سورة الرعد - تفسير السعدي | |
| | |
" المر تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحق ولكن | |
| أكثر الناس لا يؤمنون " | |
يخبر تعالى: أن | |
| هذا القرآن, هو آيات الكتاب الدالة, على كل ما يحتاج إليه العباد من أصول الدين | |
| وفروعه, وأن الذي أنزل إلى الرسول من ربه, هو الحق المبين. | |
| لأن إخباره صدق, وأوامره, ونواهيه, عدل, مؤيدة بالأدلة والبراهين القاطعة. | |
| فمن أقبل عليه, وعلى علمه, كان من أهل العلم بالحق, الذي يوجب لهم علمهم به, العمل | |
| بما أوجب الله. | |
| " وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ " بهذا القرآن, إما | |
| جهلا, وإعراضا عنه, وعدم اهتمام به, وإما عنادا وظلما. | |
| فلذلك أكثر الناس, غير منتفعين به, لعدم السبب الموجب للانتفاع. | |
" الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش | |
| وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم | |
| توقنون " | |
يخبر تعالى عن انفراده بالخلق والتدبير, والعظمة والسلطان, الدال على | |
| أنه وحده المعبود, الذي لا تنبغي العبادة إلا له فقال: " | |
| اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ " على عظمها واتساعها, بقدرته | |
| العظيمة. | |
| " بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا " أي ليس لها عمد | |
| من تحتها, فإنه لو كان لها عمد, لرأيتموها. | |
| " ثُمَّ " بعد ما خلق السماوات والأرض " اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ " العظيم الذي هو أعلى | |
| المخلوقات, استواء يليق بجلاله, ويناسب كماله. | |
| " وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ " لمصالح | |
| العباد ومصالح مواشيهم وثمارهم. | |
| " كُلِّ " من الشمس والقمر " | |
| يَجْرِي " بتدبير العزيز العليم. | |
| " إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى " بسير منتظم, لا | |
| يفتران, ولا ينيان, حتى يجيء الأجل المسمى وهو طي الله هذا العالم, ونقلهم إلى | |
| الدار الآخرة, التي هي دار القرار. | |
| فعند ذلك يطوي الله السماوات, ويبدلها, ويغير الأرض ويبدلها. | |
| فتكور الشمس والقمر, ويجمع بينهما, فيلقيان في النار, ليرى من عبدهما أنهما غير | |
| أهل للعبادة فيتحسر بذلك أشد الحسرة, وليعلم الذين كفروا, أنهم كانوا كاذبين. | |
| وقوله " يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ " هذا | |
| جمع بين الخلق والأمر. | |
| أي: قد استوى الله العظيم على سرير الملك, يدبر الأمور في العالم العلوي والسفلي. | |
| فيخلق ويرزق, ويغني, ويفقر, ويرفع أقواما, ويضع آخرين, ويعز ويذل, ويخفض ويرفع, | |
| ويقيل العثرات, ويفرج الكربات, وينفذ الأقدار في أوقاتها, التي سبق بها علمه, وجرى | |
| بها قلمه. | |
| ويرسل ملائكته الكرام, لتدبير ما جعلهم على تدبيره. | |
| وينزل الكتب الإلهية على رسله, ويبين ما يحتاج إليه العباد من الشرائع, والأوامر | |
| والنواهي, ويفصلها غاية التفصيل, ببيانها, وإيضاحها وتمييزها. | |
| " لَعَلَّكُمْ " بسبب ما أخرج لكم من الآيات | |
| الأفقية, والآيات القرآنية. | |
| " بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ " فإن كثرة الأدلة | |
| وبيانها ووضوحها, من أسباب حصول اليقين, في جميع الأمور الإلهية, خصوصا في العقائد | |
| الكبار, كالبعث والنشور والإخراج من القبور. | |
| وأيضا, فقد علم أن الله تعالى, حكيم لا يخلق الخلق سدى, ولا يتركهم عبثا. | |
| فكما أنه أرسل رسله, وأنزل كتبه, لأمر العباد ونهيهم, فلا بد أن ينقلهم إلى دار, | |
| يحل فيها جزاؤه, فيجازى المحسنين بأحسن الجزاء, ويجازى المسيئين بإساءتهم. | |
" وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل | |
| فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " | |
" | |
| وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ " أي: خلقها | |
| للعباد, ووسعها, وبارك فيها, ومدهها للعباد, وأودع فيها من مصالحهم ما أودع. | |
| " وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ " أي: جبالا عظاما, | |
