سورة الحجر - تفسير السعدي | |
| | |
" الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين " | |
يقول | |
| تعالى - معظما لكتابه, مادحا له: " تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ " أي: | |
| الآيات الدالة على أحسن المعاني, وأفضل المطالب. | |
| " وَقُرْآنٍ مُبِينٍ " للحقائق, بأحسن لفظ وأوضحه, وأدله على المقصود. | |
| وهذا مما يوجب على الخلق, الانقياد إليه, والتسليم لحكمه وتلقيه بالقبول, والفرح | |
| والسرور. | |
" ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين " | |
فأما من قابل هذه النعمة العظيمة بردها, والكفر بها, فإنه من المكذبين | |
| الضالين, الذين سيأتي عليهم وقت, يتمنون أنهم مسلمون, أي: منقادون لأحكامه, وذلك | |
| حين ينكشف الغطاء, وتظهر أوائل الآخرة, ومقدمات الموت فإنهم في أحوال الآخرة كلها, | |
| يتمنون أنهم مسلمون, وقد فات وقت الإمكان. | |
| ولكنهم في هذه الدنيا مغترون. | |
" ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون " | |
" ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا " بلذاتهم " وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ " أي: | |
| يؤملون البقاء في الدنيا, فيلهيهم عن الآخرة. | |
| " فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ " أن ما هم عليه باطل, | |
| وأن أعمالهم ذهبت خسرانا عليهم, ولا يغتروا بإمهال الله تعالى, فإن هذه, سنته في | |
| الأمم. | |
" وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم " | |
" | |
| وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ " كانت | |
| مستحقة للعذاب " إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ " مقدر | |
| لإهلاكها. | |
" ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون " | |
" مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ | |
| " وإلا, فالذنوب لا بد من وقوع أثرها, وإن | |
| تأخر. | |
" وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون " | |
أي: وقال المكذبون لمحمد صلى الله عليه وسلم, استهزاء وسخرية: " يا أيها الذي نزل عليه الذكر " على زعمك " إنك لمجنون " إذ تظن أنا سنتبعك, ونترك ما وجدنا عليه | |
| آباءنا, لمجرد قولك: " لو ما تأتينا بالملائكة " يشهدون | |
| لك بصحة ما جئت به " إن كنت من الصادقين " فلما | |
| لم تأت بالملائكة, فلست بصادق. | |
| وهذا من أعظم الظلم والجهل. | |
| أما الظلم, فظاهر, فإن هذا تجرؤ على الله وتعنت بتعيين الآيات, التي لم يخترها, | |
| وحصل المقصود والبرهان بدونها, من الآيات الكثيرة, الدالة على صحة ما جاء به. | |
| وأما الجهل, فإنهم جهلوا مصلحتهم من مضرتهم. | |
| فليس في إنزال الملائكة, خير لهم, بل لا ينزل الله الملائكة إلا بالحق الذي لا | |
| إمهال على من لم يتبعه وينقد له. | |
| " وما كانوا إذا " أي: حين تنزل الملائكة, إن لم | |
| يؤمنوا, ولن يؤمنوا " منظرين " أي: بمهملين. | |
| فصار طلبهم لإنزال الملائكة, تعجيلا لأنفسهم بالهلاك والدمار. | |
| فإن الإيمان ليس في أيديهم, وإنما هو بيد الله. | |
| " ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم | |
| كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله, ولكن أكثرهم يجهلون " ويكفيهم | |
| من الآيات, إن كانوا صادقين, هذا القرآن العظيم ولهذا قال هنا: | |
" إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " | |
" إنا | |
| نحن نزلنا الذكر " أي: القرآن الذي فيه ذكرى | |
| لكل شيء, من المسائل والدلائل الواضحة, وفيه يتذكر من أراد التذكر. | |
| " وإنا له لحافظون " أي: في حال إنزاله, وبعد | |
| إنزاله. | |
| ففي حال إنزاله حافظون له, من استراق كل شيطان رجيم. | |
| وبعد إنزاله أودعه الله في قلب رسوله, واستودعه في قلوب أمته, وحفظ الله ألفاظه من | |
| التغيير فيها, والزيادة والنقص, ومعانيه, من التبديل. | |
| فلا يحرف محرف معنى من معانيه, إلا وقيض الله له من بين الحق المبين. | |
| وهذا من أعظم آيات الله ونعمه على عباده المؤمنين. | |
| ومن حفظه: أن الله يحفظ أهله من أعدائهم, ولا يسلط عدوا يجتاحهم. | |
" ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين " | |
يقول تعالى لنبيه إذ كذبه المشركون: لم يزل هذا دأب الأمم الخالية | |
| والقرون الماضية: " ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين | |
| " . | |
| أي, فرقهم وجماعتهم, رسلا. | |
" وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون " | |
" وما | |
| يأتيهم من رسول " يدعوهم إلى الحق والهدى " إلا كانوا به يستهزئون " . | |
| " كذلك نسلكه " أي: ندخل التكذيب " | |
| في قلوب المجرمين " أي: الذين وصفهم الظلم والبهت, عاقبناهم لما | |
| تشابهت قلوبهم بالكفر والتكذيب, وتشابهت معاملتهم لأنبيائهم, ورسلهم بالاستهزاء | |
| والسخرية وعدم الإيمان, ولهذا قال: " لا يؤمنون به وقد خلت | |
| سنة الأولين " أي: عادة الله فيهم, بإهلاك من لم يؤمن بآيات الله. | |
" ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون " | |
أي: ولو جاءتهم كل آية عظيمة, لم يؤمنوا وكابروا. | |
| " ولو فتحنا عليهم بابا من السماء " فصاروا | |
| يعرجون فيه, ويشاهدونه, عيانا بأنفسهم, لقالوا - من ظلمهم وعنادهم, منكرين لهذه | |
| الآية: - " إنما سكرت أبصارنا " أي: أصابها سكر | |
| وغشاوة, حتى رأينا ما لم نر " بل نحن قوم مسحورون " أي: | |
| ليس هذا بحقيقة, بل هذا سحر. | |
| وقوم وصلت بهم الحال إلى هذا الإنكار, فإنهم لا مطمع فيهم ولا رجاء. | |
| ثم ذكر الآيات الدالات على ما جاءت به الرسل من الحق فقال: " | |
| ولقد جعلنا في السماء بروجا " إلى " برازقين | |
| " . | |
" ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين " | |
يقول تعالى - مبينا كمال اقتداره ورحمته بخلقه: " | |
| ولقد جعلنا في السماء بروجا " أي: نجوما كالأبراج, والأعلام العظام | |
| يهتدى بها في ظلمات البر والبحر. | |
| " وزيناها للناظرين " , فإنه لولا النجوم, لما | |
| كان للسماء هذا المنظر البهي, والهيئة العجيبة. | |
| وهذا مما يدعو الناظرين إلى التأمل فيها, والنظر في معانيها, والاستدلال بها, على | |
| باريها. | |
" وحفظناها من كل شيطان رجيم " | |
" | |
| وحفظناها من كل شيطان رجيم " إذا استرق | |
| السمع, أتبعته الشهب الثواقب, فبقيت السماء, ظاهرها, مجملا بالنوم النيرات, | |
| وباطنها, محروسا ممنوعا, من الآفات. | |
" إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين " | |
" إلا | |
| من استرق السمع " أي: في بعض الأوقات, قد | |
| يسترق بعض الشياطين السمع, بخفية واختلاس. | |
| " فأتبعه شهاب مبين " أي: بين منير, يقتله, أو | |
| يخبله. | |
| فربما أدركه الشهاب, قبل أن يوصلها الشيطان إلى وليه, فينقطع خبر السماء عن الأرض. | |
| وربما ألقاها إلى وليه, قبل أن يدركه الشهاب, فيضهما ويكذب معها مائة كذبة. | |
| ويستدل بتلك الكلمة التي, سمعت من السماء. | |
" والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء | |
| موزون " | |
" | |
| والأرض مددناها " أي وسعناها سعة, يتمكن | |
| الآدميون والحيوانات كلها, من الامتداد بأرجائها, والتناول من أرزاقها, والسكون في | |
| نواحيها. | |
| " وألقينا فيها رواسي " أي: جبالا عظاما, تحفظ | |
| الأرض بإذن الله, أن تميد, وتثبها أن تزول. | |
| " وأنبتنا فيها من كل شيء موزون " أي: نافع | |
| متقوم, يضطر إليه العباد والبلاد, ما بين نخيل, وأعناب, وأصناف الأشجار, وأنواع | |
| النبات, والمعادن. | |
" وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين " | |
" | |
| وجعلنا لكم فيها معايش " من الحرث, ومن | |
| الماشية, ومن أنواع المكاسب والحرف. | |
| " ومن لستم له برازقين " أي: أنعمنا عليكم بعبيد | |
| وإماء, وأنعام, لنفعكم, ومصالحكم, وليس عليكم رزقها, بل خولكم الله إياها, وتكفل | |
| بأرزاقها. | |
" وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم " | |
أي: جميع الأرزاق وأصناف الأقدار, لا يملكها أحد إلا الله. | |
| فخزائنها بيده, يعطي من يشاء, ويمنع من يشاء, بحسب حكمته ورحمته الواسعة. | |
| " وَمَا نُنَزِّلُهُ " أي: المقدر من كل شيء, من | |
| مطر وغيره. | |
| " إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ " فلا يزيد على ما | |
| قدره الله, ولا ينقص منه. | |
" وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما | |
| أنتم له بخازنين " | |
أي: وسخرنا الرياح, رياح الرحمة, تلقح السحاب, كما يلقح الذكر الأنثى. | |
| فينشأ عن ذلك, الماء, بإذن الله, فيسقيه الله العباد, ومواشيهم, وأرضهم, ويبقى في | |
| الأرض مدخرا لحاجاتهم وضروراتهم, ما هو مقتضى قدرته ورحمته. | |
| " وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ " أي: لا | |
| قدرة لكم على خزنه وادخاره. | |
| ولكن الله يخزنه لكم, ويسلكه ينابيع في الأرض, رحمة بكم, وإحسانا إليكم. | |
" وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون " | |
أي: هو وحده, لا شريك له, الذي يحيي الخلق من العدم, بعد أن لم يكونوا | |
| شيئا مذكورا ويميتهم لآجالهم, التي قدرها " وَنَحْنُ | |
| الْوَارِثُونَ " كقوله: " إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ | |
| الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ " . | |
| وليس ذلك بعزيز, ولا ممتنع على الله, فإنه تعالى يعلم المستقدمين من الخلق | |
| والمستأخرين منهم, ويعلم ما تنقص الأرض منهم, وما تفرق من أجزائهم. | |
| وهو الذي, قدرته لا يعجزها معجز, فيعيد عباده خلقا جديدا, ويحشرهم إليه. | |
| " إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ " يضع الأشياء | |
| مواضعها, وينزلها منازلها, ويجازي كل عامل بعمله, إن خيرا فخير, وإن شرا فشر. | |
" ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون " | |
يذكر تعالى نعمته وإحسانه على أبينا آدم عليه السلام, وما جرى من عدوه | |
| إبليس, وفي ضمن ذلك, التحذير لنا من شره وفتنته, فقال تعالى: " | |
| وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ " أي آدم عليه السلام " مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ " أي: من طين | |
| قد يبس, بعد ما خمر حتى صار له صلصلة وصوت, كصوت الفخار. | |
| والحمأ المسنون, الطين المتغير لونه وريحه, من طول مكثه. | |
" والجان خلقناه من قبل من نار السموم " | |
" | |
| وَالْجَانَّ " وهو: أبو الجن أي: إبليس " خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ " خلق آدم " | |
| مِنْ نَارِ السَّمُومِ " أي: من النار الشديدة الحرارة | |
" وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون | |
| " | |
فلما أراد الله خلق آدم قال للملائكة: " إِنِّي | |
| خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ " | |
| جسدا تاما " وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا | |
| لَهُ سَاجِدِينَ " فامتثلوا أمر ربهم | |
" فسجد الملائكة كلهم أجمعون " | |
" | |
| فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ " . | |
| تأكيد بعد تأكيد, ليدل على أنه لم يتخلف منهم أحد, وذلك, تعظيما لأمر الله, | |
| وإكراما لآدم, حيث علم ما لم يعلموا. | |
" إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين " | |
" إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ | |
| " وهذا أول عداوته لآدم وذريته. | |
| قال الله: " قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ | |
| مَعَ السَّاجِدِينَ قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ | |
| صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ " . | |
| فاستكبر على أمر الله, وأبدى العداوة لآدم وذريته, وأعجب بعنصره وقال: أنا خير من | |
| آدم. | |
قال فاخرج منها فإنك رجيم " | |
" | |
| قَالَ " الله - معاقبا له على كفره واستكباره | |
| - " فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ " . | |
| أي: مطرود ومبعد من كل خير. | |
| " وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ " أي: الذم, | |
| والعيب, والبعد عن رحمة الله " إِلَى يَوْمِ الدِّينِ " . | |
| ففيها, وما أشبهها, دليل على أنه سيستمر على كفره, وبعده من الخير. | |
" قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون " | |
" | |
| قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي " أي: أمهلني " إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ | |
| إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ " . | |
| وليس إجابة الله لدعائه, كرامة في حقه, وإنما ذلك, امتحان وابتلاء من الله له | |
| وللعباد, ليتبين الصادق الذي يطيع مولاه دون عدوه, ممن ليس كذلك. | |
| ولذلك حذرنا منه, غاية التحذير, وشرح لنا, ما يريده منا. | |
" قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين | |
| " | |
" قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي | |
| الْأَرْضِ " أي: أزين لهم الدنيا, وأدعوهم | |
| إلى إيثارها على الأخرى, حتى يكونوا منقادين لكل معصية. | |
" إلا عبادك منهم المخلصين " | |
" وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ | |
| أَجْمَعِينَ " أي: أصدهم كلهم عن الصراط | |
| المستقيم. | |
| " إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ " أي: | |
| الذين أخلصتهم واجتبيتهم, لإخلاصهم, وإيمانهم, وتوكلهم. | |
" قال هذا صراط علي مستقيم " | |
قال الله تعالى: " | |
| هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ " أي: معتدل موصل إلي, وإلى دار | |
| كرامتي. | |
" إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين " | |
" | |
| إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ " تميلهم به إلى ما تشاء من أنواع الضلالات, بسبب عبوديتهم لربهم, | |
| وانقيادهم لأوامره, أعانهم الله وعصمهم من الشيطان. | |
| " إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ " فرضي بولايتك وطاعتك, | |
| بدلا من طاعة الرحمن. | |
| " مِنَ الْغَاوِينَ " والغاوي: ضد الراشد, فهو: | |
| الذي عرف الحق وتركه. | |
| والضال: الذي تركه من غير علم منه به. | |
" وإن جهنم لموعدهم أجمعين " | |
" | |
| وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ " أي: إبليس وجنوده. | |
| " لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ " كل باب أسفل من | |
| الآخر. | |
| " لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ " أي: من أتباع إبليس " جُزْءٌ مَقْسُومٌ " بحسب أعمالهم. | |
| قال تعالى: " فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ | |
| وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ " . | |
| ولما ذكر تعالى ما أعد لأعدائه, أتباع إبليس, من النكال والعذاب الشديد, ذكر ما | |
| أعد لأوليائه من الفضل العظيم, والنعيم المقيم فقال: " إِنَّ | |
| الْمُتَّقِينَ " إلى " هُوَ الْعَذَابُ | |
| الْأَلِيمُ " . | |
" إن المتقين في جنات وعيون " | |
يقول تعالى: " إِنَّ الْمُتَّقِينَ " الذين | |
| اتقوا طاعة الشيطان, وما يدعوهم إليه, من جميع الذنوب والعصيان " | |
| فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ " قد احتوت على جميع الأشجار, وأينعت فيها | |
| جميع الثمار اللذيذة, في جميع الأوقات. | |
" ادخلوها بسلام آمنين " | |
ويقال لهم حال دخولها: " ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ | |
| آمِنِينَ " من الموت, والنوم والنصب, واللغوب, وانقطاع شيء من النعيم, | |
| الذي هم فيه أو نقصانه, ومن المرض, والحزن, والهم, وسائر المكدرات. | |
| " وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ " فتبقى | |
| قلوبهم سالمة, من كل غل, وحسد, متصافية متحابة " إخوانا على | |
| سرر متقابلين " . | |
| دل ذلك على تزاورهم, واجتماعهم, وحسن أدبهم فيما بينهم, في كون كل منهم مقابلا | |
| للآخر, لا مستديرا له, متكئين على تلك السرر المزينة, بالفرش واللؤلؤ, وأنواع | |
| الجواهر. | |
" لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين " | |
" لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ " لا ظاهر ولا باطن. | |
| وذلك, لأن الله ينشئهم نشأة وحياة كاملة, لا تقبل شيئا من الآفات. | |
| " وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ " على سائر | |
| الأوقات. | |
| ولما ذكر ما يوجب الرغبة والرهبة, من مفعولات الله, من الجنة, والنار, ذكر ما يوجب | |
| ذلك من أوصافه تعالى فقال: | |
" نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم " | |
" | |
| نَبِّئْ عِبَادِي " أي: أخبرهم خبرا جازما, | |
| مؤيدا بالأدلة. | |
| " أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " فإنهم | |
| إذا عرفوا كمال رحمته ومغفرته, سعوا بالأسباب الموصلة لهم إلى رحمته, وأقلعوا عن | |
| الذنوب, وتابوا منها, لينالوا مغفرته. | |
" وأن عذابي هو العذاب الأليم " | |
ومع هذا, فلا ينبغي أن يتمادى بهم الرجاء إلى حال الأمن والإدلال. | |
| فنبئهم " وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ " | |
| أي: لا عذاب في الحقيقة, إلا عذاب الله, الذي لا يقادر قدره, ولا يبلغ | |
| كنهه, نعوذ به من عذابه. | |
| فإنهم إذا عرفوا أنه " لا يعذب عذابه أحد * ولا يوثق وثاقه | |
| أحد " حذروا, وبعدوا عن كل سبب يوجب لهم العقاب. | |
| فالعبد, ينبغي أن يكون قلبه دائما, بين الخوف والرجاء, والرغبة والرهبة. | |
| فإذا نظر إلى رحمة ربه ومغفرته, وجوده وإحسانه, أحدث له ذلك الرجاء والرغبة. | |
| وإذا نظر إلى ذنوبه وتقصيره في حقوق ربه, أحدث له الخوف والرهبة والإقلاع عنها. | |
" ونبئهم عن ضيف إبراهيم " | |
يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: " | |
| وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ " . | |
| أي: عن تلك القصة العجيبة, فإن في قصك عليهم أنباء الرسل, وما جرى لهم, ما يوجب | |
| لهم العبرة, والاقتداء بهم. | |
| خصوصا, إبراهيم الخليل, الذي أمرنا الله أن نتبع ملته. | |
| وضيفه هم: الملائكة الكرام, أكرمه الله بأن جعلهم أضيافه. | |
| " إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا | |
| مِنْكُمْ وَجِلُونَ " | |
| " إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا " أي: | |
| سلموا عليه, فرد عليهم " قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ | |
| " أي: خائفون. | |
| لأنه لما دخلوا عليه, وحسبهم ضيوفا, ذهب مسرعا إلى بيته, فأحضر لهم ضيافتهم, عجلا | |
| حنيذا فقدمه إليهم. | |
| فلما رأى أيديهم لا تصل إليه, خاف منهم أن يكونوا لصوصا أو نحوهم. | |
" قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم " | |
" قَالُوا " له: " لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ " وهو: | |
| إسحق عليه الصلاة والسلام. | |
| تضمنت هذه البشارة, بأنه ذكر لا أنثى, عليم, أي: كثير العلم. | |
| وفي الآية الأخرى " وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ | |
| الصَّالِحِينَ " . | |
" قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشروني " | |
قال لهم متعجبا من هذه البشارة: " | |
| أَبَشَّرْتُمُونِي " بالولد " عَلَى أَنْ | |
| مَسَّنِيَ الْكِبَرُ " وصار نوع إياس منه " | |
| فَبِمَ تُبَشِّرُونَ " أي: على أي وجه تبشرون وقد عدمت الأسباب؟ | |
" قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين " | |
" قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ " الذي لا شك فيه, لأن الله على كل شيء قدير, وأنتم بالخصوص - يا أهل هذا | |
| البيت - رحمة الله وبركاته عليكم, فلا يستغرب فضل الله وإحسانه إليكم. | |
| " فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ " الذين | |
| يستبعدون وجود الخير, بل لا تزال راجيا لفضل الله وإحسانه, وبره وامتنانه. | |
| فأجابهم إبراهيم بقوله: | |
" قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون " | |
" | |
| وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ " الذين لا علم لهم بربهم, وكمال اقتداره. | |
| وأما من أنعم الله عليه بالهداية والعلم العظيم, فلا سبيل إلى القنوط إليه, لأنه | |
| يعرف من كثرة الأسباب والوسائل والطرق, لرحمة الله, شيئا كثيرا. | |
| ثم لما بشروه بهذه البشارة, عرف أنهم مرسلون لأمر مهم. | |
" قال فما خطبكم أيها المرسلون " | |
أي: " قَالَ " الخليل عليه السلام | |
| للملائكة " فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ " . | |
| أي: ما شأنكم, ولأي شيء أرسلتم؟ | |
" قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين " | |
" قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ | |
| " أي: كثر فسادهم, وعظم شرهم, لنعذبهم | |
| ونعاقبهم. | |
| " إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ " | |
| أي: إلا لوطا, وأهله " إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا | |
| إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ " أي: الباقين بالعذاب. | |
| وأما لوط, فلنخرجنه وأهله, وننجيهم منها: فجعل إبراهيم, يجادل الرسل في إهلاكهم, | |
| ويراجعهم. | |
| فقيل له: " يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم | |
| آتيهم عذاب غير مردود " فذهبوا عنه. | |
" فلما جاء آل لوط المرسلون " | |
" | |
| فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ قَالَ " لهم لوط " إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ " أي: | |
| لا أعرفكم ولا أدري من أنتم. | |
" قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون " | |
" | |
| قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ " أي: جئناك بعذابهم الذي كانوا يشكون فيه, ويكذبونك حين توعدهم به. | |
| " وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ " الذي ليس بالهزل " وَإِنَّا لَصَادِقُونَ " فيما قلنا لك. | |
" فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد | |
| وامضوا حيث تؤمرون " | |
" | |
| فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ " أي: في أثنائه حين تنام العيون, ولا يدري أحد عن مسراك. | |
| " وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ | |
| " أي: بادروا وأسرعوا. | |
| " وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ " كأن معهم دليلا | |
| يدلهم إلى أين يتوجهون. | |
| " وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ " أي: أخبرناه | |
| خبرا لا مثنوية فيه. | |
" وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين " | |
" | |
| أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ " أي: سيصبحهم العذاب الذي يجتاحهم ويستأصلهم. | |
| " وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ " أي: المدينة | |
| التي فيها قوم لوط " يَسْتَبْشِرُونَ " أي. | |
| يبشر بعضهم بعضا, بأضياف لوط, وصباحة وجوههم واقتدارهم عليهم, وذلك لقصدهم فعل | |
| الفاحشة فيهم. | |
| فجاءوا حتى وصلوا إلى بيت لوط, فجعلوا يعالجون لوطا على أضيافه, ولوط يستعيذ منهم | |
| ويقول: | |
" قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون " | |
" | |
| إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِي وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِي | |
| " أي: راقبوا الله أول ذلك, وإن كان ليس فيكم | |
| خوف من الله, فلا تفضحون في أضيافي, وتنتهكوا منهم حرمتهم بفعل الأمر الشنيع. | |
" قالوا أولم ننهك عن العالمين " | |
و " قَالُوا " له جوابا عن قوله ولا | |
| تخزون فقط: " أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ " أن | |
| تضيفهم, فنحن قد أنذرناك, ومن أنذر فقد أعذر. | |
| " قَالَ " لهم لوط من شدة الأمر الذي أصابه: " هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ " . | |
| فلم يبالوا بقوله, ولهذا قال الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم " | |
| لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ " وهذه السكرة, | |
| هي سكرة محبة الفاحشة, التي لا يبالون معها بعذل ولا لوم. | |
| " فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ " | |
| فلما بينت له الرسل حالهم, زال عن لوط ما كان يجده من الضيق والكرب. | |
| فامتثل أمر ربه وسرى بأهله ليلا, فنجوا. | |
| وأما أهل القرية " فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ | |
| " أي: وقت شروق الشمس, حيث كانت العقوبة عليهم أشد. | |
| " فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا " أي: قلبنا | |
| عليهم مدينتهم. | |
| " وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ " . | |
| تتبع فيها من شذ من البلد. | |
" إن في ذلك لآيات للمتوسمين " | |
" | |
| إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ " أي: المتأملين المتفكرين, الذين لهم فكر وروية وفراسة, يفهمون بها ما | |
| أريد بذلك, من أن من تجرأ على معاصي الله, خصوصا هذه الفاحشة العظيمة, أن الله | |
