سورة النحل - تفسير السعدي | |
| | |
" أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون " | |
يقول | |
| تعالى - مقربا لما وعد به محققا لوقوعه - " أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا | |
| تَسْتَعْجِلُوهُ " . | |
| فإنه آت, وما هو آت, فإنه قريب. | |
| " سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ " من نسبة الشريك, والولد, | |
| والصاحبة, والكفء, وغير ذلك, مما نسبه إليه المشركون, مما لا يليق بجلاله, أو | |
| ينافي كماله. | |
| ولما نزه نفسه عما وصفه به أعداؤه, ذكر الوحي الذي ينزله على أنبيائه, مما يحب | |
| اتباعه, في ذكر ما ينسب لله, من صفات الكمال فقال: | |
" ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا | |
| أنه لا إله إلا أنا فاتقون " | |
" | |
| يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ " أي: بالوحي الذي به حياة الأرواح " عَلَى مَنْ | |
| يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ " ممن يعلمه صالحا. | |
| لتحمل رسالته. | |
| وزبدة دعوة الرسل كلهم ومدارها, على قوله: " أَنْ أَنْذِرُوا | |
| أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا " . | |
| أي: على معرفة الله تعالى وتوحده, في صفات العظمة, التي هي صفات الألوهية, وعبادته | |
| وحده لا شريك له, فهي التي أنزل بها كتبه, وأرسل بها رسله, وجعل الشرائع كلها تدعو | |
| إليها, وتحث وتجاهد من حاربها, وقام بضدها. | |
| ثم ذ كر الأدلة والبراهين على ذلك فقال: | |
" خلق السماوات والأرض بالحق تعالى عما يشركون " | |
" | |
| خَلْقِ السَّمَاوَاتِ " إلى " | |
| لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ " . | |
| هذه السورة, تسمى سورة النعم, فإن الله ذكر في أولها, أصول النعم وقواعدها, وفي | |
| آخرها, متمماتها ومكملاتها. | |
| فأخبر أنه خلق السماوات والأرض بالحق, ليستدل بهما العباد على عظمة خالقهما, وما | |
| له من نعوت الكمال, ويعلموا أنه خلقهما سكنا لعباده الذين يعبدونه, بما يأمرهم به, | |
| في الشرائع التي أنزلها على ألسنة رسله, ولهذا نزه نفسه عن شرك المشركين به فقال: " تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ " أي: تنزه وتعاظم عن | |
| شركهم, فإنه الإله حقا, الذي لا تنبغي العبادة, والحب, والذل, إلا له تعالى. | |
| ولما ذكر خلق السماوات والأرض, ذكر خلق ما فيهما. | |
" خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين " | |
وبدأ بأشرف ذلك وهو الإنسان فقال: " خَلَقَ | |
| الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ " لم يزل يدبرها, ويربيها, وينميها, حتى | |
| صارت بشرا تاما, كامل الأعضاء الظاهرة والباطنة. | |
| قد غمره بنعمه الغزيرة, حتى إذا استتم, فخر بنفسه وأعجب بها " | |
| فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ " . | |
| يحتمل أن المراد: فإذا هو خصيم لربه, يكفر به, ويجادل رسله, ويكذب بآياته. | |
| ونسي خلقه الأول, وما أنعم الله عليه به, من النعم, فاستعان بها على معاصيه. | |
| ويحتمل أن المعنى: أن الله أنشأ الآدمي من نطفة. | |
| ثم لم يزل ينقله من طور إلى طور, حتى صار عاقلا متكلما, ذا ذهن ورأي, يخاصم | |
| ويجادل. | |
| فليشكر العبد ربه الذي أوصله إلى هذه الحال, التي ليس في إمكانه القدرة على شيء | |
| منها. | |
" والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون " | |
" وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ " أي لأجلكم, ولأجل منافعكم ومصالحكم. | |
| ومن جملة منافعها العظيمة " لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ " مما | |
| تتخذون من أصوافها وأوبارها, وأشعارها, وجلودها, من الثياب, والفرش, والبيوت. | |
" ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون " | |
" وَ " لكم فيها " مَنَافِعُ " غير ذلك " وَمِنْهَا | |
| تَأْكُلُونَ " . | |
| " وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ | |
| تَسْرَحُونَ " أي: في وقت رواحها وسكونها, ووقت حركتها وسرحها. | |
| وذلك أن جمالها, لا يعود إليها منه شيء, فإنكم, أنتم الذين تتجملون بها, بثيابكم, | |
| وأولادكم, وأموالكم, وتعجبون بذلك. | |
| " وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ " من الأحمال | |
| الثقيلة, بل وتحملكم أنتم " إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا | |
| بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ " ولكن الله, ذللها لكم. | |
| فمنها ما تركبونه, ومنها ما تحملون عليه ما تشاءون, من الأثقال, إلى البلدان | |
| البعيدة, والأقطار الشائعة. | |
| " إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ " إنه سخر | |
| لكم ما تضطرون إليه وتحتاجونه. | |
| فله الحمد, كما ينبغي لجلال وجهه, وعظيم سلطانه, وسعة جوده وبره. | |
| " وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا | |
| وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ " | |
| " وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ " سخرناها | |
| لكم " لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً " . | |
| أي: تارة تستعملونها للضرورة في الركوب, وتارة لأجل الجمال والزينة. | |
| ولم يذكر الأمر, لأن البغال والحمير, محرم أكلها. | |
| والخيل لا تستعمل - في الغالب - للأكل, بل ينهى عن ذبحها لأجل الأكل, خوفا من | |
| انقطاعها, وإلا فقد ثبت في الصحيحين, أن النبي صلى الله عليه وسلم, أذن في لحوم | |
| الخيل. | |
| " وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ " مما يكون بعد | |
| نزول القرآن من الأشياء, التي يركبها الخلق في البر, والبحر, والجو, ويستعملونها | |
| في منافعهم ومصالحهم فإنه لم يذكرها بأعيانها, لأن الله تعالى لم يذكر في كتابه, | |
| إلا ما يعرفه العباد, أو يعرفون نظيره. | |
| وأما ما ليس له نظير في زمانهم, فإنه لو ذكر لم يعرفوه, ولم يفهموا المراد به. | |
| فيذكر أصلا جامعا, يدخل فيه ما يعلمون, وما لا يعلمون. | |
| كما ذكر نعيم الجنة, وسمى منه ما نعلم ونشاهد نظيره, كالنخل والأعناب والرمان. | |
| وأجمل ما لا نعرف له نظيرا في قوله " فِيهِمَا مِنْ كُلِّ | |
| فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ " . | |
| فكذلك هنا, ذكر ما نعرفه, من المراكب, كالخيل, والبغال, والحمير, والإبل, والسفن. | |
| وأجمل الباقي في قوله " وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ | |
| " . | |
| ولما ذكر تعالى, الطريق الحسنى, وأن الله قد جعل للعباد, ما يقطعونه به من الإبل | |
| وغيرها, ذكر الطريق المعنوي الموصل إليه فقال: | |
" وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين " | |
" | |
| وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ " أي: | |
| الصراط المستقيم, الذي هو أقرب الطرق وأخصرها, موصل إلى الله, وإلى كرامته. | |
| وأما الطريق الجائر في عقائده وأعماله, وهو: كل ما خالف الصراط المستقيم, فهو قاطع | |
| عن الله, موصل إلى دار الشقاء. | |
| فسلك المهتدون الصراط المستقيم بإذن ربهم, وضل الغاوون عنه, وسلكوا الطرق الجائرة. | |
| " وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ " ولكنه | |
| هدى بعضا, كرما وفضلا, ولم يهد آخرين, حكمة منه وعدلا. | |
" هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون | |
| " | |
ينبه الله تعالى بهذه الآية الإنسان على عظمة قدرته وحثهم على التفكر | |
| حيث ختمها بقوله " لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " على | |
| كل قدرة الله, الذي أنزل هذا الماء من السحاب الرقيق اللطيف, ورحمته, حيث جعل فيه | |
| ماء غزيرا منه يشربون, وتشرب مواشيهم, ويسقون منه حروثهم, فتخرج لهم الثمرات | |
| الكثيرة, والنعم العزيزة | |
" وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن | |
| في ذلك لآيات لقوم يعقلون " | |
أي: سخر لكم هذه الأشياء لمنافعكم, وأنواع مصالحكم, بحيث لا تستغنون | |