| لئلا تميد بالخلق. | |
| فإنه لولا الجبال, لمادت بأهلها, لأنها على تيار ماء, لا ثبوت لها, ولا استقرار, | |
| إلا بالجبال الرواسي, التي جعلها الله أوتادا لها. | |
| وجعل فيها " وَأَنْهَارًا " , تسقي الآدميين | |
| وبهائمهم وحروثهم. | |
| فأخرخ بها من الأشجار والزروع والثمار, خيرا كثيرا ولهذا قال: " | |
| وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ " أي: | |
| صنفين, مما يحتاج إليه العباد. | |
| " يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ " فتظلم الآفاق, | |
| فيسكن كل حيوان إلى مأواه, ويستريحون من التعب والنصب في النهار. | |
| ثم إذا قضوا مأربهم من النوم, غشي النهار الليل, فإذا هم مصبحون ينتشرون في | |
| مصالحهم وأعمالهم في النهار. | |
| " ومن رحمته, جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه, وتبتغوا من | |
| فضله, ولعلكم تشكرون " . | |
| " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ " على المطالب | |
| الإلهية " لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " فيها, | |
| وينظرون فيها نظرة اعتبار دالة على أن الذي خلقها ودبرها, وصرفها, هو الله الذي لا | |
| إله إلا هو, ولا معبود سواه, وأنه عالم الغيب والشهادة, الرحمن الرحيم, وأنه | |
| القادر على كل شيء, الحكيم في كل شيء, المحمود على ما خلقه وأمر به, تبارك وتعالى. | |
" وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير | |
| صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون | |
| " | |
ومن الآيات على كمال قدرته, وبديع صنعته, " وَفِي | |
| الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ " فيها أنواع الأشجار " مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ " وغير ذلك. | |
| والنخيل التي بعضها " صِنْوَانٌ " أي: عدة أشجار | |
| في أصل واحد. | |
| " وَغَيْرُ صِنْوَانٍ " بأن كان كل شجرة على | |
| حدتها. | |
| والجميع " يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ " وأرضه واحدة | |
| " وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ " لونا, | |
| وطعما, ونفعا, ولذة. | |
| فهذه أرض طيبة, تنبت الكلأ والعشب الكثير, والأشجار والزروع. | |
| وهذه أرض تلاصقها, لا تنبت كلاء, ولا تمسك ماء. | |
| وهذه تمسك الماء, ولا تنبت الكلأ. | |
| وهذه تنبت الزرع والأشجار, ولا تنبت الكلأ. | |
| وهذه الثمرة حلوة, وهذه مرة, وهذه بين ذلك. | |
| فهل هذا التنوع, في ذاتها وطبيعتها؟ أم ذلك تقدير العزيز الرحيم؟ " | |
| إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ " أي: لقوم لهم عقول | |
| تهديهم إلى ما ينفعهم, وتقودهم إلى ما يرشدون به ويعقلون عن الله, وصاياه وأوامره | |
| ونواهيه. | |
| وأما أهل الإعراض, وأهل البلادة, فهم في ظلماتهم يعمهون, وفي غيرهم يترددون. | |
| لا يهتدون إلى ربهم سبيلا, ولا يعون له قيلا. | |
" وإن تعجب فعجب قولهم أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد أولئك | |
| الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون | |
| " | |
يحتمل أن معنى قوله " وَإِنْ تَعْجَبْ " من | |
| عظمة الله تعالى, وكثرة أدلة التوحيد. | |
| فإن العجب - مع هذا - إنكار المكذبين, وتكذيبهم بالبعث. | |
| وقولهم " أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ | |
| جَدِيدٍ " أي: هذا بعيد في غاية الامتناع بزعمهم, أنهم بعد ما كانوا | |
| ترابا, أن الله يعيدهم. | |
| فإنهم - من جهلهم - قاسوا قدرة الخالق بقدرة المخلوق. | |
| فلما رأوا هذا ممتنعا, في قدرة المخلوق, ظنوا أنه ممتنع على قدرة الخالق. | |
| ونسوا أن الله خلقهم أول مرة, ولم يكونوا شيئا. | |
| ويحتمل أن معناه: وإن تعجب من قولهم وتكذيبهم للبعث, فإن ذلك من العجائب. | |
| فإن الذي توضح له الآيات, ويرى من الأدلة القاطعة على البعث, ما لا يقبل الشك | |
| والريب, ثم ينكر ذلك, فإن قوله من العجائب. | |
| ولكن ذلك لا يستغرب على " أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا | |
| بِرَبِّهِمْ " وجحدوا وحدانيته, وهي أظهر الأشياء وأجلاها. | |
| " وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ " المانعة لهم من | |
| الهدى " فِي أَعْنَاقِهِمْ " حيث دعوا إلى | |
| الإيمان, فلم يؤمنوا, وعرض عليهم الهدى فلم يهتدوا. | |
| فقلبت قلوبهم وأفئدتهم, عقوبة على أنهم لم يؤمنوا به أول مرة. | |
| " وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ | |
| " لا يخرجون منها أبدا. | |
" ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات وإن | |
| ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب " | |
يخبر تعالى, عن جهل المكذبين لرسوله, المشركين له, الذين وعظوا فلم | |
| يتعظوا, وأقيمت عليهم الأدلة, فلم ينقادوا لها. | |
| بل جاهروا بالإنكار, واستدلوا بحلم الله الواحد القهار عنهم, وعدم معاجلتهم | |
| بذنوبهم, أنهم على حق, وجعلوا يتعجلون الرسول بالعذاب, ويقول قائلهم: " اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك, فأمطر علينا حجارة من السماء, | |
| أو ائتنا بعذاب أليم " . | |
| والحال أنه " وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ | |
| " أي: وقائع الله وأيامه في الأمم المكذبين, أفلا يتفكرون في حالهم, | |
| ويتركون جهلهم. | |
| " وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى | |
| ظُلْمِهِمْ " أي: لا يزال خيره إليهم, وإحسانه, وبره, وعفوه نازلا إلى | |
| العباد. | |
| وهم لا يزال شركهم, وعصيانهم إليه صاعدا. | |
| يعصونه فيدعوهم إلى بابه, ويجرمون, فلا يحرمهم خيره وإحسانه. | |
| فإن تابوا إليه, فهو حبيبهم, لأنه يحب التوابين, ويحب المتطهرين وإن لم يتوبوا, | |
| فهو طبيبهم, يبتليهم بالمصائب, ليطهرهم من المعايب " قل يا | |
| عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا, | |
| إنه هو الغفور الرحيم " . | |
| " وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ " على من | |
| لم يزل مصرا على الذنوب, قد أبى التوبة والاستغفار والالتجاء إلى العزيز الغفار. | |
| فليحذر العباد عقوباته بأهل الجرائم, فإن أخذه أليم شديد. | |
" ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه إنما أنت منذر | |
| ولكل قوم هاد " | |
أي: ويقترح الكفار عليك من الآيات, التي يعينون ويقولون: " لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ " ويجعلون | |
| هذا القول منهم. | |
| عذرا لهم في عدم الإجابة إلى الرسول. | |
| والحال, أنه منذر, ليس له من الأمر شيء, والله هو الذي ينزل الآيات. | |
| وقد أيده بالأدلة البينات, التي لا تخفى على أولي الألباب, وبها يهتدي من قصده | |
| الحق. | |
| وأما الكافر, الذي - من ظلمه وجهله - يقترح على الله الآيات, فهذا اقتراح منه, | |
| باطل وكذب وافتراء. | |
| فإنه لو جاءته أي آية كانت, لم يؤمن ولم ينقد, لأنه لم يمتنع من الإيمان, لعدم ما | |
| يدله على صحته, وإنما ذلك, لهوى نفسه, واتباع شهوته. | |
| " وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ " أي: داع يدعو إلى | |
| الهدى, من الرسل وأتباعهم. | |
| ومعهم من الأدلة والبراهين, ما يدل على صحة ما معهم من الهدى. | |
" الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء | |
| عنده بمقدار " | |
يخبر تعالى, بعموم علمه, وسعة اطلاعه, وإحاطته بكل شيء فقال: " اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى " من | |
| بني آدم وغيرهم. | |
| " وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ " أي: تنقص مما | |
| فيها, إما أن يهلك الحمل, أو يتضاءل أو يضمحل. | |
| " وَمَا تَزْدَادُ " الأرحام وتكبر الأجنة التي | |
| فيها. | |
| " وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ " لا | |
| يتقدم عليه ولا يتأخر, ولا يزيد ولا ينقص إلا بما تقتضيه حكمته وعلمه. | |
" عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال " | |
فإنه " عَالِمُ | |
| الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ " في ذاته, وأسمائه, وصفاته " الْمُتَعَالِ " على جميع خلقه, بذاته وقدرته, وقهره. | |
" سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب | |
| بالنهار " | |
" سَوَاءٌ مِنْكُمْ " في | |
| علمه وسمعه, وقهره. | |
| " مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ | |
| مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ " أي: مستقر بمكان خفي فيه. | |
| " وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ " أي: داخل سربه في | |
| النهار, والسرب هو: ما يستخفى فيه الإنسان, إما جوف بيته, أو غار, أو مغارة, أو | |
| نحو ذلك. | |
" له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله إن الله لا | |
| يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم | |
| من دونه من وال " | |
" لَهُ | |
| " أي للإنسان " | |
| مُعَقِّبَاتٌ " من الملائكة, يتعاقبون في الليل والنهار. | |
| " مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ | |
| أَمْرِ اللَّهِ " أي: يحفظون بدنه وروحه, من كل من يريده بسوء, | |
| ويحفظون عليه أعماله, وهم ملازمون له دائما. | |
| فكما أن علم الله محيط به, فالله قد أرسل هؤلاء الحفظة على العباد, بحيث لا تخفى | |
| أحوالهم ولا أعمالهم, ولا ينسى منها شيئا. | |
| " إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ " من | |
| النعمة والإحسان, ورغد العيش " حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا | |
| بِأَنْفُسِهِمْ " بأن ينتقلوا من الإيمان إلى الكفر, ومن الطاعة إلى | |
| المعصية. | |
| أو من شكر نعم الله إلى البطر بها, فيسلبهم الله إياها عند ذلك. | |
| وكذلك إذا غير العباد, ما بأنفسهم من المعصية, فانتقلوا إلى طاعة الله, غير الله | |
| عليهم, ما كانوا فيه من الشقاء, إلى الخير والسرور والغبطة والرحمة. | |
| " وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا " أي: | |
| عذابا وشدة, وأمرا يكرهونه, فإن إرادته, لا بد أن تنفذ فيهم. | |
| فـإنه " فَلَا مَرَدَّ لَهُ " ولا أحد يمنعهم | |
| منه. | |
| " وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ " يتولى | |
| أمورهم, فيجلب لهم المحبوب, ويدفع عنهم المكروه. | |
| فليحذروا من الإقامة على ما يكره الله, خشية أن يحل بهم من العقاب ما لا يرد عن | |
| القوم المجرمين. | |
" هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال " | |
يقول تعالى: " هُوَ | |
| الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا " أي: يخاف منه | |
| الصواعق والهدم, وأنواع الضرر, على بعض الثمار ونحوها, ويطمع في خيره ونفعه. | |
| " وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ " بالمطر الغزير, | |
| الذي به نفع العباد والبلاد. | |
" ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها | |
| من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال " | |
" | |
| وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ " وهو | |
| الصوت, الذي يسمع من السحاب المزعج للعباد, فهو خاضع لربه, مسبح بحمده. | |
| " و " تسبح " الْمَلَائِكَةُ | |
| مِنْ خِيفَتِهِ " أي: خشعا لربهم, خائفين من سطوته. | |
| " وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ " وهي هذه النار, التي | |
| تخرج من السحاب. | |
| " فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ " من عباده, بحسب | |
| ما شاءه وأراده " وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ | |
| شَدِيدُ الْمِحَالِ " أي: شديد الحول والقوة, فلا يريد شيئا إلا فعله, | |
| ولا يتعاصى عليه شيء, ولا يفوته هارب | |
" له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا | |
| كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال | |
| " | |
فإذا كان هو وحده, الذي يسوق للعباد الأمطار والسحب, التي فيها مادة | |
| أرزاقهم, وهو الذي يدبر الأمور, وتخضع له المخلوقات العظام, التي يخاف منها, وتزعج | |
| العباد, وهو شديد القوة - فهو الذي يستحق أن يعبد وحده ولا شريك له. | |
| ولهذا قال: " لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ " إلى " إِلَّا فِي ضَلَالٍ " . | |
