سورة هود - تفسير السعدي | |
| | |
" الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير " | |
يقول تعالى: هذا | |
| " كِتَابٌ " عظيم, ونزل كريم. | |
| " أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ " أي: أتقنت وأحسنت, صادقة أخبارها, عادلة | |
| أوامرها ونواهيها, فصيحة ألفاظه بهية معانيه. | |
| " ثُمَّ فُصِّلَتْ " أي: ميزت, وبينت بيانا, في أعلى أنواع البيان. | |
| " مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ " يضع الأشياء مواضعها, وينزلها منالها. | |
| لا يأمر, ولا ينهى, إلا بما تقتضيه حكمته. | |
| " خَبِيرٌ " مطلع على الظواهر والبواطن. | |
| فإذا كان إحكامه وتفصيله من عند الله الحكيم الخبير, فلا تسأل بعد هذا, عن عظمته | |
| وجلالته, واشتماله على كمال الحكمة, وسعة الرحمة. | |
" ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير " | |
وإنما أنزل الله كتابه لأجل " أَنْ لَا تَعْبُدُوا | |
| إِلَّا اللَّهَ " أي: لأجل إخلاص الدين كله لله, وأن لا يشرك به أحد | |
| من خلقه. | |
| " إِنَّنِي لَكُمْ " أيها الناس " | |
| مِنْهُ " أي: من الله ربكم " نَذِيرٍ " لمن | |
| تجرأ على المعاصي, بعقاب الدنيا والآخرة. | |
| " وَبَشِيرٌ " للمطيعين لله, بثواب الدنيا | |
| والآخرة. | |
" وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل | |
| مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير " | |
" | |
| وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ " عن ما صدر | |
| منكم من الذنوب " ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ " فيما | |
| تستقبلون من أعماركم, بالرجوع إليه, بالإنابة والرجوع, عما يكرهه الله إلى ما يحبه | |
| ويرضاه. | |
| ثم ذكر ما يترتب على الاستغفار والتوبة فقال: " يُمَتِّعْكُمْ | |
| مَتَاعًا حَسَنًا " أي: يعطيكم من رزقه, ما تتمتعون به, وتنتفعون. | |
| " إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى " أي: إلى وقت وفاتكم " وَيُؤْتِ " منكم " كُلَّ ذِي | |
| فَضْلٍ فَضْلَهُ " أي: يعطي أهل الإحسان والبر, من فضله وبره, ما هو | |
| جزاء لإحسانهم, من حصول ما يحبون, ودفع ما يكرهون. | |
| " وَإِنْ تَوَلَّوْا " عن ما دعوتكم إليه, بل | |
| أعرضتم عنه, وربما كذبتم به " فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ | |
| عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ " وهو يوم القيامة, الذي يجمع الله فيه | |
| الأولين والآخرين. | |
" إلى الله مرجعكم وهو على كل شيء قدير " | |
" | |
| إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ " ليجازيهم | |
| بأعمالهم, إن خيرا فخير, وإن شرا فشر. | |
| وفي قوله: " وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " كالدليل | |
| على إحياء الله الموتى, فإنه على كل شيء قدير, ومن جملة الأشياء إحياء الموتى, وقد | |
| أخبر بذلك وهو أصدق القائلين, فيجب وقوع ذلك عقلا ونقلا. | |
" ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم | |
| يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور " | |
يخبر تعالى عن جهل المشركين, وشدة ضلالهم أنهم " | |
| يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ " أي: يميلونها " | |
| لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ " أي: من الله, فتقع صدورهم حاجبة لعلم الله, | |
| بأحوالهم, وبصره لهيئاتهم. | |
| قال تعالى - مبينا خطأهم في هذا الظن - " أَلَا حِينَ | |
| يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ " أي يتغطون بها, يعلمهم في تلك الحال, | |
| التي هي من أخفى الأشياء. | |
| بل " يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ " من الأقوال | |
| والأفعال " وَمَا يُعْلِنُونَ " منها. | |
| بل ما هو أبلغ من ذلك وهو " إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ | |
| الصُّدُورِ " أي: بما فيها من الإرادات, والوساوس, والأفكار, التي لم | |
