |
<p>هذا ما وعد اللّه به المؤمنين, من نصر دينه, | |
وإعلاء كلمته, وخذلان أعدائهم, من المشركين, الذين أخرجوا الرسول ومن معه, من مكة, | |
من بيت اللّه الحرام, وأجلوهم مما لهم التسلط عليه, من أرض الحجاز. <br> | |
نصر اللّه رسوله والمؤمنين حتى افتتح مكة, وأذل المشركين, وصار للمؤمنين, الحكم | |
والغلبة, على تلك الديار. <br> | |
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم, مؤذنه أن يؤذن يوم الحج الأكبر, وهو: يوم النحر, | |
وقت اجتماع الناس, مسلمهم, وكافرهم, من جميع جزيرة العرب, أن يؤذن بأن اللّه بريء | |
ورسوله من المشركين. <br> | |
فليس لهم عنده, عهد وميثاق, فأينما وجدوا قتلوا, وقيل لهم: لا تقربوا المسجد | |
الحرام بعد عامكم هذا, وكان سنة تسع من الهجرة. <br> | |
وحج بالناس أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه, وأذن ببراءة يوم النحر, ابن عم رسول | |
اللّه صلى الله عليه وسلم, علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه. <br> | |
ثم رغب تعالى المشركين بالتوبة, ورهبهم من الاستمرار على الشرك فقال: " فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ | |
فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ " . <br> | |
أي: فائتيه, بل أنتم في قبضته, قادر أن يسلط عليكم عباده المؤمنين. <br> | |
" وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ " أي: | |
مؤلم مفظع في الدنيا, بالقتل, والأسر, والجلاء, وفي الآخرة, بالنار, وبئس القرار. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا | |
عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين " </h1> | |
<p>أي هذه البراءة التامة المطلقة, من جميع | |
المشركين. <br> | |
" إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ " واستمروا | |
على عهدهم, ولم يجر منهم ما يوجب النقص, فلا نقصوكم شيئا, ولا عاونوا عليكم أحدا, | |
فهؤلاء أتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم, قَلَّتْ, أو كثرت. <br> | |
لأن الإسلام, لا يأمر بالخيانة, وإنما يأمر بالوفاء. <br> | |
" إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ " الذين | |
أدوا ما أمروا به, واتقوا الشرك والخيانة, وغير ذلك, من المعاصي. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم | |
واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم | |
إن الله غفور رحيم " </h1> | |
<p>يقول تعالى " فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ | |
الْحُرُمُ " أي: التي حرم فيها قتال المشركين المعاهدين, وهي أشهر | |
التيسير الأربعة, وتمام المدة, لمن له مدة أكثر منها, فقد برئت منهم الذمة. <br> | |
" فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ " في | |
أي مكان وزمان. <br> | |
" وَخُذُوهُمْ " أسرى " | |
وَاحْصُرُوهُمْ " أي: ضيقوا عليهم, فلا تدعوهم يتوسعون في بلاد اللّه | |
وأرضه, التي جعلها معبدا لعباده. <br> | |
فهؤلاء, ليسوا أهلا لسكناها, ولا يستحقون منها شبرا, لأن الأرض أرض اللّه, وهم | |
أعداؤه, المنابذون له ولرسله, المحاربون, الذين يريدون أن تخلو الأرض من دينه, | |
ويأبى اللّه إلا أن يتم نوره, ولو كره الكافرون. <br> | |
" وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ " أي: كل | |
ثنية وموضع, يمرون عليه, ورابطوا في جهادهم, وابذلوا غاية مجهودكم في ذلك, ولا | |
تزالوا على هذا الأمر, حتى يتوبوا من شركهم. <br> | |
ولهذا قال: " فَإِنْ تَابُوا " من شركهم " وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ " أي: أدوها بحقوقها " وَآتُوا الزَّكَاةَ " لمستحقيها " | |
فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ " أي: اتركوهم, وليكونوا مثلكم, لهم ما لكم, | |
وعليهم ما عليكم. <br> | |
" إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ " يغفر الشرك | |
فما دونه, للتائبين, ويرحمهم, بتوفيقهم للتوبة, ثم قبولها منهم. <br> | |
