<div class="wrapper" style="padding:10px;"> | |
<h1 class="title">سورة الرعد - تفسير السعدي</h1> | |
<div class=Section1 dir=RTL> | |
<p><h1>" المر تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحق ولكن | |
أكثر الناس لا يؤمنون " </h1></p> | |
<p>يخبر تعالى: أن | |
هذا القرآن, هو آيات الكتاب الدالة, على كل ما يحتاج إليه العباد من أصول الدين | |
وفروعه, وأن الذي أنزل إلى الرسول من ربه, هو الحق المبين. <br> | |
لأن إخباره صدق, وأوامره, ونواهيه, عدل, مؤيدة بالأدلة والبراهين القاطعة. <br> | |
فمن أقبل عليه, وعلى علمه, كان من أهل العلم بالحق, الذي يوجب لهم علمهم به, العمل | |
بما أوجب الله. <br> | |
" وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ " بهذا القرآن, إما | |
جهلا, وإعراضا عنه, وعدم اهتمام به, وإما عنادا وظلما. <br> | |
فلذلك أكثر الناس, غير منتفعين به, لعدم السبب الموجب للانتفاع. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش | |
وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم | |
توقنون " </h1> | |
<p>يخبر تعالى عن انفراده بالخلق والتدبير, والعظمة والسلطان, الدال على | |
أنه وحده المعبود, الذي لا تنبغي العبادة إلا له فقال: " | |
اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ " على عظمها واتساعها, بقدرته | |
العظيمة. <br> | |
" بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا " أي ليس لها عمد | |
من تحتها, فإنه لو كان لها عمد, لرأيتموها. <br> | |
" ثُمَّ " بعد ما خلق السماوات والأرض " اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ " العظيم الذي هو أعلى | |
المخلوقات, استواء يليق بجلاله, ويناسب كماله. <br> | |
" وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ " لمصالح | |
العباد ومصالح مواشيهم وثمارهم. <br> | |
" كُلِّ " من الشمس والقمر " | |
يَجْرِي " بتدبير العزيز العليم. <br> | |
" إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى " بسير منتظم, لا | |
يفتران, ولا ينيان, حتى يجيء الأجل المسمى وهو طي الله هذا العالم, ونقلهم إلى | |
الدار الآخرة, التي هي دار القرار. <br> | |
فعند ذلك يطوي الله السماوات, ويبدلها, ويغير الأرض ويبدلها. <br> | |
فتكور الشمس والقمر, ويجمع بينهما, فيلقيان في النار, ليرى من عبدهما أنهما غير | |
أهل للعبادة فيتحسر بذلك أشد الحسرة, وليعلم الذين كفروا, أنهم كانوا كاذبين. <br> | |
وقوله " يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ " هذا | |
جمع بين الخلق والأمر. <br> | |
أي: قد استوى الله العظيم على سرير الملك, يدبر الأمور في العالم العلوي والسفلي. <br> | |
فيخلق ويرزق, ويغني, ويفقر, ويرفع أقواما, ويضع آخرين, ويعز ويذل, ويخفض ويرفع, | |
ويقيل العثرات, ويفرج الكربات, وينفذ الأقدار في أوقاتها, التي سبق بها علمه, وجرى | |
بها قلمه. <br> | |
ويرسل ملائكته الكرام, لتدبير ما جعلهم على تدبيره. <br> | |
وينزل الكتب الإلهية على رسله, ويبين ما يحتاج إليه العباد من الشرائع, والأوامر | |
والنواهي, ويفصلها غاية التفصيل, ببيانها, وإيضاحها وتمييزها. <br> | |
" لَعَلَّكُمْ " بسبب ما أخرج لكم من الآيات | |
الأفقية, والآيات القرآنية. <br> | |
" بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ " فإن كثرة الأدلة | |
وبيانها ووضوحها, من أسباب حصول اليقين, في جميع الأمور الإلهية, خصوصا في العقائد | |
الكبار, كالبعث والنشور والإخراج من القبور. <br> | |
وأيضا, فقد علم أن الله تعالى, حكيم لا يخلق الخلق سدى, ولا يتركهم عبثا. <br> | |
فكما أنه أرسل رسله, وأنزل كتبه, لأمر العباد ونهيهم, فلا بد أن ينقلهم إلى دار, | |
يحل فيها جزاؤه, فيجازى المحسنين بأحسن الجزاء, ويجازى المسيئين بإساءتهم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل | |
فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " </h1> | |
<p>" | |
وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ " أي: خلقها | |
للعباد, ووسعها, وبارك فيها, ومدهها للعباد, وأودع فيها من مصالحهم ما أودع. <br> | |
" وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ " أي: جبالا عظاما, | |
لئلا تميد بالخلق. <br> | |
فإنه لولا الجبال, لمادت بأهلها, لأنها على تيار ماء, لا ثبوت لها, ولا استقرار, | |
إلا بالجبال الرواسي, التي جعلها الله أوتادا لها. <br> | |
وجعل فيها " وَأَنْهَارًا " , تسقي الآدميين | |
وبهائمهم وحروثهم. <br> | |
فأخرخ بها من الأشجار والزروع والثمار, خيرا كثيرا ولهذا قال: " | |
وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ " أي: | |
صنفين, مما يحتاج إليه العباد. <br> | |
" يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ " فتظلم الآفاق, | |
فيسكن كل حيوان إلى مأواه, ويستريحون من التعب والنصب في النهار. <br> | |
ثم إذا قضوا مأربهم من النوم, غشي النهار الليل, فإذا هم مصبحون ينتشرون في | |
مصالحهم وأعمالهم في النهار. <br> | |
" ومن رحمته, جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه, وتبتغوا من | |
فضله, ولعلكم تشكرون " . <br> | |
" إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ " على المطالب | |
الإلهية " لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " فيها, | |
وينظرون فيها نظرة اعتبار دالة على أن الذي خلقها ودبرها, وصرفها, هو الله الذي لا | |
إله إلا هو, ولا معبود سواه, وأنه عالم الغيب والشهادة, الرحمن الرحيم, وأنه | |
القادر على كل شيء, الحكيم في كل شيء, المحمود على ما خلقه وأمر به, تبارك وتعالى. | |
</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير | |
صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون | |
" </h1> | |
<p>ومن الآيات على كمال قدرته, وبديع صنعته, " وَفِي | |
الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ " فيها أنواع الأشجار " مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ " وغير ذلك. <br> | |
والنخيل التي بعضها " صِنْوَانٌ " أي: عدة أشجار | |
في أصل واحد. <br> | |
" وَغَيْرُ صِنْوَانٍ " بأن كان كل شجرة على | |
حدتها. <br> | |
والجميع " يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ " وأرضه واحدة | |
" وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ " لونا, | |
وطعما, ونفعا, ولذة. <br> | |
فهذه أرض طيبة, تنبت الكلأ والعشب الكثير, والأشجار والزروع. <br> | |
وهذه أرض تلاصقها, لا تنبت كلاء, ولا تمسك ماء. <br> | |
وهذه تمسك الماء, ولا تنبت الكلأ. <br> | |
وهذه تنبت الزرع والأشجار, ولا تنبت الكلأ. <br> | |
وهذه الثمرة حلوة, وهذه مرة, وهذه بين ذلك. <br> | |
فهل هذا التنوع, في ذاتها وطبيعتها؟ أم ذلك تقدير العزيز الرحيم؟ " | |
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ " أي: لقوم لهم عقول | |
تهديهم إلى ما ينفعهم, وتقودهم إلى ما يرشدون به ويعقلون عن الله, وصاياه وأوامره | |
ونواهيه. <br> | |
وأما أهل الإعراض, وأهل البلادة, فهم في ظلماتهم يعمهون, وفي غيرهم يترددون. <br> | |
لا يهتدون إلى ربهم سبيلا, ولا يعون له قيلا. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وإن تعجب فعجب قولهم أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد أولئك | |
الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون | |
" </h1> | |
<p>يحتمل أن معنى قوله " وَإِنْ تَعْجَبْ " من | |
عظمة الله تعالى, وكثرة أدلة التوحيد. <br> | |
فإن العجب - مع هذا - إنكار المكذبين, وتكذيبهم بالبعث. <br> | |
وقولهم " أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ | |
جَدِيدٍ " أي: هذا بعيد في غاية الامتناع بزعمهم, أنهم بعد ما كانوا | |
ترابا, أن الله يعيدهم. <br> | |
فإنهم - من جهلهم - قاسوا قدرة الخالق بقدرة المخلوق. <br> | |
فلما رأوا هذا ممتنعا, في قدرة المخلوق, ظنوا أنه ممتنع على قدرة الخالق. <br> | |
ونسوا أن الله خلقهم أول مرة, ولم يكونوا شيئا. <br> | |
ويحتمل أن معناه: وإن تعجب من قولهم وتكذيبهم للبعث, فإن ذلك من العجائب. <br> | |
فإن الذي توضح له الآيات, ويرى من الأدلة القاطعة على البعث, ما لا يقبل الشك | |
والريب, ثم ينكر ذلك, فإن قوله من العجائب. <br> | |