| ينطقوا بها, سرا ولا جهرا. | |
| فكيف تخفى عليه حالكم, إذا ثنيتم صدوركم لتستخفوا منه. | |
| ويحتمل أن المعنى في هذا, أن الله يذكر إعراض المكذبين للرسول, الغافلين عن دعوته, | |
| أنهم - من شدة إعراضهم - يثنون صدورهم, أي: يحدودبون, حين يرون الرسول, لئلا | |
| يراهم, ويسمعهم دعوته, ويعظهم بما ينفعهم. | |
| فهل فوق هذا الإعراض شيء؟!! ثم توعدهم بعلمه تعالى بجميع أحوالهم, وأنهم لا يخفون | |
| عليه, وسيجازيهم بصنيعهم. | |
| " وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ | |
| رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ | |
| " | |
| أي: جميع ما دب على وجه الأرض, من آدمي, وحيوان, بري, أو بحري, فالله تعالى قد | |
| تكفل بأرزاقهم وأقواتهم, فرزقهم على الله. | |
| " وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا " أي: | |
| يعلم مستقر هذه الدواب, وهو: المكان الذي تقيم فيه, وتستقر فيه, وتأوى إليه, | |
| ومستودعها: المكان الذي تنتقل إليه في ذهابها ومجيئها, وعوارض أحوالها. | |
| " كُلِّ " من تفاصيل أحوالها " | |
| فِي كِتَابٍ مُبِينٍ " أي: في اللوح المحفوظ المحتوي على جميع الحوادث | |
| الواقعة, والتي تقع في السماوات والأرض. | |
| الجميع قد أحاط بها علم الله, وجرى بها قلمه, ونفذت فيها مشيئته, ووسعها رزقه. | |
| فلتطمئن القلوب إلى كفاية من تكفل بأرزاقها, وأحاط علما بذواتها, وصفاتها | |
" وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء | |
| ليبلوكم أيكم أحسن عملا ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن | |
| هذا إلا سحر مبين " | |
يخبر تعالى, أنه " | |
| خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ " أولها: يوم | |
| الأحد, وآخرها يوم الجمعة. | |
| وحين خلق السماوات والأرض " وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ | |
| " فوق السماء السابعة. | |
| فبعد أن خلق السماوات والأرض, استوى على عرشه, يدبر الأمور, ويصرفها كيف شاء, من | |
| الأحكام القدرية, والأحكام الشرعية. | |
| ولهذا قال " لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا | |
| " أي: ليمتحنكم, إذ خلق لكم ما في السماوات والأرض, بأمره ونهيه, | |
| فينظر أيكم أحسن عملا. | |
| قال الفضيل بن عباس رحمه الله " دين الله أخلصه وأصوبه " | |
| . | |
| قيل, يا أبا علي " ما أخلصه وأصوبه " ؟. | |
| فقال: إن العمل إذا كان خالصا, ولم يكن صوابا, لم يقبل. | |
| وإذا كان صوابا, ولم يكن خالصا لم يقبل, حتى يكون خالصا صوابا. | |
| والخالص: أن يكون لوجه الله, والصواب: أن يكون متبعا فيه الشرع والسنة. | |
| وهذا كما قال تعالى " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ | |
| إِلَّا لِيَعْبُدُونِ " . | |
| وقال تعالى: " اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ | |
| وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا | |
| أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ | |
| شَيْءٍ عِلْمًا " . | |
| فالله تعالى خلق الخلق لعبادته, ومعرفته بأسمائه وصفاته, وأمرهم بذلك. | |
| فمن انقاد, وأدى ما أمر به, فهو من المفلحين, ومن أعرض عن ذلك, فأولئك هم | |
| الخاسرون. | |
| ولا بد أن يجمعهم في دار, يجازيهم فيها على ما أمرهم به ونهاهم. | |
| ولهذا ذكر الله تكذيب المشركين بالجزاء, فقال: " وَلَئِنْ | |
| قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ | |
| كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ " . | |
| أي: ولئن قلت لهؤلاء, وأخبرتهم بالبعث بعد الموت, لم يصدقوك, بل كذبوك أشد | |
| التكذيب, وقدحوا فيما جئت به, وقالوا: " إِنْ هَذَا إِلَّا | |
| سِحْرٌ مُبِينٌ " ألا وهو الحق المبين. | |
" ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه ألا يوم | |
| يأتيهم ليس مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون " | |
" وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ | |
| مَعْدُودَةٍ " أي: إلى وقت مقدر فاستبطأوه, | |
| لقالوا من جهلهم وظلمهم " مَا يَحْبِسُهُ " . | |
| ومضمون هذا, تكذيبهم به, فإنهم يستدلون بعدم وقوعه بهم عاجلا, على كذب الرسول, | |
| المخبر بوقوع العذاب, فما أبعد هذا الاستدلال!!. | |
| " أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ | |
| " فيتمكنون من النظر في أمرهم. | |
| " وَحَاقَ بِهِمْ " أي: أحاط بهم ونزل " مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ " من العذاب, حيث | |
| تهاونوا به, حتى جزموا بكذب من جاء به. | |
" ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوس كفور | |
| " | |
يخبر تعالى عن طبيعة الإنسان, أنه جاهل ظالم, بأن الله إذا أذاقه منه | |
| رحمة, كالصحة, والرزق, والأولاد, ونحو ذلك, ثم نزعها منه, فإنه يستسلم لليأس, | |
| وينقاد للقنوط, فلا يرجو ثواب الله, ولا يخطر بباله أن الله سيردها, أو مثلها, أو | |
| خيرا منها. | |
| عليه. | |
" ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه | |
| لفرح فخور " | |
وأنه إذا أذاقه رحمة من بعد ضراء مسته, أنه | |
| يفرح ويبطر, ويظن أنه سيدوم له ذلك الخير ويقول: " ذَهَبَ | |
| السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ " أي: يفرح بما أوتي | |
| مما يوافق هوى نفسه, فخور بنعم الله على عباد الله. | |
| وذلك يحمله على الأشر والبطر والإعجاب بالنفس, والتكبر على الخلق, واحتقارهم, | |
| وازدرائهم. | |
| وأي عيب أشد من هذا؟!! | |
" إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير | |
| " | |
وهذه طبيعة الإنسان من حيث هو, إلا من وفقه | |
| الله, وأخرجه من هذا الخلق الذميم إلى ضده, وهم الذين صبروا أنفسهم عند الضراء, | |
| فلم ييأسوا, وعند السراء, فلم يبطروا, وعملوا الصالحات من واجبات ومستحبات. | |
| " أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ " لذنوبهم, يزول | |
| بها عنهم كل محذور. | |
| " وَأَجْرٌ كَبِيرٌ " وهو: الفوز بجنات النعيم, | |
| التي فيها, ما تشتهيه الأنفس, وتلذ الأعين. | |
" فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل | |
| عليه كنز أو جاء معه ملك إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل " | |
يقول تعالى - مسليا لنبيه محمد صلى الله | |
| عليه وسلم, عن تكذيب المكذبين: " فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ | |
| مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ | |
| عَلَيْهِ كَنْزٌ " . | |
| أي: لا ينبغي هذا لمثلك, أن قولهم لم يؤثر فيك, ويصدك عما أنت عليه, فتترك بعض ما | |
| يوحى إليك, ويضيق صدرك, لتعنتهم بقولهم: " لَوْلَا أُنْزِلَ | |
| عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ " . | |
| فإن هذا القول, ناشئ من تعنت, وظلم, وعناد, وضلال, وجهل بمواقع الحجج والأدلة. | |
| فامض على أمرك, ولا تصدك هذه الأقوال الركيكة, التي لا تصدر إلا من سفيه ولا يضق | |
| لذلك صدرك. | |
| فهل أوردوا عليك حجة, لا تستطيع حلها؟ أم قدحوا ببعض ما جئت به قدحا, يؤثر فيه, | |
| وينقص قدره, فيضيق صدرك لذلك؟!. | |
| أم عليك حسابهم, ومطالب بهدايتهم جبرا؟. | |
| و " إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ | |
| وَكِيلٌ " فهو الوكيل عليهم, يحفظ أعمالهم, ويجازيهم بها أتم الجزاء. | |
" أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من | |
| استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين " | |
" أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ " أي: افترى محمد هذا القرآن؟. | |
| فأجابهم بقوله: " قُلْ " لهم " | |
| فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ | |
| مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ " . | |
| أي: إن كان قد افتراه, فإنه لا فرق بينكم وبينه في الفصاحة والبلاغة, وأنتم | |
