سورة النور - تفسير السعدي | |
| | |
" سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم | |
| تذكرون " | |
أي: | |
| هذه " سُورَةٌ " عظيمة القدر " أَنْزَلْنَاهَا " رحمة منا | |
| بالعباد. | |
| وحفظناها من كل شيطان " وَفَرَضْنَاهَا " أي: قدرنا فيها ما قدرنا, من | |
| الحدود والشهادات وغيرها. | |
| " وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ " أي: أحكاما جليلة, وأوامر, | |
| وزواجر وحكما عظيمة " لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ " حين نبين لكم, ونعلمكم | |
| ما لم تكونوا تعلمون. | |
" الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم | |
| بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من | |
| المؤمنين " | |
ثم شرع في بيان تلك الأحكام, المشار إليها, فقال: " | |
| الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي " إلى " مِنَ | |
| الْمُؤْمِنِينَ " . | |
| هذا الحكم, في الزاني والزانية البكرين, أنهما يجلد كل منهما مائة جلدة. | |
| وأما الثيب, فقد دلت السنة الصحيحة المشهورة, أن حده الرجم. | |
| ونهانا تعالى أن تأخذنا رأفة بهما, في دين الله, تمنعنا من إقامة الحد عليهما, | |
| سواء رأفة طبيعية أو لأجل قرابة أو صداقة أو غير ذلك, وأن الإيمان, موجب لانتفاء | |
| هذه الرأفة المانعة, من إقامة أمر الله. | |
| فرحمته حقيقة, بإقامة الحد عليه. | |
| فنحن وإن رحمناه, لجريان القدر عليه, فلا نرحمه من هذا الجانب. | |
| وأمر تعالى أن يحضر عذاب الزانيين, طائفة, أو جماعة من المؤمنين ليشتهر, ويحصل | |
| بذلك, الخزي والارتداع, وليشاهدوا الحد فعلا, فإن مشاهدة أحكام الشرع بالفعل, مما | |
| يقوى به العلم, ويستقر به الفهم, ويكون أقرب لإصابة الصواب, فلا يزاد فيه, ولا | |
| ينقص. | |
| والله أعلم. | |
" الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان | |
| أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين " | |
هذا بيان لرذيلة الزنا, وأنه يدنس عرض صاحبه, وعرض من قارنه ومازجه, ما | |
| لا يفعله بقية الذنوب. | |
| فأخبر أن الزاني لا يقدم على نكاحه من النساء, إلا أنثى زانية, تناسب حاله حالها, | |
| أو مشركة بالله, لا تؤمن ببعث ولا جزاء, ولا تلتزم أمر الله. | |
| والزانية كذلك, لا ينكحها إلا زان أو مشرك " وَحُرِّمَ ذَلِكَ | |
| عَلَى الْمُؤْمِنِينَ " أي: حرم عليهم أن ينكحوا زانيا, أو ينكحوا | |
| زانية. | |
| ومعنى الآية: أن من اتصف بالزنا, من رجل أو امرأة, ولم يتب من ذلك, أن المقدم على | |
| نكاحه, مع تحريم الله لذلك, لا يخلو إما أن لا يكون ملتزما لحكم الله ورسوله, فذاك | |
| لا يكون إلا مشركا. | |
| وإما أن يكون ملتزما لحكم الله ورسوله, فأقدم على نكاحه مع علمه بزناه, فإن هذا | |
| النكاح زنا, والناكح زان مسافح. | |
| فلو كان مؤمنا بالله حقا, لم يقدم على ذلك. | |
| وهذا دليل صريح على تحريم نكاح الزانية, حتى تتوب, وكذلك نكاح الزاني حتى يتوب. | |
| فإن مقارنة الزوج لزوجته, والزوجة لزوجها, أشد الاقترانات, والازدواجات. | |
| وقد قال تعالى: " احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا | |
| وَأَزْوَاجَهُمْ " أي: قرناءهم. | |
| فحرم الله ذلك, لما فيه من الشر العظيم. | |
| وفيه من قلة الغيرة, وإلحاق الأولاد, الذين ليسوا من الزوج, وكون الزاني لا يعفها | |
| بسبب اشتغاله بغيرها, مما بعضه كاف في التحريم. | |
| وفي هذا دليل, على أن الزاني ليس مؤمنا, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " فهو وإن لم يكن | |
| مشركا, فلا يطلق عليه اسم المدح, الذي هو الإيمان المطلق. | |
" والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم | |
| ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون " | |
لما عظم تعالى أمر الزاني بوجوب جلده وكذا | |
| رجمه, إن كان محصنا, وأنه لا تجوز مقارنته, ولا مخالطته على وجه لا يسلم فيه العبد | |
