<div class="wrapper" style="padding:10px;"> | |
<h1 class="title">سورة يوسف - تفسير السعدي</h1> | |
<div class=Section1 dir=RTL> | |
<p><h1>" الر تلك آيات الكتاب المبين " </h1></p> | |
<p>يخبر تعالى, أن | |
آيات القرآن هي " آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ " أي: البين الواضحة | |
ألفاظه, ومعانيه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون " </h1> | |
<p>ومن بيانه وإيضاحه, أنه أنزله باللسان العربي, أشرف الألسنة, وأبينها. <br> | |
المبين, لكل ما يحتاجه الناس, من الحقائق النافعة. <br> | |
وكل هذا الإيضاح والتبيين " لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ " أي: | |
لتعقلوا حدوده, وأصوله, وفروعه, وأوامره, ونواهيه. <br> | |
فإذا عقلتم ذلك بإيقانكم, واتصفت قلوبكم بمعرفتها, أثمر ذلك, عمل الجوارح, | |
والانقياد إليه. <br> | |
و " لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ " أي: تزداد عقولكم, | |
بتكرر المعاني الشريفة العالية, على أذهانكم. <br> | |
فتنتقلون من حال إلى أحوال, أعلى منها وأكمل. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من | |
قبله لمن الغافلين " </h1> | |
<p>" | |
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ " وذلك لصدقه, وسلاسة عبارته, ورونق معانيه. <br> | |
" بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ " أي: | |
بما اشتمل عليه هذا القرآن, الذي أوحيناه إليك, وفضلناك به على سائر الأنبياء, | |
وذاك محض منة, من الله وإحسان. <br> | |
" وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ " أي: | |
ما كنت تدري, ما الكتاب, ولا الإيمان, قبل أن يوحي الله إليك, ولكن جعلناه نورا, | |
نهدي به من نشاء, من عبادنا. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر | |
رأيتهم لي ساجدين " </h1> | |
<p>ولما مدح ما اشتمل عليه هذا القرآن, من | |
القصص, وأنه أحسن القصص على الإطلاق, فلا يوجد من القصص, في شيء من الكتب, مثل هذا | |
القرآن, ذكر قصه يوسف, وأبيه, وإخوته, القصة العجيبة الحسنة. <br> | |
فقال: " إِذْ قَالَ يُوسُفُ " إلى " إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " . <br> | |
واعلم أن الله ذكر أنه يقص على رسوله, أحسن القصص في هذا الكتاب. <br> | |
ثم ذكر هذه القصة, وبسطها, وذكر ما جرى فيها, فعلم بذلك, أنها قصة تامة, كاملة | |
حسنة. <br> | |
فمن أراد أن يكملها أو يحسنها, بما يذكر في الإسرائيليات, التي لا يعرف لها سند, | |
ولا ناقل, وأغلبها كذب, فهو مستدرك على الله, ومكمل لشيء, يزعم أنه ناقص. <br> | |
وحسبك بأمر ينتهي إلى هذا الحد قبحا, فإن تضاعيف هذه السورة, قد ملئت في كثير من | |
التفاسير, من الأكاذيب, والأمور الشنيعة المناقضة, لما قصه الله تعالى بشيء كثير. <br> | |
فعلى العبد أن يفهم عن الله, ما قصه, ويدع, ما سوى ذلك, مما ليس عن النبي صلى الله | |
عليه وسلم, ينقل. <br> | |
فقوله تعالى: " إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ " يعقوب | |
بن إسحاق بن إبراهيم الخليل, عليهم الصلاة والسلام: " يَا | |
أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ | |
رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ " . <br> | |
فكانت هذه الرؤيا, مقدمة لما وصل إليه يوسف عليه السلام, من الارتفاع في الدينا | |
والآخرة. <br> | |
وهكذا إذا أراد الله أمرا من الأصول العظام, قدم بين يديه مقدمة, توطئة له, | |
وتسهيلا لأمره, واستعدادا لما يرد على العبد من المشاق, ولطفا بعبده, وإحسانا | |
إليه. <br> | |
فأولها يعقوب, بأن الشمس: أمه, والقمر أبوه, والكواكب, إخوته. <br> | |
وأنه ستنتقل به الأحول إلى أن يصير إلى حال يخضعون له, ويسجدون له, إكراما | |
وإعظاما. <br> | |
وأن ذلك لا يكون, إلا بأسباب تتقدمه من اجتباء الله له, واصطفائه إياه, وإتمام | |
نعمته عليه, بالعلم والعمل, والتمكين في الأرض. <br> | |