| الأعداء حقا, الحريصون بغاية ما يمكنكم, على إبطال دعوته. | |
| فإن كنتم صادقين, فأتوا بعشر سور مثله مفتريات. | |
" فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله | |
| إلا هو فهل أنتم مسلمون " | |
" | |
| فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ " على شيء | |
| من ذلكم " فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ | |
| " من عند الله, لقيام الدليل والمقتضى, وانتفاء المعارض. | |
| " وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ " أي: واعلموا " أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ " أي: هو المستحق | |
| للألوهية والعبادة. | |
| " فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " أي: منقادون | |
| لألوهيته, مستسلمون لعبوديته. | |
| وفي هذه الآيات, إرشاد إلى أنه لا ينبغي للداعي إلى الله, أن يصده اعتراض | |
| المعترضين, ولا قدح القادحين. | |
| خصوصا, إذا كان القدح لا مستند له, ولا يقدح فيما دعا إليه, وأنه لا يضيق صدره, بل | |
| يطمئن بذلك, ماضيا على أمره, مقبلا على شأنه. | |
| وأنه لا يجب إجابة اقتراحات المقترحين, للأدلة التي يختارونها. | |
| بل يكفي إقامة الدليل, السالم عن المعارض, على جميع المسائل والمطالب. | |
| وفيها أن هذا القرآن, معجز بنفسه, لا يقدر أحد من البشر, أن يأتي بمثله, ولا بعشر | |
| سور مثله, بل ولا سورة من مثله. | |
| لأن الأعداء البلغاء الفصحاء, تحداهم الله بذلك, فلم يعارضوه, لعلمهم أنهم لا قدرة | |
| فيهم على ذلك. | |
| وفيها: أن مما يطلب فيه العلم, ولا يكفي غلبة الظن, علم القرآن, وعلم التوحيد. | |
| لقوله تعالى: " فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ | |
| اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ " . | |
" من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم | |
| فيها لا يبخسون " | |
يقول تعالى " مَنْ | |
| كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا " . | |
| أي: كل إرادته, مقصورة على الحياة الدنيا, وعلى زينتها, من النساء, والبنين, | |
| والقناطير المقنطرة, من الذهب, والفضة, والخيل المسومة, والأنعام والحرث. | |
| قد صرف رغبته, وسعيه, وعمله, في هذه الأشياء, ولم يجعل لدار القرار من إرادته, | |
| شيئا. | |
| فهذا لا يكون إلا كافرا, لأنه لو كان مؤمنا, لكان ما معه من الإيمان, ما يمنعه أن | |
| تكون جميع إرادته للدار الدنيا. | |
| بل نفس إيمانه وما تيسر له من الأعمال, أثر من آثار إرادته الدار الآخرة. | |
| ولكن هذا الشقي, الذي كأنه خلق للدنيا وحدها " نُوَفِّ | |
| إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا " أي: نعطيهم ما قسم لهم, في أم | |
| الكتاب من ثواب الدنيا. | |
| " وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ " أي: لا ينقصون | |
| شيئا, مما قدر لهم, ولكن هذا منتهى نعيمهم. | |
" أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها | |
| وباطل ما كانوا يعملون " | |
" | |
| أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ " خالدين فيها أبدا, لا يفتر عنهم العذاب, وقد حرموا جزيل الثواب. | |
| " وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا " أي: في الدنيا, | |
| أي, بطل واضمحل ما عملوه مما يكيدون به الحق وأهله, وما عملوه من أعمال الخير, | |
| التي لا أساس لها, ولا وجود لشرطها, وهو الإيمان. | |
" أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى | |
| إماما ورحمة أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده فلا تك في مرية | |
| منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون " | |
يذكر تعالى, حال رسوله محمد صلى الله عليه | |
| وسلم, ومن قام مقامه, من ورثته القائمين بدينه, وحججه الموقنين بذلك, وأنهم لا | |
| يوصف بهم غيرهم ولا يكون أحد مثلهم فقال: " أَفَمَنْ كَانَ | |
| عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ " بالوحي الذي أنزل الله فيه المسائل | |