ولكن ذلك لا يستغرب على " أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا | |
بِرَبِّهِمْ " وجحدوا وحدانيته, وهي أظهر الأشياء وأجلاها. <br> | |
" وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ " المانعة لهم من | |
الهدى " فِي أَعْنَاقِهِمْ " حيث دعوا إلى | |
الإيمان, فلم يؤمنوا, وعرض عليهم الهدى فلم يهتدوا. <br> | |
فقلبت قلوبهم وأفئدتهم, عقوبة على أنهم لم يؤمنوا به أول مرة. <br> | |
" وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ | |
" لا يخرجون منها أبدا. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات وإن | |
ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب " </h1> | |
<p>يخبر تعالى, عن جهل المكذبين لرسوله, المشركين له, الذين وعظوا فلم | |
يتعظوا, وأقيمت عليهم الأدلة, فلم ينقادوا لها. <br> | |
بل جاهروا بالإنكار, واستدلوا بحلم الله الواحد القهار عنهم, وعدم معاجلتهم | |
بذنوبهم, أنهم على حق, وجعلوا يتعجلون الرسول بالعذاب, ويقول قائلهم: " اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك, فأمطر علينا حجارة من السماء, | |
أو ائتنا بعذاب أليم " . <br> | |
والحال أنه " وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ | |
" أي: وقائع الله وأيامه في الأمم المكذبين, أفلا يتفكرون في حالهم, | |
ويتركون جهلهم. <br> | |
" وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى | |
ظُلْمِهِمْ " أي: لا يزال خيره إليهم, وإحسانه, وبره, وعفوه نازلا إلى | |
العباد. <br> | |
وهم لا يزال شركهم, وعصيانهم إليه صاعدا. <br> | |
يعصونه فيدعوهم إلى بابه, ويجرمون, فلا يحرمهم خيره وإحسانه. <br> | |
فإن تابوا إليه, فهو حبيبهم, لأنه يحب التوابين, ويحب المتطهرين وإن لم يتوبوا, | |
فهو طبيبهم, يبتليهم بالمصائب, ليطهرهم من المعايب " قل يا | |
عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا, | |
إنه هو الغفور الرحيم " . <br> | |
" وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ " على من | |
لم يزل مصرا على الذنوب, قد أبى التوبة والاستغفار والالتجاء إلى العزيز الغفار. <br> | |
فليحذر العباد عقوباته بأهل الجرائم, فإن أخذه أليم شديد.</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه إنما أنت منذر | |
ولكل قوم هاد " </h1> | |
<p>أي: ويقترح الكفار عليك من الآيات, التي يعينون ويقولون: " لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ " ويجعلون | |
هذا القول منهم. <br> | |
عذرا لهم في عدم الإجابة إلى الرسول. <br> | |
والحال, أنه منذر, ليس له من الأمر شيء, والله هو الذي ينزل الآيات. <br> | |
وقد أيده بالأدلة البينات, التي لا تخفى على أولي الألباب, وبها يهتدي من قصده | |
الحق. <br> | |
وأما الكافر, الذي - من ظلمه وجهله - يقترح على الله الآيات, فهذا اقتراح منه, | |
باطل وكذب وافتراء. <br> | |
فإنه لو جاءته أي آية كانت, لم يؤمن ولم ينقد, لأنه لم يمتنع من الإيمان, لعدم ما | |
يدله على صحته, وإنما ذلك, لهوى نفسه, واتباع شهوته. <br> | |
" وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ " أي: داع يدعو إلى | |
الهدى, من الرسل وأتباعهم. <br> | |
ومعهم من الأدلة والبراهين, ما يدل على صحة ما معهم من الهدى. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء | |
عنده بمقدار " </h1> | |
<p>يخبر تعالى, بعموم علمه, وسعة اطلاعه, وإحاطته بكل شيء فقال: " اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى " من | |
بني آدم وغيرهم. <br> | |
" وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ " أي: تنقص مما | |
فيها, إما أن يهلك الحمل, أو يتضاءل أو يضمحل. <br> | |
" وَمَا تَزْدَادُ " الأرحام وتكبر الأجنة التي | |
فيها. <br> | |
" وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ " لا | |
يتقدم عليه ولا يتأخر, ولا يزيد ولا ينقص إلا بما تقتضيه حكمته وعلمه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال " </h1> | |
<p>فإنه " عَالِمُ | |
الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ " في ذاته, وأسمائه, وصفاته " الْمُتَعَالِ " على جميع خلقه, بذاته وقدرته, وقهره. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب | |
بالنهار " </h1> | |
<p>" سَوَاءٌ مِنْكُمْ " في | |
علمه وسمعه, وقهره. <br> | |
" مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ | |
مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ " أي: مستقر بمكان خفي فيه. <br> | |
" وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ " أي: داخل سربه في | |
النهار, والسرب هو: ما يستخفى فيه الإنسان, إما جوف بيته, أو غار, أو مغارة, أو | |
نحو ذلك. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله إن الله لا | |
يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم | |
من دونه من وال " </h1> | |
<p>" لَهُ | |
" أي للإنسان " | |
مُعَقِّبَاتٌ " من الملائكة, يتعاقبون في الليل والنهار. <br> | |
" مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ | |
أَمْرِ اللَّهِ " أي: يحفظون بدنه وروحه, من كل من يريده بسوء, | |
ويحفظون عليه أعماله, وهم ملازمون له دائما. <br> | |
فكما أن علم الله محيط به, فالله قد أرسل هؤلاء الحفظة على العباد, بحيث لا تخفى | |
أحوالهم ولا أعمالهم, ولا ينسى منها شيئا. <br> | |
" إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ " من | |
النعمة والإحسان, ورغد العيش " حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا | |
بِأَنْفُسِهِمْ " بأن ينتقلوا من الإيمان إلى الكفر, ومن الطاعة إلى | |
المعصية. <br> | |
أو من شكر نعم الله إلى البطر بها, فيسلبهم الله إياها عند ذلك. <br> | |
وكذلك إذا غير العباد, ما بأنفسهم من المعصية, فانتقلوا إلى طاعة الله, غير الله | |
عليهم, ما كانوا فيه من الشقاء, إلى الخير والسرور والغبطة والرحمة. <br> | |
" وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا " أي: | |
عذابا وشدة, وأمرا يكرهونه, فإن إرادته, لا بد أن تنفذ فيهم. <br> | |
فـإنه " فَلَا مَرَدَّ لَهُ " ولا أحد يمنعهم | |
منه. <br> | |
" وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ " يتولى | |
أمورهم, فيجلب لهم المحبوب, ويدفع عنهم المكروه. <br> | |
فليحذروا من الإقامة على ما يكره الله, خشية أن يحل بهم من العقاب ما لا يرد عن | |
القوم المجرمين. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال " </h1> | |
<p>يقول تعالى: " هُوَ | |
الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا " أي: يخاف منه | |
الصواعق والهدم, وأنواع الضرر, على بعض الثمار ونحوها, ويطمع في خيره ونفعه. <br> | |
" وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ " بالمطر الغزير, | |
الذي به نفع العباد والبلاد. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها | |
من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال " </h1> | |
<p>" | |
وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ " وهو | |
الصوت, الذي يسمع من السحاب المزعج للعباد, فهو خاضع لربه, مسبح بحمده. <br> | |
" و " تسبح " الْمَلَائِكَةُ | |
مِنْ خِيفَتِهِ " أي: خشعا لربهم, خائفين من سطوته. <br> | |
" وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ " وهي هذه النار, التي | |
تخرج من السحاب. <br> | |
" فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ " من عباده, بحسب | |
ما شاءه وأراده " وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ | |
شَدِيدُ الْمِحَالِ " أي: شديد الحول والقوة, فلا يريد شيئا إلا فعله, | |
ولا يتعاصى عليه شيء, ولا يفوته هارب</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا | |
كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال | |
" </h1> | |
<p>فإذا كان هو وحده, الذي يسوق للعباد الأمطار والسحب, التي فيها مادة | |
أرزاقهم, وهو الذي يدبر الأمور, وتخضع له المخلوقات العظام, التي يخاف منها, وتزعج | |
العباد, وهو شديد القوة - فهو الذي يستحق أن يعبد وحده ولا شريك له. <br> | |