وأن هذه النعمة ستشمل آل يعقوب, الذين سجدوا له, وصاروا تبعا له فيها ولهذا قال: " وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ " </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان | |
للإنسان عدو مبين " </h1> | |
<p>ولما تم تعبيرها ليوسف, قال له أبوه: " يَا | |
بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا " | |
أي: حسدا من عند أنفسهم, بأن تكون أنت الرئيس الشريف عليهم. <br> | |
" إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ " لا | |
يفتر عنه, ليلا ولا نهارا, ولا سرا, ولا جهارا. <br> | |
فالبعد عن الأسباب, التي يتسلط بها على العبد, أولى. <br> | |
فامتثل يوسف أمر أبيه, ولم يخبر إخوته بذلك, بل كتمها عنهم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك | |
وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم " | |
</h1> | |
<p>" وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ " أي: يصطفيك ويختارك بما من به عليك من الأوصاف الجليلة, والمناقب | |
الجميلة. <br> | |
" وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ " أي: | |
من تعبير الرؤيا, وبيان ما تئول إليه الأحاديث الصادقة, كالكتب السماوية ونحوها. <br> | |
" وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ " في الدنيا | |
والآخرة, بأن يؤتيك في الدنيا حسنة, وفي الآخرة حسنة. <br> | |
" كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ | |
إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ " حيث أنعم الله عليهما, بنعم عظيمة واسعة, | |
دينية, ودنيوية. <br> | |
" إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " أي: علمه محيط | |
بالأشياء, وبما احتوت عليه, ضمائر العباد, من البر وغيره. <br> | |
فيعطي كلا, ما تقتضيه حكمته وحمده, فإنه حكيم, يضع الأشياء مواضعها, وينزلها | |
منازلها. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين " </h1> | |
<p>يقول تعالى: " لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ | |
وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ " أي عبر وأدلة, على كثير من المطالب الحسنة. <br> | |
" لِلسَّائِلِينَ " أي: لكل من سأل عنها, بلسان | |
الحال, أو بلسان المقال. <br> | |
فإن السائلين, هم الذين ينتفعون بالآيات والعبر. <br> | |
وأما المعرضون, فلا ينتفعون بالآيات, ولا بالقصص, والبينات. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي | |
ضلال مبين " </h1> | |
<p>" إِذْ قَالُوا " فيما | |
بينهم: " لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ " بنيامين, أي: | |
شقيقه, وإلا, فكلهم إخوة. <br> | |
" أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ " أي: | |
جماعة, فكيف يفضلهما بالمحبة والشفقة. <br> | |
" إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ " أي: | |
لفي خطأ بين, حيث فضلهما علينا, من غير موجب نراه, ولا أمر نشاهده. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده | |
قوما صالحين " </h1> | |
<p>" | |
اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا " أي: غيبوه عن أبيه, في أرض بعيدة, لا يتمكن من رؤيته فيها. <br> | |
فإنكم إذا فعلتم أحد هذين الأمرين " يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ | |
أَبِيكُمْ " . <br> | |
أي: يتقرغ لكم, ويقبل عليكم بالشفقة والمحبة, فإنه قد اشتغل قلبه بيوسف, شغلا, لا | |
يتفرغ لكم. <br> | |
" وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ " أي: من بعد هذا | |
الصنيع " قَوْمًا صَالِحِينَ " أي: تتوبون إلى | |
الله, وتستغفرونه من بعد ذنبكم. <br> | |
فقدموا العزم على التوبة, قبل صدور الذنب منهم تسهيلا لفعله, وإزالة لشناعته, وتنشيطا | |
من بعضهم لبعض. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض | |
السيارة إن كنتم فاعلين " </h1> | |
<p>أي: " قَالَ قَائِلٌ " من إخوة يوسف, | |
الذين أرادوا قتله, أو تبعيده: " لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ | |
" فإن قتله أعظم إثما, وأشنع. <br> | |
والمقصود يحصل بتبعيده عن أبيه, من غير قتل, ولكن توصلوا إلى تبعيده بأن تلقوه " فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ " وتتوعدوه, على أنه لا يخبر | |
بشأنكم, بل على أنه عبد مملوك آبق, لأجل أن " يَلْتَقِطْهُ | |
بَعْضُ السَّيَّارَةِ " الذين يريدون مكانا بعيدا, فيحتفظوا فيه. <br> | |
وهذا القائل أحسنهم رأيا في يوسف, وأبرهم, وأتقاهم في هذه القضية. <br> | |
فإن بعض الشر, أهون من بعض, والضرر الخفيف, يدفع به الضرر الثقيل. <br> | |
فلما اتفقوا على هذا الرأي " قَالُوا يَا أَبَانَا " إلى | |
قوله " إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ " . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قالوا يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون " | |
</h1> | |
<p>أي: قال إخوة يوسف, متوصلين إلى مقصدهم لأبيهم: " | |
يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ | |
" أي: لأي شيء يدخلك الخوف منا, على يوسف, من غير سبب, ولا موجب؟ | |
والحال " وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ " أي: | |
مشفقون عليه, نود له ما نود لأنفسنا. <br> | |
وهذا يدل على أن يعقوب عليه السلام, لا يترك يوسف يذهب مع إخوته للبرية ونحوها. <br> | |
فلما نفوا عن أنفسهم التهمة المانعة, لعدم إرساله معهم, ذكروا له من مصلحة يوسف | |
وأنسه, الذي يحبه أبوه له, ما يقتضي أن يسمح لإرساله معهم, فقالوا: </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون " </h1> | |
<p>" أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ " أي: يتنزه في البرية ويستأنس. <br> | |
" وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ " أي سنراعيه, | |
ونحفظه من كل أذى يريده. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قال إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه | |
غافلون " </h1> | |
<p>فأجابهم بقوله: " إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ | |
تَذْهَبُوا بِهِ " أي مجرد ذهابكم به, يحزنني, ويشق علي, لأنني لا | |
أقدر على فراقه, ولو مدة يسيرة. <br> | |
فهذا مانع من إرساله ومانع ثان, وهو: أني " وَأَخَافُ أَنْ | |
يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ " أي: في حال | |
غفلتكم عنه, لأنه صغير, لا يمتنع من الذئب. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون " </h1> | |
<p>" قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ | |
" أي: جماعة, حريصون على حفظه. <br> | |
" إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ " أي: لا خير فينا, | |
ولا نفع يرجى منا, إن أكله الذئب, وغلبنا عليه. <br> | |
فلما مهدوا لأبيهم الأسباب الداعية لإرساله, وعدم الموانع, سمح حينئذ بإرساله | |
معهم, لأجل أنسه. <br> | |
" فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي | |
غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا | |
وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ " <br> | |
أي: لما ذهب إخوة يوسف, بعد ما أذن له أبوة, وعزموا أن يجعلوه في غيابة الجب, كما | |
قال قائلهم, السابق ذكره, وكانوا قادرين على ما أجمعوا عليه, فنفذوا فيه قدرتهم, | |
وألقوه في الجب. <br> | |
ثم إن الله, لطف به, بان أوحى إليه وهو بتلك الحال الحرجة. <br> | |
" لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا | |
يَشْعُرُونَ " أي: سيكون منك معاتبة لهم, وإخبار عن أمرهم هذا, وهم لا | |
يشعرون بذلك الأمر. <br> | |
ففيه بشارة له, بأنه سينجو مما وقع فيه, وأن الله سيجمعه بأهله وإخوته, على وجه | |
العز والتمكين له, في الأرض. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وجاءوا أباهم عشاء يبكون " </h1> | |
<p>" | |
وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ " ليكون | |
إتيانهم, متأخرا عن عادتهم, وبكاؤهم دليلا لهم, وقرينة على صدقهم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله | |
الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين " </h1> | |
<p>فقالوا - معتذرين بعذر كاذب - " يَا أَبَانَا | |
إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ " إما على الأقدام, أو بالرمي والنضال. <br> | |
" وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا " توفيرا | |
له وراحة. <br> | |
" فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ " في حال غيابنا عنه | |
واستباقنا. <br> | |
" وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ | |
" أي: اعتذرنا بهذا العذر, والظاهر أنك لا تصدقنا, لما في قلبك من | |
الحزن على يوسف, والرقة الشديدة عليه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وجاءوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر | |
جميل والله المستعان على ما تصفون " </h1> | |
<p>ولكن عدم تصديقك إيانا, لا يمنعنا أن نعتذر بالعذر الحقيقي, وكل هذا, | |
تأكيد لعذرهم. <br> | |
ومما أكدوا به قولهم, أنهم " وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ | |
بِدَمٍ كَذِبٍ " زعموا, أنه دم يوسف, حين أكله الذئب, فلم يصدقهم | |
أبوهم بذلك. <br> | |
و " قَالَ " : " بَلْ | |
سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا " أي: زينت لكم أنفسكم أمرا | |
قبيحا في التفريق بيني وبينه, لأنه رأى من القرائن والأحوال, ومن رؤيا يوسف, التي | |
قصها عليه, ما دله على ما قال. <br> | |
" فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا | |
تَصِفُونَ " أي: أما أنا, فوظيفتي سأحرص على القيام بها, وهي أني أصبر | |
على هذه المحنة, صبرا جميلا, سالما من السخط والتشكي إلى الخلق, وأستعين الله على | |
ذلك, لا على حولي وقوتي. <br> | |
فوعد من نفسه هذا الأمر وشكى إلى خالقه في قوله: " إِنَّمَا | |
أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ " لأن الشكوى إلى الخالق, لا | |
تنافي الصبر الجميل, لأن النبي, إذا وعد, وفى. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يا بشرى هذا غلام | |
وأسروه بضاعة والله عليم بما يعملون " </h1> | |
<p>أي: مكث يوسف في الجب, ما مكث, حتى " وَجَاءَتْ | |
سَيَّارَةٌ " أي: قافلة تريد مصر. <br> | |
" فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ " أي. <br> | |
فرطهم ومقدمهم, الذي يعس لهم المياه, ويسبرها ويستعد لهم بتهيئة الحياض ونحو ذلك. <br> | |
" فَأَدْلَى " ذلك الوارد " | |
دَلْوَهُ " فتعلق فيه يوسف عليه السلام, وخرج. <br> | |
" قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ " أي: استبشر | |
وقال: هذا غلام نفيس. <br> | |
" وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً " وكان إخوته قريبا | |
منه, فاشتراه السيارة منهم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين " </h1> | |
<p>" | |
بِثَمَنٍ بَخْسٍ " أي قليل جدا, فسره بقوله: " دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ " | |
. <br> | |
لأنه لم يكن لهم قصد, إلا تغييبه, وإبعاده عن أبيه, ولم يكن لهم قصد في أحذ ثمنه. <br> | |
والمعنى في هذا: أن السيارة, لما وجدوه, عزموا أن يسروا أمره, ويجعلوه من جملة | |
بضائعهم, التي معهم, حتى جاء إخوته, فزعموا أنه عبد أبق منهم. <br> | |
فاشتروه منهم, بذلك الثمن, واستوثقوا منهم فيه, لئلا يهرب, والله أعلم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو | |
نتخذه ولدا وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على | |
أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون " </h1> | |
<p>أي لما ذهب به السيارة إلى مصر, وباعوه بها, فاشتراه عزيز مصر. <br> | |
فلما اشتراه, أعجب به, ووصى عليه امرأته وقال: " أَكْرِمِي | |
مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا " أي: إما | |
أن ينفعنا كنفع العبيد, بأنواع الخدم. <br> | |
وإما أن نستمتع فيه, استمتاعنا بأولادنا, ولعل ذات أنه لم يكن لهما, ولد. <br> | |
" وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ " أي: | |
كما يسرنا له أن يشتريه عزيز مصر, ويكرمه هذا الإكرام, جعلنا هذا, مقدمة لتمكينه | |
في الأرض, من هذا الطريق. <br> | |
" وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ " إذا | |
بقي لا شغل له ولا هم سوى العلم صار ذلك من أسباب تعلمه علما كثيرا, من علم | |
الأحكام, وعلم التعبير, وغير ذلك. <br> | |
" وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ " أي: أمره | |
تعالى نافذ, لا يبطله مبطل, ولا يغلبه مغالب. <br> | |
" وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ " . | |
<br> | |
فلذلك يجري منهم, ويصدر, في مغالبة أحكام الله القدرية, وهم أعجز, وأضعف من ذلك. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين " </h1> | |
<p>أي: " وَلَمَّا بَلَغَ " يوسف " أَشُدَّهُ " أي: كمال قوته المعنوية والحسية, وصلح | |
لأن يتحمل الأحمال الثقيلة, من النبوة, والرسالة. <br> | |
" آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا " أي: جعلناه | |
نبيا رسولا, وعالما ربانيا. <br> | |
" وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ " في عبادة | |
الخالق, ببذل الجهد والنصح فيها, وإلى عباد الله, ببذل النفع والإحسان إليهم, | |
نؤتيهم من جملة الجزاء على إحسانهم, علما نافعا. <br> | |
ودل هذا, على أن يوسف في مقام الإحسان, فأعطاه الله الحكم بين الناس, والعلم | |
الكثير والنبوة. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك | |
قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون " </h1> | |
<p>هذه المحنة العظيمة, أعظم على يوسف, من محنة إخوته, وصبره عليها, أعظم | |
أجرا, لأنه صبر اختيار, مع وجود الدواعي الكثيرة, لوقوع الفعل, فقدم محبة الله | |
عليها. <br> | |
وأما محنته بإخوته, فصبره صبر اضطرار, بمنزلة الأمراض والمكاره التي تصيب العبد | |
بغير اختياره وليس له ملجأ إلا الصبر عليها, طائعا أو كارها. <br> | |
وذلك أن يوسف عليه الصلاة والسلام, بقي مكرما في بيت العزيز. <br> | |
وكان له من الجمال, والكمال, والبهاء, ما أوجب ذلك, أن " | |
وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ " أي: هو | |
غلامها, وتدبيرها, والمسكن واحد, يتيسر فيه إيقاع الأمر المكروه, من غير شعور أحد, | |
ولا إحساس بشر. <br> | |
وزادت المصيبة, بأن " وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ " وصار | |
المحل خاليا, وهما آمنان من دخول أحد عليهما, بسبب تغليق الأبواب. <br> | |
وقد دعته إلى نفسها " وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ " أي: | |
افعل الأمر المكروه وأقبل إلي. <br> | |
ومع هذا, فهو غريب, لا يحتشم مثله, ما يحتشمه إذا كان في وطنه, وبين معارفه. <br> | |
وهو أسير تحت يدها, وهي سيدته, وفيها من الجمال, ما يدعو إلى ما هنالك. <br> | |
وهو شاب عزب, وقد توعدته, إن لم يفعل ما تأمرة به, بالسجن, أو العذاب الأليم. <br> | |
فصبر عن معصية الله, مع وجود الداعي القوي فيه, لأنه قد هم فيها, هما, تركه لله, | |
وقدم مراد الله على مراد النفس الأمارة بالسوء. <br> | |
ورأى من برهان ربه - وهو ما معه من العلم والإيمان, الموجب, لترك كل ما حرم الله - | |
ما أوجب له البعد والانكفاف, عن هذه المعصية الكبيرة. <br> | |
" قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ " أي. <br> | |
أعوذ بالله, أن أفعل هذا الفعل القبيح, لأنه مما يسخط الله, ويبعد عنه, ولأنه | |
خيانة في حق سيدي, الذي أكرم مثواي. <br> | |
فلا يليق بي, أن أقابله في أهله, بأقبح مقابلة, وهذا من أعظم الظلم والظالم لا | |
يفلح. <br> | |
والحاصل أنه جعل الموانع له من هذا الفعل, تقوى الله, ومراعاة حق سيده, الذي | |
أكرمه, وصيانة نفسه عن الظلم, الذي لا يفلح من تعاطاه. <br> | |
وكذلك ما من الله عليه, من برهان الإيمان, الذي في قلبه, يقتضي منه, امتثال | |
الأوامر, واجتناب الزواجر. <br> | |