| سيعاقبهم بأشنع العقوبات, كما تجرأوا على أشنع السيئات. | |
" وإنها لبسبيل مقيم " | |
" | |
| وَإِنَّهَا " أي: مدينة قوم لوط " لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ " للسالكين, يعرفه كل من تردد في | |
| تلك الديار " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ | |
| " . | |
| وفي هذه القصة من العبر: عنايته تعالى بخليله إبراهيم. | |
| فإن لوطا عليه السلام, من أتباعه, ومن آمن به فكأنه تلميذ له. | |
| فحين أراد الله إهلاك قوم لوط, حين استحقوا ذلك, أمر رسله أن يمروا على إبراهيم | |
| عليه السلام, كي يبشروه بالولد, ويخبروه بما بعثوا له, حتى إنه جادلهم عليه السلام | |
| في إهلاكهم, حتى أقنعوه, فطابت نفسه. | |
| وكذلك لوط عليه السلام, لما كانوا أهل وطنه, فربما أخذته الرقة عليهم والرأفة بهم, | |
| قدر الله من الأسباب, ما به يشتد غيظه وحنقه عليهم, حتى استبطأ إهلاكهم لما قيل | |
| له: " إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب " . | |
| ومنها: أن الله تعالى, إذا أراد أن يهلك قرية, زاد شرهم وطغيانهم. | |
| فإذا انتهى, أوقع بهم من العقوبات ما يستحقونه. | |
" وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين " | |
وهؤلاء قوم شعيب, نعتهم الله وأضافهم إلى الأيكة, وهو: البستان كثير | |
| الأشجار, ليذكر نعمته عليهم, وأنهم ما قاموا بها, بل جاءهم نبيهم شعيب, فدعاهم إلى | |
| التوحيد, وترك ظلم الناس في المكاييل والموازين, وعاجلهم على ذلك على أشد | |
| المعالجة, فاستمروا على ظلمهم في حق الخالق, وفي حق الخلق, ولهذا, وصفهم, هنا, | |
| بالظلم. | |
| " فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ " فأخذهم عذاب يوم | |
| الظلة, إنه كان عذاب يوم عظيم. | |
| " وَإِنَّهُمَا " أي: ديار قوم لوط, وأصحاب | |
| الأيكة " لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ " أي: لبطريق واضح, | |
| يمر بهم المسافرون كل وقت, فيبين من آثارهم ما هو مشاهد بالأبصار, فيعتبر بذلك | |
| أولوا الألباب. | |
" ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين " | |
يخبر تعالى عن أهل الحجر, وهم, قوم صالح, الذين كانوا يسكنون الحجر | |
| المعروف في أرض الحجاز, أنهم كذبوا المرسلين, أي: كذبوا صالحا. | |
| ومن كذب رسولا, فقد كذب سائر الرسل, لاتفاق دعوتهم. | |
| وليس تكذيب بعضهم لشخصه, بل لما جاء به من الحق الذي اشترك جميع الرسل بالإتيان | |
| به. | |
| " وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا " الدالة على صحة ما | |
| جاءهم به صالح من الحق, ومن جملتها: تلك الناقة, هي من آيات الله العظيمة. | |
" وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين " | |
" | |
| فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ " كبرا وتجبرا | |
| على الله. | |
| " وَكَانُوا " - من كثرة إنعام الله عليهم - " يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ " من | |
| المخاوف مطمئنين في ديارهم. | |
| فلو شكروا النعمة, وصدقوا نبيهم صالحا, عليه السلام, لأدر الله عليهم الأرزاق, | |
| ولأكرمهم بأنواع من الثواب العاجل والآجل. | |
| ولكنهم - لما كذبوا, وعقروا الناقة, وعتوا عن أمر ربهم, وقالوا: " | |
| يا صالح ائتنا بما تعدنا, إن كنت من الصادقين " . | |
" فأخذتهم الصيحة مصبحين " | |
" فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ " . | |
| فتقطعت قلوبهم في أجوافهم, وأصبحوا في دارهم جاثمين هلكى, مع ما يتبع ذلك, من | |
| الخزي واللعنة المستمرة. | |
| " فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ " لأن | |
| أمر الله إذا جاء, لا يرده كثرة جنود, ولا قوة أنصار, ولا غزارة أموال. | |
" وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة | |
| لآتية فاصفح الصفح الجميل " | |
أي: ما خلقناهما عبثا باطلا, كما يظن أعداء | |
| الله. | |
| بل ما خلقناهما " إِلَّا بِالْحَقِّ " الذي منه, | |
| أن تكونا بما فيهما دالتين على كمال خالقهما, واقتداره, وسعة رحمته, وحكمته, وعلمه | |
| المحيط, وأنه الذي لا تنبغي العبادة إلا له, وحده لا شريك له. | |
| " وَإِنَّ السَّ أكثر المصاحف تفاعلاً |