ولهذا قال: " لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ " إلى " إِلَّا فِي ضَلَالٍ " . <br> | |
" لَهُ " أي: لله وحده " | |
دَعْوَةُ الْحَقِّ " وهي: عبادته وحده لا شريك له وإخلاص دعاء | |
العبادة, ودعاء المسألة له تعالى. <br> | |
أي: هو الذي ينبغي أن يصرف له الدعاء, والخوف, والرجاء, والحب, والرغبة, والرهبة, | |
والإنابة, لأن ألوهيته, هي الحق, وألوهية غيره, باطلة. <br> | |
" وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ " من | |
الأوثان, والأنداد, التي جعلوها شركاء لله. <br> | |
" لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ " أي: لمن يدعوها | |
ويعبدها, بشيء قليل ولا كثير, لا من أمور الدنيا, ولا من أمور الآخرة. <br> | |
" إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ " الذي | |
لا تناله كفاه لبعده. <br> | |
" لِيَبْلُغَ " ببسط كفيه إلى الماء " فَاهُ " , فإنه عطشان, ومن شدة عطشه, يتناول بيده | |
ويبسطها إلى الماء الممتنع وصولها إليه, فلا يصل إليه. <br> | |
كذلك الكفار, الذين يدعون مع الله آلهة, لا يستجيبون لهم بشيء, ولا ينفعونهم في | |
أشد الأوقات إليهم حاجة, لأنهم فقراء, كما أن من دعوهم فقراء, لا يملكون مثقال ذرة | |
في الأرض ولا في السماء وما لهم فيها من شرك, وما له منهم من ظهير. <br> | |
" وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ " لبطلان | |
ما يدعون من دون الله. <br> | |
فبطلت عبادتهم ودعاؤهم, لأن الوسيلة تبطل ببطلان غايتها. <br> | |
ولما كان الله تعالى, هو الملك الحق المبين, كانت عبادته حقا, متصلة النفع بصاحبها | |
في الدنيا الآخرة. <br> | |
وتشبيه دعاء الكافرين لغير الله, بالذي يبسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه من أحسن | |
الأمثلة. <br> | |
فإن ذلك تشبيه بأمر محال, فكما أن هذا محال, فالمشبه به محال. <br> | |
والتعلق على المحال, من أبلغ ما يكون في نفي الشيء كما قال تعالى " | |
إن الذين كفروا وكذبوا بآياتنا لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج | |
الجمل في سم الخياط " . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو | |
والآصال " </h1> | |
<p>أي: جميع ما احتوت عليه السماوات والأرض كلها, خاضعة لربها, تسجد له " طَوْعًا وَكَرْهًا " . <br> | |
فالطوع لمن يأتي بالسجود والخضوع, اختيارا, كالمؤمنين. <br> | |
والكره, لمن يستكبر عن عبادة ربه, وحاله وفطرته, تكذبه في ذلك. <br> | |
" وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ " أي: | |
وتسجد له ظلال المخلوقات, أول النهار وآخره, وسجود كل شيء,, بحسب حاله كما قال | |
تعالى: " وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم | |
"</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قل من رب السماوات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء | |
لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات | |
والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء | |
وهو الواحد القهار " </h1> | |
<p>فإذا كانت المخلوقات كلها تسجد لربها طوعا وكرها, كان هو الإله حقا, | |
المعبود المحمود حقا, وإلاهية غيره باطلة. <br> | |
ولهذا ذكر بطلانها وبرهن عليه بقوله: " قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ | |
" إلى " الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ " . <br> | |
أي: قل لهؤلاء المشركين به, أوثانا وأندادا, يحبونها كما يحبون الله, ويبذلون لها | |
أنواع التقربات والعبادات: أفتاهت عقولكم, حتى اتخذتم من دونه أولياء, تتولونهم | |
بالعبادة, وليسوا بأهل لذلك؟ فإنهم " لَا يَمْلِكُونَ | |
لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا " , وتتركون ولاية من هو كامل | |
الأسماء والصفات, المالك للأحياء والأموات, الذي بيده الخلق والتدبير, والنفع | |
والضر؟ فما تستوي عبادة الله وحده, وعبادة المشركين به. <br> | |
" قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ | |
تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ " ؟ فإن كان عندهم شك واشتباه, | |
وجعلوا له شركاء, زعموا أنهم خلقوا كخلقه, وفعلوا كفعله, فأزل عنهم هذا الاشتباه | |