وفي هذه الآية, دليل على أن من امتنع من أداء الصلاة أو الزكاة, فإنه يقاتل حتى | |
يؤديها, كما استدل بذلك أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه | |
مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون " </h1> | |
<p>لما كان ما تقدم من قوله " | |
فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ | |
وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ | |
" أمرا عاما في جميع الأحوال, وفي كل الأشخاص منهم, ذكر تعالى, أن | |
المصلحة إذا اقتضت تقريب بعضهم, جاز, بل وجب ذلك فقال: " | |
وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ " أي: طلب منك أن | |
تجيره, وتمنعه من الضرر, لأجل أن يسمع كلام اللّه, وينظر حالة الإسلام. <br> | |
" فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ " ثم | |
إن أسلم, فذاك, وإلا فأبلغه مأمنه, أي: المحل الذي يأمن فيه. <br> | |
والسبب في ذلك, أن الكفار قوم لا يعلمون. <br> | |
فربما كان استمرارهم على كفرهم, لجهل منهم, إذا زال, اختاروا عليه الإسلام. <br> | |
فلذلك أمر اللّه رسوله, وأمته أسوته في الأحكام, أن يجيروا من طلب أن يسمع كلام | |
اللّه. <br> | |
وفي هذا حجة صريحة, لمذهب أهل السنة والجماعة, القائلين بأن القرآن كلام اللّه غير | |
مخلوق, لأنه تعالى, هو المتكلم به, وأضافه إلى نفسه إضافة الصفة إلى موصوفها. <br> | |
وبطلان مذهب المعتزلة, ومن أخذ بقولهم: أن القرآن مخلوق. <br> | |
وكم من الأدلة الدالة على بطلان هذا القول, ليس هذا, محل ذكرها. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم | |
عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين " </h1> | |
<p>هذا بيان للحكمة الموجبة, لأن يتبرأ اللّه | |
ورسوله من المشركين, فقال: " كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ | |
عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ " هل قاموا بواجب الإيمان, | |
أم تركوا رسول اللّه والمؤمنين من أذيتهم؟. <br> | |
حاربوا الحق ونصروا الباطل؟ أما سعوا في الأرض فسادا, فيحق عليهم أن يتبرأ اللّه | |
منهم, وأن لا يكون لهم عهد عنده, ولا عند رسوله؟. <br> | |
" إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ " من المشركين " عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ " فإن لهم - في العهد | |
- وخصوصا في هذا المكان الفاضل - حرمة أوجب أن يراعوا فيها. <br> | |
" فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ | |
اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ " , ولهذا قال: " | |
كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا " إلى قوله " لِقَوْمٍ | |
يَعْلَمُونَ " . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة يرضونكم بأفواههم | |
وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون " </h1> | |
<p>أي: " كَيْفَ " يكون للمشركين عند | |
اللّه عهد وميثاق والحال أنهم " وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ | |
" بالقدرة والسلطة, لا يرحموكم, و " لَا | |
يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً " أي: لا ذمة ولا قرابة, ولا | |
يخافون اللّه فيكم, بل يسومونكم سوء العذاب, فهذه حالكم معهم لو ظهروا. <br> | |
ولا يغرنكم منهم, ما يعاملونكم به وقت الخوف منكم, فإنهم " | |
يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ " الميل والمحبة | |
لكم, بل هم الأعداء حقا, المبغضون لكم صدقا. <br> | |
" وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ " لا ديانة لهم, ولا | |
مروءة</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا فصدوا عن سبيله إنهم ساء ما كانوا | |
يعملون " </h1> | |
<p>" اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا " أي: اختاروا الحظ العاجل الخسيس في الدنيا. <br> | |