والجامع لذلك كله. <br> | |
أن الله صرف عنه السوء والفحشاء, لأنه من عباده المخلصين له, في عباداتهم, الذين | |
أخلصهم الله, واختارهم, واختصهم لنفسه, وأسدى عليهم من النعم, وصرف عنهم المكاره, | |
ما كانوا به من خيار خلقه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب قالت | |
ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم " </h1> | |
<p>ولما امتنع من إجابة طلبها, بعد المراودة الشديدة, وذهب ليهرب عنها, | |
ويبادر إلى الخروج من الباب, ليتخلص, ويهرب من الفتنة. <br> | |
فبادرت إليه, وتعلقت بثوبه, فشقت قميصه. <br> | |
فلما وصلا إلى الباب, في تلك الحال, ألفيا سيدها, أي. <br> | |
زوجها لدى الباب, فرأي أمرا شق عليه. <br> | |
فبادرت إلى الكذب, وادعت أن المراودة, قد كانت من يوسف, وقالت: " | |
مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا " ولم تقل " من فعل بأهلك سوءا " تبرئة لها, وتبرئة له أيضا, من | |
الفعل. <br> | |
وإنما النزاع عن الإرادة, والمراوده. <br> | |
" إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " أي: | |
أو يعذب عذابا أليما. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من | |
قبل فصدقت وهو من الكاذبين " </h1> | |
<p>فبرأ نفسه, مما رمته به, وقال: " هِيَ | |
رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي " فحينئذ احتملت الحال, صدق كل واحد منهما, | |
ولك يعلم أيهما. <br> | |
ولكن الله تعالى, جعل للحق والصدق, علامات, وأمارات تدل عليه, قد يعلمها العباد, | |
وقد لا يعلمونها. <br> | |
فمن الله في هذه القضية, بمعرفة الصادق منهما, تبرئة لنبيه وصفيه, يوسف عليه | |
السلام. <br> | |
فبعث شاهدا من أهل بيتها, يشهد بقرينة من وجدت معه, فهو الصادق, فقال: " إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ | |
الْكَاذِبِينَ " لأن ذلك يدل على أنه هو المقبل عليها, المراود لها, | |
المعالج, وأنها أرادت أن تدفعه عنها, فشقت قميصه من هذا الجانب.</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين " </h1> | |
<p>" | |
وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ | |
" . <br> | |
لأن ذلك, يدل على هروبه منها, وأنها هي التي طلبته, فشقت قميصه من هذا الجانب. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم | |
" </h1> | |
<p>" | |
فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ " عرف بذلك صدق يوسف وبراءته, وأنها هي الكاذبة. <br> | |
فقال لها سيدها: " إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ | |
كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ " وهل أعظم من هذا الكيد, الذي برأت به نفسها, | |
لما أرادت وفعلت, ورمت به نبي الله, يوسف عليه السلام. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين " </h1> | |
<p>ثم إن سيدها لما تحقق الأمر, قال ليوسف: " يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا " . <br> | |
أي: اترك الكلام فيه, وتناسه, ولا تذكره لأحد, طلبا للستر على أهله. <br> | |
" وَاسْتَغْفِرِي " أيتها المرأة " | |
لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ " فأمر يوسف بالإعراض, | |
وأمرها بالاستغفار والتوبة. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد | |
شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين " </h1> | |
<p>يعني: أن الخبر اشتهر وشاع في البلد, وتحدث به النسوة, فجعلن يلمنها, | |
ويقلن: " امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ | |
نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا " أي: هذا أمر مستقبح, هي امرأة كبيرة | |
القدر, وزوجها كبير القدر, ومع هذا, لم تزل تراود فتاها, الذي تحت يدها, وفي | |
خدمتها - عن نفسه. <br> | |
ومع هذا فإن حبه, قد بلغ من قلبها, مبلغا عظيما. <br> | |
" قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا " , أي: وصل حبه إلى | |
شغاف قلبها, وهو: باطنه وسويداؤه. <br> | |