| عنها أبدا. | |
| فبالليل تسكنون وتنامون, وتستريحون. | |
| وبالنهار تنتشرون في معايشكم, ومنافع دينكم ودنياكم. | |
| وبالشمس والقمر, من الضياء, والنور, والإشراق, وإصلاح الأشجار والثمار, والنبات, | |
| وتجفيف الرطوبات, وإزالة البرودة الضارة للأرض, وللأبدان, وغير ذلك من الضروريات | |
| والحاجيات, التابعة لوجود الشمس والقمر. | |
| وفيهما, وفي النجوم, من الزينة للسماء والهداية, في ظلمات البر والبحر, ومعرفة | |
| الأوقات, وحساب الأزمنة, ما تتنوع دلالاتها, وتتصرف آياتها. | |
| ولهذا جمعها في قوله " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ | |
| يَعْقِلُونَ " أي: لمن لهم عقول يستعملونها في التدبر والتفكر, فيما | |
| هي مهيأة له, مستعدة, تعقل ما تراه, وتسمعه. | |
| لا كنظر الغافلين الذين حظهم من النظرة, حظ البهائم, التي لا عقل لها. | |
" وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون | |
| " | |
أي: فيما ذرأ الله ونشر للعباد, من كل ما على وجه الأرض, من حيوان, | |
| وأشجار, ونبات, وغير ذلك, مما تختلف ألوانه, وتختلف منافعه آية على كمال قدرة | |
| الله, وعميم إحسانه, وسعة بره, وأنه الذي لا تنبغي العبادة إلا له, وحده لا شريك | |
| له. | |
| " لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ " أي: يستحضرون في | |
| ذاكرتهم, ما ينفعهم من العلم النافع, ويتأملون ما دعاهم الله إلى التأمل فيه, حتى | |
| يتذكروا بذلك, ما هو دليل عليه. | |
" وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية | |
| تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون " | |
أي: هو وحده لا شريك له " الَّذِي سَخَّرَ | |
| الْبَحْرَ " وهيأه لمنافعكم المتنوعة. | |
| " لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا " وهو, | |
| السمك, والحوت, الذي تصطادونه منه. | |
| " وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا " فتزيدكم | |
| جمالا وحسنا إلى حسنكم. | |
| " وَتَرَى الْفُلْكَ " أي: السفن والمراكب " مَوَاخِرَ فِيهِ " أي تمخر في البحر العجاج الهائل, | |
| بمقدمها, حتى تسلك فيه من قطر إلى آخر, تحمل المسافرين وأرزاقهم, وأمتعتهم, | |
| وتجاراتهم, التي يطلبون بها الأرزاق وفضل الله عليهم. | |
| " وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " الذي يسر لكم هذه | |
| الأشياء وهيأها, وتثنون على الله الذي من بها. | |
| فلله تعالى الحمد والشكر, والثناء, حيث أعطى العباد من مصالحهم ومنافعهم, فوق ما | |
| يطلبون, وأعلى ما يتمنون, وآتاهم من كل ما سألوه, لا نحصي ثناء عليه, بل هو كما | |
| أثنى على نفسه. | |
" وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون | |
| " | |
أي: " وَأَلْقَى " | |
| الله تعالى لأجل عباده " فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ | |
| " وهي: الجبال العظام لئلا تميد بهم وتضطرب بالخلق, فيتمكنون من حرث | |
| الأرض والبناء, والسير علهيا. | |
| ومن رحمته تعالى أن جعل فيها أنهارا, يسوقها من أرض بعيدة, إلى أرض مضطرة إليها | |
| لسقيهم وسقي مواشيهم وحروثهم, أنهارا على وجه الأرض, وأنهارا في بطنها يستخرجونها | |
| بحفرها, حتى يصلوا إليها فيستخرجونها بما سخر الله لهم من الدوالي والآلات ونحوها. | |
| ومن رحمته أن جعل في الأرض سبلا أي: طرقا توصل إلى الديار المتنائية. | |
| " لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ " السبيل إليها حتى | |
| إنك تجد أرضا مشتبكة بالجبال, مسلسلة فيها, وقد جعل الله فيما بينها منافذ ومسالك | |
| للسالكين. | |
" أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون " | |
لما ذكر تعالى ما خلقه من المخلوقات | |
| العظيمة, وما أنعم به من النعم العميمة, ذكر أنه لا يشبهه أحد ولا كفء له ولا ند | |
| له, فقال: " أَفَمَنْ يَخْلُقُ " جميع المخلوقات, | |
| وهو الفعال لما يريد " كَمَنْ لَا يَخْلُقُ " شيئا, | |
| لا قليلا, ولا كثيرا. | |