| من الشر, بين تعالى, تعظيم الإقدام على الأعراض بالرمي بالزنا فقال: " وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ " أي: النساء | |
| الحرائر العفائف, وكذلك الرجال, لا فرق بين الأمرين. | |
| والمراد بالرمي الرمي بالزنا, بدليل السياق. | |
| " ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا " على ما رموا له " بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ " أي: رجال عدول, يشهدون بذلك | |
| صريحا. | |
| " فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً " بسوط | |
| متوسط, يؤلم فيه, ولا يبالغ بذلك, حتى يتلفه, لأن القصد, التأديب, لا الإتلاف. | |
| وفي هذا تقرير حد القذف. | |
| ولكن بشرط, أن يكون المقذوف كما قال تعالى محصنا مؤمنا. | |
| وأما قذف غير المحصن, فإنه يوجب التعزير. | |
| " وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا " أي: | |
| لهم عقوبة أخرى, وهو أن شهادة القاذف, غير مقبولة, ولو حد على القذف, حتى يتوب كما | |
| يأتي. | |
| " وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ " أي: الخارجون | |
| عن طاعة الله, الذين قد كثر شرهم. | |
| وذلك لانتهاك ما حرم الله, وانتهاك عرض أخيه, وتسليط الناس على الكلام بما تكلم به | |
| وإزالة الأخوة التي عقدها الله بين أهل الإيمان, ومحبة أن تشيع الفاحشة, في الذين | |
| آمنوا. | |
| وهذا دليل, على أن القذف من كبائر الذنوب. | |
" إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم " | |
وقوله " إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ | |
| ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ " فالتوبة في | |
| هذا الموضع, أن يكذب القاذف نفسه, ويقر أنه كاذب فيما قال, وهو واجب عليه, أن يكذب | |
| نفسه ولو تيقن وقوعه, حيث لم يأت بأربعة شهداء. | |
| فإذا تاب القاذف وأصلح عمله, وبدل إساءته إحسانا, زال عنه الفسق, وكذلك تقبل | |
| شهادته على الصحيح. | |
| فإن الله غفور رحيم يغفر الذنوب جميعا, لمن تاب وأناب. | |
| وإنما يجلد القاذف, إذا لم يأت بأربعة شهداء إذا لم يكن زوجا. | |
| فإن كان زوجا, فقد ذكر بقوله: " وَالَّذِينَ يَرْمُونَ | |
| أَزْوَاجَهُمْ " إلى " تَوَّابٌ حَكِيمٌ " . | |
" والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة | |
| أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين " | |
وإنما كانت شهادات الزوج على زوجته, دارئة عنه الحد, لأن الغالب, أن | |
| الزوج لا يقدم على رمي زوجته, التي يدنسه ما يدنسها إلا إذا كان صادقا. | |
| ولأن له في ذلك حقا, وخوفا من إلحاق أولاد, ليسوا منه به, ولغير ذلك من الحكم | |
| المفقودة في غيره فقال: " وَالَّذِينَ يَرْمُونَ | |
| أَزْوَاجَهُمْ " أي الحرائر لا المملوكات. | |
| " وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ " على رميهم بذلك " شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ " بأن لم يقيموا | |
| شهداء, على ما رموهن به " فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ | |
| شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ " . | |
| سماها شهادة, لأنها نائبة مناب الشهود, بأن يقول " أشهد | |
| بالله, إني لمن الصادقين, فيما رميتها به " . | |
" والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين " | |
" | |
| وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ | |
| " أي: يزيد في الخامسة مع الشهادة المذكورة, | |
| مؤكدا تلك الشهادات, بأن يدعو على نفسه, باللعنة إن كان كاذبا. | |
| فإذا تم لعانه, سقط عنه حد القذف. | |
| وظاهر الآيات, ولو سمى الرجل الذي رماها به, فإنه يسقط حقه, تبعا لها. | |
| وهل يقام عليها الحد بمجرد لعان الرجل ونكولها أم تحبس؟ فيه قولان للعلماء. | |
| الذي يدل عليه الدليل أنه يقام عليه الحد بدليل قوله " | |
| وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ " إلى آخره. | |
| فلولا أن العذاب وهو الحد قد وجب بلعانه, لم يكن لعانها دارئا له. | |
" ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين | |
| " | |
ويدرأ عنها, أي: يدفع عنها العذاب, إذا قابلت شهادات الزوج, بشهادات من | |
| جنسها. | |
| " أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ | |
| لَمِنَ الْكَاذِبِينَ " وتزيد في الخامسة, مؤكدة لذلك, أن تدعو على | |
| نفسها بالغضب. | |
| فإذا تم اللعان بينهما, فرق بينهما إلى الأبد, وانتفى الولد الملاعن عنه. | |
| وظاهر الآيات يدل على اشتراط هذه الألفاظ عند اللعان, منه ومنها. | |
| واشتراط الترتيب فيها, وأن لا ينقص منها شيء, ولا يبدل شيء بشيء. | |
| وأن اللعان مختص بالزوج إذا رمى امرأته, لا بالعكس وأن الشبه في الولد مع اللعان | |
| لا عبرة به, كما لا يعتبر مع الفراش. | |
| وإنما يعتبر الشبه حيث لا مرجح, إلا هو. | |
" ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم " | |
" | |
| وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ | |
| حَكِيمٌ " وجواب الشرط محذوف, يدل عليه سياق | |
| الكلام أي: لأحل بأحد المتلاعنين الكاذب منهما, ما دعا به على نفسه. | |
| ومن رحمته وفضله, ثبوت هذا الحكم الخاص بالزوجين, لشدة الحاجة إليه, وأن بين لكم | |
| شدة الزنا وفظاعته, وفظاعة القذف به, وأن شرع التوبة من هذه الكبائر وغيرها. | |
" إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير | |
| لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم " | |
لما ذكر فيما تقدم تعظيم, الرمي بالزنا | |
| عموما, صار ذلك كأنه مقدمة لهذة القصة, التي وقعت على أشرف النساء, أم المؤمنين | |
| رضي الله عنها. | |
| وهذه الآيات, نزلت في قصة الإفك المشهورة, الثابتة في الصحيح والسنن والمسانيد. | |
| وحاصلها أن النبي صلى الله عليه وسلم, في بعض غزواته, ومعه زوجته عائشة الصديقة, | |
| بنت الصديق. | |
| فانقطع عقدها فانحبست في طلبه ورحلوا جملها وهودجها, فلم يفقدوها ثم استقل الجيش | |
| راحلا, وجاءت مكانهم, وعلمت أنهم إذا فقدوها, رجعوا إليها فاستمروا في مسيرهم. | |
| وكان صفوان بن المعطل السلمي, من أفاضل الصحابة رضي الله عنه, قد عرس في أخريات | |
| القوم, ونام. | |
| فرأى عائشة رضي الله عنها, فعرفها, فأناخ راحلته, فركبتها من دون أن يكلمها أو | |
| تكلمه, ثم جاء يقود بها, بعد ما نزل الجيش في الظهيرة. | |
| فلما رأى بعض المنافقين, الذين في صحبة النبي صلى الله عليه وسلم, في ذلك السفر, | |
| مجيء صفوان بها في هذه الحال أشاع ما أشاع, وفشا الحديث, وتلقفته الألسن, حتى اغتر | |
| بذلك بعض المؤمنين, وصاروا يتناقلون هذا الكلام, وانحبس الوحي مدة طويلة عن الرسول | |
| صلى الله عليه وسلم. | |
| وبلغ الخبر عائشة بعد ذلك بمدة, فحزنت حزنا شديدا. | |
| فأنزل الله براءتها في هذه الآيات. | |
| ووعظ الله المؤمنين, وأعظم ذلك, ووصاهم بالوصايا النافعة فقوله تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ " أي: الكذب | |
| الشنيع, وهو رمي أم المؤمنين " عُصْبَةٌ مِنْكُمْ " أي: | |
| جماعة منتسبون إليكم يا معشر المؤمنين, منهم المؤمن الصادق في إيمانه, لكنه اغتر | |
| بترويج المنافقين, ومنهم المنافق. | |
| " لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ | |
| " لما تضمن ذلك من تبرئة أم المؤمنين ونزاهتها, والتنويه بذكرها, حتى | |
| تناول عموم المدح سائر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم. | |
| ولما تضمن من بيان الآيات المضطر إليها العباد, التي ما زال العمل بها إلى يوم | |
| القيامة فكل هذا خير عظيم, لولا مقالة أهل الإفك لم يحصل ذلك. | |
| وإذا أراد الله أمرا جعل له سببا, ولذلك جعل الخطاب عاما مع المؤمنين كلهم. | |
| وأخبر أن قدح بعضهم ببعض, كقدح في أنفسهم. | |
| ففيه أن المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم, واجتماعهم على مصالحهم, كالجسد | |
| الواحد, والمؤمن للمؤمن, كالبنيان يشد بعضه بعضا. | |
| فكما أنه يكره أن يقدح أحد في عرضه, فليكره من كل أحد, أن يقدح في أخيه المؤمن, | |