| " لَهُ " أي: لله وحده " | |
| دَعْوَةُ الْحَقِّ " وهي: عبادته وحده لا شريك له وإخلاص دعاء | |
| العبادة, ودعاء المسألة له تعالى. | |
| أي: هو الذي ينبغي أن يصرف له الدعاء, والخوف, والرجاء, والحب, والرغبة, والرهبة, | |
| والإنابة, لأن ألوهيته, هي الحق, وألوهية غيره, باطلة. | |
| " وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ " من | |
| الأوثان, والأنداد, التي جعلوها شركاء لله. | |
| " لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ " أي: لمن يدعوها | |
| ويعبدها, بشيء قليل ولا كثير, لا من أمور الدنيا, ولا من أمور الآخرة. | |
| " إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ " الذي | |
| لا تناله كفاه لبعده. | |
| " لِيَبْلُغَ " ببسط كفيه إلى الماء " فَاهُ " , فإنه عطشان, ومن شدة عطشه, يتناول بيده | |
| ويبسطها إلى الماء الممتنع وصولها إليه, فلا يصل إليه. | |
| كذلك الكفار, الذين يدعون مع الله آلهة, لا يستجيبون لهم بشيء, ولا ينفعونهم في | |
| أشد الأوقات إليهم حاجة, لأنهم فقراء, كما أن من دعوهم فقراء, لا يملكون مثقال ذرة | |
| في الأرض ولا في السماء وما لهم فيها من شرك, وما له منهم من ظهير. | |
| " وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ " لبطلان | |
| ما يدعون من دون الله. | |
| فبطلت عبادتهم ودعاؤهم, لأن الوسيلة تبطل ببطلان غايتها. | |
| ولما كان الله تعالى, هو الملك الحق المبين, كانت عبادته حقا, متصلة النفع بصاحبها | |
| في الدنيا الآخرة. | |
| وتشبيه دعاء الكافرين لغير الله, بالذي يبسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه من أحسن | |
| الأمثلة. | |
| فإن ذلك تشبيه بأمر محال, فكما أن هذا محال, فالمشبه به محال. | |
| والتعلق على المحال, من أبلغ ما يكون في نفي الشيء كما قال تعالى " | |
| إن الذين كفروا وكذبوا بآياتنا لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج | |
| الجمل في سم الخياط " . | |
" ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو | |
| والآصال " | |
أي: جميع ما احتوت عليه السماوات والأرض كلها, خاضعة لربها, تسجد له " طَوْعًا وَكَرْهًا " . | |
| فالطوع لمن يأتي بالسجود والخضوع, اختيارا, كالمؤمنين. | |
| والكره, لمن يستكبر عن عبادة ربه, وحاله وفطرته, تكذبه في ذلك. | |
| " وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ " أي: | |
| وتسجد له ظلال المخلوقات, أول النهار وآخره, وسجود كل شيء,, بحسب حاله كما قال | |
| تعالى: " وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم | |
| " | |
" قل من رب السماوات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء | |
| لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات | |
| والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء | |
| وهو الواحد القهار " | |
فإذا كانت المخلوقات كلها تسجد لربها طوعا وكرها, كان هو الإله حقا, | |
| المعبود المحمود حقا, وإلاهية غيره باطلة. | |
| ولهذا ذكر بطلانها وبرهن عليه بقوله: " قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ | |
| " إلى " الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ " . | |
| أي: قل لهؤلاء المشركين به, أوثانا وأندادا, يحبونها كما يحبون الله, ويبذلون لها | |
| أنواع التقربات والعبادات: أفتاهت عقولكم, حتى اتخذتم من دونه أولياء, تتولونهم | |
| بالعبادة, وليسوا بأهل لذلك؟ فإنهم " لَا يَمْلِكُونَ | |
| لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا " , وتتركون ولاية من هو كامل | |
| الأسماء والصفات, المالك للأحياء والأموات, الذي بيده الخلق والتدبير, والنفع | |
| والضر؟ فما تستوي عبادة الله وحده, وعبادة المشركين به. | |
| " قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ | |
| تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ " ؟ فإن كان عندهم شك واشتباه, | |
| وجعلوا له شركاء, زعموا أنهم خلقوا كخلقه, وفعلوا كفعله, فأزل عنهم هذا الاشتباه | |
| واللبس, بالبرهان الدال على تفرد الإله بالوحدانية. | |