واللبس, بالبرهان الدال على تفرد الإله بالوحدانية. <br> | |
فقل لهم: " اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ " فإنه | |
من المحال أن يخلق شيء من الأشياء نفسه. <br> | |
ومن المحال أيضا, أن يوجد من دون خالق. <br> | |
فتعين أن لها إلها خالقا, لا شريك له في خلقه, لأنه الواحد القهار. <br> | |
فإنه لا توجد الوحدة والقهر, إلا لله وحده. <br> | |
فالمخلوقات وكل مخلوق, فوقه مخلوق يقهره ثم فوق ذلك القاهر, قاهر أعلى منه, حتى | |
ينتهي القهر للواحد القهار. <br> | |
فالقهر والتوحيد, متلازمان, متعينان لله وحده. <br> | |
فتبين بالدليل العقلي القاهر, أن ما يدعى من دون الله, ليس له شيء من خلق | |
المخلوقات, وبذلك كانت عبادته باطلة. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا | |
ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق | |
والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله | |
الأمثال " </h1> | |
<p>شبه تعالى الهدى, الذي أنزل على رسوله لحياة القلوب والأرواح, بالماء | |
الذي أنزله لحياة الأشباح. <br> | |
وشبه ما في الهدى من النفع العام الكثير, الذي يضطر إليه العباد, بما في المطر من | |
النفع العام الضروري. <br> | |
وشبه القلوب الحاملة للهدى وتفاوتها, بالأودية التي تسيل فيها السيول. <br> | |
فواد كبير, يسع ماء كثيرا, كقلب كبير, يسع علما كثيرا. <br> | |
وواد صغير, يأخذ ماء قليلا,, كقلب صغير, يسع علما قليلا, وهكذا. <br> | |
وشبه ما يكون في القلوب من الشهوات والشبهات, عند وصول الحق إليها, بالزبد الذي | |
يعلو الماء, ويعلو ما يوقد عليه النار من الحلية التي يراد تخليصها وسبكها, وأنها | |
لا تزال فوق الماء طافية مكدرة له, حتى تذهب وتضمحل, ويبقى ما ينفع الناس من الماء | |
الصافي, والحلية الخالصة. <br> | |
كذلك الشبهات والشهوات, لا يزال القلب يكرهها, ويجاهدها بالبراهين الصادقة, | |
والإرادات الجازمة, حتى تذهب وتضمحل, ويبقى القلب خالصا صافيا, ليس فيه إلا ما | |
ينفع الناس من العلم بالحق, وإيثاره, والرغبة فيه. <br> | |
فالباطل يذهب ويمحقه الحق " إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا | |
" . <br> | |
وقال هنا: " كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ " ليتضح | |
الحق من الباطل والهدى والضلال. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" للذين استجابوا لربهم الحسنى والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم | |
ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم وبئس | |
المهاد " </h1> | |
<p>لما بين تعالى, الحق من الباطل, ذكر أن | |
الناس على قسمين: مستجيب لربه, فذكر ثوابه, وغير مستجيب, فذكر عقابه فقال: " لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ " أي: انقادت | |
قلوبهم للعلم والإيمان, وجوارحهم للأمر والنهي, وصاروا موافقين لربهم فيما يريده | |
منهم. <br> | |
فلهم " الْحُسْنَى " أي: الحالة الحسنة, والثواب | |
الحسن. <br> | |
فلهم من الصفات أجلها, ومن المناقب أفضلها. <br> | |
ومن الثواب العاجل والآجل, ما لا عين رأت, ولا أذن سمعت, ولا خطر على قلب بشر. <br> | |
" وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ " بعد ما | |
ضرب لهم الأمثال, وبين لهم الحق, لهم الحالة غير الحسنة. <br> | |
و " لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا " من | |
ذهب وفضة وغيرها. <br> | |
" وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ " من عذاب | |
يوم القيامة, ما تقبل منهم, وأنى لهم ذلك؟!!. <br> | |
" أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ " , وهو | |
الحساب الذي يأتي على كل ما أسلفوه, من عمل سيئ, وما ضيعوه من حقوق عباده قد كتب | |
ذلك, وسطر عليهم, وقالوا: " يا ويلتنا مال هذا الكتاب, لا | |
يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها, ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا | |
" . <br> | |
وبعد هذا الحساب السيئ, " وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ " الجامعة | |
