سورة طه - تفسير السعدي | |
| | |
" طه " | |
" طه " من جملة الحروف المقطعة, المفتتح بها كثير من | |
| السور, وليست اسما للنبي, صلى الله عليه وسلم. | |
| |
" ما أنزلنا عليك | |
| القرآن لتشقى " | |
" مَا | |
| أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى " أي: ليس المقصود بالوحي, وإنزال القرآن عليك, وشرع الشريعة, لتشقى | |
| بذلك, ويكون في الشريعة تكليف, يشق على المكلفين وتعجز عنه قوى العاملين. | |
| وإنما الوحي, والقرآن والشرع, شرعه الرحيم الرحمن, وجعله موصلا للسعادة, والفلاح, | |
| والفوز, وسهله غاية التسهيل, ويسر كل طرقه وأبوابه, وجعله غذاء القلوب والأرواح, | |
| وراحة للأبدان. | |
| فتلقته الفطر السليمة والعقول المستقيمة, بالقبول, والإذعان, لعلمها بما احتوى | |
| عليه, من الخير في الدنيا والآخرة, ولهذا قال: | |
" إلا تذكرة لمن يخشى " | |
" إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى " أي: إلا ليتذكر به من يخشى الله تعالى, فيتذكر ما فيه من الترغيب, لأجل | |
| المطالب, فيعمل بذلك, ومن الترهيب عن الشقاء والخسران, فيرهب منه, ويتذكر به | |
| الأحكام الحسنة الشرعية المفصلة, التي كانت مستقرا في عقله حسنها مجملا, فوافق | |
| التفصيل ما يجده في فطرته وعقله, ولهذا سماه الله " تذكرة | |
| " . | |
| والتذكرة لشيء كان موجودا, إلا أن صاحبه غافل عنه, أو غير مستحضر لتفصيله. | |
| وخص بالتذكرة " من يخشى " لأن غيره لا ينتفع به. | |
| وكيف ينتفع به من لم يؤمن بجنة ولا نار, ولا في قلبه من خشية الله مثقال ذرة؟ هذا | |
| ما لا يكون. | |
| " سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى | |
| الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى " . | |
| ثم ذكر جلالة هذا القرآن العظيم, وأنه تنزيل خالق الأرض والسماوات, المدبر لجميع | |
| المخلوقات. | |
| أي: فاقبلوا تنزيله, بغاية الإذعان, والمحبة, والتسليم, وعظموه نهاية التعظيم. | |
" تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلا " | |
وكثيرا ما يقرن بين الخلق والأمر, كما في هذة الآية, وكما في قوله: " أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ " وفي قوله: " اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ | |
| مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ " وذلك أنه الخالق | |
| الآمر الناهي. | |
| فكما أنه لا خالق سواه, فليس على الخلق إلزام, ولا أمر, ولا نهي إلا من خالقهم. | |
| وأيضا, فإن خلقه للخلق, فيه من التدبير القدري الكوني, وأمره, فيه التدبير الشرعي | |
| الديني. | |
| فكما أن الخلق لا يخرج عن الحكمة, فلم يخلق شيئا عبثا, فكذلك لا يأمر ولا ينهى, | |
| إلا بما هو عدل, وحكمة, وإحسان. | |
| فلما بين أنه الخالق المدبر, الآمر الناهي, أخبر عن عظمته وكبريائه, فقال: | |
" الرحمن على العرش استوى " | |
" | |
| الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ " الذي هو أرفع | |
| المخلوقات وأعظمها, وأوسعها. | |
| " اسْتَوَى " استواء يليق بجلاله, ويناسب عظمته | |
| وجماله, فاستوى على العرش, واحتوى على الملك. | |
" له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى | |
| " | |
" لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا | |
| بَيْنَهُمَا " من ملك وإنسي وجني, وحيوان, | |
| وجماد, ونبات. | |
| " وَمَا تَحْتَ الثَّرَى " أي: الأرض, فالجميع | |
| ملك لله, تعالى, عبيد مدبرون مسخرون, تحت قضائه وتدبيره ليس لهم من الملك شيء, ولا | |
| يملكون لأنفسهم, نفعا ولا ضرا, ولا موتا, ولا حياة, ولا نشورا. | |
" وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى " | |
" | |
| وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ " الكلام الخفي " وَأَخْفَى " من السر, | |
| الذي في القلب, ولم ينطق به, أو السر: ما خطر على القلب " | |