| الذي بمنزلة نفسه, وما لم يصل العبد إلى هذه الحالة, فإنه من نقص إيمانه, وعدم | |
| نصحه. | |
| " لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ | |
| " وهذا وعيد للذين جاءوا بالإفك, وأنهم سيعاقبون على ما قالوا من ذلك, | |
| وقد حد النبي صلى الله عليه وسلم منهم جماعة. | |
| " وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ " أي: معظم الإفك, | |
| وهو المنافق الخبيث, عبد الله بن أبي, ابن سلول, لعنه الله " | |
| لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ " ألا وهو الخلود في الدرك الأسفل من النار. | |
" لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا | |
| إفك مبين " | |
ثم أرشد الله عباده عند سماع مثل هذا الكلام | |
| فقال: " لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ | |
| وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا " أي: ظن المؤمنون بعضهم | |
| ببعض خيرا, وهو السلام مما رموا به, وأن ما معهم من الإيمان المعلوم, يدفع ما قيل | |
| فيهم من الإفك الباطل. | |
| " وَقَالُوا " بسبب ذلك الظن " | |
| سُبْحَانَكَ " أي: تنزيها لك من كل سوء وعن أن تبتلي أصفياءك بالأمور | |
| الشنيعة. | |
| " هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ " أي: كذب وبهت, من أعظم | |
| الأشياء, وأبينها. | |
| فهذا من الظن الواجب, حين سماع المؤمن عن أخيه المؤمن, مثل هذا الكلام, أن يبرئه | |
| بلسانه, ويكذب القائل لذلك. | |
" لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند | |
| الله هم الكاذبون " | |
" | |
| لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ " أي: هلا جاء الرامون على ما رموا به, بأربعة شهداء أي: عدول مرضيين. | |
| " فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ | |
| اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ " وإن كانوا في أنفسهم قد تيقنوا ذلك, | |
| فإنهم كاذبون في حكم الله, لأنه حرم عليهم التكلم بذلك, من دون أربعة شهود. | |
| ولهذا قال: " فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ | |
| " , ولم يقل " فأولئك الكاذبون " وهذا | |
| كله, من تعظيم حرمة عرض المسلم, بحيث لا يجوز الإقدام على رميه, من دون نصاب | |
| الشهادة بالصدق. | |
" ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم في ما | |
| أفضتم فيه عذاب عظيم " | |
" وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي | |
| الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ " بحيث شملكم إحسانه | |
| فيهما, في أمر دينكم ودنياكم. | |
| " لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ " أي: خضتم " فِيهِ " من شأن الإفك " عَذَابٌ | |
| عَظِيمٌ " لاستحقاقكم ذلك بما قلتم. | |
| ولكن من فضل الله عليكم ورحمته, أن شرع لكم التوبة, وجعل العقوبة مطهرة للذنوب. | |
" إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم | |
| وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم " | |
" إِذْ | |
| تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ " أي: | |
| تتلقفونه, ويلقيه بعضكم إلى بعض وتستوشون حديثه, وهو قول باطل. | |
| " وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ | |
| عِلْمٌ " والأمران محظوران, التكلم بالباطل, والقول بلا علم. | |
| " وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا " فلذلك أقدم عليه, | |
| من أقدم, من المؤمنين, الذين تابوا منه, وتطهروا بعد ذلك. | |
| " وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ " وهذا فيه | |
| الزجر البليغ, عن تعاطي بعض الذنوب على وجه التهاون بها. | |
| فإن العبد لا يفيده حسبانه شيئا, ولا يخفف من عقوبته, الذنب. | |
| بل يضاعف الذنب, ويسهل عليه مواقعته, مرة أخرى. | |
" ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا | |
| بهتان عظيم " | |
" | |
| لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ " أي: وهلا إذ | |
| سمعتم - أيها المؤمنون - كلام أهل الإفك. | |
| " قُلْتُمْ " منكرين لذلك, معظمين لأمره: " مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا " أي: ما | |
| ينبغي لنا, وما يليق بنا الكلام, بهذا الإفك المبين, لأن المؤمن يمنعه إيمانه من | |
| ارتكاب القبائح " هَذَا بُهْتَانٌ " أي كذب عظيم. | |
" يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين " | |
" | |
| يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ " أي: لنظيره, من رمي المؤمنين بالفجور. | |
| فالله يعظكم, وينصحكم عن ذلك, ونعم المواعظ والنصائح, من ربنا فيجب علينا | |
| مقابلتها, بالقبول والإذعان, والتسليم والشكر له, على ما بين لنا " | |
| إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ " . | |
| " إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ " دل ذلك على أن | |
| الإيمان الصادق, يمنع صاحبه من الإقدام على المحرمات. | |
" ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم " | |
" | |
| وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ " المشتملة, | |
| على بيان الأحكام, والوعظ, والزجر, والترغيب, والترهيب, يوضحها لكم توضيحا جليا. | |
| " وَاللَّهُ عَلِيمٌ " أي: كامل العلم " حَكِيمٌ " كامل الحكمة. | |
| فمن علمه وحكمته, أن علمكم من علمه, وإن كان ذلك, راجعا لمصالحكم في كل وقت. | |
" إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم | |
| في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون " | |
" | |
| إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ " أي: الأمور الشنيعة المستقبحة, فيحبون أن تشتهر الفاحشة " فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " أي: | |
| موجع للقلب والبدن, وذلك لغشه لإخوانه المسلمين, ومحبة الشر لهم, وجراءته على | |
| أعراضهم. | |
| فإذا كان هذا الوعيد, لمجرد محبة أن تشيع الفاحشة, واستحلاء ذلك بالقلب, فكيف بما | |
| هو أعظم من ذلك, من إظهاره, ونقله؟!! وسواء كانت الفاحشة, صادرة, أو غير صادرة. | |
| وكل هذا, من رحمة الله لعباده المؤمنين, وصيانة أعراضهم, كما صان دماءهم وأموالهم, | |
| وأمرهم بما يقتضي المصافاة, وأن يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه, ويكره له, ما يكره | |
| لنفسه. | |
| " وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ " فلذلك | |
| علمكم, وبين لكم ما تجهلونه. | |
" ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رءوف رحيم " | |
" | |
| وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ " قد | |
| أحاط بكم من كل جانب " وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ | |
| رَحِيمٌ " لما بين لكم هذه الأحكام والمواعظ, والحكم الجليلة, ولما | |
| أمهل من خالف أمره. | |
| ولكن فضله ورحمته, وأن ذلك وصفه اللازم آثر لكم من الخير الدنيوي والأخروي, ما لن | |
| تحصوه, أو تعدوه | |
" يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات | |
| الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من | |
| أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم " | |
ولما نهى عن هذا الذنب بخصوصه, نهى عن الذنوب عموما فقال: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ | |
| الشَّيْطَانِ " أي طرقه ووساوسه. | |
| وخطوات الشيطان, يدخل فيها سائر المعاصي المتعلقة بالقلب, واللسان والبدن. | |
| ومن حكمته تعالى, أن بين الحكم, وهو: النهي عن اتباع خطوات الشيطان. | |
| والحكمة وهو بيان ما في المنهي عنه, من الشر المقتضي, والداعي لتركه فقال: " وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ " أي: | |
| الشيطان " يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ " أي: ما | |
| تستفحشه العقول والشرائع, من الذنوب العظيمة, مع ميل بعض النفوس إليه. | |
| " وَالْمُنْكَرِ " وهو: ما تنكره العقول ولا | |