| المهمة, ودلائلها الظاهرة, فتيقن تلك البينة. | |
| " وَيَتْلُوهُ " أي: يتلو هذه البينة والبرهان, | |
| برهان آخر " شَاهِدٌ مِنْهُ " وهو شاهد الفطرة | |
| المستقيمة, والعقل الصحيح حين شهد حقيقة, ما أوحاه الله وشرعه, وعلم بعقله حسنه, | |
| فازداد بذلك, إيمانا إلى إيمانه. | |
| ثم شاهد ثالث " وَمِنْ قَبْلِهِ " وهو " كِتَابُ مُوسَى " التوراة, التي جعلها الله " إِمَامًا " للناس " وَرَحْمَةٌ | |
| " لهم, يشهد لهذا القرآن بالصدق, ويوافقه فيما جاء به من الحق. | |
| أي: أفمن كان بهذا الوصف, قد تواردت عليه شواهد الإيمان, وقامت لديه, أدلة اليقين, | |
| كمن هو في الظلمات والجهالات, ليس بخارج منها؟!. | |
| لا يستوون عند الله, ولا عند عباد الله. | |
| " أُولَئِكَ " أي: الذين وفقوا لقيام الأدلة | |
| عندهم. | |
| " يُؤْمِنُونَ بِهِ " أي: بالقرآن خقيقة, فيثمر | |
| لهم إيمانهم, كل خير في الدنيا والآخرة. | |
| " وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ " أي: | |
| سائر طوائف أهل الأرض, لمتحزبة على رد الحق. | |
| " فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ " لا بد, من وروده إليها | |
| " فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ " . | |
| أي: في أدنى شك " مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ | |
| وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ " . | |
| إما جهلا منهم, وضلالا. | |
| وإما ظلما وعنادا, وبغيا. | |
| وإلا, فمن كان قصده حسنا, وفهمه مستقيما, فلا بد أن يؤمن به, لأنه يرى, ما يدعوه | |
| إلى الإيمان من كل وجه. | |
" ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول | |
| الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين " | |
يخبر تعالى, أنه لا أحد " | |
| أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا " ويدخل في هذا, كل | |
| من كذب على الله, بنسبة شريك له, أو وصفه بما لا يليق بجلاله, أو الإخبار عنه, بما | |
| لم يقل, أو ادعاء النبوة, أو غير ذلك, من الكذب على الله. | |
| فهؤلاء أعظم الناس ظلما " أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى | |
| رَبِّهِمْ " ليجازيهم بظلمهم. | |
| فعندما يحكم عليهم بالعقاب الشديد " وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ | |
| " أي: الذين شهدوا عليهم بافترائهم وكذبهم: " | |
| هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى | |
| الظَّالِمِينَ " . | |
| أي: لعنة لا تنقطع, لأن ظلمهم صار وصفا لهم ملازما, لا يقبل التخفيف. | |
" الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة هم كافرون | |
| " | |
ثم وصف ظلمهم فقال " | |
| الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ " فصدوا بأنفسهم عن سبيل | |
| الله, وهي سبيل الرسل, التي دعوا الناس إليها, وصدوا غيرهم عنها, فصاروا أئمة | |
| يدعون إلى النار. | |
| " وَيَبْغُونَهَا " أي: سبيل الله " عِوَجًا " أي: يجتهدون في ميلها, وتشيينها, وتهجينها, | |
| لتصير عند الناس, غير مستقيمة, فيحسنون الباطل ويقبحون الحق, قبحهم الله " وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ " . | |
| " أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ " | |
| أي: ليسوا فائتين الله, لأنهم تحت قبضته, وفي سلطانه. | |
" أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون الله من | |
| أولياء يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون " | |
" | |
| وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ " فيدفعوا عنهم المكروه, أو يحصلوا لهم ما ينفعهم, بل تقطعت بهم الأسباب. | |
| " يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ " أي: يغلظ | |
| ويزداد, لأنهم ضلوا بأنفسهم, وأضلوا غيرهم. | |
| " مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ " أي: من | |