| وأخفى " : ما لم يخطر, يعلم تعالى أنه يخطر في وقته, وعلى صفته. | |
| المعنى: أن علمه تعالى محيط بجميع الأشياء, دقيقها, وجليها خفيها, وظاهرها. | |
| فسواء جهرت بقولك أو أسررته, فالكل سواء, بالنسبة لعلمه تعالى. | |
| فلما قرر كماله المطلق, بعموم خلقه, وعموم أمره ونهيه, وعموم رحمته, وسعة عظمته, | |
| وعلوه على عرشه, وعموم ملكه, وعموم علمه, نتج من ذلك, أنه المستحق للعبادة, وأن | |
| عبادته هي الحق التي يوجبها الشرع, والعقل, والفطرة. | |
| وعبادة غيره باطلة, فقال: | |
" الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى " | |
" اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ " أي: لا معبود بحق, ولا مألوه بالحب والذل, والخوف والرجاء, والمحبة | |
| والإنابة والدعاء وإلا هو. | |
| " لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى " أي: له الأسماء | |
| الكثيرة الكاملة الحسنى. | |
| من حسنها, أنها كلها, أسماء دالة على المدح. | |
| فليس فيها, اسم لا يدل على المدح والحمد ومن حسنها, أنها ليست أعلاما محضة, وإنما | |
| هي أسماء وأوصاف. | |
| ومن حسنها, أنها دالة على الصفات الكاملة, وأن له من كل صفة, أكملها, وأعمها, | |
| وأجلها. | |
| ومن حسنها, أنه أمر العباد أن يدعوه بها, لأنها وسيلة مقربة إليه, يحبها, ويحب من | |
| يحبها, ويحب من يحفظها, ويحب من يبحث عن معانيها ويتعبد له بها, قال تعالى: " وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " . | |
" وهل أتاك حديث موسى " | |
يقول تعالى لنبيه محمد, صلى الله عليه وسلم على وجه الاستفهام | |
| التقريري. | |
| والتعظيم لهذه القصة والتفخيم لها: " وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ | |
| مُوسَى " في حاله التي هي مبدأ سعادته, ومنشأ نبوته, أنه رأى نارا من | |
| بعيد, وكان قد ضل الطريق, وأصابه البرد, ولم يكن عنده, ما يتدفأ به في سفره. | |
" إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها | |
| بقبس أو أجد على النار هدى " | |
" | |
| فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ " أي: أبصرت " نَارًا " وكان ذلك في | |
| جانب الطور الأيمن. | |
| " لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ " تصطلون | |
| به " أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى " . | |
| أي: من يهديني الطريق. | |
| وكان مطلبه, النور الحسي والهداية الحسية. | |
| فوجد ثم النور المعنوي, نور الوحي, الذي تستنير به الأرواح والقلوب, والهداية | |
| الحقيقية, هداية الصراط المستقيم, الموصلة إلى جنات النعيم. | |
| فحصل له أمر, لم يكن في حسابه, ولا خطر بباله. | |
" فلما أتاها نودي يا موسى " | |
" | |
| فَلَمَّا أَتَاهَا " أي: النار التي آنسها من | |
| بعيد, وكانت - في الحقيقة - نورا, وهي نار تحرق وتشرق, ويدل على ذلك قوله صلى الله | |
| عليه وسلم " حجابه النور أو النار لو كشفه, لأحرقت سبحات | |
| وجهه, ما انتهى إليه بصره " فلما وصل إليها نودي منها أي: ناداه الله | |
| كما قال: " وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ | |
| وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا " | |
" إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى " | |
" | |
| إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ | |
| طُوًى " أخبره أنه ربه, وأمره أن يستعد | |
| ويتهيأ لمناجاته, ويهتم لذلك, ويلقى نعليه, لأنه بالوادي المقدس المطهر المعظم. | |
| ولو لم يكن من تقديسه, إلا أنه اختار لمناجاته, كليمه موسى, لكفى. | |
| وقد قال كثير من المفسرين: " إن الله أمره أن يلقي نعليه, | |
| لأنهما من جلد حمار " , فالله أعلم بذلك. | |
" وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى " | |
" | |
| وَأَنَا اخْتَرْتُكَ " أي: تخيرتك واصطفيتك | |