وهذا أعظم ما يكون من الحب. <br> | |
" إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ " حيث | |
وجدت منها هذه الحالة, التي لا ينبغي منها, وهي حالة تحط قدرها, وتضعه عند الناس. <br> | |
وكان هذا القول منهن مكرا, ليس المقصود به, مجرد اللوم لها, والقدح فيها. <br> | |
وإنما أردن أن يتوصلن بهذا الكلام, إلى رؤية يوسف, الذي فتنت به امرأة العزيز, | |
لتحنق امرأة العزيز, وتريهن إياه, ليعذرنها ولهذا سماه: مكرا, فقال: </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكأ وآتت كل واحدة | |
منهن سكينا وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا | |
بشرا إن هذا إلا ملك كريم " </h1> | |
<p>" فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ | |
" تدعوهن إلى منزلها للضيافة. <br> | |
" وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً " أي: محلا | |
مهيأ بأنواع الفرش والوسائد, وما يقصد بذلك من المآكل اللذيذة, وكان في جملة ما | |
أتت به وأحضرته, في تلك الضيافة, طعام يحتاج إلى سكين, إما أترج, أو غيره. <br> | |
" وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا " ليقطعن | |
بها ذلك الطعام " وَقَالَتِ " ليوسف: " اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ " في حالة جماله وبهائه. <br> | |
" فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ " أي: أعظمنه | |
في صدورهن, ورأين منظرا فائقا, لم يشاهدن مثله. <br> | |
" وَقَطَّعْنَ " من الدهش " | |
أَيْدِيَهُنَّ " بتلك السكاكين, اللاتي معهن. <br> | |
" وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ " أي تنزيها لله " مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ " . | |
<br> | |
وذلك أن يوسف, أعطي من الجمال الفائق, والنور, والبهاء, ما كان به آية للناظرين, | |
وعبرة للمتأملين. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن | |
لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين " </h1> | |
<p>فلما تقرر عندهن جمال يوسف الظاهر, وأعجبهن | |
غاية العجب, وظهر منهن من العذر لامرأة العزيز, شيء كثير - أرادت أن تريهن جماله | |
الباطن, بالعفة التامة - فقالت - معلنة لذلك, ومبينة لحبه الشديد, غير مبالية, | |
ولأن اللوم انقطع عنها من النسوة: " فَذَلِكُنَّ الَّذِي | |
لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ " أي: | |
امتنع وهي مقيمة على مراودته, لم تزدها مرور الأوقات, إلا قلقا ومحبة وشوقا لوصاله | |
وتوقا. <br> | |
ولهذا قالت له بحضرتهن: " وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ | |
لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَ مِنَ الصَّاغِرِينَ " . <br> | |
لتلجئه بهذا الوعيد, إلى حصول مقصودها منه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب | |
إليهن وأكن من الجاهلين " </h1> | |
<p>فعند ذلك, اعتصم يوسف بربه, واستعان به على | |
كيدهن و " قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا | |
يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ " وهذا يدل, أن النسوة, جعلن يشرن على يوسف في | |
مطاوعة سيدته, وجعلن يكدنه في ذلك. <br> | |
فاستحب السجن والعذاب الدنيوي, على لذة حاضرة, توجب العذاب الشديد. <br> | |
" وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ | |
" أي: أمل إليهن, فإني ضعيف عاجز. <br> | |
إن لم تدفع عني السوء, صبوت إليهن " وَأَكُنْ مِنَ | |
الْجَاهِلِينَ " فإن هذا جهل. <br> | |
لأنه آثر لذة قليلة منغصة, على لذات متتابعات, وشهوات متنوعات, في جنات النعيم. <br> | |
ومن آثر هذا, على هذا, فمن أجهل منه؟!! فإن العلم والعقل, يدعو إلى تقديم أعظم | |
المصلحتين, وأعظم اللذتين, ويؤثر, ما كان محمود العاقبة. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم " </h1> | |
<p>" فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ " حين دعاه " فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ " فلم | |