| بغضهم للحق, ونفورهم عنه, ما كانوا يستطيعون, أن يسمعوا آيات الله, سماعا ينتفعون | |
| به " فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ | |
| كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ " . | |
| " وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ " أي: ينظرون نظر | |
| عبرة وتفكر, فيما ينفعهم. | |
| وإنما هم كالصم البكم, الذين لا يعقلون. | |
" أولئك الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون " | |
" | |
| أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ " حيث فوتوها, أعظم الثواب, واستحقوا أشد العذاب. | |
| " وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ " أي: | |
| اضمحل دينهم, الذي يدعون إليه ويحسنونه, ولم تغن عنهم آلهتم, التي يعبدون من دون | |
| الله, لما جاء أمر ربك. | |
" لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون " | |
" لَا جَرَمَ " أي: حقا | |
| وصدقا " أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ " | |
| . | |
| حصر الخسار فيهم, بل جعل لهم منه أشده, لشدة حسرتهم وحرمانهم وما يعانون من المشقة | |
| والعذاب. | |
| فنستجير بالله من حالهم. | |
| ولما ذكر حال الأشقياء, ذكر أوصاف السعداء, وما لهم عند الله من الثواب. | |
| فقال: " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا " إلى قوله " أَفَلَا تَذَكَّرُونَ " . | |
" إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم أولئك أصحاب | |
| الجنة هم فيها خالدون " | |
يقول تعالى " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا " بقلوبهم, | |
| أي صدقوا واعترفوا, لما أمر الله بالإيمان به, من أصول الدين وقواعده. | |
| " وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ " المشتملة على أعمال | |
| القلوب والجوارح, وأقوال اللسان. | |
| " وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ " أي: خضعوا له, | |
| واستكانوا لعظمته, وذلوا لسلطانه, وأنابوا إليه بمحبته, وخوفه, ورجائه, والتضرع | |
| إليه. | |
| " أُولَئِكَ " الذين جمعوا تلك الصفات " أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " . | |
| لأنهم لم يتركوا من الخير مطلبا, إلا أدركوه, ولا خيرا, إلا سبقوا إليه. | |
" مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا | |
| أفلا تذكرون " | |
" مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ " أي: فريق الأشقياء, وفريق السعداء. | |
| " كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ " هؤلاء الأشقياء. | |
| " وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ " مثل السعداء. | |
| " هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا " لا يستوون مثلا, | |
| بل بينهما من الفرق, ما لا يأتي عليه الوصف. | |
| " أَفَلَا تَذَكَّرُونَ " الأعمال, التي تنفعكم, | |
| فتفعلونها, والأعمال التي تضركم, فتتركونها. | |
" ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين " | |
أي: " وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا " أول | |
| المرسلين " إِلَى قَوْمِهِ " يدعوهم إلى الله | |
| وينهاهم عن الشرك فقال: " إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ | |
| " أي: بينت لكم ما أنذرتكم به, بيانا زال به الإشكال. | |
" أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم " | |
" أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ " أي: أخلصوا العبادة لله وحده, واتركوا كل ما يعبد من دون الله. | |
| " إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ " إن | |
| لم تقوموا بتوحيد الله, وتطيعوني. | |
" فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما | |
| نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم | |
| كاذبين " | |
" فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ " | |
| أي: الأشراف والرؤساء, رادين لدعوة نوح عليه | |