| من الناس. | |
| وهذه أكبر نعمة ومنة أنعم الله بها عليه, تقتضي من الشكر, ما يليق بها, ولهذا قال: | |
| " فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى " أي: ألق سمعك للذي | |
| أوحى إليك فإنه حقيق بذلك, لأنه أصل الدين ومبدأه, وعماد الدعوة الإسلامية. | |
" إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري " | |
ثم بين الذي يوحيه إليه بقوله: " إِنَّنِي أَنَا | |
| اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا " أي: الله المستحق الألوهية المتصف | |
| بها, لأنه الكامل في أسمائه, وصفاته, المنفرد بأفعاله, الذي لا شريك له, ولا مثيل, | |
| ولا كفو ولا سمي. | |
| " فَاعْبُدْنِي " بجميع أنواع العبادة, ظاهرها | |
| وباطنها, أصولها وفروعها. | |
| ثم خص الصلاة بالذكر وإن كانت داخلة في العبادة, لفضلها وشرفها, وتضمنها عبودية | |
| القلب, واللسان, والجوارح. | |
| وقوله: " لِذِكْرِي " اللام للتعليل أي: أقم | |
| الصلاة لأجل ذكرك إياي. | |
| لأن ذكره تعالى, أجل المقاعد, وبه عبودية القلب, وبه سعادته. | |
| فالقلب المعطل عن ذكر الله, معطل عن كل خير, وقد خرب كل خراب. | |
| فشرع الله للعباد, أنواع العبادات, التي, المقصود منها, إقامة ذكره وخصوصا, | |
| الصلاة. | |
| قال تعالى: " اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ | |
| وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ | |
| وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ " . | |
| أي: ما فيها من ذكر الله أكبر من نهيها عن الفحشاء والمنكر. | |
| وهذا النوع يقال له توحيد الإلهية, وتوحيد, العبادة فالألوهية, وصفه تعالى, | |
| والعبودية, وصف عبده. | |
" إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى " | |
" | |
| إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ " أي: لا بد من | |
| وقوعها " أَكَادُ أُخْفِيهَا " . | |
| أي: عن نفسي كما في بعض القراءات, كقوله تعالى " | |
| يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا | |
| عِنْدَ رَبِّي " وقال: " وَعِنْدَهُ عِلْمُ | |
| السَّاعَةِ " . | |
| فعلمها, قد أخفاه عن الخلائق كلهم, فلا يعلمها ملك مقرب, ولا نبي مرسل. | |
| والحكمة في إتيان الساعة " لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا | |
| تَسْعَى " من الخير والشر, فهي الباب لدار الجزاء " | |
| لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا | |
| بِالْحُسْنَى " . | |
" فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى " | |
أي: فلا يصدك ويشغلك عن الإيمان بالساعة, والجزاء, والعمل لذلك, من كان | |
| كافرا بها, غير معتقد لوقوعها. | |
| يسعى في الشك فيها, والتشكيك, ويجادل فيها, بالباطل, ويقيم من الشبه, ما يقدر | |
| عليه, متبعا في ذلك هواه, ليس قصده الوصول إلى الحق, وإنما قصاراه, اتباع هواه. | |
| فإياك أن تصغي إلى من هذه حاله, أو تقبل شيئا, من أقواله وأعماله الصادرة عن الإيمان | |
| بها والسعي لها سعيها. | |
| وإنما حذر الله تعالى عمن هذه حاله, لأنه من أخوف ما يكون على المؤمن, بوسوسته | |
| وتدجيله, وكون النفوس مجبولة على التشبه, والاقتداء بأبناء الجنس. | |
| وفي هذا تنبيه وإشارة إلى التحذير, عن كل داع إلى باطل, يصد عن الإيمان الواجب, أو | |
| عن كماله, أو يوقع الشبهة في القلب. | |
| وعن النظر في الكتب, المشتملة على ذلك. | |
| وذكر في هذا, الإيمان به, وعبادته, والإيمان باليوم الآخر, لأن هذه الأمور | |
| الثلاثة, أصول الإيمان, وركن الدين, وإذا تمت تم أمر الدين, ونقصه أو فقده بنقصها, | |
| أو نقص شيء منها وهذه نظير قوله تعالى في الإخبار عن ميزان سعادة الفرق, الذين | |
| أوتوا الكتاب وشقاوتهم " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ | |
| هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ | |
| وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ | |
| وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ " . | |
| وقوله " فَتَرْدَى " أي: تهلك وتشقى, إن اتبعت | |
| طريق من يصد عنها | |
" وما تلك بيمينك يا موسى " | |
وقوله تعالى: " وَمَا تِلْكَ " إلى " مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى " . | |
| لما بين الله لموسى أصل الإيمان, أراد أن يبين له, ويريه من آياته, ما يطمئن به | |
| قلبه, وتقر به عينه, ويقوي إيمانه, بتأييد الله له على عدوه فقال: " | |
| وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى " هذا, مع علمه تعالى, ولكن | |
| لزيادة الاهتمام في هذا الموضع, أخرج الكلام بطريق الاستفهام. | |
| فقال موسى: " هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ | |
| بِهَا عَلَى غَنَمِي " ذكر فيها, هاتين المنفعتين, منفعة لجنس الآدمي, | |
| وهو أنه يعتمد عليها في قيامه ومشيه, فيحصل فيها معونة. | |
| ومنفعة للبهائم, وهو أنه كان يرعى الغنم, فإذا رعاها في شجر الخبط ونحوه, هش بها, | |
| أي: ضرب الشجر, ليتساقط ورقه, فيرعاه الغنم. | |
| هذا الخلق الحسن من موسى عليه السلام, الذي من آثاره, حسن رعاية الحيوان البهيم, | |
| والإحسان إليه, دل على عناية من الله له واصطفاء, وتخصيص تقتضيه رحمة الله وحكمته. | |
| " وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ " أي: مقاصد " أُخْرَى " غير هذين الأمرين. | |
| ومن أدب موسى عليه السلام, أن الله لما سأله عما في يمينه, وكان السؤال محتملا عن | |
| السؤال عن عينها, أو منفعتها - أجابه بعينها, ومنفعتها فقال الله له: " | |
| أَلْقِهَا يَا مُوسَى | |
" قال ألقها يا موسى " | |
فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى " انقلبت بإذن الله | |
| ثعبانا عظيما. | |
| فولى موسى هاربا خائفا, ولم يعقب. | |
| وفي وصفها بأنها تسعى, إزالة لوهم يمكن وجوده, وهو أن يظن أنها تخييل, لا حقيقة. | |
| فكونها تسعى يزيل هذا الوهم | |
" قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى " | |
فقال الله لموسى: " خُذْهَا وَلَا تَخَفْ " أي: | |
| ليس عليك منها بأس. | |
| " سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى " أي هيئتها | |
| وصفتها, إذ كانت عصا. | |
| فامتثل موسى أمر الله, إيمانا به, وتسليما, فأخذها, فعادت عصاه التي كان يعرفها, | |
| هذه آية. | |
" واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى " | |
ثم ذكر الآية الأخرى فقال: " | |
| وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ " أي: أدخل يدك إلى جيبك,. | |
| وضم عليك عضدك, الذي هو جناح الإنسان " تَخْرُجْ بَيْضَاءَ | |
| مِنْ غَيْرِ سُوءٍ " أي: بياضا ساطعا, من غير عيب ولا برص " آيَةً أُخْرَى " . | |
| قال الله: " فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى | |
| فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ " . | |
" لنريك من آياتنا الكبرى " | |
" | |
| لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى " أي: | |
| فعلنا ما ذكرنا, من انقلاب العصا حية تسعى, ومن خرج اليد بيضاء للناظرين, لأجل أن | |
| نريك من آياتنا الكبرى, الدالة على صحة رسالتك, وحقيقة ما جئت به, فيطمئن قلبك, | |
| ويزداد علمك, وتثق بوعد الله لك, بالحفظ والنصرة, ولتكون حجة وبرهانا, لمن أرسلت | |
| إليهم. | |
" اذهب إلى فرعون إنه طغى " | |
لما أوحى الله إلى موسى, ونبأه, وأراه الآيات الباهرات, أرسله إلى | |
| فرعون, ملك مصر فقال: " اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ | |
| طَغَى " أي: تمرد وزاد على الحد, في الكفر والفساد, والعلو في الأرض, | |
| والقهر للضعفاء, حتى إنه ادعى الربوبية والألوهية, قبحه الله, أي: وطغيانه سبب | |