تزل تراوده وتستعين عليه, بما تقدر عليه من الوسائل, حتى آيسها, وصرف الله عنه | |
كيدها. <br> | |
" إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ " لدعاء الداعي " الْعَلِيمُ " بنيته الصالحة, وبنيته الضعيفة المقتضية | |
لإمداده بمعونته ولطفه. <br> | |
فهذا ما نجى الله به يوسف من هذه الفتنة الملمة, والمحنة الشديدة. <br> | |
وأما أسياده, فإنه لما اشتهر الخبر وبان, وصار الناس فيها, بين عاذر, ولائم, | |
وقادح. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين " </h1> | |
<p>" | |
بَدَا لَهُمْ " أي: ظهر لهم " | |
مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ " الدالة على براءته. <br> | |
" لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ " أي: لينقطع | |
بذلك, الخبر, ويتناساه الناس. <br> | |
فإن الشيء إذا شاع, لم يزل يذكر, ويشيع, مع وجود أسبابه, فإذا عدمت أسبابه نسي. <br> | |
فرأوا أن هذا مصلحة لهم, فأدخلوه في السجن. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال | |
الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من | |
المحسنين " </h1> | |
<p>أي ولما دخل يوسف السجن, كان من جملة من " | |
وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ " أي: شابان, فرأى كل واحد منهما | |
رؤيا, فقصها على يوسف ليعبرها. <br> | |
" قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا | |
وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا " وذلك | |
الخبز " تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ " . <br> | |
" نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ " أي: بتفسيره, وما | |
يئول إليه أمره. <br> | |
وقولهما: " إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ " أي: | |
من أهل الإحسان إلى الخلق فأحسن إلينا في تعبيرك لرؤيانا, كما أحسنت إلى غيرنا, | |
فتوسلا ليوسف بإحسانه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن | |
يأتيكما ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم | |
كافرون " </h1> | |
<p>" | |
قَالَ " لهما مجيبا لطلبهما: " | |
لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ | |
قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا " أي: فلتطمئن قلوبكما, فإني سأبادر إلى | |
تعبير رؤياكما, فلا يأتيكما غداؤكما, أو عشاؤكما, أول ما يجيء إليكما, إلا نبأتكما | |
بتأويله, قبل أن يأتيكما. <br> | |
ولعل يوسف, عليه الصلاة والسلام, قصد أن يدعوهما إلى الإيمان في هذه الحال, التي | |
بدت حاجتهما إليه, ليكون أنجع لدعوته, وأقبل لهما. <br> | |
ثم قال: " ذَلِكُمَا " التعبير الذي سأعبره لكما " مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي " . <br> | |
أي: هذا من علم الله علمنيه, وأحسن إلي به, وذلك " إِنِّي | |
تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ | |
كَافِرُونَ " . <br> | |
والترك, كما يكون للداخل في شيء ثم ينتقل عنه, يكون لمن لم يدخل فيه أصلا. <br> | |
فلا يقال: إن يوسف, كان من قبل, على غير ملة إبراهيم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك | |
بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون " </h1> | |
<p>" وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ | |
وَيَعْقُوبَ " ثم فسر تلك الملة بقوله: " مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ " بل | |
نفرد الله بالتوحيد, ونخلص له الدين والعبادة. <br> | |
" ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ | |
" أي: هذا من أفضل منته وإحسانه وفضله علينا, وعلى من هداه الله كما | |
هدانا, فإنه لا أفضل من منة الله على العباد بالإسلام, والدين القويم. <br> | |
فمن قبله وانقاد له, فهو حظه, وقد حصل له أكبر النعم وأجل الفضائل. <br> | |
" وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ " فلذلك | |
تأتيهم المنة والإحسان, فلا يقبل |