سورة العنكبوت - تفسير السعدي | |
| | |
" أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون " | |
يخبر تعالى, عن | |
| تمام حكمته, وأن حكمته, لا تقتضي أن كل من قال " إنه مؤمن " وادعى لنفسه | |
| الإيمان, أن يبقوا في حالة, يسلمون فيها من الفتن والمحن, ولا يعرض لهم, ما يشوش | |
| عليهم إيمانهم وفروعه. | |
| فإنهم لو كان الأمر كذلك, لم يتميز الصادق من الكاذب, والحق من المبطل, ولكن سنته | |
| تعالى وعادته في الأولين, وفي هذه الأمه, أن يبتليهم بالسراء والضراء, والعسر | |
| واليسر, والمنشط والمكره, والغنى والفقر, وإدالة الأعداء عليهم في بعض الأحيان, | |
| ومجاهدة الأعداء بالقول والعمل, ونحو ذلك من الفتن, التي ترجع كلها, إلى فتنة | |
| الشبهات المعارضة للعقيدة, والشهوات المعارضة للإرادة. | |
| فمن كان عند ورود الشبهات, يثبت إيمانه ولا يتزلزل, ويدفعها بما معه من الحق. | |
| وعند ورود الشهوات الموجبة والداعية إلى المعاصي والذنوب, أو الصارفة عن ما أمر | |
| اللّه به ورسوله, يعمل بمقتضى الإيمان, ويجاهد شهوته, دل ذلك على صدق إيمانه | |
| وصحته. | |
| ومن كان عند ورود الشبهات تؤثر في قلبه, شكا وريبا, وعند اعتراض الشهوات, تصرفه | |
| إلى المعاصي أو تصدفه عن الواجبات, دل ذلك على عدم صحة إيمانه وصدقه. | |
| والناس في هذا المقام: درجات, لا يحصيها إلا اللّه, فمستقل ومستكثر. | |
| فنسأل اللّه تعالى, أن يثبتنا بالقول الثابت, في الحياة الدنيا وفي الآخرة, وأن | |
| يثبت قلوبنا على دينه. | |
| فالابتلاء والامتحان للنفوس, بمنزلة الكير, يخرج خبثها, وطيبها. | |
" أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون " | |
أي: أحسب الذين همهم, فعل السيئات, وارتكاب الجنايات, أن أعمالهم | |
| ستهمل, وأن اللّه سيغفل عنهم, أو يفوتونه, فلذلك أقدموا عليها, وسهل عليهم عملها؟. | |
| " سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ " أي: ساء حكمهم, فإنه | |
| حكم جائر, لتضمنه إنكار قدرة اللّه وحكمته, وأن لديهم قدرة, يمتنعون بها من عقاب | |
| اللّه, وهم أضعف شيء وأعجزه. | |
" من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم | |
| " | |
يعني: يا أيها الحب لربه المشتاق لقربه ولقائه, المسارع في مرضاته, | |
| أبشر بقرب لقاء الحبيب, فإنه آت, وكل ما هو آت, قريب. | |
| فتزود للقائه, وسر نحوه, مستصحبا الرجاء, مؤملا الوصول إليه. | |
| ولكن, ما كل من يَدَّعِي يُعْطَى بدعواه, ولا كل من تمنى, يعطى ما تمناه, فإن | |
| اللّه سميع للأصوات, عليم بالنيات. | |
| فمن كان صادقا في ذلك, أناله ما يرجو, ومن كان كاذبا, لم تنفعه دعواه. | |
| وهو العليم بمن يصلح لحبه, ومن لا يصلح. | |
" ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين " | |
" | |
| وَمَنْ جَاهَدَ " نفسه وشيطانه, وعدوه | |
| الكافر, " فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ " لأن | |
| نفعه, راجع إليه, وثمرته, عائدة إليه. | |
| و " إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ " لم | |
| يأمرهم به, لينتفع به, ولا نهاهم عما نهاهم عنه, بُخْلًا منه عليهم. | |
| وقد علم أن الأوامر والنواهي, يحتاج المكلف فيها, إلى جهاد, لأن نفسه, تتثاقل | |
| بطبعها, عن الخير, وشيطانه ينهاه عنه, وعدوه الكافر يمنعه من إقامة دينه, كما | |
| ينبغي. | |
| وكل هذه, معارضات, تحتاج إلى مجاهدات وسعي شديد. | |
" والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم | |
| أحسن الذي كانوا يعملون " | |
يعني أن الذين منَّ اللّه عليهم بالإيمان والعمل الصالح, سيكفر اللّه | |
| عنهم سيئاتهم, لأن الحسنات يذهبن السيئات. | |
| " وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ | |
| " وهي أعمال الخير, من واجبات, ومستحبات, فهي أحسن ما يعمل العبد, | |
| لأنه يعمل المباحات أيضا, وغيرها. | |
" ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به | |