| لهلاكه. | |
| ولكن من رحمة الله, وحكمته, وعدله, أنه لا يعذب أحدا, إلا بعد قيام الحجة بالرسل. | |
| فحينئذ علم موسى عليه السلام, أنه تحمل حملا عظيما, حيث أرسل إلى هذا الجبار | |
| العنيد, الذي ليس له منازع في مصر من الخلق. | |
| وموسى عليه السلام, وحده, وقد جرى منه ما جرى من القتل. | |
| فامتثل أمر ربه, وتلقاه بالانشراح والقبول, وسأله المعونة, وتيسير الأسباب, التي | |
| هي من تمام الدعوة فقال: | |
" قال رب اشرح لي صدري " | |
" | |
| رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي " أي: وسعه | |
| وأفسحه, لأتحمل الأذى القولي والفعلي, ولا يتكدر قلبي بذلك, ولا يضيق صدري, فإن | |
| الصدر إذا ضاق, لم يصلح صاحبه لهداية الخلق, ودعوتهم. | |
| قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم " فَبِمَا رَحْمَةٍ | |
| مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا | |
| مِنْ حَوْلِكَ " وعسى الخلق يقبلون الحق مع اللين وسعة الصدر وانشراحه | |
| عليهم. | |
" ويسر لي أمري " | |
" | |
| وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي " أي: سهل علي أمر | |
| أسلكه وكل طريق أقصده في سبيلك, وهون علي ما أمامي من الشدائد. | |
| ومن تيسير الأمر, أن ييسر للداعي, أن يأتي جميع الأمور من أبوابها, ويخاطب كل أحد | |
| بما يناسب له, ويدعوه بأقرب الطرق الموصلة إلى قبول قوله. | |
" واحلل عقدة من لساني " | |
" | |
| وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي " وكان في لسانه ثقل لا يكاد يفهم عنه الكلام, كما قال المفسرون, وكما | |
| قال الله عنه أنه قال: " وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ | |
| مِنِّي لِسَانًا " فسأل الله أن يحل منه عقدة, يفقهوا ما يقول فيحصل | |
| المقصود التام من المخاطبة, والمراجعة, والبيان عن المعاني. | |
" واجعل لي وزيرا من أهلي " | |
" وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي " أي: معينا يعاونني, ويؤازرني, ويساعدني على من أرسلت إليهم. | |
| وسأل أن يكون من أهله, لأنه من باب البر, وأحق ببر الإنسان, قرابته. | |
| ثم عينه بسؤاله فقال: " هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي | |
| " أي: قوني به: وشد به ظهري. | |
| قال الله " سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا | |
| سُلْطَانًا " . | |
" وأشركه في أمري " | |
" | |
| وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي " أي: في النبوة, | |
| بأن تجعله نبيا رسولا, كما جعلتني. | |
" كي نسبحك كثيرا " | |
ثم ذكر الفائدة في ذلك فقال: " كَيْ نُسَبِّحَكَ | |
| كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا " علم, عليه الصلاة والسلام, أن مدار | |
| العبادات كلها والدين, على ذكر الله, فسأل الله أن يجعل أخاه معه, يتساعدان | |
| ويتعاونان على البر والتقوى, فيكثر منهما ذكر الله, من التسبيح, والتهليل, وغيره | |
| من أنواع العبادات. | |
" إنك كنت بنا بصيرا " | |
" إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا " تعلم حالنا, وضعفنا, وعجزنا, وافتقارنا إليك في كل الأمور. | |
| وأنت أبصر بنا, من أنفسنا وأرحم, فمن علينا بما سألناك, وأجب لنا فيما دعوناك. | |
" قال قد أوتيت سؤلك يا موسى " | |
فقال الله: " قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى | |
| " أي: أعطيت جميع ما طلبت. | |
| فسنشرح صدرك, ونيسر أمرك, ونحل عقدة من لسانك, يفقهوا قولك, ونشد عضدك, بأخيك | |
| هارون, " ونجعل لكما سلطانا, فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما | |
| ومن اتبعكما الغالبون " . | |
| وهذا السؤال من موسى عليه السلام, يدل على كمال معرفته بالله, وكمال فطنته ومعرفته | |
| للأمور, وكمال نصحه. | |
| وذلك أن الداعي إلى الله, المرشد للخلق, خصوصا إذا كان المدعو من أهل العناد, | |