على الإيمان باللّه ورسوله, والانقياد لآيات اللّه. <br> | |
" فَصَدُّوا " بأنفسهم, وصدوا غيرهم " عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأولئك هم المعتدون " </h1> | |
<p>" لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً " أي: لأجل عداوتهم للإيمان " إِلًّا وَلَا ذِمَّةً | |
" أي: لأجل عداوتهم للإيمان وأهله. <br> | |
فالوصف, الذي جعلهم يعادونكم لأجله ويبغضونكم, هو الإيمان. <br> | |
فذبوا عن دينكم, وانصروه, واتخذوا من عاداه, عدوا, ومن نصره لكم وليا, واجعلوا | |
الحكم يدور معه, وجودا وعدما. <br> | |
لا تجعلوا الولاية والعداوة, طبعية تميلون بها, حيثما مال الهوى, وتتبعون فيها | |
النفس الأمارة بالسوء, ولهذا: </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل | |
الآيات لقوم يعلمون " </h1> | |
<p>" فَإِنْ تَابُوا " عن | |
شركهم, ورجعوا إلى الإيمان " وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا | |
الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ " وتناسوا تلك العداوة إذ كانوا | |
مشركين, لتكونوا عباد اللّه المخلصين, وبهذا يكون العبد, عبدا حقيقة. <br> | |
لما بين من أحكامه العظيمة ما بين, ووضح منها ما وضح, أحكاما وحِكَمًا, وحُكْمًا, | |
وحكمة قال: " وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ " أي: نوضحها | |
ونميزها " لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ " فإليهم سياق | |
الكلام. <br> | |
وبهم تعرف الآيات والأحكام, وبهم عرف دين الإسلام, وشرائع الدين. <br> | |
اللهم اجعلنا من القوم الذين يعلمون, ويعملون بما يعلمون, برحمتك وجودك, وكرمك, | |
وإحسانك, يا رب العالمين. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة | |
الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون " </h1> | |
<p>يقول تعالى - بعدما ذكر أن المعاهدين من | |
المشركين, إن استقاموا على عهدهم فاستقيموا لهم على الوفاء. <br> | |
" وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ | |
" أي: نقضوها وحلوها, أو أعانوا على قتالكم, أو نقصوكم. <br> | |
" وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ " أي: عابوه, وسخروا | |
منه. <br> | |
ويدخل في هذا, جميع أنواع الطعن الموجهة إلى الدين, أو إلى القرآن. <br> | |
" فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ " أي: القادة | |
فيه, الرؤساء الطاعنين في دين الرحمن, الناصرين لدين الشيطان. <br> | |
وخصهم بالذكر, لعظم جنايتهم, ولأن غيرهم تبع. <br> | |
وليدل على أن من طعن في الدين, وتصدى للرد عليه, فإنه من أئمة الكفر. <br> | |
" إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ " أي: لا عهود, | |
ولا مواثيق, يلازمون على الوفاء بها, بل لا يزالون خائنين, ناكثين للعهد, لا يوثق | |
منهم. <br> | |
" لَعَلَّهُمْ " في قتالهم إياهم " | |
يَنْتَهُونَ " عن الطعن في دينكم, وربما دخلوا فيه </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدءوكم | |
أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين " </h1> | |
<p>ثم حث على قتالهم, وهيج المؤمنين بذكر الأوصاف, التي صدرت من هؤلاء | |
الأعداء, والتي هم موصوفون بها, المقتضية لقتالهم فقال: " | |
أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ | |
الرَّسُولِ " الذي يجب احترامه, وتوقيره, وتعظيمه؟ وهموا أن يجلوه | |
ويخرجوه من وطنه, وسعوا في ذلك ما أمكنهم. <br> | |
. <br> | |
" وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ " حيث | |
نقضوا العهد, وأعانوا عليكم. <br> | |
وذلك حيث أعانت قريش - وهم معاهدون - بني بكر حلفاءهم, على خزاغة, حلفاء رسول | |
اللّه صلى الله عليه وسلم, وقاتلوا معهم كما هو مذكور مبسوط في السيرة. <br> | |
" أَتَخْشَوْنَهُمْ " في ترك قتالهم " فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ | |
" . <br> | |