| علم فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون " | |
أي: وأمرنا الإنسان, ووصيناه بوالديه حسنا, أي: ببرهما, الإحسان | |
| إليهما, بالقول والعمل, وأن يحافظ على ذلك, ولا يعقهما, ويسيء إليها, في قوله | |
| وعمله. | |
| " وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ | |
| عِلْمٌ " , وليس لأحد علم بصحة الشرك باللّه, وهذا تعظيم لأمر الشرك. | |
| " فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ | |
| بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ " فأجازيكم بأعمالكم. | |
| فبروا والديكم وقدموا طاعتهما, إلا على طاعة اللّه ورسوله, فإنها مقدمة على كل | |
| شيء. | |
" والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين " | |
أي: من آمن باللّه, وعمل صالحا, فإن اللّه | |
| وعده, أن يدخله الجنة في جملة عباد اللّه الصالحين, مى النبيين, والصديقين, | |
| والشهداء, والصالحين, كل على حسب درجته, ومرتبته عند اللّه. | |
| فالإيمان الصحيح, والعمل الصالح, عنوان على سعادة صاحبه, وأنه من أهل الرحمن, ومن | |
| الصالحين من عباد اللّه. | |
" ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس | |
| كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس الله بأعلم بما في صدور | |
| العالمين " | |
لما ذكر تعالى, أنه لا بد أن يمتحن من | |
| ادَّعى الإيمان, ليظهر الصادق من الكاذب, بيَّن تعالى, أن من الناس فريقا, لا صبر | |
| لهم على المحن, ولا ثبات لهم على بعض الزلازل فقال: " وَمِنَ | |
| النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ " بضرب, | |
| أو أخذ مال, أو تعيير, ليرتد عن دينه, وليراجع الباطل. | |
| " جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ " أي: | |
| يجعلها صادَّة له عن الإيمان, والثبات عليه, كما أن العذاب صادٌّ عما هو سببه. | |
| " وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا | |
| كُنَّا مَعَكُمْ " , لأنه موافق للهوى, فهذا الصنف من الناس من الذين | |
| قال اللّه فيهم,: " وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ | |
| عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ | |
| فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ | |
| الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ " . | |
| " أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ | |
| الْعَالَمِينَ " حيث أخبركم بهذا الفريق, الذي حاله كما وصف لكم, | |
| فتعرفون بذلك, كمال علمه, وسعة حكمته. | |
" وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين " | |
" وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ | |
| الْمُنَافِقِينَ " أي: فلذلك قَدَّرَ مِحَنًا | |
| وابتلاء, ليظهر علمه فيهم, فيجازيهم بما ظهر منهم, لا بما يعلمه بمجرده, لأنهم قد | |
| يحتجون على اللّه, أنهم لو اْبتُلُوا, لَثَبتُوا. | |
" وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما | |
| هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون " | |
يخبر تعالى عن افتراء الكفار ودعوتهم للمؤمنين إلى دينهم, وفي ضمن ذلك, | |
| تحذير المؤمنين, من الاغترار بهم, والوقوع في مكرهم فقال: " | |
| وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا " فاتركوا | |
| دينكم أو بعضه, واتبعونا في ديننا, فإننا نضمن لكم الأمر " | |
| وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ " . | |
| وهذا الأمر ليس بأيديهم, فلهذا قال: " وَمَا هُمْ | |
| بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ " لا قليل ولا كثير. | |
| فهذا التحمل, ولو رضي به صاحبه, فإنه لا يفيد شيئا, فإن الحق للّه واللّه تعالى, | |
| لم يمكن العبد من التصرف في حقه, إلا بأمره وحكمه, وحكمه " | |
| أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى " . | |
| ولما كان قوله " وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ | |
| مِنْ شَيْءٍ " قد يتوهم منه أيضا, أن الكفار الداعين إلى كفرهم - | |
| ونحوهم ممن دعا إلى باطله - ليس عليهم إلا ذنبهم, الذي ارتكبوه, دون الذنب الذي | |
| فعله غيرهم, ولو كانوا متسببين فيه, قال محترزا عن هذا الوهم: " | |
| وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ " | |
" وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما | |
| كانوا يفترون " | |
" وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ " أي: أثقال ذنوبهم التي عملوها " وَأَثْقَالًا مَعَ | |
| أَثْقَالِهِمْ " وهي الذنوب التي حصلت بسببهم, ومن جرائهم. | |
| فالذنب الذي فعله التابع, لكل من التابع والمتبوع, حصة منه حصلت هذا لأنه فعله | |
| وباشره. | |
| والمتبوع, لأنه تسبب في فعله ودعا إليه. | |
| كما أن الحسنة إذا فعلها التابع, له أجرها بالمباشرة وللداعي, أجره بالتسبب. | |
| " وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا | |
| يَفْتَرُونَ " من الشر وتزيينه, وقولهم " | |
| وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ " . | |
" ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما | |
| فأخذهم الطوفان وهم ظالمون " | |
يخبر تعالى, عن حكمه وحكمته, في عقوبات | |
| الأمم المكذبة, وأن اللّه أرسل عبده ورسوله, نوحا عليه السلام, إلى قومه, يدعوهم | |
| إلى التوحيد, وإفراد اللّه بالعبادة, والنهي عن الأنداد, والأصنام. | |
| " فَلَبِثَ فِيهِمْ " نبيا داعيا " | |
| أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا " , وهو لا يَنِي بدعوتهم, ولا | |
| يفتر في نصحهم, يدعوهم ليلا ونهارا وسرا وجهارا, فلم يرشدوا, ولا اهتدوا. | |
| بلى استمروا على كفرهم وطغيانهم, حتى دعا عليهم نبيهم نوح, عليه الصلاة والسلام مع | |
| شدة صبره, وحلمه, واحتماله فقال: " رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى | |
| الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا " . | |
| " فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ " أي: الماء الذي نزل | |
| من السماء بكثرة, ونبع من الأرض بشدة " وَهُمْ ظَالِمُونَ | |
| " مستحقون العذاب. | |
" فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين " | |
" فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ " الذين ركبوا معه, أهله ومن آمن به. | |
| " وَجَعَلْنَاهَا " أي: السفينة, أو قصة نوح " آيَةً لِلْعَالَمِينَ " يعتبرون بها, على أن من كذب | |
| الرسل, آخر أمره, الهلاك, وأن المؤمنين, سيجعل اللّه لهم, من كل هم فرجا, ومن كل | |
| ضيق, مخرجا. | |
| وجعل اللّه أيضا السفينة, أي: جنسها آية للعالمين, يعتبرون بها رحمة ربهم, الذي | |
| قيض لهم أسبابها, ويسر لهم أمرها, وجعلها تحملهم, وتحمل متاعهم, من محل إلى محل, | |
| ومن قطر إلى قطر. | |
" وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم | |
| تعلمون " | |
يذكر تعالى, أنه أرسل خليله, إبراهيم عليه السلام إلى قومه, يدعوهم إلى | |
| الله. | |
| فقال لهم: " اعْبُدُوا اللَّهَ " أي: وحِّدوه, | |
| وأخلصوا له العبادة, وامتثلوا ما أمركم به. | |
| " وَاتَّقُوهُ " أن يغضب عليكم, فيعذبكم, وذلك | |
| بترك ما يغضبه من المعاصي. | |
| " ذَلِكُمْ " أي: عبادة الله وتقواه " خَيْرٌ لَكُمْ " من ترك ذلك. | |
| وهذا من باب إطلاق " أفعل التفضيل " بما ليس في | |
| الطرف الآخر منه شيء. | |
| فإن ترك عبادة الله, وترك تقواه, لا خير فيه بوجه, وإنما كانت عبادة الله وتقواه, | |
| خيرا للناس, لأنه لا سبيل إلى نيل كرامته, في الدنيا والآخرة, إلا بذلك. | |
| وكل خير يوجد في الدنيا والآخرة, فإنه من آثار عبادة الله وتقواه. | |
| " إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ " ذلك, فاعلموا | |