| والتكبر, والطغيان, يحتاج إلى سعة صدر, وحلم تام, على ما يصيبه من الأذى, ولسان | |
| فصيح, يتمكن من التعبير به عن ما يريده ويقصده. | |
| بل الفصاحة والبلاغة لصاحب هذا المقام, من ألزم ما يكون, لكثرة المراجعات | |
| والمراوضات, ولحاجته لتحسين الحق, وتزيينه بما يقدر عليه, ليحببه إلى النفوس, وإلى | |
| تقبيح الباطل وتهجينه, لينفر عنه. | |
| ويحتاج مع ذلك أيضا, أن يتيسر له أمره, فيأتي البيوت من أبوابها, ويدعو إلى سبيل | |
| الله, بالحكمة والموعظة الحسنة, والمجادلة بالتي هي أحسن, يعامل الناس كلا بحسب | |
| حاله. | |
| وتمام ذلك, أن يكون لمن هذه صفته, أعوان ووزراء, يساعدونه على مطلوبه. | |
| لأن الأصوات إذا كثرت, لا بد أن تؤثر, فلذلك سأله عليه الصلاة والسلام هذه الأمور, | |
| فأعطيها. | |
| وإذا نظرت إلى حالة الأنبياء المرسلين إلى الخلق, رأيتهم بهذه الحال, بحسب | |
| أحوالهم. | |
| خصوصا, خاتمهم وأفضلهم, محمد صلى الله عليه وسلم, فإنه في الذروة العليا من كل صفة | |
| كمال. | |
| وله من شرح الصدر, وتيسير الأمر, وفصاحة اللسان, وحسن التعبير والبيان, والأعوان | |
| على الحق, من الصحابة, فمن بعدهم, ما ليس لغيره. | |
" ولقد مننا عليك مرة أخرى " | |
لما ذكر منته على عبده ورسوله, موسى بن | |
| عمران, في الدين, والوحي, والرسالة, وإجابة سؤله, ذكر نعمته عليه, وقت التربية, | |
| والتنقلات في أطواره فقال: " وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ | |
| مَرَّةً أُخْرَى " حيث ألهمنا أمك, أن تقذفك في التابوت وقت الرضاع, | |
| خوفا من فرعون, لأنه أمر بذبح أبناء بني إسرائيل. | |
| فأخفته أمه, وخافت عليه خوفا شديدا فقذفته في التابوت, ثم قذفته في اليم, أي: شط | |
| نيل مصر. | |
| فأمر الله اليم, أن يلقيه في الساحل, وقيض الله أن يأخذه, أعدى الأعداء لله | |
| ولموسى, ويتربى في أولاده, ويكون قرة عين لمن رآه: ولهذا قال: " | |
| وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي " فكل من رآه أحبه " وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي " أي ولتتربى على نظري | |
| وفي حفظي وكلاءتي. | |
| وأي نظر وكفالة, أجل وأكمل, من ولاية البر الرحيم, القادر على إيصال مصالح عبده, | |
| ودفع المضار عنه؟! فلا ينتقل من حالة إلى حالة, إلا, والله تعالى هو الذي في بر | |
| ذلك لمصلحة موسى. | |
| ومن حسن تدبيره, أن موسى لما وقع في يد عدوه, قلقت أمه قلقا شديدا, وأصبح فؤادها | |
| فارغا, وكادت تخبر به, لولا أن الله ثبتها, وربط على قلبها. | |
| " إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى | |
| مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا | |
| تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا | |
| فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى | |
| " | |
| ففي هذه الحالة, حرم الله على موسى المراضع, فلا يقبل ثدي امرأة قط, ليكون مآله | |
| إلى أمه, فترضعه, ويكون عندها, مطمئنة ساكنة, قريرة العين. | |
| فجعلوا يعرضون عليه المراضع, فلا يقبل ثديا. | |
| فجاءت أخت موسى, فقالت لهم " هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه | |
| لكم وهم له ناصحون " . | |
| " فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا | |
| تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا " وهو القبطي لما دخل المدينة وقت غفلة | |
| من أهلها, وجد رجلين يقتتلان, واحد من شيعة موسى, والآخر من عدوه قبطي " فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه | |
| " . | |
| فدعا الله وسأله المغفرة, فغفر له, ثم فر هاربا, لما سمع أن الملأ طلبوه, يريدون | |
| قتله. | |
| " فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ " من عقوبة | |
| الذنب, ومن القتل. | |
| " وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا " أي: اختبرناك, | |
| وبلوناك, فوجدناك مستقيما في أحوالك. | |
| أو نقلناك في أحوالك, وأطوارك, حتى وصلت إلى ما وصلت إليه. | |
| " فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ " حين | |
| فر هاربا من فرعون وملأه, حين أرادو قتله. | |
| فتوجه إلى مدين, ووصل إليها, وتزوج هناك, ومكث عشر سنين, أو ثمان سنين. | |
| " ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى " أي: | |
| جئت مجيئا, ليس اتفاقا من غير قصد, ولا تدبير منا, بل بقدر ولطف منا. | |
| وهذا يدل على كمال اعتناء الله, بكليمه, موسى عليه السلام, ولهذا قال: | |
" واصطنعتك لنفسي " | |
" وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي " أي: أجريت عليك صنائعي ونعمي, وحسن عوائدي, وتربيتي, لتكون لنفسي حبيبا | |
| مختصا, وتبلغ في ذلك, مبلغا لا يناله أحد من الخلق, إلا النادر منهم. | |
| وإذا كان الحبيب إذا أراد اصطناع حبيبه من المخلوقين, وأراد أن يبلغ من الكمال | |
| المطلوب له ما يبلغ, يبذل غاية جهده, ويسعى نهاية ما يمكنه في إيصاله لذلك. | |
| فما ظنك بصنائع الرب القادر الكريم, وما تحسبه يفعل, بمن أراده لنفسه, واصطفاه من | |
| خلقه؟!! | |
" اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري " | |
لما امتن الله تعالى على موسى بما امتن به, من النعم الدينية والدنيوية | |
| قال له: " اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ " هارون " بِآيَاتِي " أي: الآيات التي مني, الدالة على الحق | |
| وحسنه, وقبح الباطل, كاليد, والعصا ونحوها, في تسع آيات إلى فرعون وملاءه. | |
| " وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي " أي: لا تفترا, ولا | |
| تكسلا, عن مداومة ذكري بالاستمرار عليه, والزماه كما وعدتما بذلك " | |
| كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا " . | |
| فإن ذكر الله, فيه معونة على جميع الأمور, يسهلها, ويخفف حملها. | |
" اذهبا إلى فرعون إنه طغى " | |
" | |
| اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى " أي: | |
| جاوز الحد, في كفره وطغيانه, وظلمه وعدوانه. | |
" فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى " | |
" فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا " أي: سهلا لطيفا, برفق ولين وأدب في اللفظ من دون فحش ولا صلف, ولا غلظة | |
| في المقال, أو فظاظة في الأفعال. | |
| " لَعَلَّهُ " بسبب القول اللين " | |
| يَتَذَكَّرُ " ما ينفعه فيأتيه. | |
| " أَوْ يَخْشَى " ما يضره فيتركه, فإن القول | |
| اللين, داع لذلك, والقول الغليظ, منفر عن صاحبه. | |
| وقد فسر القول اللين في قوله: " فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ | |
| تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى " . | |
| فإن في هذا الكلام, من لطف القول وسهولته, وعدم بشاعته, ما لا يخفى على المتأمل. | |
| فإنه أتى ب " هل " الدالة على العرض والمشاورة, | |
| التي لا يشمئز منها أحد, ودعاه إلى التزكي والتطهر من الأدناس, التي أصلها, التطهر | |
| من الشرك, الذي يقبله كل عقل سليم, ولم يقل " أزكيك " بل | |
| قال " تزكى " أنت بنفسك. | |
| ثم دعاه إلى سبيل ربه, الذي رباه, وأنعم عليه بالنعم الظاهرة والباطنة التي ينبغي | |
| مقابلتها بشكرها, وذكرها فقال: " وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ | |
| فَتَخْشَى " فلما لم يقبل هذا الكلام اللين, الذي يأخذ حسنه بالقلوب, | |
| علم أنه لا ينجع فيه تذكير, فأخذه الله أخذ عزيز مقتدر | |
" قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى " | |
" | |
| قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا " أي: يبادرنا بالعقوبة والإيقاع بنا, قبل أن نبلغه رسالاتك, ونقيم عليه | |
| الحجة " أَوْ أَنْ يَطْغَى " أي يتمرد عن الحق, | |