| تعرفه. | |
| فالمعاصي التي هي خطوات الشيطان, لا تخرج عن ذلك. | |
| فنهى الله عنها العباد, نعمة منه عليهم, أن يشكروه ويذكروه, لأن ذلك, صيانة لهم عن | |
| التدنس بالرذائل والقبائح. | |
| فمن إحسانه عليهم, أن نهاهم عنها, كما نهاهم عن أكل السموم القاتلة ونحوها. | |
| " وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا | |
| زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا " أي: ما تطهر من اتباع خطوات | |
| الشيطان, لأن الشيطان يسعى, هو وجنده, في الدعوة إليها وتحسينها, والنفس ميالة إلى | |
| السوء, أمارة به, والنقص مستول على العبد, من جميع جهاته, والإيمان غير قوي. | |
| فلو خلي وهذه الدواعي, ما زكى أحد بالتطهر من الذنوب, والسيئات, والنماء بفعل | |
| الحسنات, فإن الزكاء يتضمن الطهارة والنماء. | |
| ولكن فضله ورحمته أوجبا, أن يتزكى منكم, من تزكى. | |
| وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم " اللهم آت نفسي تقواها, | |
| وزكها أنت خير من زكاها, أنت وليها ومولاها " ولهذا قال: " وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ " من يعلم | |
| منه أن يتزكى بالتزكية, ولهذا قال: " وَاللَّهُ سَمِيعٌ | |
| عَلِيمٌ " . | |
" ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى | |
| والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم | |
| والله غفور رحيم " | |
" | |
| وَلَا يَأْتَلِ " أي: لا يحلف " أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي | |
| الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا | |
| وَلْيَصْفَحُوا " . | |
| كان من جملة الخائضين في الإفك " مسطح بن أثاثة " وهو | |
| قريب لأبي بكر الصديق رضي الله عنه, وكان مسطح فقيرا من المهاجرين في سبيل الله. | |
| فحلف أبو بكر أن لا ينفق عليه, لقوله الذي قال. | |
| فنزلت هذه الآية, ينهاهم عن هذا الحلف المتضمن لقطع النفقة عنه, ويحثه على العفو | |
| والصفح, ويعده بمغفرة الله, إن غفر له فقال: " أَلَا | |
| تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ " إذا | |
| عاملتم عبيده, بالعفو والصفح, عاملكم بذلك, فقال أبو بكر - لما سمع هذه الآية-: | |
| بلى, والله إني لأحب أن يغفر الله لي, فرجع النفقة إلى مسطح. | |
| وفي هذه الآية دليل على النفقة على القريب, وأنه لا تترك النفقة والإحسان بمعصية | |
| الإنسان, والحث على العفو والصفح, ولو جرى منه ما جرى من أهل الجرائم. | |
" إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا | |
| والآخرة ولهم عذاب عظيم " | |
ثم ذكر الوعيد الشديد على رمي المحصنات فقال: " | |
| إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ " أي: العفائف عن الفجور " الْغَافِلَاتِ " اللاتي لم يخطر ذلك بقلوبهن " الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ " واللعنة, | |
| لا تكون إلا على ذنب كبير. | |
| وأكد اللعنة بأنها متواصلة عليهم في الدارين. | |
| " وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ " وهذا زيادة على | |
| اللعنة, أبعدهم عن رحمته, وأحل بهم شدة نقمته. | |
" يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون | |
| " | |
وذلك العذاب يوم القيامة " يَوْمَ تَشْهَدُ | |
| عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا | |
| يَعْمَلُونَ " فكل جارحة تشهد عليه بما عملته, ينطقها الذي أنطق كل | |
| شيء, فلا يمكنه الإنكار. | |
| ولقد عدل في العباد, من جعل شهودهم من أنفسهم. | |
" يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين | |
| " | |
" | |
| يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ " أي: جزاءهم على أعمالهم, الجزاء الحق, الذي بالعدل والقسط, يجدون | |
| جزاءهم موفرا, لم يفقدوا منها شيئا. | |
| " وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا | |
| يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا | |
| حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا " ويعلمون في ذلك الموقف | |
| العظيم, أن الله هو الحق المبين فيعلمون انحصار الحق المبين في الله تعالى. | |
| فأوصافه العظيمة حق, وأفعاله هي الحق, وعبادته هي الحق, ولقاؤه حق, ووعيده حق, | |
| وحكمه الديني والجزائي حق, ورسله حق, فلا ثم حق, إلا في الله, وما من الله. | |
" الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين | |
| والطيبون للطيبات أولئك مبرءون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم " | |
" | |
| الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ " أي: كل خبيث من الرجال والنساء, والكلمات والأفعال, مناسب للخبيث, | |
| وموافق له, ومقترن به, ومشاكل له. | |
| وكل طيب من الرجال والنساء, والكلمات, والأفعال, مناسب للطيب, وموافق له, ومقترن | |
| به, ومشاكل له. | |
| فهذه كلمة عامة وحصر, لا يخرج منه شيء, من أعظم مفرداته, أن الأنبياء, خصوصا أولي | |
| العزم منهم, خصوصا سيدهم محمد صلى الله عليه وسلم, الذي هو أفضل الطيبين من الخلق, | |
| على الإطلاق, لا يناسبهم إلا كل طيب من النساء. | |
| فالقدح في عائشة رضي الله عنها بهذا الأمر, قدح في النبي صلى الله عليه وسلم, وهو | |
| المقصود بهذا الإفك, من قصد المنافقين. | |
| فمجرد كونها زوجة للرسول صلى الله عليه وسلم, يعلم أنها لا تكون إلا طيبة طاهرة, | |
| من هذا الأمر القبيح. | |
| فكيف وهي ما هي؟!! صديقة النساء, وأفضلهن, وأعلمهن, وأطيبهن, حبيبة رسول رب | |
| العالمين, التي لم ينزل الوحي عليه, وهو في لحاف زوجة من زوجاته, غيرها؟!!. | |
| ثم صرح بذلك, بحيث لا يبقى لمبطل مقالا, ولا لشك وشبهة مجالا فقال: " أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ " والإشارة | |
| إلى عاثشة رضي الله عنها أصلا, وللمؤمنات المحصنات الغافلات, تبعا لها. | |
| " لَهُمْ مَغْفِرَةٌ " تستغرق الذنوب " وَرِزْقٌ كَرِيمٌ " في الجنة صادر من الرب الكريم. | |
" يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا | |
| وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون " | |
يرشد الباري عباده المؤمنين, أن لا يدخلوا بيوتا غير بيوتهم بغير استئذان. | |
| فإن في ذلك عدة مفاسد: منها ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم, حيث قال " إنما جعل الاستئذان من أجل البصر " . | |
| فبسبب الإخلال به, يقع البصر على العورات, التي داخل البيوت. | |
| فإن البيت للإنسان, في ستر عورة ما وراءه بمنزلة الثوب في ستر عورة جسده. | |
| ومنها: أن ذلك, يوجب الريبة من الداخل, ويتهم بالشر, سرقة أو غيرها, لأن الدخول | |
| خفية, يدل على الشر. | |
| ومنع الله المؤمنين من دخول غير بيوتهم " حَتَّى | |
| تَسْتَأْنِسُوا " أي. | |
| تستأذنوا. | |
| سمي الاستئذان استئناسا, لأن به يحصل الاستئناس, وبعدمه تحصل الوحشة. | |
| " وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا " . | |
| وصفة ذلك, ما جاء في الحديث " السلام عليكم, أأدخل " ؟. | |
| " ذَلِكُمْ " أي الاستئذان المذكور " خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ " لاشتماله | |
| على عدة مصالح, وهو من مكارم الأخلاق الواجبة, فإن أذن, دخل المستأذن. | |
" فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم | |
| ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم " | |
" فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا | |
| حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا " أي: فلا تمتنعوا من الرجوع, ولا تغضبوا منه. | |
| فإن صاحب المنزل, لم يمنعكم حقا واجبا لكم, وإنما هو متبرع, فإن شاء أذن, أو منع. | |
| فأنتم لا يأخذ أحدكم الكبر والاشمئزاز, من هذه الحال. | |
| " هُوَ أَزْكَى لَكُمْ " أي: أشد لتطهيركم من | |
| السيئات, وتنميتكم بالحسنات. | |
| " وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ " فيجازي | |
| كل عامل بعمله, من كثرة وقلة, وحسن, وعدمه. | |