| فقل لهم: " اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ " فإنه | |
| من المحال أن يخلق شيء من الأشياء نفسه. | |
| ومن المحال أيضا, أن يوجد من دون خالق. | |
| فتعين أن لها إلها خالقا, لا شريك له في خلقه, لأنه الواحد القهار. | |
| فإنه لا توجد الوحدة والقهر, إلا لله وحده. | |
| فالمخلوقات وكل مخلوق, فوقه مخلوق يقهره ثم فوق ذلك القاهر, قاهر أعلى منه, حتى | |
| ينتهي القهر للواحد القهار. | |
| فالقهر والتوحيد, متلازمان, متعينان لله وحده. | |
| فتبين بالدليل العقلي القاهر, أن ما يدعى من دون الله, ليس له شيء من خلق | |
| المخلوقات, وبذلك كانت عبادته باطلة. | |
" أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا | |
| ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق | |
| والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله | |
| الأمثال " | |
شبه تعالى الهدى, الذي أنزل على رسوله لحياة القلوب والأرواح, بالماء | |
| الذي أنزله لحياة الأشباح. | |
| وشبه ما في الهدى من النفع العام الكثير, الذي يضطر إليه العباد, بما في المطر من | |
| النفع العام الضروري. | |
| وشبه القلوب الحاملة للهدى وتفاوتها, بالأودية التي تسيل فيها السيول. | |
| فواد كبير, يسع ماء كثيرا, كقلب كبير, يسع علما كثيرا. | |
| وواد صغير, يأخذ ماء قليلا,, كقلب صغير, يسع علما قليلا, وهكذا. | |
| وشبه ما يكون في القلوب من الشهوات والشبهات, عند وصول الحق إليها, بالزبد الذي | |
| يعلو الماء, ويعلو ما يوقد عليه النار من الحلية التي يراد تخليصها وسبكها, وأنها | |
| لا تزال فوق الماء طافية مكدرة له, حتى تذهب وتضمحل, ويبقى ما ينفع الناس من الماء | |
| الصافي, والحلية الخالصة. | |
| كذلك الشبهات والشهوات, لا يزال القلب يكرهها, ويجاهدها بالبراهين الصادقة, | |
| والإرادات الجازمة, حتى تذهب وتضمحل, ويبقى القلب خالصا صافيا, ليس فيه إلا ما | |
| ينفع الناس من العلم بالحق, وإيثاره, والرغبة فيه. | |
| فالباطل يذهب ويمحقه الحق " إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا | |
| " . | |
| وقال هنا: " كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ " ليتضح | |
| الحق من الباطل والهدى والضلال. | |
" للذين استجابوا لربهم الحسنى والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم | |
| ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم وبئس | |
| المهاد " | |
لما بين تعالى, الحق من الباطل, ذكر أن | |
| الناس على قسمين: مستجيب لربه, فذكر ثوابه, وغير مستجيب, فذكر عقابه فقال: " لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ " أي: انقادت | |
| قلوبهم للعلم والإيمان, وجوارحهم للأمر والنهي, وصاروا موافقين لربهم فيما يريده | |
| منهم. | |
| فلهم " الْحُسْنَى " أي: الحالة الحسنة, والثواب | |
| الحسن. | |
| فلهم من الصفات أجلها, ومن المناقب أفضلها. | |
| ومن الثواب العاجل والآجل, ما لا عين رأت, ولا أذن سمعت, ولا خطر على قلب بشر. | |
| " وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ " بعد ما | |
| ضرب لهم الأمثال, وبين لهم الحق, لهم الحالة غير الحسنة. | |
| و " لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا " من | |
| ذهب وفضة وغيرها. | |
| " وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ " من عذاب | |
| يوم القيامة, ما تقبل منهم, وأنى لهم ذلك؟!!. | |
| " أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ " , وهو | |
| الحساب الذي يأتي على كل ما أسلفوه, من عمل سيئ, وما ضيعوه من حقوق عباده قد كتب | |
| ذلك, وسطر عليهم, وقالوا: " يا ويلتنا مال هذا الكتاب, لا | |
| يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها, ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا | |
| " . | |
| وبعد هذا الحساب السيئ, " وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ " الجامعة | |
| لكل عذاب, من الجوع الشديد, والعطش الوجيع, والنار الحامية, والزقوم, والزمهرير, | |