| ويطغى بملكه, وسلطانه, وجنده, وأعوانه. | |
" قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى " | |
" | |
| قَالَ لَا تَخَافَا " أن يفرط عليكما " إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى " أي: أنتما | |
| بحفظي ورعايتي, أسمع قولكما, وأرى جميع أحوالكما, فلا تخافا منه. | |
| فزال الخوف عنهما, واطمأنت قلوبهما بوعد ربهما. | |
" فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم | |
| قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى " | |
أي: فأتياه بهذين الأمرين, دعوته إلى | |
| الإسلام, وتخليص هذا الشعب الشريف, بني إسرائيل, من قيده وتعبيده لهم, ليتحرروا | |
| ويملكوا أمرهم, ويقيم فيهم موسى, شرع الله ودينه. | |
| " قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ " تدل على صدقنا " فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ | |
| فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ " إلى آخر ما ذكر الله عنهما. | |
| " وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى " أي: | |
| من اتبع الصراط المستقيم, واهتدى بالشرع المبين, حصلت له السلامة في الدنيا | |
| والآخرة. | |
" إنا قد | |
| أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى " | |
" إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا " أي: خبرنا من عند | |
| الله, لا من عند أنفسنا " أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى | |
| " أي: كذب بأخبار الله, وأخبار رسله, وتولى عن الانقياد لهم, واتباعهم. | |
| وهذا فيه الترغيب لفرعون بالإيمان والتصديق واتباعهما, والترهيب من ضد ذلك. | |
| ولكن لم يفد فيه هذا الوعظ والتذكير, فأنكر ربه, وكفر, وجادل في ذلك, ظلما وعنادا. | |
" قال فمن | |
| ربكما يا موسى " | |
أي قال فرعون | |
| لموسى على وجه الإنكار: " فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى " . | |
| فأجاب موسى بحواب شاف كاف واضح قال: " رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ | |
| خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى " أي: ربنا الذي خلق جميع المخلوقات, وأعطى كل مخلوق | |
| خلقه اللائق به, على حسن صنعه من خلقه, من كبر الجسم وصغره, وتوسطه, وجميع صفاته. | |
| " ثُمَّ هَدَى " كل مخلوق إلى ما خلقه له, وهذه الهداية الكاملة | |
| المشاهدة في جميع المخلوقات. | |
| فكل مخلوق, تجده يسعى لما خلق له من المنافع, وفي دفع المضار عنه. | |
| حتى إن الله أعطى الحيوان البهيم, من العقل, ما يتمكن به به من ذلك. | |
| وهذا كقوله تعالى: " الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ " . | |
| فالذي خلق المخلوقات, وأعطاها خلقها الحسن, الذي لا تقترح العقول فوق حسنه, وهداها | |
| لمصالحها, هو الرب على الحقيقة. | |
| فإنكاره, إنكار لأعظم الأشياء وجودا, وهو مكابرة ومجاهرة بالكذب. | |
| فلو قدر أن الإنسان, أنكر من الأمور المعلومة, ما أنكر, كان إنكاره لرب العالمين, | |
| أكبر من ذلك. | |
" قال فما | |
| بال القرون الأولى " | |
ولهذا | |
| لما لم يمكن فرعون, أن يعاند هذا الدليل القاطع, عدل إلى المشاغبة, وحاد عن | |
| المقصود فقال لموسى: " فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى " . | |
| أي: ما شأنهم, وما خبرهم وكيف وصلت بهم الحال, وقد سبقونا إلى الإنكار والكفر, | |
| والظلم, والعناد, ولنا فيهم أسوة؟ | |
" قال علمها | |
| عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى " | |
فقال موسى: | |
| " عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى | |
| " أي: قد أحصى أعمالهم من خير وشر, وكتبه في كتابه, وهو اللوح المحفوظ, وأحاط | |
| به علما وخبرا فلا يضل عن شيء منها, ولا ينسى ما علمه منها. | |
| أكثر المصاحف تفاعلاً |