| " أَفَلَا تَذَكَّرُونَ " فتعرفون أن المنفرد | |
| بالخلق, أحق بالعبادة كلها. | |
| فكما أنه واحد في خلقه وتدبيره, فإنه واحد في إلهيته وتوحيده, وعبادته. | |
" وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم " | |
وكما أنه ليس له مشارك, إذ أنشأكم وأنشأ غيركم, فلا تجعلوا له أندادا | |
| في عبادته, بل أخلصوا له الدين. | |
| " وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ " عددا | |
| مجردا عن الشكر " لَا تُحْصُوهَا " فضلا عن كونكم | |
| تشكرونها. | |
| فإن نعمه الظاهرة والباطنة على العباد, بعدد الأنفاس واللحظات, من جميع أصناف | |
| النعم, مما يعرف العباد, ومما لا يعرفون, وما يدفع عنهم من النقم, فأكثر من أن | |
| تحصى. | |
| " إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ " يرضى منكم | |
| باليسير من الشكر, مع إنعامه الكثير. | |
" والله يعلم ما تسرون وما تعلنون " | |
وكما أن رحمته واسعة, وجوده عميم, ومغفرته | |
| شاملة للعباد, فعلمه محيط بهم. | |
| " يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ " بخلاف | |
| من عبد من دونه. | |
| فإنهم " لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا " قليلا ولا | |
| كثيرا " وَهُمْ يُخْلَقُونَ " . | |
| فكيف يخلقون شيئا مع افتقار في إيجادهم إلى الله تعالى؟!! | |
" أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون " | |
ومع هذا, ليس فيهم من أوصاف الكمال شيء, لا علم, ولا غيره. | |
| " أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ " فلا تسمع, ولا | |
| تبصر, ولا تعقل شيئا, أفنتخذ هذه آلهة من دون رب العالمين. | |
| فتبا لعقول المشركين, ما أضلها, وأفسدها, حيث ضلت في أظهر الأشياء فسادا. | |
| وسووا بين الناقص من جميع الوجوه فلا أوصاف كمال, ولا شيء من الأفعال, وبين الكمال | |
| من جميع الوجوه الذي له كل صفة كمال, وله من تلك الصفة أكملها وأعظمها. | |
| فله العلم المحيط بكل الأشياء, والقدرة العامة, والرحمة الواسعة, التي ملأت جميع | |
| العوالم. | |
| والحمد والمجد والكبرياء والعظمة, التي لا يقدر أحد من الخلق, أن يحيط ببعض أوصافه | |
| ولهذا قال: | |
" إلهكم إله واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم | |
| مستكبرون " | |
" | |
| إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ " وهو: الله الأحد | |
| الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يكن له كفوا أحد. | |
| فأهل الإيمان والعقول, أحلته قلوبهم وعظمته, وأحبته حبا عظيما, وصرفوا له كل ما | |
| استطاعوا من القربات البدنية والمالية, وأعمال القلوب وأعمال الجوارح, وأثنوا عليه | |
| بأسمائه الحسنى, وصفاته, وأفعاله المقدسة. | |
| " فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ | |
| مُنْكِرَةٌ " لهذا الأمر العظيم الذي لا ينكره إلا أعظم الخلق, جهلا | |
| وعنادا, وهو: توحيد الله " وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ " عن | |
| عبادته. | |
" لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين | |
| " | |
" لَا جَرَمَ " أي: حقا | |
| لا بد " أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا | |
| يُعْلِنُونَ " من الأعمال القبيحة " إِنَّهُ لَا | |
| يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ " بل يبغضهم أشد البغض, وسيجازيهم من جنس | |
| عملهم " إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين | |
| " . | |
" وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين " | |
يقول تعالى - مخبرا عن شدة تكذيب المشركين | |
| بآيات الله: " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ | |
| رَبُّكُمْ " أي: إذا سألوا عن القرآن والوحي, الذي هو أكبر نعمة أنعم | |
| الله بها على العباد. | |
| فماذا قولكم به؟ وهل تشكرون هذه النعمة وتعترفون بها, أم تكفرون وتعاندون؟ فيكون | |
| جوابهم أقبح جواب وأسمجه, فيقولون عنه: إنه " أَسَاطِيرُ | |