| والضريع, وجميع ما ذكره الله من أصناف العذاب. | |
| " وَبِئْسَ الْمِهَادُ " أي: المقر, والمسكن, | |
| مسكنهم. | |
" أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر | |
| أولو الألباب " | |
يقول تعالى: مفرقا بين أهل العلم والعمل وبين ضدهم: " | |
| أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ " ففهم | |
| ذلك, وعمل به. | |
| " كَمَنْ هُوَ أَعْمَى " لا يعلم الحق, ولا يعمل | |
| به, فبينهما من الفرق, كما بين السماء والأرض. | |
| فحقيق بالعبد, أن يتذكر ويتفكر, أي الفريقين, أحسن حالا, وخير مآلا, فيؤثر طريقها, | |
| ويسلك خلف فريقها. | |
| ولكن ما كل أحد, يتذكر ما ينفعه ويضره. | |
| " إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ " أي: | |
| أولو العقول الرزينة, والآراء الكاملة, الذين هم, لب العالم, وصفوة بني آدم. | |
| فإن سألت عن وصفهم, فلا تجد أحسن من وصف الله لهم بقوله: | |
" الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق " | |
" الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ " الذي عهده إليهم, والذي عاهدهم عليه من القيام بحقوقه كاملة موفرة, | |
| فالوفاء بها, توفيتها حقها, من التنمية لها, والنصح فيها. | |
| وتمام الوفاء بها, أنهم " وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ | |
| " أي: العهد الذي عاهدوا الله عليه. | |
| فدخل في ذلك, جميع المواثيق والعهود, والأيمان والنذور, التي يعقدها العباد. | |
| فلا يكون العبد من أولي الألباب, الذين لهم الثواب العظيم, إلا بأدائها كاملة, | |
| وعدم نقضها وبخسها. | |
" والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء | |
| الحساب " | |
" وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ | |
| يُوصَلَ " وهذا عام في كل ما أمر الله بوصله, | |
| من الإيمان به, وبرسوله, ومحبته, ومحبة رسوله, والانقياد لعبادته وحده لا شريك له, | |
| ولطاعة رسوله. | |
| ويصلون آباءهم وأمهاتهم, ببرهم بالقول والفعل, وعدم عقوقهم. | |
| ويصلون الأقارب والأرحام, بالإحسان إليهم, قولا وفعلا. | |
| ويصلون ما بينهم وبين الأزواج, والأصحاب, والمماليك, بأداء حقهم, كاملا موفرا, من | |
| الحقوق الدينية والدنيوية. | |
| والسبب الذي يجعل العبد واصلا ما أمر الله به, أن يوصل خشية الله, وخوف يوم | |
| الحساب, ولهذا قال: " وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ " أي: | |
| يخافونه, فيمنعهم خوفهم منه, ومن القدوم عليه يوم الحساب, أن يتجرأوا على معاصي | |
| الله, أو يقصروا في شيء مما أمر الله به, خوفا من العقاب, ورجاء للثواب. | |
" والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما | |
| رزقناهم سرا وعلانية ويدرءون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار " | |
" | |
| وَالَّذِينَ صَبَرُوا " علىالمأمورات | |
| بامتثالها, وعن المنهيات بالانكفاف عنها, والبعد منها, وعلى أقدار الله المؤلمة, بعدم | |
| تسخطها. | |
| ولكن بشرط أن يكون ذلك الصبر " ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ | |
| " لا لغير ذلك من المقاصد والأغراض الفاسدة, فإن هذا هو الصبر النافع, | |
| الذي يحبس به العبد نفسه, طلبا لمرضاة ربه, ورجاء للقرب منه. | |
| والحظوة بثوابه, هو الصبر الذي من خصائص أهل الإيمان. | |
| وأما الصبر المشترك, الذي غايته التجلد, ومنتهاه, الفخر, فهذا يصدر من البر | |
| والفاجر, والمؤمن والكافر, فليس هو الممدوح, على الحقيقة. | |
| " وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ " بأركانها, وشروطها, | |
| ومكملاتها, ظاهرا وباطنا. | |
| " وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً " | |
| دخل في ذلك, النفقات الواجبة, كالزكوات, والكفارات, والنفقات المستحبة, | |
| وأنهم ينفقون, حيث دعت الحاجة إلى النفقة, سرا وعلانية. | |
| " وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ " أي: | |
| من أساء إليهم, بقول أو فعل, لم يقابلوه بفعله, بل قابلوه بالإحسان إليه. | |
| فيعطون من حرمهم, ويعفون عمن ظلمهم, ويصلون من قطعهم, ويحسنون إلى من أساء إليهم. | |