| الأمور, وانظروا, ما هو أولى بالإيثار. | |
" إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون | |
| من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه | |
| ترجعون " | |
فلما أمرهم بعبادة الله وتقواه, نهاهم عن | |
| عبادة الأصنام, وبيَّن لهم نقصها, وعدم استحقاقها للعبودية فقال: " | |
| إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا " | |
| تنحتونها, وتخلقونها بأيديكم, وتخلقون لها أسماء الآلهة, وتختلقون الكذب, | |
| بالأمر بعبادتها, والتمسك بذلك. | |
| " إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ " في | |
| نقصه, وأنه ليس فيه ما يدعو إلى عبادته. | |
| " لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا " فكأنه قيل: | |
| قد بان لنا أن هذه الأوثان مخلوقة ناقصة, لا تملك نفعا ولا ضرا, ولا موتا ولا حياة | |
| ولا نشورا, وأن من هذا وصفه, لا يستحق أدنى أدنى أدنى مثقال مثقال مثقال ذرة, من | |
| العبادة والتأله. | |
| والقلوب لا بد أن تطلب معبودا تألهه, وتسأله حوائجها. | |
| فقال - حاثا لهم على من يستحق العبادة - " فَابْتَغُوا عِنْدَ | |
| اللَّهِ الرِّزْقَ " فإنه هو الميسر له, المقدر, المجيب لدعوة من دعاه | |
| لمصالح دينه ودنياه. | |
| " وَاعْبُدُوهُ " وحده, لا شريك له, لكونه الكامل | |
| النافع, الضار, المتفرد بالتدبير. | |
| " وَاشْكُرُوا لَهُ " وحده, لكون جميع ما وصل | |
| ويصل إلى الخلق, من النعم, فمنه. | |
| وجميع ما اندفع, ويندفع من النقم عنهم, فهو الدافع لها. | |
| " إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ " فيجازيكم على ما عملتم, | |
| وينبئكم بما أسررتم وأعلنتم. | |
| فاحذروا القدوم عليه, وأنتم على شرككم, وارغبوا فيما يقربكم إليه, ويثيبكم - عند | |
| القدوم - عليه. | |
" أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير | |
| " | |
" | |
| أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ " يوم القيامة " إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ | |
| " . | |
| كما قال تعالى: " وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ | |
| يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ " . | |
" قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة | |
| الآخرة إن الله على كل شيء قدير " | |
" قُلْ " لهم, إن حصل | |
| معهم ريب وشك في الابتداء: " سِيرُوا فِي الْأَرْضِ " بأبدانكم | |
| وقلوبكم " فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ " فإنكم | |
| ستجدون أمما من الآدميين, لا تزال توجد شيئا فشيئا, وتجدون النبات والأشجار, كيف | |
| تحدث, وقتا بعد وقت, وتجدون السحاب والرياح ونحوها, مستمرة في تجددها. | |
| بل الخلق دائما, في بدء وإعادة. | |
| فانظر إليهم وقت موتتهم الصغرى - النوم - وقد هجم عليهم الليل بظلامه, فسكنت منهم | |
| الحركات, وانقطعت منهم الأصوات, وصاروا في فرشهم ومأواهم, كالميتين. | |
| ثم إنهم لم يزالوا على ذلك, طول ليلهم, حتى تنفلق الأصباح, فانتبهوا من رقدتهم, | |
| وبعثوا من موتتهم, قائلين " الحمد للّه الذي أحيانا بعد ما | |
| أماتنا وإليه النشور " . | |
| ولهذا قال: " ثُمَّ اللَّهُ " بعد الإعارة " يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ " وهي النشأة لا | |
| تقبل موتا, ولا نوما, وإنما هو الخلود والدوام, في إحدى الدارين. | |
| " إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " فقدرته | |
| تعالى, لا يعجزها شيء, وكما قدر بها على ابتداء الخلق, فقدرته على الإعادة, من باب | |
| أولى وأحرى. | |
" يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون " | |
" يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ " أي: هو المنفرد بالحكم الجزائي, وهو: إثابة الطائعين, ورحمتهم, وتعذيب | |
| العاصين والتنكيل بهم. | |
| " وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ " أي: ترجعون إلى | |
| الدار, التي بها تجري عليكم أحكام عذابه ورحمته. | |
| فاكتسبوا في هذ الدار, ما هو من أسباب رحمته من الطاعات. | |
| وابتعدوا عن أسباب عذابه, وهي المعاصي. | |
" وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وما لكم من دون الله | |
| من ولي ولا نصير " | |
" | |
| وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ " أي: يا هؤلاء المكذبين, المتجرئين على المعاصي, لا تحسبوا أنه مغفول | |
| عنكم, أو أنكم معجزون للّه في الأرض, ولا في السماء. | |
| فلا تغرنكم قدرتكم, وما زينت لكم أنفسكم, وخدعتكم, من النجاة من عذاب الله فلستم | |
| بمعجزين الله, في جميع أقطار العالم. | |
| " وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ " يتولاكم, | |
| فيحصل لكم مصالح دينكم ودنياكم. | |
| " وَلَا نَصِيرٍ " ينصركم, فيدفع عنكم المكاره. | |
" والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك | |
| لهم عذاب أليم " | |
يخبر تعالى, من هم الذين زال عنهم الخير, | |
| وحصل لهم الشر. | |
| وأنهم الذين كفروا به وبرسله, وبما جاءوهم به, وكذبوا بلقاء اللّه. | |
| فليس عندهم, إلا الدنيا, فلذلك أقدموا, على ما أقدموا عليه, من الشرك والمعاصي, | |
| لأنه ليس في قلوبهم, ما يخوفهم من عاقبة ذلك, ولهذا قال: " | |
| أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي " أي: فلذلك لم يعلموا سببا واحدا, | |
| يحصلون به الرحمة. | |
| وإلا, فلو طمعوا في رحمته, لعملوا لذلك أعمالا. | |
| والإياس من رحمة اللّه, من أعظم المحاذير, وهو نوعان. | |
| إياس الكفار منها, وتركهم كل سبب يقربهم منها. | |
| وإياس العصاة, بسبب كثرة جناياتهم, أو حشتهم, فملكت قلوبهم, فأحدث لها الإياس. | |
| " وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " أي: مؤلم | |
| موجع. | |
| وكأن هذه الآيات, معترضات, بين كلام إبراهيم لقومه, وردهم عليه, واللّه أعلم بذلك. | |
" فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من | |
| النار إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون " | |
أي: فما كان مجاوبة قوم إبراهيم لإبراهيم, | |
| حين دعاهم إلى ربه, قبول دعوته, والاهتداء بنصحه, ورؤية نعمة اللّه عليهم بإرساله | |
| إليهم. | |
| وإنما كان مجاوبتهم له, شر مجاوبة. | |
| " قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ " أشنع | |
| القتلات, وهم أناس مقتدرون, لهم السلطان, فألقوه في النار " | |
| فَأَنْجَاهُ اللَّهُ " منها. | |
| " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ " فيعلمون | |
| صحة ما جاءت به الرسل, وبِرَّهُمْ ونصحهم, وبطلان قول من خالفهم, وناقضهم, وأن | |
| المعارضين للرسل, كأنهم تواصوا وحث بعضهم بعضا, على التكذيب. | |
" وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة | |
| الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من | |
| ناصرين " | |
" | |
| وَقَالَ " لهم إبراهيم في جملة ما قاله, من | |
| نصحه: " إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا | |
| مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا " . | |
| أي: غاية ذلك, مودة في الدنيا ستنقطع وتضمحل. | |
| " ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ | |
| وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا " أي: يتبرأ كل من العابدين | |
| والمعبودين, من الآخر " وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا | |
| لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ " . | |
| فكيف تتعلقون بمن يعلم أنه سيتبرأ, من عابديه, ويلعنهم؟. | |
| وأن " وَمَأْوَاكُمُ " جميعا, العابدين | |
| والمعبودين " النَّارَ " . | |
| وليس أحد, ينصركم من عذاب اللّه, ولا يدفع عنهم عقابه. | |
" فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم | |
| " | |
أي لم يزل إبراهيم عليه الصلاة والسلام, | |
| يدعو قومه, وهم مستمرون على عنادهم. | |
| إلا أنه آمن له بدعوته, لوط, الذي نبأءه اللّه, وأرسله إلى قومه كما سيأتي ذكره. | |
| " وَقَالَ " إبراهيم, حيى رأى أن دعوة قومه لا | |
| تفيدهم شيئا: " إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي " أي: | |
| هاجر أرض السوء, ومهاجر إلى الأرض المباركة, وهي الشام. | |
| " إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ " أي: الذي له القوة, | |
| وهو يقدر على هدايتكم. | |
| ولكنه " حَكِيمٌ " ما اقتضت حكمته ذلك. | |
| ولما اعتزلهم وفارقهم, وهم بحالهم, لم يذكر اللّه عنهم, أنه أهلكهم بعذاب. | |
| بل ذكر اعتزاله إياهم, وهجرته من بين أظهرهم. | |
| فأما ما يذكر في الإسرائيليات, أن اللّه تعالى فتح على قومه باب البعوض, فشرب | |
| دماءهم, وأكل لحومهم, وأتلفهم عن آخرهم, فهذا يتوقف الجزم به, على الدليل الشرعي, | |
| ولم يوجد. | |
| فلو كان اللّه استأصلهم بالعذاب, لذكره, كما ذكر إهلاك الأمم المكذبة. | |
| ولكن هل من أسرار ذلك, أن الخليل عليه السلام, من أرحم الخلق, وأفضلهم, وأحلمهم, | |
| وأجلهم, فلم يدع على قومه, كما دعا غيره, ولم يكن اللّه ليجري عليهم بسببه, عذابا | |
| عاما؟. | |
| ومما يدل على ذلك, أنه راجع الملائكة في إهلاك قوم لوط, وجادلهم, ودافع عنهم, وهم | |
| ليسوا قومه, واللّه أعلم بالحال. | |
" ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه | |
| أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين " | |
" | |
| وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ " أي: | |
| بعد ما هاجر إلى الشام " وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ | |
| النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ " . | |
| فلم يأت بعده نبي, إلا من ذريته, ولا نزل كتاب, إلا على ذريته, حتى ختموا بابنه, | |
| محمد صلى اللّه عليه وسلم, وعليهم أجمعين. | |
| وهذا من أعظم المناقب والمفاخر, أن تكون مواد الهداية والرحمة, والسعادة, والفلاح, | |
| والفوز, في ذريَّته, وعلى أيديهم, اهتدى المهتدون, وآمن المؤمنون, وصلح الصالحون: " وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا " من الزوجة | |
| الجميلة, فائقة الجمال, والرزق الواسع, والأولاد, الذين بهم قرت عينه, ومعرفة | |
| اللّه ومحبته, والإنابة إليه. | |
| " وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ " بل | |
| وهو, ومحمد صلى اللّه عليه وسلم, أفضل الصالحين على الإطلاق, وأعلاهم منزلة, فجمع | |
| اللّه له, بين سعادة الدنيا والآخرة. | |
" ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من | |
| العالمين " | |
تقدم أن لوطا عليه السلام, آمن لإبراهيم, | |
| وصار من المهتدين به. | |
| وقد ذكروا, أنه ليس من ذرية إبراهيم, وإنما هو ابن أخي إبراهيم. | |
| ققوله تعالى: " وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ | |
| وَالْكِتَابَ " وإن كان عاما, فلا يناقض كون لوط, نبيا رسولا, وهو ليس | |
| من ذريته, لأن الآية, جيء بها, لسياق المدح والثناء, على الخليل, وقد أخبر أن | |
| لوطا, اهتدى على يديه, ومن اهتدى على يديه أكمل ممن اهتدى من ذريته بالنسبة إلى | |
| فضيلة الهادي, واللّه أعلم. | |
| فأرسل اللّه لوطا إلى قومه, وكانوا مع شركهم, قد جمعوا بين فعل الفاحشة في الذكور, | |
| وقطع السبيل, وفشو المنكرات, في مجالسهم. | |
| فنصحهم لوط, عن هذه الأمور, وبيَّن لهم, قبائحها في نفسها, وما تئول إليه من | |
| العقوبة البليغة, فلم يرعووا, ولم يذكروا. | |
| " فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا | |
| بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ " . | |
| فأيس منهم نبيهم, وعلم استحقاقهم العذاب, وجزع من شدة تكذيبهم له, فدعا عليهم و " قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ " فاستجاب | |