| السلام, كما جرت العادة لأمثالهم, أنهم أول من رد دعوة المرسلين: " | |
| مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا " وهذا مانع - يزعمهم - عن | |
| اتباعه, مع أنه - في نفس الأمر - هو الصواب, الذي لا ينبغي غيره, لأن البشر, يتمكن | |
| البشر, أن يتلقوا عنه, ويراجعوه في كل أمر, بخلاف الملائكة. | |
| " وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ | |
| أَرَاذِلُنَا " أي: ما نرى اتبعك منا, إلا الأراذل والسفلة, بزعمهم. | |
| وهم - في الحقيقة - الأشراف, وأهل العقول, الذين انقادوا للحق, ولم يكونوا | |
| كالأراذل, الذين يقال لهم الملأ, الذين اتبعوا كل شيطان مريد, واتخذوا آلهة من | |
| الحجر والشجر, يتقربون إليها ويسجدون. | |
| فهل ترى أرذل من هؤلاء وأخس؟. | |
| وقولهم: " بَادِيَ الرَّأْيِ " أي. | |
| إنما اتبعوك من غير تفكر وروية, بل بمجرد ما دعوتهم, اتبعوك. | |
| يعنون بذلك, أنهم ليسوا على بصيرة من أمرهم, ولم يعلموا أن الحق المبين, تدعو إليه | |
| بداهة العقول, وبمجرد ما يصل إلى أولي الألباب, يعرفونه ويتحققونه. | |
| لا كالأمور الخفية, التي تحتاج إلى تأمل, وفكر طويل. | |
| " وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ " أي: | |
| لستم أفضل منا فننقاد لكم. | |
| " بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ " وكذبوا في قولهم | |
| هذا, فإنهم رأوا من الآيات, التي جعلها الله مؤيدة لنوح, ما يوجب لهم الجزم التام | |
| على صدقه. | |
" قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده | |
| فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون " | |
ولهذا " قَالَ " لهم نوح مجاوبا " يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي | |
| " أي: على يقين وجزم, يعني, وهو الرسول الكامل القدوة, الذي ينقاد له | |
| أولو الألباب, وتضمحل في جنب عقله, عقول الفحول من الرجال, وهو الصادق حقا. | |
| فإذا قال: إني على بينة من ربي, فحسبك بهذا القول, شهادة له وتصديقا. | |
| " وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ " أي: أوحى | |
| إلي وأرسلني, ومن علي بالهداية. | |
| " فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ " أي: خفيت عليكم, وبها | |
| تثاقلتم. | |
| " أَنُلْزِمُكُمُوهَا " أي: أنكرهكم على ما | |
| تحققناه, وشككتم أنتم فيه؟ " وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ | |
| " حتى حرصتم على رد ما جئت به, ليس ذلك ضارنا, وليس بقادح من يقيننا | |
| فيه, ولا قولكم وافتراؤكم علينا, صادا لنا عما كنا عليه. | |
| وإنما غايته, أن يكون صادا لكم أنتم, وموجبا لعدم انقيادكم للحق, تزعمون أنه باطل. | |
| فإذا وصلت الحال إلى هذه الغاية, فلا تقدر على إكراهكم, على ما أمر الله, ولا | |
| إلزامكم, ما نفرتم عنه, ولهذا قال: " أَنُلْزِمُكُمُوهَا | |
| وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ " . | |
" ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله وما أنا | |
| بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقو ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون " | |
" وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ " أي: على دعوتي إياكم " مَا لَا " فستستثقلون | |
| المغرم. | |
| " إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ " وكأنهم | |
| طلبوا منه طرد المؤمنين الضعفاء. | |
| فقال لهم " وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا " أي: | |
| ما ينبغي لي, ولا يليق ذلك, بل أتلقاهم بالرحب والإكرام, والإعزاز والإعظام " إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ " فمثيبهم على إيمانهم | |
| وتقواهم بجنات النعيم. | |
| " وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ " حيث | |
| تأمرونني, بطرد أولياء الله, وإبعادهم عني. | |