| وإذا كانوا يقابلون المسيء بالإحسان, فما ظنك بغير المسيء؟! " | |
| أُولَئِكَ " الذين وصفت صفاتهم الجليلة, ومناقبهم الجميلة " لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ " . | |
| فسرها بقوله: " جَنَّاتِ عَدْنٍ " أي: إقامة, لا | |
| يزولون منها, ولا يبغون عنها حولا, لأنهم يرون فوقها, غاية لما اشتملت عليه من | |
| النعيم, والسرور, الذي تنتهي إليه المطالب والغايات. | |
| ومن تمام نعيمهم وقرة أعينهم, أنهم " يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ | |
| صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ " من | |
| الذكور والإناث وكذلك النظراء والأشباه, والأصحاب, والأحباب, فإنهم من قبيل | |
| أزواجهم وذرياتهم. | |
| " وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ | |
| " يهنئونهم بالسلامة, وكرامة الله لهم ويقولون: " | |
| سَلَامٌ عَلَيْكُمْ " أي: حلت عليكم السلامة والتحية من الله, حصلت | |
| لكم. | |
| وذلك متضمن لزوال كل مكروه, ومستلزم لحصول كل محبوب. | |
| " بِمَا صَبَرْتُمْ " أي: بسبب صبركم, وهو الذي | |
| أوصلكم إلى هذه المنازل العالية, والجنان الغالية. | |
| " فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ " فحقيق بمن نصح | |
| نفسه, وكان لها عنده قيمة, أن يجاهدها, لعلها تأخذ من أوصاف أولي الألباب بنصيب. | |
| ولعلها تحظى بهذه الدار, التي هي منية النفوس, وسرور لأرواح, الجامعة لجميع اللذات | |
| والأفراح. | |
| فلمثلها, فليعمل العاملون, وفيها, فليتنافس المتنافسون. | |
" والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به | |
| أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار " | |
لما ذكر حال أهل الجنة, ذكر أن أهل النار, بعكس ما وصفهم به فقال عنهم: | |
| " الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ | |
| مِيثَاقِهِ " أي: من بعد ما أكده عليهم على أيدي رسله, وغلظ عليهم, | |
| فلم يقابلوه بالانقياد والتسليم, بل قابلوه بالإعراض والنقص. | |
| " وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ " | |
| فلم يصلوا ما بينهم وبين ربهم بالإيمان والعمل الصالح, ولا وصلوا الأرحام | |
| ولا أدوا الحقوق, بل أفسدوا في الأرض, بالكفر والمعاصي, والصد عن سبيل الله, | |
| وابتغائها عوجا. | |
| " أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ " أي البعد | |
| والذم, من الله وملائكته, وعباده المؤمنين. | |
| " وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ " وهي: الجحيم, بما | |
| فيها من العذاب الأليم. | |
" الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وفرحوا بالحياة الدنيا وما | |
| الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع " | |
أي: هو وحده, يوسع الرزق ويبسطه على من يشاء, ويقدره ويضيقه على من | |
| يشاء. | |
| " وَفَرِحُوا " أي: الكفار " | |
| بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا " فرحا, أوجب لهم أن يطمئنوا بها, ويغفلوا عن | |
| الآخرة, وذلك لنقصان عقولهم. | |
| " وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ | |
| " أي: شيء حقير, يتمتع به قليلا, ويفارق أهله وأصحابه, ويعقبهم ويلا | |
| طويلا. | |
" ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه قل إن الله يضل من | |
| يشاء ويهدي إليه من أناب " | |
يخبر تعالى, أن الذين كفروا بآيات الله, | |
| يتعنتون على رسول الله, ويقترحون ويقولون: " لَوْلَا أُنْزِلَ | |
| عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ " وبزعمهم أنها لو جاءت لآمنوا, فأجابهم | |
| الله بقوله: " قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ | |
| وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ " أي: طلب رضوانه. | |
| فليست الهداية والضلال بأيديهم, حتى يجعلوا ذلك متوقفا على الآيات. | |
| ومع ذلك, فهم كاذبون, فلو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى, وحشرنا عليهم | |
أكثر المصاحف تفاعلاً |