فاللّه أمركم بقتالهم, وأكد ذلك عليكم غاية التأكيد. <br> | |
فإن كنتم مؤمنين, فامتثلوا لأمر اللّه, ولا تخشوهم, فتتركوا أمر اللّه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم | |
مؤمنين " </h1> | |
<p>ثم أمر بقتالهم وذكر مات يترتب على قتالهم من الفوائد, وكل هذا, حث | |
وإنهاض للمؤمنين على قتالهم فقال: " قَاتِلُوهُمْ | |
يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ " بالقتل " | |
وَيُخْزِهِمْ " إذا نصركم اللّه عليهم, وهم الأعداء الذين يطلب خزيهم | |
ويحرص عليه. <br> | |
" وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ " هذا وعد من اللّه | |
وبشارة, قد أنجزها. <br> | |
" وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ " </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم | |
" </h1> | |
<p>" وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ " فإن في قلوبهم من الحنق والغيظ عليهم, ما يكون قتالهم وقتلهم, شفاء لما | |
في قلوب المؤمنين من الغم, والهم, إذ يرون هؤلاء الأعداء, محاربين للّه ولرسوله, | |
ساعين في إطفاء نور اللّه, وزوالا للغيظ, الذي في قلوبكم. <br> | |
وهذا يدل على محبة اللّه للمؤمنين, واعتنائه بأحوالهم. <br> | |
حتى إنه جعل - من جملة المقاصد الشرعية - شفاء ما في صدورهم وذهاب غيظهم. <br> | |
ثم قال: " وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ " من | |
هؤلاء المحاربين, بأن يوفقهم للدخول في الإسلام, ويزينه في قلوبهم, ويُكَرِّهَ | |
إليهم الكفر والفسوق والعصيان. <br> | |
" وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " يضع الأشياء | |
مواضعها, ويعلم من يصلح للإيمان فيهديه, ومن لا يصلح, فيبقيه في غيه وطغيانه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم | |
يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون " </h1> | |
<p>يقول تعالى لعباده المؤمنين - بعد ما أمرهم | |
بالجهاد-: " أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا " من | |
دون ابتلاء وامتحان, وأمر بما يبين به الصادق والكاذب. <br> | |
" وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ | |
" أي: علما يظهر ما في القوة إلى الخارج, ليترتب عليه الثواب والعقاب. | |
<br> | |
فيعلم الذين يجاهدون في سبيله: لإعلاء كلمته " وَلَمْ | |
يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً | |
" أي: وليا من الكافرين, بل يتخذون اللّه ورسوله والمؤمنين أولياء. <br> | |
فشرع اللّه الجهاد, ليحصل به هذا المقصود الأعظم, وهو أن يتميز الصادقون, الذين لا | |
يتحيزون إلا لدين اللّه, من الكاذبين, الذين يزعمون الإيمان, وهم يتخذون الولائج | |
والأولياء, من دون اللّه, ورسوله, والمؤمنين. <br> | |
" اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ " أي: ما | |
يصير منكم ويصدر, فيبتليكم بما تظهر به حقيقة ما أنتم عليه, ويجازيكم على أعمالكم, | |
خيرها وشرها </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر | |
أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون " </h1> | |
<p>يقول تعالى: " مَا | |
كَانَ " أي ما ينبغي ولا يليق " لِلْمُشْرِكِينَ | |
أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ " بالعبادة, والصلاة, وغيرها من | |
أنواع الطاعات, والحال أنهم شاهدون ومقرون على أنفسهم بالكفر, بشهادة حالهم | |
وفطرهم, وعلم كثير منهم, أنهم على الكفر والباطل. <br> | |
فإذا كانوا " شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ | |
" وعدم الإيمان, الذي هو شرط لقبول الأعمال, فكيف يزعمون أنهم | |
عُمَّارُ مساجد اللّه, والأصل منهم مفقود, والأعمال منهم باطلة؟!!. <br> | |
ولهذا قال: " أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ " أي: | |
بطلت وصلت " وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ " . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة | |
وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين " </h1> | |
<p>ثم ذكر من هم عمار مساجد اللّه فقال: " إِنَّمَا | |
يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ | |
الصَّلَاةَ " الواجبة والمستحبة, بالقيام بالظاهر منها والباطن. <br> | |
" وَآتَى الزَّكَاةَ " لأهلها " | |
وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ " أي قصر خشيته على ربه, فكف عنه ما حرم | |
اللّه, ولم يقصر بحقوق اللّه الواجبة. <br> | |
فوصفهم بالإيمان النافع, وبالقيام بالأعمال الصالحة, التي أُمُّها, الصلاة, | |
والزكاة, وبخشية اللّه التي هي أصل كل خير. <br> | |
فهؤلاء عمار المساجد على الحقيقة وأهلها, الذين هم أهلها. <br> | |
" فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ | |
" و " عسى " من اللّه واجبة. <br> | |
وأما من لم يؤمن باللّه, ولا باليوم الآخر, ولا عنده خشية للّه, فهذا ليس من عمار | |
مساجد اللّه, ولا من أهلها, الذين هم أهلها, وإن زعم ذلك, وادعاه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم | |
الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين " | |
</h1> | |
<p>لما اختلف بعض المسلمين, أو بعض المسلمين | |
وبعض المشركين, في تفضيل عمارة المسجد الحرام, بالبناء, والصلاة, والعبادة فيه, | |
وسقاية الحاج, على الإيمان باللّه, والجهاد في سبيله - أخبر اللّه تعالى بالتفاوت | |
بينهما, فقال: " أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ " أي: | |
سقيهم الماء من زمزم, كما هو المعروف, إذا أطلق هذا الاسم, أنه هو المراد " وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ | |
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ | |
اللَّهِ " . <br> | |
فالجهاد والإيمان باللّه, أفضل من سقاية الحاج, وعمارة المسجد الحرام, بدرجات | |
كثيرة, لأن الإيمان, أصل الدين, وبه تقبل الأعمال, وتزكو الخصال. <br> | |
وأما الجهاد في سبيل اللّه, فهو ذروة سنام الدين, به يحفظ الدين الإسلامي, ويتسع, | |
وينصر الحق, ويخذل الباطل. <br> | |
وأما عمارة المسجد الحرام, وسقاية الحاج, فهي, وإن كانت أعمالا صالحة, فهي متوقفة | |
على الإيمان, وليس فيها من المصالح, ما في الإيمان والجهاد, فلذلك قال: " لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ | |
الظَّالِمِينَ " أي: الذين وصفهم الظلم, الذين لا يصلحون لقبول شيء من | |
الخير, بل لا يليق بهم إلا الشر. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم | |
أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون " </h1> | |
<p>ثم صرح بالفضل فقال: " الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا | |
وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ " بالنفقة في | |
الجهاد, وتجهيز الغزاة " وَأَنْفُسِهِمْ " بالخروج | |
بالنفس " أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ | |
الْفَائِزُونَ " أي: لا يفوز بالمطلوب, ولا ينجو من المرهوب, إلا من | |
اتصف بصفاتهم, وتخلق بأخلاقهم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم " </h1> | |
<p>" يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ " رحمة منه, وكرما, وبرا بهم, واعتناء ومحبة لهم. <br> | |
" بِرَحْمَةٍ مِنْهُ " أزال بها عنهم الشرور, | |
وأوصل إليهم بها كل خير. <br> | |
" وَرِضْوَانٌ " منه تعالى عليهم, الذي هو أكبر | |
نعيم الجنة وأجله, فيحل عليهم رضوانه, فلا يسخط عليهم أبدا. <br> | |
" وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ " من | |
كل ما تشتهيه الأنفس, وتلذ الأعين, مما لا يعلم وصفه ومقداره, إلا اللّه تعالى, | |
الذي منه أن اللّه أعد للمجاهدين في سبيله, مائة درجة, ما بين كل درجتين, كما بين | |
السماء والأرض, ولو اجتمع الخلق في درجة واحدة منها لوسعتهم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم " </h1> | |