| وحيث رددتم الحق, لأنهم أتباعه, وحيث استدللتم على بطلان الحق بقولكم " إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ " وإنه ليس لنا | |
| عليكم من فضل. | |
" ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون " | |
" | |
| وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ " أي: من يمنعني من عذابه, فإن طردهم, موجب للعذاب والنكال, الذي لا | |
| يمنعه من دون الله مانع. | |
| " أَفَلَا تَذَكَّرُونَ " ما هو الأنفع لكم | |
| والأصلح, وتدبرون الأمور. | |
" ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك | |
| ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا | |
| لمن الظالمين " | |
" وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا | |
| أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ " أي: غايتي أني رسول الله إليكم, أبشركم, وأنذركم, وما عدا ذلك, فليس | |
| بيدي من الأمر شيء. | |
| فليست خزائن الله عندي, أدبرها أنا, وأعطي من أشاء, وأحرم من أشاء. | |
| " وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ " فأخبركم بسرائركم | |
| وبواطنكم " وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ " . | |
| والمعنى: أني لا أدعي رتبة فوق رتبتي, ولا منزلة سوى المنزلة, التي أنزلني الله | |
| بها, ولا أحكم على الناس, بظني. | |
| " وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ " أي: | |
| الضعفاء المؤمنين, الذي يحتقرهم الملأ الذين كفروا " لَنْ | |
| يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ " . | |
| فإن كانوا صادقين في إيمانهم, فلهم الخير الكثير, وإن كانوا غير ذلك, فحسابهم على | |
| الله. | |
| " إِنِّي إِذًا " أي: إن قلت لكم شيئا مما تقدم " لَمِنَ الظَّالِمِينَ " . | |
| وهذا تأييس منه, عليه الصلاة والسلام لقومه, أن ينبذ فقراء المؤمنين, أو يمقتهم, | |
| وإقناع لقومه, بالطرق المقنعة للمنصف. | |
" قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت | |
| من الصادقين " | |
فلما رأوه, لا ينكف عما كان عليه من دعوتهم, ولم يدركوا منه مطلوبهم " قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا | |
| فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ " . | |
| فما أجهلهم وأضلهم, حيث قالوا هذه المقالة, لنبيهم الناصح. | |
| فهلا قالوا: إن كانوا صادقين: يا نوح قد نصحتنا, وأشفقت علينا, ودعوتنا إلى أمر, | |
| لم يتبين لنا, فنريد منك أن تبينه لنا. | |
| لننقاد لك, وإلا فأنت مشكور في نصحك. | |
| لكان هذا الجواب المنصف, للذي قد دعا إلى أمر خفي عليه. | |
| ولكنهم في قولهم, كاذبون, وعلى نبيهم متجرئون. | |
| ولم يردوا ما قاله بأدنى شبهة, فضلا عن أن يردوه بحجة. | |
| ولهذا عدلوا - من جهلهم وظلمهم - إلى الاستعجال بالعذاب, وتعجيز الله. | |
" قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين " | |
ولهذا أجابهم نوح عليه السلام بقوله " إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ " أي: | |
| إن اقتضت مشيئته وحكمته, أن ينزله بكم, فعل ذلك. | |
| " وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ " لله, وأنا ليس | |
| بيدي من الأمر شيء. | |
" ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن | |
| يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون " | |
" وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ | |
| لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ " . | |
| أي: إن إرادة الله غالبة, فإنه إذا أراد أن يغويكم, لردكم الحق. | |
| فلو حرصت غاية مجهودي, ونصحت لكم أتم النصح - وهو قد فعل عليه السلام - فليس ذلك | |
| بنافع لكم شيئا. | |
| " هُوَ رَبُّكُمْ " يفعل بكم ما يشاء, ويحكم | |
| فيكم, بما يريد " وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ " فيجازيكم | |
| بأعمالكم. | |
" أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلي إجرامي وأنا بريء مما |