| الْأَوَّلِينَ " أي: كذب اختلقه محمد على الله, وما هو إلا قصص | |
| الأولين التي يتناقلها الناس, جيلا بعد جيل, منها الصدق ومنها الكذب. | |
| فقالوا هذه المقالة, ودعوا أتباعهم إليها, وحملوا, وزرهم, ووزر من انقاد لهم إلى | |
| يوم القيامة. | |
| وقوله: " وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ | |
| عِلْمٍ " أي: من أوزار المقلدين الذين لا علم عندهم, إلا ما دعو إليه, | |
| فيحملون إثم ما دعوهم إليه. | |
| وأما الذين يعلمون, فكل مستقل بجرمه, لأنه عرف ما عرفوا. | |
| " أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ " أي: بئس ما حملوا | |
| من الوزر المثقل لظهورهم, من وزرهم, ووزر من أضلوه. | |
" قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم | |
| السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون " | |
" قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ " برسلهم, واحتالوا بأنواع الحيل, على رد ما جاءوهم به, وبنوا من مكرهم, | |
| قصورا هائلة. | |
| " فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ " أي: | |
| جاءها الأمر من أساسها وقاعدتها. | |
| " فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ " فصار | |
| ما بنوه عذابا, عذبوا به. | |
| " وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ " | |
| وذلك أنهم ظنوا أن هذا البنيان سينفعهم, ويقيهم العذاب, فصار عذابهم فيما | |
| بنوه وأصلوه. | |
| وهذا من أحسن الأمثال, في إبطال الله مكر أعدائه. | |
| فإنهم فكروا وقدروا فيما جاءت به الرسل لما كذبوهم, وجعلوا لهم أصولا وقواعد من | |
| الباطل, يرجعون إليها, ويردون بها ما جاءت به الرسل. | |
| واحتالوا أيضا, على إيقاع المكروه والضرر بالرسل ومن تبعهم. | |
| فصار مكرهم وبالا عليهم, فصار تدبيرهم فيه تدميرهم. | |
| وذلك لأن مكرهم سيئ " ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله " . | |
| هذا في الدنيا, ولعذاب الآخرة أحرى, ولهذا قال: " ثُمَّ | |
| يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ " أي يفضحهم على رءوس الخلائق, ويبين | |
| لهم كذبهم, وافتراءهم على الله. | |
" ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم | |
| قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين " | |
" | |
| وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ " أي: تحاربون وتعادون الله وحزبه لأجلهم, وتزعمون أنهم شركاء لله. | |
| فإذا سألهم هذا السؤال, لم يكن لهم جواب, إلا الإقرار بضلالهم, والاعتراف بعنادهم | |
| فيقولون " ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين | |
| " . | |
| " قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ " أي: | |
| العلماء الربانيون " إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ " أي: | |
| يوم القيامة " وَالسُّوءَ " أي: سوء العذاب " عَلَى الْكَافِرِينَ " . | |
| وفي هذا فضيلة أهل العلم, وأنهم الناطقون بالحق في هذه الدنيا, ويوم يقوم الأشهاد, | |
| وأن لقولهم, اعتبارا عند الله وعند خلقه. | |
| ثم ذكر ما يفعل بهم عند الوفاة, وفي القيامة فقال: | |
" الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل | |
| من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون " | |
" | |
| الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ " أي: تتوفاهم في هذه الحال, التي كثر فيها ظلمهم وغيهم, قد علم ما يلقى | |
| الظلمة في ذلك المقام, من أنواع العذاب والخزي والإهانة. | |
| " فَأَلْقَوُا السَّلَمَ " أي: استسلموا, وأنكروا | |
| ما كانوا يعبدون من دون الله وقالوا: " مَا كُنَّا نَعْمَلُ | |
| مِنْ سُوءٍ " . | |
| فيقال لهم: " بَلَى " كنتم تعملون السوء, و " إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ " فلا | |
| يفيدكم الجحود شيئا. | |
| وهذا في بعض مواقف القيامة, ينكرون ما كانوا عليه في الدنيا, ظنا منهم أنه ينفعهم. | |