<p>" خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا " لا ينتقلون عنها, ولا يبغون عنها حِوَلًا. <br> | |
" إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ " لا | |
تستغرب كثرته على فضل اللّه, ولا يتعجب من عظمه وحسنه, على من يقول للشيء كن | |
فيكون. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن | |
استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون " </h1> | |
<p>يقول تعالى: " يَا | |
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا " اعملوا بمقتضى الإيمان, بأن توالوا من | |
قام به, وتعادوا من لم يقم به. <br> | |
و " لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ " الذين | |
هم أقرب الناس إليكم. <br> | |
وغيرهم من باب أولى وأحرى, فلا تتخذوهم " أَوْلِيَاءَ إِنِ | |
اسْتَحَبُّوا " أي: اختاروا على وجه الرضا والمحبة " | |
الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ " . <br> | |
" وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ | |
الظَّالِمُونَ " لأنهم تجرأوا على معاصي اللّه, واتخذوا أعداء اللّه | |
أولياء. <br> | |
وأصل الولاية: المحبة والنصرة. <br> | |
وذلك أن اتخاذهم أولياء, موجب لتقديم طاعتهم على طاعة اللّه, ومحبتهم على محبة | |
اللّه ورسوله. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال | |
اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في | |
سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين " </h1> | |
<p>ولهذا ذكر السبب الموجب لذلك, وهو أن محبة اللّه ورسوله, يتعين تقديمها | |
على محبة كل شيء, وجعل جميع الأشياء تابعة لهما فقال: " قُلْ | |
إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ " ومثلهم الأمهات " | |
وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ " في النسب والعشيرة " | |
وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ " أي: قراباتكم عموما " وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا " أي: اكتسبتموها, | |
وتعبتم في تحصيلها. <br> | |
خصها بالذكر, لأنها أرغب عند أهلها, وصاحبها أشد حرصا عليها, ممن تأتيه الأموال من | |
غير تعب ولا كَدّ. <br> | |
" وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا " أي: رخصها | |
ونقصها, وهذا شامل لجميع أنواع التجارات والمكاسب من عروض التجارات, من الأثمان, | |
والأواني, والأسلحة, والأمتعة, والحبوب, والحروث, والأنعام, وغير ذلك. <br> | |
" وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا " من حسنها | |
وزخرفتها, وموافقتها لأهوائكم. <br> | |
فإن كانت هذه الأشياء " أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ | |
وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ " فأنتم فسقة ظلمة. <br> | |
" فَتَرَبَّصُوا " أي: انتظروا ما يحل بكم من | |
العقاب " حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ " الذي | |
لا مرد له. <br> | |
" وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ " أي: | |
الخارجين عن طاعة اللّه, المقدمين على محبة اللّه, شيئا من المذكورات. <br> | |
وهذه الآية الكريمة, أعظم دليل على وجوب محبة اللّه ورسوله, وعلى تقديمها على محبة | |
كل شيء. <br> | |
وعلى الوعيد الشديد والمقت الأكيد, على من كان شيء من المذكورات أحب إليه من اللّه | |
ورسوله, وجهاد في سبيله. <br> | |
وعلامة ذلك, أنه إذا عرض عليه أمران, أحدهما يحبه اللّه ورسوله, وليس لنفسه فيها | |
هوى. <br> | |
والآخر, تحبه نفسه وتشتهيه, ولكنه يُفَوِّتُ عليه محبوبًا للّه ورسوله, أو ينقصه. <br> | |
فإنه إن قدم ما تهواه نفسه, على ما يحبه اللّه, دل على أنه ظالم, تارك لما يجب | |
عليه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم | |
تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين " </h1> | |