لكل عذاب, من الجوع الشديد, والعطش الوجيع, والنار الحامية, والزقوم, والزمهرير, | |
والضريع, وجميع ما ذكره الله من أصناف العذاب. <br> | |
" وَبِئْسَ الْمِهَادُ " أي: المقر, والمسكن, | |
مسكنهم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر | |
أولو الألباب " </h1> | |
<p>يقول تعالى: مفرقا بين أهل العلم والعمل وبين ضدهم: " | |
أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ " ففهم | |
ذلك, وعمل به. <br> | |
" كَمَنْ هُوَ أَعْمَى " لا يعلم الحق, ولا يعمل | |
به, فبينهما من الفرق, كما بين السماء والأرض. <br> | |
فحقيق بالعبد, أن يتذكر ويتفكر, أي الفريقين, أحسن حالا, وخير مآلا, فيؤثر طريقها, | |
ويسلك خلف فريقها. <br> | |
ولكن ما كل أحد, يتذكر ما ينفعه ويضره. <br> | |
" إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ " أي: | |
أولو العقول الرزينة, والآراء الكاملة, الذين هم, لب العالم, وصفوة بني آدم. <br> | |
فإن سألت عن وصفهم, فلا تجد أحسن من وصف الله لهم بقوله: </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق " </h1> | |
<p>" الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ " الذي عهده إليهم, والذي عاهدهم عليه من القيام بحقوقه كاملة موفرة, | |
فالوفاء بها, توفيتها حقها, من التنمية لها, والنصح فيها. <br> | |
وتمام الوفاء بها, أنهم " وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ | |
" أي: العهد الذي عاهدوا الله عليه. <br> | |
فدخل في ذلك, جميع المواثيق والعهود, والأيمان والنذور, التي يعقدها العباد. <br> | |
فلا يكون العبد من أولي الألباب, الذين لهم الثواب العظيم, إلا بأدائها كاملة, | |
وعدم نقضها وبخسها. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء | |
الحساب " </h1> | |
<p>" وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ | |
يُوصَلَ " وهذا عام في كل ما أمر الله بوصله, | |
من الإيمان به, وبرسوله, ومحبته, ومحبة رسوله, والانقياد لعبادته وحده لا شريك له, | |
ولطاعة رسوله. <br> | |
ويصلون آباءهم وأمهاتهم, ببرهم بالقول والفعل, وعدم عقوقهم. <br> | |
ويصلون الأقارب والأرحام, بالإحسان إليهم, قولا وفعلا. <br> | |
ويصلون ما بينهم وبين الأزواج, والأصحاب, والمماليك, بأداء حقهم, كاملا موفرا, من | |
الحقوق الدينية والدنيوية. <br> | |
والسبب الذي يجعل العبد واصلا ما أمر الله به, أن يوصل خشية الله, وخوف يوم | |
الحساب, ولهذا قال: " وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ " أي: | |
يخافونه, فيمنعهم خوفهم منه, ومن القدوم عليه يوم الحساب, أن يتجرأوا على معاصي | |
الله, أو يقصروا في شيء مما أمر الله به, خوفا من العقاب, ورجاء للثواب. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما | |
رزقناهم سرا وعلانية ويدرءون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار " </h1> | |
<p>" | |
وَالَّذِينَ صَبَرُوا " علىالمأمورات | |
بامتثالها, وعن المنهيات بالانكفاف عنها, والبعد منها, وعلى أقدار الله المؤلمة, بعدم | |
تسخطها. <br> | |
ولكن بشرط أن يكون ذلك الصبر " ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ | |
" لا لغير ذلك من المقاصد والأغراض الفاسدة, فإن هذا هو الصبر النافع, | |
الذي يحبس به العبد نفسه, طلبا لمرضاة ربه, ورجاء للقرب منه. <br> | |
والحظوة بثوابه, هو الصبر الذي من خصائص أهل الإيمان. <br> | |
وأما الصبر المشترك, الذي غايته التجلد, ومنتهاه, الفخر, فهذا يصدر من البر | |
والفاجر, والمؤمن والكافر, فليس هو الممدوح, على الحقيقة. <br> | |
" وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ " بأركانها, وشروطها, | |
ومكملاتها, ظاهرا وباطنا. <br> | |
" وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً " | |
دخل في ذلك, النفقات الواجبة, كالزكوات, والكفارات, والنفقات المستحبة, | |
وأنهم ينفقون, حيث دعت الحاجة إلى النفقة, سرا وعلانية. <br> | |
" وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ " أي: | |
من أساء إليهم, بقول أو فعل, لم يقابلوه بفعله, بل قابلوه بالإحسان إليه. <br> | |