| هذا الحكم, في البيوت المسكونة, سواء كان فيها متاع للإنسان, أم لا, وفي البيوت | |
| غير المسكونة, التي لا متاع فيها للإنسان. | |
" ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم والله | |
| يعلم ما تبدون وما تكتمون " | |
وأما البيوت التي ليس فيها أهلها, وفيها متاع الإنسان المحتاج للدخول | |
| إليه, وليس فيها أحد يتمكن من استئذانه, وذلك كبيوت الكراء وغيرها, فقد ذكرها | |
| بقوله: " لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ " أي: حرج | |
| وإثم, دل على أن الدخول من غير استئذان في البيوت السابقة, أنه محرم, وفيه حرج " أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ | |
| لَكُمْ " وهذا من احترازات القرآن العجيبة, فإن قوله " | |
| لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ " لفظ عام في كل بيت ليس | |
| ملكا للإنسان, أخرج منه تعالى البيوت التي ليست ملكه, وفيها متاعه, وليس فيها مساكن, | |
| فأسقط الحرج في الدخول إليها. | |
| " وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ " | |
| أحوالكم الظاهرة والخفية, وعلم مصالحكم, فلذلك شرع لكم ما تحتاجون إليه | |
| وتضطرون, من الأحكام الشرعية. | |
" قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن | |
| الله خبير بما يصنعون " | |
أي: أرشد المؤمنين, وقل لهم, الذين معهم إيمان, يمنعهم من وقوع ما يخل | |
| بالإيمان: " يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ " عن | |
| النظر إلى العورات وإلى النساء الأجنبيات, وإلى المردان, الذين يخاف بالنظر إليهم | |
| الفتنة, وإلى زينة الدنيا التي تفتن, وتوقع في المحذور. | |
| " وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ " عن الوطء الحرام, | |
| في قبل أو دبر, أو ما دون ذلك, وعن التمكين من مسها, والنظر إليها. | |
| " ذَلِكَ " الحفظ للأبصار والفروج " أَزْكَى لَهُمْ " أطهر, وأطيب, وأنمى لأعمالهم, فإن | |
| من حفظ فرجه وبصره, طهر من الخبث الذي يتدنس به أهل الفواحش, وزكت أعماله, بسبب | |
| ترك المحرم, الذي تطمع إليه النفس وتدعو إليه. | |
| فمن ترك شيئا لله, عوضه الله خيرا منه, ومن غض بصره, أنار الله بصيرته ولأن العبد | |
| إذا حفظ فرجه وبصره عن الحرام ومقدماته, مع دواعي الشهوة, كان حفظه لغيره أبلغ, | |
| ولهذا سماه الله حفظا. | |
| فالشيء المحفوظ إن لم يجتهد حافظه في مراقبته وحفظه, وعمل الأسباب الموجبة لحفظه, | |
| لم ينحفظ. | |
| كذلك البصر والفرج, إن لم يجتهد العبد في حفظهما, أوقعاه في بلايا ومحن. | |
| وتأمل كيف أمر بحفظ الفرج مطلقا لأنه لا يباح في حالة من الأحوال وأما البصر فقال: | |
| " يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ " بأداة " من " الدالة على التبعيض. | |
| فإنه يجوز النظر في بعض الأحوال, لحاجة كنظر الشاهد والعامل والخاطب, ونحو ذلك. | |
| ثم ذكرهم بعلمه بأعمالهم, ليجتهدوا في حفظ أنفسهم من المحرمات. | |
" وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن | |
| إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو | |
| آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو | |
| بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال | |
| أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من | |
| زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون " | |
لما أمر المؤمنين بغض الأبصار, وحفظ الفروج, | |
| أمر المؤمنات بذلك فقال: " وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ | |
| مِنْ أَبْصَارِهِنَّ " عن النظر إلى العورات والرجال, بشهوة ونحو ذلك | |
| من النظر الممنوع. | |
| " وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ " من التمكن من | |
| جماعهن, أو مسهن, أو النظر المحرم إليهن. | |
| " وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ " كالثياب | |
| الجميلة والحلي, وجميع البدن كله من ال أكثر المصاحف تفاعلاً |