| اللّه دعاءه, فأرسل الملائكة لإهلاكهم. | |
| فمروا بإبراهيم قبل ذلك, وبشروه بإسحق, ومن وراء إسحق يعقوب. | |
| ثم سألهم إبراهيم أين يريدون؟ فأخبروه أنهم يريدون إهلاك قوم لوط. | |
| فجعل يراجعهم, ويقول " إِنَّ فِيهَا لُوطًا " . | |
| فقالوا له: " لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ | |
| كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ " ثم مضوا حتى أتوا لوطا. | |
| فساءه مجيئهم, وضاق بهم ذرعا, بحيث إنه لم يعرفهم, وظن أنهم من جملة الضيوف, أبناء | |
| السبيل, فخاف عليهم من قومه, فقالوا له: " لَا تَخَفْ وَلَا | |
| تَحْزَنْ " وأخبروه أنهم رسل اللّه. | |
| " إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ | |
| مِنَ الْغَابِرِينَ إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا | |
| " أي: عذابا " مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا | |
| يَفْسُقُونَ " فأمروه أن يسري بأهله ليلا. | |
| فلما أصبحوا, قلب اللّه عليهم ديارهم, فجعل عاليها سافلها, وأمطر عليهم حجارة من | |
| سجيل متتابعة حتى أبادتهم وأهلكتهم, فصاروا سَمَرًا من الأسمار, وعبرة من العبر. | |
" ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون " | |
" | |
| وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ " أي: تركنا من ديار قوم لوط, آثارا بينة لقوم يعقلون العبر بقلوبهم, | |
| فينتفعون بها. | |
| كما قال تعالى: " وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ | |
| مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ " . | |
" وإلى مدين أخاهم شعيبا فقال يا قوم اعبدوا الله وارجوا اليوم | |
| الآخر ولا تعثوا في الأرض مفسدين " | |
أي وأرسلنا " وَإِلَى | |
| مَدْيَنَ " القبيلة المعروفة المشهورة " | |
| أَخَاهُمْ شُعَيْبًا " الذي أمرهم بعبادة اللّه وحده لا شريك له, | |
| والإيمان بالبعث ورجائه, والعمل له, ونهاهم عن الإفساد في الأرض, ببخس المكاييل | |
| والموازين, والسعي بقطع الطرق. | |
" فكذبوه فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين " | |
" فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ " أي عذاب اللّه " فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ | |
| جَاثِمِينَ " . | |
" وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم | |
| فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين " | |
أي: وكذلك ما فعلنا بعاد وثمود, وقد علمت | |
| قصتهم, وتبين لكم بشيء تشاهدونه بأبصاركم من مساكنهم, وآثارهم, التي بانوا عنها. | |
| وقد جاءتهم رسلهم بالآيات البينات, المفيدة للبصيرة فكذبوهم, وجادلوهم. | |
| " وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ " حتى | |
| ظنوا أنها أفضل, مما جاءتهم به الرسل. | |
" وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في | |
| الأرض وما كانوا سابقين " | |
وكذلك قارون, وفرعون, وهامان, حين بعث اللّه | |
| إليهم موسى ابن عمران; بالآيات البينات; والبراهين الساطعات, فلم ينقادوا, | |
| واستكبروا في الأرض, على عباد اللّه, فأذلوهم, وعلى الحق, فردوه, فلم يقدروا على | |
| النجاء, حين نزلت بهم العقوبة. | |
| " وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ " اللّه, ولا فائتين, | |
| بل سلموا واستسلموا. | |
" فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته | |
| الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا | |
| أنفسهم يظلمون " | |
" فَكُلَا " من هؤلاء | |
| الأمم المكذبة " أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ " على | |
| قدره, وبعقوبة مناسبة له. | |
| " فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا " أي: | |