<p>يمتن تعالى, على عباده المؤمنين, بنصره إياهم في مواطن كثيرة من مواطن | |
اللقاء, ومواضع الحروب والهجاء, حتى في يوم " حنين " الذي | |
اشتدت عليهم فيه الأزمة, ورأو من التخاذل والفرار, ما ضاقت عليهم به الأرض على | |
رحبها وسعتها. <br> | |
وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم, لما فتح مكة, سمع أن هوازن اجتمعوا لحربه. <br> | |
فسار إليهم صلى الله عليه وسلم, في أصحابه, الذين فتحوا مكة, وممن أسلم من | |
الطلقاء, أهل مكة. <br> | |
فكانوا اثنى عشر ألفا, والمشركون أربعة آلاف. <br> | |
فأعجب بعض المسلمين بكثرتهم, وقال بعضهم: لن نغلب اليوم من قلة. <br> | |
فلما التقوا, هم وهوازن, حملوا على المسلمين حملة واحدة, فانهزموا, لا يلوي أحد | |
على أحد, ولم يبق مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم, إلا نحو مائة رجل, ثبتوا معه, | |
وجعلوا يقاتلون المشركين. <br> | |
وجعل النبي صلى الله عليه وسلم, يركض بغلته نحو المشركين ويقول " | |
أنا النبي لا كذب, أنا ابن عبد المطلب " . <br> | |
ولما رأى من المسلمين ما رأى, أمر العباس بن عبد المطلب أن ينادي في الأنصار, | |
وبقية المسلمين, وكان رفيع الصوت فناداهم: يا أصحاب السمرة, يا أهل سورة البقرة. <br> | |
فلما سمعوا صوته, عطفوا عطفة رجل واحد, فاجتلدوا مع المشركين. <br> | |
فهزم اللّه المشركين, هزمة شنيعة, واستولوا على معسكرهم, ونسائهم, وأموالهم. <br> | |
وذلك قوله تعالى " لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ | |
كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ " وهو اسم للمكان الذي كانت فيه الوقعة | |
بين مكة والطائف. <br> | |
" إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ | |
شَيْئًا " أي: لم تفدكم شيئا, قليلا ولا كثيرا " | |
وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ " بما أصابكم من الهم والغم, حين | |
انهزمتم " بِمَا رَحُبَتْ " أي على رحبها وسعتها. | |
<br> | |
" ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ " أي منهزمين. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم | |
تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين " </h1> | |
<p>" ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ | |
وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ " والسكينة: ما يجعله | |
اللّه في القلوب, وقت القلاقل والزلازل, والمفظعات, ما يثبتها, ويسكنها, ويجعلها | |
مطمئنة, وهي من نعم اللّه العظيمة على العباد. <br> | |
" وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا " وهم | |
الملائكة, أنزلهم اللّه معونة للمسلمين يوم حنين, يثبتونهم, ويبشرونهم بالنصر. <br> | |
" وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا " بالهزيمة والقتل, | |
واستيلاء المسلمين على نسائهم وأولادهم وأموالهم. <br> | |
" وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ " يعذبهم اللّه | |
في الدنيا, ثم يردهم في الآخرة إلى عذاب غليظ. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم " </h1> | |
<p>" | |
ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ " فتاب اللّه على كثير, ممن كانت الوقعة عليهم, وأتوا إلى النبي صلى الله | |
عليه وسلم, مسلمين تائبين, فرد عليهم نساءهم, وأولادهم. <br> | |
" وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ " أي: ذو مغفرة | |
واسعة, ورحمة عامة, يعفو عن الذنوب العظيمة للتائبين, ويرحمهم - بتوفيقهم للتوبة والطاعة, | |
والصفح عن جرائمهم, وقبول توباتهم. <br> | |
فلا ييأسنَّ أحد من رحمته ومغفرته, ولو فعل من الذنوب والإجرام, ما فعل. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد | |
الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم | |
حكيم " </h1> | |
<p>يقول تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا | |
إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ " باللّه الذين عبدوا معه غيره " نَجَسٌ " أي خبثاء في عقائدهم وأعمالهم. <br> | |
وأي نجاسة أبلغ, ممن كان يعبد مع اللّه آلهة, لا تنفع ولا تضر, ولا تغني عنه | |
شيئا؟!!. <br> | |
وأعمالهم ما بين محاربة للّه, وصد عن سبيل اللّه, ونصر للباطل, ورد للحق, وعمل | |
بالفساد في الأرض لا في الصلاح. <br> | |
فعليكم أن تطهروا أشرف البيوت وأطهرها, عنهم. <br> | |
" فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ | |
هَذَا " وهو سنة تسع من الهجرة, حين حج بالناس أبو بكر الصديق. <br> | |
وبعث النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمه, عليا, أن يؤذن يوم الحج الأكبر بـ " براءة " . <br> | |
فنادى أن لا يحج بعد العام مشرك, ولا يطوف بالبيت عريان. <br> | |
وليس المراد هنا, نجاسة البدن, فإن الكافر - كغيره - طاهر البدن, بدليل أن اللّه | |
تعالى أباح وطء الكتابية ومباشرتها, ولم يأمر بغسل ما أصاب منها. <br> | |
والمسلمون ما زالوا يباشرون أبدان الكفار, ولم ينقل عنهم أنهم تقذرو ا منها, | |
تَقَذُّرَهْم من النجاسات. <br> | |
وإنما المراد - كما تقدم - نجاستهم المعنوية, بالشرك. <br> | |
فكما أن التوحيد والإيمان, طهارة, فالشرك نجاسة. <br> | |
وقوله " وَإِنْ خِفْتُمْ " أيها المسلمون " عَيْلَةً " أي: فقرا وحاجة, من منع المشركين من قربان | |
المسجد الحرام, بأن تنقطع الأسباب التي بينكم وبينهم, من الأمور الدنيوية. <br> | |
" فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ " فليس | |
الرزق مقصورا على باب واحد, ومحل واحد, بل لا ينغلق باب, إلا وفتح غيره أبواب | |
كثيرة, فإن فضل اللّه واسع, وجوده عظيم. <br> | |
خصوصا لمن ترك شيئا لوجه اللّه الكريم, فإن اللّه أكرم الأكرمين. <br> | |
وقد أنجز اللّه وعده, فإن اللّه قد أغنى المسلمين من فضله, وبسط لهم من الأرزاق, | |
ما كانوا به من أكبر الأغنياء والملوك. <br> | |
وقوله: " إِنْ شَاءَ " تعليق للإغناء بالمشيئة, | |
لأن الغنى في الدنيا, ليس من لوازم الإيمان, ولا يدل على محبة اللّه, فلهذا علقه | |
اللّه بالمشيئة. <br> | |
فإن اللّه يعطي الدنيا, من يحب, ومن لا يحب, ولا يعطي الإيمان والدين, إلا من يحب. | |
<br> | |
" إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " أي: علمه | |
واسع, يعلم من يليق به الغنى, ومن لا يليق. <br> | |
ويضع الأشياء مواضعها, وينزلها منازلها. <br> | |
وتدل الآية الكريمة, وهي قوله " فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ | |
الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا " , أن المشركين - بعد ما كانوا, | |
هم الملوك والرؤساء بالبيت, ثم صار بعد الفتح, الحكم لرسول اللّه والمؤمنين, مع | |
إقامتهم في البيت, ومكة المكرمة, ثم نزلت هذه الآية. <br> | |
ولما مات النبي صلى الله عليه وسلم, أمر أن يجلوا من الحجاز, فلا يبقى فيها دينان. | |
<br> | |
وكل هذا لأجل بُعْدِ كل كافر عن المسجد الحرام, فيدخل في قوله " | |
فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا " . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما | |
حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن | |
يد وهم صاغرون " </h1> | |
<p>هذه الآية أمر بقتال الكفار من اليهود والنصارى من " | |
الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ " إيمانا | |
صحيحا يصدقونه بأفعالهم وأعمالهم. <br> | |
" وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ " | |
فلا يتبعون شرعه, في تحريم المحرمات. <br> | |
" وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ " أي: لا | |
يدينون بالدين الصحيح, وإن زعموا أنهم على دين, فإنه دين, غير الحق. <br> | |
لأنه إما دين مبدل, وهو: الذي لم يشرعه اللّه أصلا. <br> | |
وإما دين منسوخ قد شرعه اللّه, ثم غيره بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم, فيبقى |