فيعطون من حرمهم, ويعفون عمن ظلمهم, ويصلون من قطعهم, ويحسنون إلى من أساء إليهم. <br> | |
وإذا كانوا يقابلون المسيء بالإحسان, فما ظنك بغير المسيء؟! " | |
أُولَئِكَ " الذين وصفت صفاتهم الجليلة, ومناقبهم الجميلة " لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ " . <br> | |
فسرها بقوله: " جَنَّاتِ عَدْنٍ " أي: إقامة, لا | |
يزولون منها, ولا يبغون عنها حولا, لأنهم يرون فوقها, غاية لما اشتملت عليه من | |
النعيم, والسرور, الذي تنتهي إليه المطالب والغايات. <br> | |
ومن تمام نعيمهم وقرة أعينهم, أنهم " يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ | |
صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ " من | |
الذكور والإناث وكذلك النظراء والأشباه, والأصحاب, والأحباب, فإنهم من قبيل | |
أزواجهم وذرياتهم. <br> | |
" وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ | |
" يهنئونهم بالسلامة, وكرامة الله لهم ويقولون: " | |
سَلَامٌ عَلَيْكُمْ " أي: حلت عليكم السلامة والتحية من الله, حصلت | |
لكم. <br> | |
وذلك متضمن لزوال كل مكروه, ومستلزم لحصول كل محبوب. <br> | |
" بِمَا صَبَرْتُمْ " أي: بسبب صبركم, وهو الذي | |
أوصلكم إلى هذه المنازل العالية, والجنان الغالية. <br> | |
" فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ " فحقيق بمن نصح | |
نفسه, وكان لها عنده قيمة, أن يجاهدها, لعلها تأخذ من أوصاف أولي الألباب بنصيب. <br> | |
ولعلها تحظى بهذه الدار, التي هي منية النفوس, وسرور لأرواح, الجامعة لجميع اللذات | |
والأفراح. <br> | |
فلمثلها, فليعمل العاملون, وفيها, فليتنافس المتنافسون. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به | |
أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار " </h1> | |
<p>لما ذكر حال أهل الجنة, ذكر أن أهل النار, بعكس ما وصفهم به فقال عنهم: | |
" الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ | |
مِيثَاقِهِ " أي: من بعد ما أكده عليهم على أيدي رسله, وغلظ عليهم, | |
فلم يقابلوه بالانقياد والتسليم, بل قابلوه بالإعراض والنقص. <br> | |
" وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ " | |
فلم يصلوا ما بينهم وبين ربهم بالإيمان والعمل الصالح, ولا وصلوا الأرحام | |
ولا أدوا الحقوق, بل أفسدوا في الأرض, بالكفر والمعاصي, والصد عن سبيل الله, | |
وابتغائها عوجا. <br> | |
" أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ " أي البعد | |
والذم, من الله وملائكته, وعباده المؤمنين. <br> | |
" وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ " وهي: الجحيم, بما | |
فيها من العذاب الأليم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وفرحوا بالحياة الدنيا وما | |
الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع " </h1> | |
<p>أي: هو وحده, يوسع الرزق ويبسطه على من يشاء, ويقدره ويضيقه على من | |
يشاء. <br> | |
" وَفَرِحُوا " أي: الكفار " | |
بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا " فرحا, أوجب لهم أن يطمئنوا بها, ويغفلوا عن | |
الآخرة, وذلك لنقصان عقولهم. <br> | |
" وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ | |
" أي: شيء حقير, يتمتع به قليلا, ويفارق أهله وأصحابه, ويعقبهم ويلا | |
طويلا. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه قل إن الله يضل من | |
يشاء ويهدي إليه من أناب " </h1> | |
<p>يخبر تعالى, أن الذين كفروا بآيات الله, | |
يتعنتون على رسول الله, ويقترحون ويقولون: " لَوْلَا أُنْزِلَ | |
عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ " وبزعمهم أنها لو جاءت لآمنوا, فأجابهم | |
الله بقوله: " قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ | |
وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ " أي: طلب رضوانه. <br> | |
فليست الهداية والضلال بأيديهم, حتى يجعلوا ذلك متوقفا على الآيات. <br> | |
ومع ذلك, فهم كاذبون, فلو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى, وحشرنا عليهم | |