| فإذا شهدت عليهم جوارحهم, وتبين ما كانوا عليه أقروا, واعترفوا. | |
| ولهذا لا يدخلون النار, حتى يعترفوا بذنوبهم. | |
" فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين " | |
فإذا دخلوا أبواب جهنم, فكل أهل عمل يدخلون | |
| من الباب اللائق بحالهم. | |
| " فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ " نار | |
| جهنم, فإنها مثوى الحسرة والندم, ومنزل الشقاء والألم, ومحل الهموم والغموم, وموضع | |
| السخط من الحي القيوم. | |
| لا يفتر عنهم من عذابها, ولا يرفع عنهم يوما من أليم عقابها, قد أعرض عنهم الرب | |
| الرحيم, وأذاقهم العذاب العظيم. | |
" وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا في | |
| هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين " | |
لما ذكر الله قيل المكذبين بما أنزل الله, | |
| ذكر ما قاله المتقون, وأنهم اعترفوا وأقروا, بأن ما أنزل الله نعمة عظيمة, وخير | |
| عظيم امتن الله به على العباد, فقبلوا تلك النعمة, وتلقوها بالقبول والانقياد, | |
| وشكروا الله عليها, فعلموها, وعملوا بها. | |
| " لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا " في عبادة الله تعالى, | |
| وأحسنوا إلى عباد الله, فلهم " فِي هَذِهِ الدُّنْيَا | |
| حَسَنَةً " رزق واسع, وعيشه هنية, وطمأنينة قلب, وأمن, وسرور. | |
| " وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ " من هذه الدار, | |
| وما فيها من أنواع اللذات والمشتهيات, فإن هذه, نعيمها قليل, محشو بالآفات, منقطع. | |
| بخلاف نعيم الآخرة, ولهذا قال: " وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ | |
" جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاءون | |
| كذلك يجزي الله المتقين " | |
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ | |
| لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ " أي: مهما تمنت أنفسهم, وتعلقت به إرادتهم, | |
| حصل لهم على أكمل الوجوه وأتمها. | |
| فلا يمكن أن يطلبوا نوعا من أنواع النعيم, الذي فيه لذة القلوب, وسرور الأرواح, | |
| إلا وهو حاضر لديهم, ولهذا يعطي الله أهل الجنة, كل ما تمنوه عليه حتى إنه يذكرهم | |
| أشياء من النعيم, لم تخطر على قلوبهم. | |
| فتبارك الذي, لا نهاية لكرمه, ولا حد لجوده, الذي ليس كمثله شيء في صفات ذاته, | |
| وصفات أفعاله, وآثار تلك النعوت, وعظمة الملك والملكوت. | |
| " كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ " لسخط | |
| الله وعذابه, بأداء ما أوجبه عليهم, من الفروض, والواجبات, المتعلقة بالقلب, | |
| والبدن, واللسان, من حقه, وحق عباده, وترك ما نهاهم الله عنه. | |
" الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة | |
| بما كنتم تعملون " | |
" | |
| الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ " مستمرين | |
| على تقواهم " طَيِّبِينَ " أي: طاهرين مطهرين من | |
| كل نقص ودنس, يتطرق إليهم, ويخل في إيمانهم. | |
| فطابت قلوبهم بمعرفة الله ومحبته, وألسنتهم بذكره, والثناء عليه, وجوارحهم بطاعته | |
| والإقبال عليه. | |
| " يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ " التحية | |
| الكاملة, خاصة لكم, والسلامة من كل آفة. | |
| وقد سلمتم من كل ما تكرهون " ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا | |
| كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ " من الإيمان بالله, والانقياد لأمره. | |
| فإن العمل هو السبب والمادة, والأصل في دخول الجنة, والنجاة من النار. | |
| وذلك العمل, حصل لهم برحمة الله ومنته, لا بحولهم وقوتهم. | |
" هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك كذلك فعل | |
| الذين من قبلهم وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون " | |
يقول تعالى: هل ينظر هؤلاء الذين جاءتهم الآيات, فلم يؤمنوا, وذكروا, | |
| فلم يتذكروا. | |
| " إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ " لقبض | |
| أرواحهم " أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ " بالعذاب | |
| الذي سيحل بهم, فإنهم قد استحقوا وقوعه فيهم. | |
| " كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ " كذبوا | |
| وكفروا, ثم لم يؤمنوا, حتى نزل بهم العذاب. | |
| " وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ " إذ عذبهم " وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ " فإنها | |
| مخلوقة لعبادة الله, ليكون مآلها إلى كرامة الله, فظلموها, وتركوا ما خلقت له, | |
| وعرضوها للإهانة الدائمة, والشقاء الملازم. | |
" فأصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون " | |
" | |
| فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا " أي: | |
| عقوبات أعمالهم وآثارها. | |
| " وَحَاقَ بِهِمْ " أي: نزل " | |
| مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ " فإنه كانوا إذا أنذرتهم رسلهم | |
| بالعذاب, استهزأوا به, وسخروا ممن أخبر به فحل بهم ذلك الأمر الذي سخروا منه. | |
" وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا | |
| آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا | |
| البلاغ المبين " | |
أي: احتج المشركون على شركهم بمشيئة الله, وأن الله لو شاء, ما أشركوا, | |
| ولا حرموا شيئا من الأنعام, التي أحلها كالبحيرة, والوصيلة والحام, ونحوها, من | |
| دونه. | |
| وهذه حجة باطلة, فإنها لو كانت حقا, ما عاقب الله الذين من قبلهم, حيث أشركوا به, | |
| فعاقبهم أشد العقاب. | |
| فلو كان يحب ذلك منهم, لما عذبهم. | |
| وليس قصدهم بذلك, إلا رد الحق الذي جاءت به الرسل, وإلا فعندهم علم, أنه لا حجة | |
| لهم على الله. | |
| فإن الله أمرهم ونهاهم, ومكنهم من القيام بما كلفهم, وجعل لهم قوة ومشيئة تصدر | |
| عنها أفعالهم. | |
| فاحتجاجهم بالقضاء والقدر, من أبطل الباطل. | |
| هذا, وكل أحد يعلم بالحس, قدرة الإنسان على كل فعل يريده, من غير أن ينازعه منازع. | |
| فجمعوا بين تكذيب الله وتكذيب رسله, وتكذيب الأمور العقلية, والحسية. | |
| " فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ | |
| " أي: البين, الظاهر, الذي يصل إلى القلوب, ولا يبقى لأحد على الله | |
| حجة. | |
| فإذا بلغتهم الرسل أمر ربهم ونهيه, واحتجوا عليهم بالقدر, فليس للرسل من الأمر | |
| شيء, وإنما حسابهم على الله عز وجل. | |
" ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت | |
| فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان | |
| عاقبة المكذبين " | |
يخبر تعالى, أن حجته قامت على جميع الأمم, وانه ما من أمة متقدمة أو | |
| متأخرة, إلا وبعث الله فيها رسولا وكلهم متفقون على دعوة واحدة, ودين واحد, وهو: | |
| عبادة الله وحده لا شريك له " أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ | |
| وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ " . | |
| فانقسمت الأمم, بحسب استجابتها لدعوة الرسل وعدمها, قسمين. | |
| " فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ " فاتبعوا | |
| المرسلين, علما, وعملا. | |
| " وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ " فاتبع | |
| سبيل الغي. | |
| " فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ " بأبدانكم وقلوبكم " فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ " فإنكم | |
| سترون من ذلك, العجائب, فلا تجد مكذبا, إلا كان عاقبته الهلاك. | |
" إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين | |
| " | |
" إِنْ | |
| تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ " وتبذل جهدك في | |
| ذلك " فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ " ولو | |
| فعل كل سبب لم يهده إلا الله. | |
| " وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ " ينصرونهم من | |
| عذاب الله ويقونهم بأسه. | |
" وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه | |
| حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون " | |
يخبر تعالى عن المشركين المكذبين لرسوله, | |
| أنهم " أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ " أي: | |
| حلفوا أيمانا مؤكدة مغلظة على تكذيب الله, وأنه لا يبعث الأموات, ولا يقدر على | |
| إحيائهم, بعد أن كانوا ترابا. | |
| قال تعالى مكذبا لهم: " بَلَى " سيبعثهم, | |
| ويجمعهم, ليوم لا ريب فيه " وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا " لا | |
| يخلفه ولا يغيره " وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا | |
| يَعْلَمُونَ " ومن جهلم العظيم, إنكارهم البعث والجزاء. | |
| ثم ذكر الحكمة في الجزاء والبعث فقال: " لِيُبَيِّنَ لَهُمُالَّذِي | |
| يَخْتَلِفُونَ فِيهِ " من المسائل الكبار والصغار, فيبين حقائقها | |
| ويوضحها. | |
| " وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا | |
| كَاذِبِينَ " حتى يروا أعمالهم حسرات عليهم. | |
| وما نفعتهم آلهتهم, التي يدعون مع الله من شيء, لما جاء أمر ربك وحين يرون ما | |
| يعبدون, حطبا لجهنم, وتكور الشمس والقمر, وتتناثر النجوم, ويتضح لمن يعبدها, أنها | |
| عبيد مسخرات, وأنهن مفتقرات إلى الله في جميع الحالات, وليس ذلك على الله بصعب ولا | |
| شديد, فإنه إذا أراد شيئا قال له: كن فيكون, من غير منازعة ولا امتناع, بل يكون | |
| على طبق ما أراده وشاءه. | |
" والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة | |
| ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون " | |
يخبر تعالى بفضل المؤمنين الممتحنين " وَالَّذِينَ | |
| هَاجَرُوا فِي اللَّهِ " أي: في سبيله, وابتغاء مرضاته " مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا " بالأذية والمحنة من | |
| قومهم, الذين يفتنونهم ليردوهم إلى الكفر والشرك, فتركوا الأوطان والخلان, | |
| وانتقلوا عنها لأجل طاعة الرحمن. | |
| فذكر لهم ثوابين, ثوابا عاجلا في الدنيا, من الرزق الواسع, والعيش الهنيء, الذي | |
| رأوه عيانا, بعد ما هاجروا, وانتصروا على أعدائهم, وافتتحوا البلدان, وغنموا منها | |
| الغنائم العظيمة, فتمولوا, وآتاهم الله في الدنيا حسنة. | |
| " وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ " الذي وعدهم الله على | |
| لسان رسوله خير, و " أَكْبَرُ " من أجر الدنيا | |
| كما قال تعالى " الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا | |
| فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ | |
| اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ | |
| مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ خَالِدِينَ فِيهَا | |
| أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ " . | |
| وقوله: " لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ " أي: لو كان | |
| لهم علم ويقين بما عند الله من الأجر والثواب لمن آمن به وهاجر في سبيله, لم يتخلف | |
| عن ذلك أحد. | |
" الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون " | |
ثم ذكر وصف أوليائه فقال " الَّذِينَ صَبَرُوا | |
| " على أوامر الله وعن نواهيه, وعلى أقدار الله المؤلمة, وعلى الأذية | |
| فيه, والمحن " وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ " أي: | |
| يعتمدون عليه في تنفيذ محابه, لا على أنفسهم. | |
| وبذلك تنجح أمورهم, وتستقيم أحوالهم, فإن الصبر والتوكل, ملاك الأمور كلها. | |
| فما فات أحدا شيء من الخير, إلا لعدم صبره, وبذل جهده فيما أريد منه, أو لعدم | |
| توكله واعتماده على الله. | |
" وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن | |
| كنتم لا تعلمون " | |
يقول تعالى لنبيه محمد, صلى الله عليه وسلم: " | |
| وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا " أي: لست ببدع من | |
| الرسل, فلم نرسل قب أكثر المصاحف تفاعلاً |