| عذابا يحصبهم, كقوم عاد, حين أرسل اللّه عليهم الريح العقيم, و " | |
| سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى | |
| الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ " . | |
| " وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ " كقوم | |
| صالح, " وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ " كقارون. | |
| " وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا " كفرعون وهامان, | |
| وجنودهما. | |
| " وَمَا كَانَ اللَّهُ " أي: ما ينبغي ولا يليق | |
| به " لِيَظْلِمَهُمْ " لكمال عدله, وغناه التام, | |
| عن جميع الخلق " وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ | |
| " منعوها حقها, الذي هي بصدده, فإنها مخلوقة لعبادة اللّه وحده. | |
| فهؤلاء, وضعوها في غير موضعها, وشغلوها, بالشهوات والمعاصي, فضروها غاية الضرر, من | |
| حيث ظنوا, أنهم ينفعونها. | |
" مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا | |
| وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون " | |
هذا مثل ضربه اللّه, لمن عبد معه غيره, يقصد به التعزز والتَّقَوِّي; | |
| والنفع; وأن الأمر بخلاف مقصوده; فإن مثله; كمثل العنكبوت; اتخذت بيتا, يقيها من | |
| الحر, والبرد, والآفات. | |
| " وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ " أي: أضعفها | |
| وأوهاها " لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ " . | |
| فالعنكبوت من الحيوانات الضعيفة, وبيتها, من أضعف البيوت فما ازدادت باتخاذه, إلا | |
| ضعفا. | |
| كذلك هؤلاء, الذين يتخذون من دونه أولياء, فقراء, عاجزون, من جميع الوجوه. | |
| وحين اتخذوا الأولياء من دونه, يتعززون بهم, ويستنصرونهم, ازدادوا ضعفا إلى ضعفهم, | |
| ووهنا إلى وهنهم. | |
| فإن اتكلوا عليهم, في كثير من مصالحهم, وألقوها عليهم, تخلوا هم عنها. | |
| على أن أولئك سيقومون بها. | |
| فخذلوهم, فلم يحصلوا منهم على طائل, ولا أنالوهم من معونتهم, أقل نائل. | |
| فلو كانوا يعلمون حقيقة العلم, حالهم, وحال من اتخذوهم, لم يتخذوهم, ولتبرأوا | |
| منهم, ولتولوا الرب القادر الرحيم, الذي إذا تولاه عبده وتوكل عليه, كفاه مئونة | |
| دينه ودنياه, وازداد قوة إلى قوته, في قلبه وبدنه وحاله وأعماله. | |
| ولما بين نهاية ضعف آلهة المشركين, ارتقى من هذا, إلى ما هو أبلغ منه, وأنها ليست | |
| بشيء, بل هي مجرد أسماء سموها, وظنون اعتقدوها. | |
| وعند التحقيق, يتبين للعاقل بطلانها وعدمها, ولهذا قال: | |
" إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم " | |
" إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ | |
| شَيْءٍ " أي: إنه تعالى يعلم - وهو عالم | |
| الغيب والشهادة - أنهم ما يدعون من دون اللّه شيئا موجودا, ولا إلها له حقيقة, | |
| كقوله تعالى " إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا | |
| أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ " . | |
| وقوله " وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ | |
| اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ " . | |
| " وَهُوَ الْعَزِيزُ " الذي له القوة جميعا, الذي | |
| قهر بها جميع الخلق. | |
| " الْحَكِيمُ " الذي يضع الأشياء مواضعها, الذي | |
| أحسن كل شيء خلقه, وأتقن ما أمره. | |
" وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون " | |
" | |
| وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ " أي: لأجلهم ولانتفاعهم وتعليمهم لكونها من الطرق الموضحة للعلوم, لأنها | |
| تقرب الأمور المعقولة, بالأمور المحسوسة, فيتضح المعنى المطلوب بسببها, فهي مصلحة | |
| لعموم الناس. | |
| ولكن " وَمَا يَعْقِلُهَا " بفهمها وتدبرها, وتطبيقها | |
| على ما ضربت له, وعقلها في القلب. | |
| " إِلَّا الْعَالِمُونَ " أي: إلا أهل العلم | |
| ا أكثر المصاحف تفاعلاً |